کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بالتأثير فإن انضم إليه النوع الأول من السحر و هو الاستعانة بالكواكب و تأثيراتها عظم التأثير بل هاهنا نوعان آخران الأول أن النفوس التي فارقت الأبدان قد يكون فيها ما هو شديد المشابهة لهذه النفس في قوتها و في تأثيراتها فإذا صارت هذه النفوس صافية لم يبعد أن ينجذب إليها ما تشابهها من النفوس المفارقة و يحصل لتلك النفوس نوع ما من التعلق بهذا البدن فتعاضد النفوس الكثيرة على ذلك الفعل و إذا كملت القوة تزايدت قوى التأثير الثاني أن هذه النفوس الناطقة إذا صارت صافية عن الكدورات البدنية صارت قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماوية و النفوس الفلكية فتتقوى هذه النفوس بأنوار تلك الأرواح فتقوى على أمور غريبة خارقة للعادة فهذا شرح سحر أصحاب الأوهام و الرُّقى.
النوع الثالث من السحر الاستعانة بالأرواح الأرضية
و اعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة و المعتزلة أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية و هي في أنفسها مختلفة منها خيرة و منها شريرة فالخير منهم الجن و الشريرة هم كفار الجن و شياطينهم ثم قال خلق منهم 8974 هذا الأرواح جواهر قائمة بأنفسها لا متحيزة و لا حالة في المتحيز و هي قادرة عالمة مدركة للجزئيات و اتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية إلا أن القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الأرواح السماوية إما أن الاتصال أسهل فلأن المناسبة بين نفوسنا و بين هذه الأرواح الأرضية أرسل فإن 8975 المشابهة و المشاكلة بينها
أتم و أشد من المشاكلة بين نفوسنا و بين الأرواح السماوية و إما أن القوة الحاصلة بسبب الاتصال بالأرواح السماوية أقوى فلأن الأرواح السماوية بالنسبة إلى الأرواح الأرضية كالشمس بالنسبة إلى الشعلة و البحر بالنسبة إلى القطرة و السلطان بالنسبة إلى الرعية قالوا و هذه الأشياء و إن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال و الإمكان ثم إن أصحاب الصنعة و أرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرُّقى و الدخن و التجريد فهذا النوع هو المسمى بالعزائم و عمل تسخير الجن.
النوع الرابع من السحر التخيلات و الأخذ بالعيون
فهذا النوع مبني على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة فإن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة و الشط متحركا و ذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا و المتحرك يرى ساكنا و القطرة النازلة ترى خطا مستقيما و الزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة و القبة ترى في الماء كالإجاصة و الشخص الصغير يرى في الضباب عظيما و كبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته و ارتفعت صغرت و أما رؤية العظيم من البعيد صغيرا فظاهر فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة.
و ثانيها أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدار فأما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم أدركت بعده محسوسا آخر و هكذا فإنه يختلط البعض بالبعض و لا يتميز بعض المحسوسات عن البعض و لذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه
مركب من كل تلك الألوان.
و ثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر فلا يشعر الحس به البتة كما أن الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان 8976 و يتكلم معه فلا يعرفه و لا يفهم كلامه لما أن قلبه مشغول بشيء آخر و كذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها و لا يرى ما هو أكثر 8977 منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة و ربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر و ذلك لأن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به و يأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفز عنهم 8978 الشغل بذلك الشيء و التحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون 8979 الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول و الثاني سرعة الإتيان بهذا العمل الثاني و حينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا و لو أنه سكت و لم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل و لم تتحرك النفوس و الأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال و كلما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سواء 8980 مقصوده أقوى كان أحذق في عمله و كلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا
و اختلالا و كذا الظلمة الشديدة و كذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا و اختلالا و الألوان المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها فهذا مجامع القول في هذا النوع من السحر.
النوع الخامس من السحر
الأعمال العجيبة التي تطرأ 8981 من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية تارة و على ضروب الخيلاء 8982 أخرى مثل فارسين يقتتلان فيقتل أحدهما الآخر و كفارس على فرس في يده بوق كلما مضت ساعة من النهار ضرب البوق من غير أن يمسه أحد و منها الصور التي تصورها الروم و أهل الهند حتى لا يفرق الناظر بينها و بين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة و باكية و حتى يفرق فيها بين ضحك السرور و ضحك الخجل و ضحك الشامت فهذه الوجوه من لطيف أمور التخائيل 8983 و كان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب و من هذا الباب تركيب صندوق الساعات و يندرج في هذا الباب علم جر الأثقال و هو أن يجر ثقيلا عظيما بآلة خفيفة و هذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعده من باب السحر لأن لها أسبابا معلومة تعيينية 8984 من اطلع عليها قدر عليها إلا أن الاطلاع عليها لما كان عسرا شديدا لا يصل إليه إلا الفرد بعد الفرد لا جرم عد أهل الظاهر ذلك من باب السحر و من هذا الباب عمل ارجعانوس 8985 الموسيقات 8986 في هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه
و ذلك أنه اتفق له أن كان مجتازا بفلاة من الأرض فوجد فيها فرخا من فراخ البراصل و البراصل هو طائر عطوف فكان يصفر صفيرا حزينا بخلاف صفير سائر البراصل فكانت البراصل تجيئه بلطائف الزيتون فتطرحها عنده فيأكل بعضها و يفضل بعضها عن حاجته فوقف هذا الموسيقات 8987 هناك و تأمل حال هذا الفرخ و علم أن في صفيره المخالف لصفير البراصل ضربا من التوجع و الاستعطاف حتى رقت له الطيور و جاءته بما يأكله فتلطف لعمل آلة تشبه الصفارة إذا استقبل الريح بها أدت ذلك الصفير و لم يزل يجرب ذلك حتى وثق بها و جاءته البراصل بالزيتون كما كانت تجيء إلى ذلك الفرخ لأنها تظن أن هناك فرخا من جنسها فلما صح له ما أراد أظهر النسك و عمد إلى هيكل أورشليم و سأل عن الليلة التي دفن فيها اسطرحن 8988 الناسك القيم بعمارة ذلك الهيكل فأخبر أنه دفن في أول ليلة من آب فأخذ 8989 صورة من زجاج مجوف على هيئة البرصلة و نصبها فوق ذلك الهيكل و جعل فوق تلك الصورة قبة و أمرهم بفتحها في أول آب فكان يظهر صوت البرصلة بسبب نفوذ الريح في تلك الصورة و كانت البراصل تجيء بالزيتون حتى كانت تمتلئ القبة كل يوم من ذلك الزيتون و الناس اعتقدوا أنه من كرامات ذلك المدفون و يدخل في هذا الباب أنواع كثيرة لا يليق شرحها في هذا الموضع.
النوع السادس من السحر الاستعانة بخواص الأدوية
من أن 8990 يجعل في طعامه بعض الأدوية المُبَلِّدة المزيلة للعقل و الدخن المسكرة نحو دِماغ الحمار إذا تناول الإنسان تبلد عقله و قلت فطنته و اعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه و خلطوا الصدق بالكذب و الباطل بالحق.
النوع السابع من السحر تعليق القلب
و هو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم و أن الجن يطيعونه و ينقادون له في أكثر الأمور فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التميز اعتقد أنه حق و تعلق قلبه بذلك و حصل في نفسه نوع من الرعب و المخافة فإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل حينئذ ما شاء و إن من جرب الأمور و عرف أحوال العالم 8991 علم أن لتعلق القلب أثرا عظيما في تنفيذ الأعمال و إخفاء الأسرار.
النوع الثامن من السحر السعي بالنميمة و التضريب من وجوه خفية لطيفة
و ذلك شائع في الناس فهذا جملة الكلام في أقسام السحر و شرح أنواعه و أصنافه و الله أعلم.
المسألة الحادية عشر 8992 في أقوال المسلمين
أن هذه الأنواع هل هي ممكنة أم لا أما المعتزلة فقد اتفقوا على إنكارها إلا النوع المنسوب إلى التخيل و المنسوب إلى إطعام بعض الأدوية المبلدة و المنسوب إلى التضريب و النميمة و أما الأقسام الخمسة الأول فقد أنكروها و لعلهم كفروا من قال بها و جوز وجودها و أما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء و يقلب الإنسان حمارا و الحمار إنسانا إلا أنهم قالوا إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عند ما يقرأ الساحر رقى مخصوصة و كلمات معينة فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك و النجوم فلا و أما الفلاسفة و المنجمون و الصابئة فقولهم على ما سلف تقريره.
و احتج أصحابنا على فساد قول الصابئة أنه قد ثبت أن العالم محدث فوجب أن يكون موجودة قادرا فإن الشيء الذي حكم العقل بأنه مقدوره إنما يصح أن يكون مقدورا له لكونه ممكنا و الإمكان قدر مشترك بين كل الممكنات فإذن كل الممكنات مقدور لله و لو وجد شيء من تلك المقدورات بسبب آخر يلزم أن
يكون ذلك السبب مزيلا لتعلق قدرة الله تعالى بذلك المقدور فيكون الحادث سببا لعجز الله و هو محال فثبت أنه يستحيل وقوع شيء من الممكنات إلا بقدرة الله و عنده يبطل كل ما قاله الصابئة.
قالوا إذا ثبت هذا النوع فندعي أنه لا يمتنع وقوع هذه الخوارق بإجراء العادة عند سحر السحرة فقد احتجوا 8993 على وقوع هذا النوع من السحر بالقرآن و الخبر أما القرآن فقوله تعالى في هذه الآية وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ و الاستثناء يدل على حصول الآثار بسببه و أما الأخبار 8994 فأحدها ما روي أنه ع سحر و أن السحر عمل فيه حتى قال إنه ليخيل إلي أني أقول الشيء و أفعله و لم أقله و لم أفعله و إن امرأة يهودية سحرته و جعلت ذلك السحر تحت راعوفة البئر فلما استخرج ذلك زال عن النبي ص ذلك العارض و نزلت 8995 المعوذتان بسببه.