کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مولد اللعاب و تحته فوهتان تفضيان إلى هذا اللحم تسميان بساكبي اللعاب بهما تنسكب الرطوبة و الرضاب 11248 من اللحم الغددي إلى اللسان و الفم و تحته أيضا عرقان كبيران أخضران تسميان الصردان.
و هو ذو شفتين طولا و لكنهما في غشاء واحد متصل بغشاء الفم و المريء و المعدة إلا في بعض الحيوانات كالحية فإن شفتي لسانها ليسا في غشاء واحد و لهذا يظهران و على جرم اللسان عصبة منبثة هي محل القوة الذائقة للطعوم بتوسط الأجسام المماسة المخالطة للرطوبة اللعابية المستحيلة إلى طعم الوارد و محليتها له من جهة ما هو وراءها من جوهر الروح.
و على اللسان زائدتان نابتتان إلى فوق كأنهما أذنان صغيرتان تسميان باللوزتين و جوهرهما لحم عصباني غليظ كالغدة و منفعتهما مثل منفعة اللهاة و يأتي ذكرها و إنما خلق اللسان ليكون آلة تقطيع الصوت و إخراج الحروف و تبيينها و آلة تقليب الممضوغ كالمجرفة و آلة تمييز المذوق و أعدلها في الطول و العرض أقدر على الكلام من عظيمها جدا أو من الصغير المتشنج.
الفصل الثالث في الحلق و الحنجرة و سائر آلات الصوت
فبيان هيئاتها أن أقصى الفم يفضي إلى مجريين أحدهما من قدام و هو الحلقوم و يسميه المشرحون قصبة الرئة فيها و منها منفذ الريح التي تدخل و تخرج بالتنفس و الآخر موضوع من خلف ناحية القفار على خرز العنق و يسمى المريء و فيه ينفذ الطعام و الشراب و يخرج القيء و سيأتي شرحهما.
و الحنجرة مؤلفة من ثلاثة غضاريف أحدها من قدام و هو الذي يظهر تحت الذقن قدام الحلق و هو محدب الظاهر مقعر الباطن و الثاني من خلف
بانضمامهما يضيق الحنجرة عند السكوت و يتباعد أحدهما عن الآخر و يتسع عند الكلام و الثالث مثل مكبة بينه و بين الذي من خلف مفصل يلتئم بزائدتين من ذلك تتهندمان 11249 في فقرتين منه و يرتبط هناك برباطات و هو يتحرك بهذا المفصل و بانكبابه عليهما تنغلق الحنجرة و بتجافيه عنهما تنفتح.
و الحاجة إلى انغلاق الحنجرة عند الأكل و الشرب شديدة جدا لئلا يقع أو ينقطر في قصبة الرئة شيء من المأكول و المشروب و ذلك لأن قصبة الرئة و المريء متجاوران متلاصقان مربوط أحدهما بالآخر و عند انغلاق الحنجرة يمر الطعام و الشراب على ظهر الغضروف المكبي و ينزل في المريء و إذا انفتحت الحنجرة على غفلة من الإنسان بأن يبتلع و يتصوت أو يتنفس في حالة واحدة ربما وقع شيء من المأكول و المشروب في قصبة الرئة فتحدث فيها دغدغة و حالة مؤذية شبيهة بما يحدث في الأنف عند اجتلاب العطاس بإدخال شيء فيه فتستقبله القوة الدافعة لدفعه فيورث السعال إلى أن يندفع قل أم كثر لأن القصبة إنما تنتهي إلى الرئة و ليس لها منفذ من أسفلها يندفع فيها فأنعم الخالق سبحانه بتأليف الحنجرة من هذه الغضاريف على هذا الشكل ليغلق بها عند الأكل و الشرب منفذ الصوت و التنفس فيسلم الإنسان و يتخلص من السعال المغلق و لهذا لا يجمع الازدراد و التنفس معا في حالة واحدة.
و في داخل الحنجرة رطوبة لزجة دهنية تملسها و ترطبها دائما ليخرج الصوت صافيا حسنا و لهذا ما يذهب أصوات المحمومين الذين تحترق رطوبات حناجرهم بسبب حمياتهم المحرقة و يذهب أيضا أو يضعف أو يتغير أصوات المسافرين في الفيافي المحترقة 11250 و كذلك كل من تكلم كثيرا تجف حنجرته فلا يقدر على التكلم إلا بعد أن يرطب حلقه أو يبلع ريقه و الفائدة في دهنيتها أن لا يجف بالسرعة و لا يفنى و أن تسلس بها حركات الحنجرة.
و في أعلى الحنجرة عضو لحمي معلق يسمى باللهاة يتلقى ما شأنه النفوذ في الحنجرة من خارج مثل برد الهواء و حره و حدة الدخان و مضرته فيمنع نفوذها دفعة ليتدرج وصولها إلى الرئة و يتلقى أيضا ما شأنه الصعود من داخل مثل قرع الصوت الصاعد من الحنجرة و بالجملة هي كالباب المرصد على مخرج الصوت تقديره فلا يندفع دفعة و لا ينقطع مدده جملة فيزداد بذلك قوة الصوت و يتصل بذلك مدده.
و كذلك اللوزتان المشار إليهما فيما سبق فإنهما يعاونانها في ذلك و تحتها لحم صفاقي لاصق بالحنك يسمى بالغلصمة يصفي ما قد يقرب الهواء من كدورة الغبار و الدخان لئلا يصل شيء منها إلى الحنجرة و الرئة فهي كالمفزعة لآلات الصوت و الحنك كالقبة يطن فيها الصوت فهذه جملة آلات الصوت.
و الصوت إنما يكون من النفس و أصله دوي في قصبة الرئة و إنما يصير صوتا عند طرف القصبة المسمى رأس المزمار و هو أشرف آلاته بل هو بالحقيقة آلته و الباقي من المعينات و المتمات 11251 و إنما سمي بذلك لتضايقه ثم اتساعه عند الحنجرة فيبتدئ من سعة إلى ضيق ثم إلى فضاء أوسع كما في المزمار إذ لا بد للصوت من ضيق ليحبس الدوي و يقدره و لا بد أيضا من الانضمام و الانفتاح ليحصل بهما قرع الصوت.
و اللهاة تقوم مقام إصبع المزمار و الغلصمة مثل الشيء الذي يسد به رأس المزمار و عضلات آلات الصوت كثيرة حسب حركاتها المحتاج إليها في هذا الموضع فيكون من ضروب أشكالها ضروب الأصوات و عند الحنجرة من قدام عظم هو منشأ رباطات عضلاتها و للعظم أيضا عضلات تمسك بها غير عضلات الحنجرة.
و اعلم أنه لما لم يكن غذاء الإنسان طبيعيا و لا لباسه طبيعيا بل يحتاج في ذلك و أمثاله إلى صنائع كثيرة و آلات مختلفة قلما يحصل بإلهام أو وحي بل لا يستحفظ وجوده البقائي إلا بتعليم و تعلم مفتقر إلى طلب و نهي و وعد و وعيد و ترغيب و تخويف و تعجيل و تأجيل و غيرها من إعلان مكنونات الضمائر و إعلام مستورات البواطن
فلهذه الأسباب و غيرها صار من بين الحيوانات أحوج إلى الاقتدار على أن يعلم غيره من المتشاركين في التعيش و نظام التمدن ما في نفسه بعلامة وضعية و لا يصلح لذلك شيء أخف من الصوت أو الإشارة و الأول أولى لأنه مع خفة مئونته لوجود النفس الضروري المنشعب بالتقاطيع إلى حروف مهيأة بالتأليف لهيئات تركيبية غير محصورة بلا تجشم تحريكات كثيرة كما في الإشارة لا يختص إشعاره بالقرب و الحاضر بل يشمل هدايته لهما و لغيرهما من البعيد و الغائب و يشمل أيضا الصور و المعاني و المحسوس و المعقول فلذلك أنعم الله سبحانه عليه بذلك.
الفصل الرابع في العنق و الصلب و الأضلاع.
أما العنق و الصلب فمخلوقتان من الفقرات و الفقرة عظم مدور في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع و إنما خلقت لتكون وقاية للنخاع و دعامة للبدن و نسبتها إلى النخاع كنسبة القحف إلى الدماغ و هي ثلاثون عددا سبع للعنق و اثنا عشر للظهر و ربما زادت أو نقصت واحدة منها في الندرة و الزيادة أندر و خمس للقطن 11252 و ثلاث للعجز و هما كالقاعدة للصلب و ثلاث للعصعص و إنما خلقت صلبة ليكون للإنسان استقلال به و قوام و تمكن من الحركات إلى الجهات و لذلك جعلت المفاصل بينهما لا سلسلة فيوهن القوام و لا موثقة فيمنع الانعطاف.
و منها ما لها زوائد من فوق و من أسفل بها ينتظم الاتصال بينهما اتصالا مفصليا بنقر 11253 في بعضها و رءوس لقمية في بعض و لبعضها زوائد من نوع آخر عريضة صلبة موضوعة على طولها للوقاية و الجنة و المقارنة لما يصاك و لأن ينتسج عليها رباطات.
فما كان منها موضوعا إلى خلف يسمى شوكا و سناسن 11254 و ما كان يمنة و يسرة يسمى أجنحة و لكل جناح مما يلي الأضلاع نقرتان و لكل ضلع زائدتان محدبتان تتهندم الزائدة في النقرة و ترتبط برباطات قوية و للفقرات غير الثقبة المتوسطة ثقب أخرى تخرج منها الأعصاب و تدخل فيها العروق.
و العنق و فقراته وقاية للمريء و قصبة الرئة و لما كانت فقراته محمولة على ما تحتها من الصلب وجب أن يكون أصغر و لما كانت مسلكا لأصل النخاع و أوله الذي يجب أن يكون أغلظ و أعظم مثل أول النهر وجب أن يكون الثقب الوسطاني منها أوسع و الصغر و سعة التجويف مما يرفق جرمها و يوهنه فالخالق سبحانه تدارك ذلك بأن خصها بزيادة صلابة و حرز ليس لما تحتها و جعل سناسنها أصغر ليكون أخف عليها ثم تدارك صغر سناسنها بكبر أجنحتها و جعلها ذوات رأسين.
و لما كان أكثر منافع العنق في حركاته جعل مفاصله سلسة و لم يجعل زوائدها المفصلية كثيرة كزوائد ما تحتها لتكون حركاته أسرع و تدارك تلك السلاسة بأعصاب و عضلات كثيرة محيطة به و جعل أيضا مسالك الأعصاب التي تتفرع عن النخاع مشتركة من فقرتين لئلا يقع ثقبة تامة من فقرة واحدة فتوهنها.
و الصلب و فقراته وقاية و جنة للأعضاء الشريفة الموضوعة قدامه و لذلك خلق له شوك و سناسن و هو مبني لجملة عظام البدن مثل الخشبة التي تهيأ في نجر السفينة أولا ثم يركز فيها و يربط بها سائر الخشب و لذلك خلق صلبا و هو كشيء واحد مخصوص بأفضل الأشكال و هو المستدير إذ هذا الشكل أبعد الأشكال عن قبول آفات الصادمات و لما كان الصلب قد يحتاج إلى حركة الانثناء و الانحناء نحو الجانبين و ذلك بأن يزول الوسط إلى ضد الجهة و يميل ما فوقه و ما تحته عن نحو تلك الجهة و كان طرفي 11255 الصلب يميلان إلى الالتقاء لم يخلق للفقرة التي هي الوسط في الطول و هي
العاشرة لقم بل نقر ثم جعلت اللقم السفلانية و الفوقانية متجهة إليها أما الفوقانية فنازلة و أما السفلانية فصاعدة ليسهل زوالها إلى ضد جهة الميل و يكون للفوقانية أن تنجذب إلى أسفل و للسفلانية أن تنجذب إلى فوق.
و أما النخاع فهو جسم أبيض لين دسم دماغي منشؤه مؤخر الدماغ كما أشرنا إليه و هو خليفته ليتوزع منه الأعصاب و العضلات على الأعضاء ليفيدها الحس و الحركة فجملة ما ينشأ منه أحد و ثلاثون زوجا من العصب و فرد لا مقابل له فالزوج الأول يخرج من الثقب الذي في الفقرة الأولى من فقار العنق و يصعد حتى يتفرق في عضل الرأس و الثاني يخرج مما بين الثقب الملتئم فيما بين الفقرة الأولى و الثانية و يتصل بجلدة الرأس فيعطيها حس اللمس و بعضل العنق و عضل الخد فيعطيهما الحركة.
و الزوج الثالث مخرجه من الثقب الملتئمة فيما بين الفقرة الثانية و الثالثة و ينقسم قسمين فبعضه يصير إلى العضل المحرك للخد و بعضه يتفرق في العضل الذي بين الكتفين.
و الرابع منشؤه ما بين الفقرة الثالثة و الرابعة و ينقسم قسمين أحدهما في العضل الذي في الظهر و الآخر يأخذ إلى قدام و يتفرق في العضل الموضوع بحذائه و فوقه.
و الخامس يخرج فيما بين الفقرة الرابعة و الخامسة و ينقسم أقساما بعضها يصير إلى الحجاب و بعضها إلى العضل الذي يحرك الرأس و الرقبة و بعضها إلى عضل الكتف.
و السادس و السابع و الثامن تخرج ما بين الخامسة و السادسة و السابعة و الثامنة و ينقسم بعضها في عضل الرأس و الرقبة و بعضها في عضل الصلب و الحجاب ما خلا الثامن فإنه لا يأتي بالحجاب منه شيء و بعضها يصير إلى العضد و إلى الذراع و إلى الكتف فيتصل من السادس بعضه بعضل الكتف و يحرك العضد و بعضه بعضل أعالي العضد و ينيله الحس و من السابع بعضه يصير إلى العضل الذي من العضد و به حركة الذراع و بعضه تفرق في جلد العضد الباقي و ينيله الحس و بعض من الثامن ينبت
في جلدة الذراع فيعطيها الحس و بعضه يصير في عضل الذراع و يحرك الكف.
و الزوج التاسع يخرج ما بين الفقرة الثامنة و التاسعة و هما أول فقار الظهر و ينقسم بعضه في العضل الذي فيما بين الأضلاع و بعضه في عضل الصلب و بعضه ينزل إلى الكعب و ينبث فيه فينيله الحس و بعض الحركة.
و العاشر يخرج ما بين الفقرة التاسعة و العاشرة و يصير منه جزء إلى جلد العضد فيعطيه الحس و باقيه ينقسم فيأخذ منه قسم إلى قدام فيتفرق في العضل الذي على البطن و بعضها يتفرق في عضل الظهر و الكتف و على نحو هذا يكون خروج العصب و تفرقه إلى الزوج التاسع عشر.
و الزوج العشرون يخرج مما بين الفقرة التاسع عشر و العشرين و هي أول فقرات القطن و على هذا القياس إلى أن تخرج خمسة أزواج من بين هذه الفقار و يصير بعضها في القدام فيتفرق في العضل الذي على القطن و يتفرق بعضها في العضل الذي على المتن و يخالط الثلاثة الأزواج العليائية عصب ينحدر من الدماغ و الزوجان اللذان تحت هذه الثلاثة الأزواج ينحدر منها شعب كبار إلى الساق حتى يبلغ طرف القدم و ثلاثة أزواج تخرج من فقرات العجز و تخالط القطنية و تنحدر منها إلى الساق و تتفرق في العضلات التي هناك و ثلاثة تخرج من نخاع العصعص مشتركة المخارج كالعنقية و فرد من آخره إذ الفقرة الأخيرة منه لا ثقبة فيها غير الوسطانية و كلها ينبث في القضيب و في عضل المقعدة و المثانة و الرحم و في غشاء البطن أو في العضل الموضوع بقرب هذه المواضع.