کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
يكون فإن كان الأول كانت مركبة لأن هناك تلك الماهية مع تلك الوحدة و كلامنا ليس في المركبات بل في مبادئها و إن كان الثاني كان مجرد وحدات و هي لا بد و أن تكون مستقلة بأنفسها و إلا لكانت مفتقرة إلى الغير فيكون ذلك الغير أقدم منها و كلامنا في المبادئ المطلقة و هذا خلف فإذن الوحدات أمور قائمة بأنفسها فإن عرض الوضع للوحدة صارت نقطة و إن اجتمعت نقطتان حصل الخط فإن اجتمع خطان حصل السطح فإن اجتمع سطحان حصل الجسم فظهر أن مبدأ الأجسام الوحدات و نقل أيضا عنه أن الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات غير مستفادة من الغير و هو الذي لا تقابلها الكثرة و هو المبدأ الأول و إلى وحدة مستفادة من الغير و هي مبدأ الكثرة و ليست بداخلة فيها بل يقابلها الكثرة ثم يتألف منها الأعداد و هي مبادئ الموجودات و إنما اختلف 6814 الموجودات في طبائعها لاختلاف الأعداد بخواصها.
الرابع أن يكون العالم قديم الصفات محدث الذات و هو محال لم يقل به أحد لقضاء الضرورة ببطلانه و أما جالينوس فإنه كان متوقفا في الكل انتهى.
و إنما أوردنا هذه المذاهب السخيفة ليعلم أن أساطين الحكماء تمسكوا بهذه الخرافات و تفوهوا بها و يتبعهم أصحابهم و يعظمونهم و إذا سمعوا من أصحاب الشريعة شيئا مما أخذوه من كتاب الله و كلام سيد المرسلين و الأئمة الراشدين ع ينكرون و يستهزءون قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 6815 .
و قال المحقق الدواني في أنموذجه و قد خالف في الحدوث الفلاسفة أهل الملل الثلاث فإن أهلها مجمعون على حدوثه بل لم يشذ من الحكم بحدوثه من أهل الملل مطلقا إلا بعض المجوس و أما الفلاسفة فالمشهور أنهم مجمعون على قدمه على التفصيل الآتي و نقل عن أفلاطون القول بحدوثه و قد أوله بعضهم بالحدوث الذاتي ثم قال فنقول ذهب أهل الملل الثلاث إلى أن العالم ما سوى الله تعالى و صفاته من الجواهر و الأعراض حادث أي كائن بعد أن لم يكن بعدية حقيقة لا بالذات فقط بمعنى أنها في حد ذاتها لا تستحق الوجود فوجودها متأخر عن عدمها بحسب الذات كما تقوله الفلاسفة و يسمونه الحدوث الذاتي على ما في تقرير هذا الحدوث على وجه يظهر به تأخر الوجود عن العدم من بحث دقيق أوردناه في حاشية شرح التجريد. و ذهب جمهور الفلاسفة إلى أن العقول و الأجرام الفلكية و نفوسها قديمة و مطلق حركاتها و أوضاعها و تخيلاتها أيضا قديمة فإنها لم تخل قط عن حركة و وضع و تخيل لجزئيات الحركة و بعضهم يثبتون لها بسبب استخراج الأوضاع الممكنة من القوة إلى الفعل و حدوث مناسبة لها بمبدئها الكامل من جميع الوجوه كمالات تفيض على نفوسها من المبادئ لكن محققيهم على ما ذكره أبو نصر و أبو علي في تعليقاتهما نقلا عن أرسطاطاليس ذهبوا إلى أن المطلوب لها نفس الحركة و بها يتم التشبه بمبادئها فإنها بالفعل من حيث الذات و سائر الصفات إلا ما يتعلق بالحركة من الأوضاع الجزئية فإنها لا تحتمل الثبات بالشخص فاستحفظ نوعها تتميما للتشبه بالمبادئ التي هي بالفعل من جميع الوجوه و لما كان التشبه لازما للحركة جعلها الغاية المطلوبة باعتبار اللازم
و العنصريات بموادها و مطلق صورها الجسمية و النوعية و مطلق أعراضها قديمة عندهم لأن مذهبهم أنه بالفك تنعدم الصورة الواحدة و تحدث الاثنتان و باتصال المنفصل تنعدم الاثنتان و تحدث واحدة نعم الإشراقيون منهم على بقاء الصورة الجسمية مع طريان الانفصال و الاتصال و أما النفوس الناطقة الإنسانية فبعضهم قائل بقدمها و ربما ينقل عن أفلاطون و هذا مخالف لما ينقل عنه من حدوث العالم و المشاءون منهم و معظم من عداهم على حدوثها و قال نحوا من ذلك في كتاب شرح العقائد العضدية و قال فيه المتبادر من الحدوث الوجود بعد أن لم يكن بعدية زمانية و الحدوث الذاتي مجرد اصطلاح من الفلاسفة و قال و المخالف في هذا الحكم الفلاسفة فإن أرسطاطاليس و أتباعه ذهبوا إلى قدم العقول و النفوس الفلكية و الأجسام الفلكية بموادها و صورها الجسمية و النوعية و أشكالها و أضوائها و العنصريات بموادها و مطلق صورها الجسمية لا أشخاصها و صورها النوعية قيل بجنسها فإن صور خصوصيات أنواعها لا يجب أن تكون قديمة و الظاهر من كلامهم قدمها بأنواعها ثم قال و نقل عن جالينوس التوقف و لذلك لم يعد من الفلاسفة لتوقفه فيما هو من أصول الحكمة عندهم انتهى.
و لنكتف بما أوردنا من كلام القوم في ذلك و إيراد جميعها أو أكثرها يوجب تطويلا بلا طائل و يستنبط مما أوردنا أحد الدلائل على الحدوث فإنه ثبت بنقل المخالف و المؤالف اتفاق جميع أرباب الملل مع تباين أهوائهم و تضاد آرائهم على هذا الأمر و كلهم يدعون وصول ذلك عن صاحب الشرع إليهم و هذا مما يورث العلم العادي بكون ذلك صادرا عن صاحب الشريعة مأخوذا عنه و ليس هذا مثل سائر الإجماعات المنقولة التي لا يعلم المراد منها و تنتهي إلى واحد و تبعه الآخرون و لا يخفى الفرق بينهما على ذي مسكة من العقل و الإنصاف
المقصد الثالث في كيفية الاستدلال بما تقدم من النصوص
فأقول إذا أمعنت النظر فيما قدمناه و سلكت مسلك الإنصاف و نزلت عن مطية التعنت و الاعتساف حصل لك القطع من الآيات المتظافرة و الأخبار المتواترة الواردة بأساليب مختلفة و عبارات متفننة من اشتمالها على بيانات شافية و أدلة وافية بالحدوث بالمعنى الذي أسلفناه و من تتبع كلام العرب و موارد استعمالاتهم و كتب اللغة يعلم أن الإيجاد و الإحداث و الخلق و الفطر و الإبداع و الاختراع و الصنع و الإبداء لا تطلق إلا على الإيجاد بعد العدم.
قال المحقق الطوسي ره في شرح الإشارات إن أهل اللغة فسروا الفعل بإحداث شيء و قال أيضا الصنع إيجاد شيء مسبوق بالعدم و في اللغة الإبداع الإحداث و منه البدعة لمحدثات الأمور و فسروا الخلق بإبداع شيء بلا مثال سابق و قال ابن سينا في رسالة الحدود الإبداع اسم مشترك لمفهومين أحدهما تأييس شيء لا عن شيء و لا بواسطة شيء و المفهوم الثاني أن يكون للشيء وجود مطلق عن سبب بلا متوسط و له في ذاته أن يكون موجودا و قد أفقد الذي في ذاته إفقادا تاما.
و نقل في الملل و النحل عن ثاليس الملطي أنه قال الإبداع هو تأييس ما ليس بأيس فإذا كان مؤيس الأيسات فالتأييس لا من شيء متقادم انتهى.
و من تتبع الآيات و الأخبار لا يبقى له ريب في ذلك كقوله لا من شيء فيبطل الاختراع و لا لعلة فلا يصح الابتداع مع أنه قد وقع التصريح بالحدوث بالمعنى المعهود في أكثر النصوص المتقدمة بحيث لا يقبل التأويل و بانضمام الجميع بعضها مع بعض يحصل القطع بالمراد و لذا ورد أكثر المطالب الأصولية الاعتقادية كالمعاد الجسماني و إمامة أمير المؤمنين ع و أمثالهما في كلام صاحب الشريعة بعبارات مختلفة و أساليب شتى ليحصل الجزم بالمراد من جميعها مع أنها
اشتملت على أدلة مجملة من تأمل فيها يحصل له القطع بالمقصود أ لا ترى إلى قولهم ع في مواضع لو كان الكلام قديما لكان إلها ثانيا و قولهم و كيف يكون خالقا لمن لم يزل معه إشارة إلى أن الجعل لا يتصور للقديم لأن تأثير العلة إما إفاضة أصل الوجود و إما إفادة بقاء الوجود و استمرار الجعل الأول و الأول هي العلة الموجدة و الثاني هي المبقية و الموجود الدائمي محال أن تكون له علة موجدة كما تحكم به الفطرة السليمة سواء كان بالاختيار أو بالإيجاب لكن الأول أوضح و أظهر.
و مما ينبه عليه أن في الحوادث المشاهدة في الآن الأول تأثير العلة هو إفاضة أصل الوجود و في كل آن بعده من آنات زمان الوجود تأثير العلة هو إبقاء الوجود و استمرار الجعل الأول و لو كان ممكن دائمي الوجود فكل آن يفرض من آنات زمان وجوده الغير المتناهي في طرف الماضي فهو آن البقاء و استمرار الوجود و لا يتحقق آن إفاضة أصل الوجود فجميع زمان الوجود هو زمان البقاء و لا يتحقق آن و لا زمان للإيجاد و أصل الوجود قطعا 6816 .
فنقول في توجيه الملازمة في الخبر الأول لو كان الكلام الذي هو فعله تعالى قديما دائمي الوجود لزم أن لا يحتاج إلى علة أصلا أما الموجدة فلما مر و أما المبقية فلأنها فرع الموجدة فلو انتفى الأول انتفى الثاني بطريق أولى و المستغني عن العلة أصلا هو الواجب الوجود فيكون إلها ثانيا و هو خلاف المفروض أيضا لأن المفروض أنه كلام الواجب و فعله سبحانه و مثله يجري في الخبر الثاني.
وَ يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ فِي الْكَافِي وَ غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ الْفُرْجَةِ عَنِ الصَّادِقِ ع حَيْثُ قَالَ لِلزِّنْدِيقِ ثُمَّ يَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ فُرْجَةٌ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَيْنَهُمَا قَدِيماً مَعَهُمَا فَيَلْزَمُكَ ثَلَاثَةٌ الْخَبَرَ 6817 .
حيث حكم على الفرجة
من جهة القدم بكونه إلها ثالثا واجب الوجود.
إذا تقرر هذا فاعلم أن علة الحاجة إلى المؤثر حينئذ يمكن أن تكون هي الإمكان لأن مصداق مفهوم الإمكان حينئذ منحصر في الحوادث و الفرد المفروض أنه قديم لا يصدق عليه الإمكان في نفس الأمر بل من أفراد الممتنع لاستلزامه التسلسل المستحيل مطلقا كما سيجيء و الممتنع بالذات قد يكون مركبا كالمجموع المركب من الضدين و النقيضين و يمكن أن تكون علة الحاجة إلى المؤثر هي الحدوث أو الإمكان بشرط الحدوث و قد ذهب إلى كل منها جماعة و أحد الأخيرين هو الظاهر من أكثر الأخبار كما أومأنا إليه في بعضها 6818 و منها حديث الرضا ع في علة خلق السماوات و الأرض في ستة أيام.
و يدل عليه
مَا رُوِيَ عَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ قَالَ إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَ لَا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ.
فإن الظاهر أن مراد السائل من حدوث العالم إثبات الصانع بناء على التلازم بينهما بقرينة الجواب و استدل ع بوجود المخاطب بعد عدمه أي حدوثه الزماني على الصانع تعالى 6819 .
و من الدلائل على الحدوث ما يدل على أوليته تعالى فإن الأولية
مفسرة بأنه سبحانه قبل كل شيء 6820 .
و منها الآيات و الأخبار الدالة على فناء جميع الموجودات و قد مر بعضها هنا و بعضها في المجلد الثالث و ذلك بضم مقدمة مسلمة عند القائلين بالقدم و هي أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه 6821 .
وَ قَدْ رُوِيَ فِي الْإِحْتِجَاجِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَ الصَّادِقَ ع عَنْ مَسَائِلَ أَنَّهُ قَالَ فَيَتَلَاشَى 6822 الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ قَالَبِهِ أَمْ هُوَ بَاقٍ قَالَ ع بَلْ بَاقٍ إِلَى وَقْتِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْأَشْيَاءُ وَ تَفْنَى فَلَا حِسٌّ يَبْقَى وَ لَا مَحْسُوسٌ ثُمَّ أُعِيدَتِ الْأَشْيَاءُ كَمَا بَدَأَهَا يُدَبِّرُهَا 6823 وَ ذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا الْخَلْقُ وَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ 6824 .
و يدل على حدوث السماوات الآيات و الأخبار الدالة على انشقاقها و انفطارها و طيها و انتشار الكواكب منها بما مر من التقريب و قد مضى جميع ذلك في المجلد الثالث.