کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
صلّى اللّه عليه و آله و أنّهم لم يختلفوا في نفي النبوّة لكفى 28072 ، و لا اعتبار بقوله في ذلك خلاف ما قد ذكر 28073 كما ذكر في أنّه عليه السلام إله، لأنّه 28074 هذا الخلاف لا يعتدّ به، و المخالف فيه خارج عن الإسلام فلا يعتبر في إجماع المسلمين بقوله، كما لا يعتبر في إجماع المسلمين 28075 بقول من خالف في أنّه إله، على أنّ من خالف و ادّعى نبوّته لا يكون مصدّقا للرسول صلّى اللّه عليه و آله و لا عالما بنبوّته، و لا يدّعي علم الاضطرار في أنّه لا نبيّ بعده و إنّما يعلم ضرورة من دينه صلّى اللّه عليه و آله نفي النبوّة بعده من أقرّ بنبوّته 28076 .
فأمّا قوله: إنّ الإجماع لا يوثق به عندهم، فمعاذ اللّه أن نطعن في الإجماع و كونه حجّة، فإن أراد أنّ الإجماع الذي لا يكون فيه قول إمام ليس بحجّة فذلك ليس بإجماع عندنا و عندهم، و ما ليس بإجماع فلا حجّة فيه، و قد تقدّم عند كلامنا في الإجماع من هذا الكتاب ما فيه كفاية.
و قوله: يجوز أنّ 28077 يقع الإجماع على طريق التقيّة لا يكون 28078 أوكد من قول الرسول صلّى اللّه عليه و آله أو قول الإمام عليه السلام عندهم، باطل 28079 ، لأنّا قد بيّنا أنّ التقيّة لا تجوز على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الإمام عليه السلام على كلّ حال، و إنّما تجوز على حال دون أخرى، على أنّ القول بأنّ الأمّة بأسرها مجتمع 28080
على طريق التقيّة طريف 28081 ، لأنّ التقيّة سببها الخوف من الضرر العظيم، و إنّما يتّقي بعض الأمّة من بعض لغلبته عليه و قهره له، و جميع الأمّة لا تقيّة عليها من أحد.
فإن قيل: يتّقي من مخالفيها في الشرائع.
قلنا: الأمر بالضدّ من ذلك، لأنّ من خالطهم و صاحبهم من مخالفيهم في الحال 28082 أقلّ عددا و أضعف بطشا منهم، فالتقيّة لمخالفيهم منهم أولى، و هذا أظهر من أن يحتاج فيه إلى الإطالة و الاستقصاء. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه.
و لنذكر بعض ما يدلّ على جواز التقيّة
لكثرة تشنيع المخالفين في ذلك علينا مع كثرة الدلائل القاطعة عليها 28083 ..
فمنها:
قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 28084 .
و منها:
قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً 28085 .
و منها:
ما رواه الْفَخْرُ الرَّازِيُ 28086 وَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ 28087 عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَخَذَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: أَ تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَ فَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَ كَانَ مُسَيْلَمَةُ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ بَنِي حَنِيفَةَ، وَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ رَسُولُ قُرَيْشٍ، فَتَرَكَهُ، وَ دَعَا الْآخَرَ فَقَالَ: أَ تَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ نَعَمْ نَعَمْ! قَالَ: أَ فَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي أَصَمُّ .. ثَلَاثاً. فَقَدَّمَهُ وَ قَتَلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا الْمَقْتُولُ فَمَضَى عَلَى صِدْقِهِ وَ يَقِينِهِ فَهَنِيئاً لَهُ، وَ أَمَّا الْآخَرُ فَقَبِلَ رُخْصَةَ اللَّهِ فَلَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ.
و منها:
مَا رَوَاهُ الْخَاصَّةُ وَ الْعَامَّةُ أَنَّ أُنَاساً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فُتِنُوا فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ فِيهِ، وَ كَانَ فِيهِمْ مَنْ أُكْرِهَ فَأَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ بِقَلْبِهِ مُصِرّاً عَلَى الْإِيمَانِ مِنْهُمْ عَمَّارٌ وَ أَبَوَاهُ: يَاسِرٌ وَ سُمَيَّةُ، وَ صُهَيْبٌ وَ بِلَالٌ وَ خَبَّابٌ وَ سَالِمٌ عُذِّبُوا، وَ أَمَّا سُمَيَّةُ فَقَدْ رُبِطَتْ بَيْنَ بَعِيرَيْنِ 28088 وَ وُجِئَتْ 28089 فِي قُبُلِهَا بِحَرْبَةٍ، وَ قَالُوا: إِنَّكِ أَسْلَمْتِ مِنْ أَجْلِ الرِّجَالِ فَقُتِلَتْ، وَ قُتِلَ يَاسِرٌ، وَ هُمَا أَوَّلُ قَتِيلَيْنِ 28090 فِي الْإِسْلَامِ، وَ أَمَّا عَمَّارٌ فَقَدْ أَعْطَاهُمْ مَا أَرَادُوا بِلِسَانِهِ مُكْرَهاً، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ عَمَّاراً كَفَرَ. فَقَالَ: كَلَّا، إِنَّ عَمَّاراً مُلِئَ إِيمَاناً مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَ اخْتَلَطَ الْإِيمَانُ بِلَحْمِهِ وَ دَمِهِ، فَأَتَى عَمَّارٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ هُوَ يَبْكِي، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ يَقُولُ: مَا لَكَ! إِنْ عَادُوا لَكَ فَعُدْ لَهُمْ بِمَا قُلْتَ 28091 .
و منها:
خَبَرُ 28092 مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ أَكْرَهَهُ سَيِّدُهُ فَكَفَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ مَوْلَاهُ فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُمَا وَ هَاجَرَا 28093 .
و قال ابن عبد البرّ في الإستيعاب 28094 في ترجمة عمّار: إنّ نزول الآية فيهم ممّا أجمع أهل التفسير عليه.
و يدل عليها أيضا ما يدلّ على نفي الحرج نحو قوله تعالى: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 28095 و لزوم الحرج في مواضع التقيّة- سيّما إذا انتهت الحال إلى القتل و هتك العرض- واضح ..
و يدلّ عليها عموم قوله تعالى 28096
: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ 28097 .
و قد فسّر مجاهد الاضطرار في آية الأنعام 28098 باضطرار الإكراه خاصّة 28099 .
و يدلّ عليه قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 28100 على بعض
التفاسير 28101 . و لا خلاف في شرعيّتها مع الخوف على النفس من الكفّار الغالبين.
و قال الشافعي- من العامّة- بأنّ الحالة بين المسلمين إذا شاكلت الحال بين المسلمين و المشركين حلّت التقيّة 28102 ، ذكر ذلك الفخر الرازي في تفسير الآية الثانية، و قال: التقيّة جائزة لصون النفس، و هل هي جائزة لصون المال، يحتمل أن يحكم فيها بالجواز،
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ،.
وَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.
، و لأنّ الحاجة إلى المال شديدة، و الماء إذا بيع بالغبن سقط فرض الوضوء و جاز الاقتصار على التيمّم دفعا لذلك القدر من نقصان المال، فكيف لا يجوز هاهنا 28103 ؟.
و قال في تفسير الآية الأولى.:
اعلم أنّ للإكراه مراتب:
أحدها 28104 : أن يجب فعل المكره عليه،
مثل ما إذا أكرهه على شرب الخمر و أكل الخنزير و أكل الميتة، فإذا أكرهه عليه بالسيف فهاهنا يجب الأكل، و ذلك لأنّ صون الروح عن الفوات واجب و لا سبيل إليه في هذه الصورة إلّا بهذا الأكل، و ليس في هذا الأكل ضرر على حيوان و لا إهانة بحقّ اللّه 28105 ، فوجب أن يجب، لقوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 28106 .
المرتبة الثانية:
أن يكون 28107 ذلك الفعل مباحا و لا يصير واجبا، و مثاله ما إذا
أكرهه على التلفظ بكلمة الكفر مباح له ذلك 28108 و لكنّه لا يجب 28109 .
قال: و أجمعوا على أنّه لا يجب عليه التكلّم بكلمة الكفر، و يدلّ عليه وجوه:
أحدها: إنّا روينا أنّ بلالا صبر على ذلك العذاب و كان يقول: أحد ..
أحد، و لم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بئسما صنعت، بل عظّموه عليه 28110 ، فدلّ ذلك على أنّه لا يجب عليه التكلّم بكلمة الكفر.
و ثانيها: ما روي من قصّة المسيلمة 28111 ، التي سبق ذكرها، قال:.
المرتبة الثالثة:
أنّه لا يجب و لا يباح بل يحرم، و هذا مثل ما أكرهه إنسان على قتل إنسان آخر أو على قطع عضو من أعضائه، فهاهنا يبقى الفعل على الحرمة الأصليّة 28112 انتهى.
و لا خلاف ظاهرا في أنّه متى أمكن التخلّص من الكذب في صورة التقيّة بالتورية لم يجز ارتكاب الكذب، و اختلفوا فيما لو ضيق المكره الأمر عليه و شرح له كلّ أقسام التعريضات و طلب منه أن يصرّح بأنّه ما أراد شيئا منها و لا أراد إلّا ذلك المعين، و لم يتفطّن في تلك الحال بتورية يتخلّص منه 28113 فالخاصّة 28114 و أكثر
العامّة 28115 ذهبوا إلى جواز الكذب حينئذ.
و حكى الفخر الرازي عن القاضي أنّه قال: يجب حينئذ تعريض النفس للقتل، لأنّ الكذب إنّما يقبح لكونه كذبا، فوجب أن يقبح على كلّ حال، و لو جاز أن يخرج من القبح لرعاية بعض المصالح لم يمتنع 28116 أن يفعل اللّه الكذب لرعاية بعض المصالح، و حينئذ لا يبقى وثوق بعهد اللّه 28117 و لا بوعيده، لاحتمال أنّه فعل ذلك الكذب 28118 لرعاية المصالح التي لا يعرفها إلّا اللّه تعالى 28119 .
و يرد عليه: أنّ الكذب و إن كان قبيحا إلّا أنّ جواز ارتكابه 28120 في محلّ النزاع لأنّه أقلّ القبيحين، و التعريض للقتل- لو سلّمنا عدم قبحه لذاته جاز أن يغلب المفسدة العرضيّة فيه على الذاتيّة في الكذب، و يلزمه تجويز تعريض نبيّ من الأنبياء للقتل للتحرّز عن الكذب في درهم، و بطلانه لا يخفى على أحد.