کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و حضروه و منعوا 1212 الماء عنه و تركوه بعد القتل ثلاثة أيّام لم يدفن، مع أنّهم متمكّنون من خلاف ذلك، و ذلك من أقوى الدلائل على ما ذكر، و لو لم يكن 1213 في أمره إلّا ما
روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال :
اللّه قتله و أنا معه 1214 .
و إنّه كان في أصحابه من يصرّح بأنّه قتل عثمان و مع ذلك لا يقيّدهم و لا ينكر عليهم، و كان أهل الشام يصرّحون بأنّ مع أمير المؤمنين قتلة عثمان، و يجعلون ذلك من أوكد الشبه و لا ينكر ذلك عليهم، مع أنّا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لو أراد منعهم من قتله و الدفع عنه مع غيره لما قتل، فصار كفّه عن ذلك مع 1215 غيره من أدلّ الدلائل على أنّهم صدقوا عليه ما نسب إليه من الأحداث، و أنّهم لم يقبلوا ما جعله عذرا، و لا يشكّ من نظر في أخبار الجانبين في أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن كارها لما وقع في أمر عثمان.
فقد
رَوَى السَّيِّدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الشَّافِي 1216 ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَ هُوَ يَقُولُ: مَا أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ وَ لَا كَرِهْتُهُ، وَ لَا أَمَرْتُ بِهِ وَ لَا نَهَيْتُ عَنْهُ 1217 .
و قد 1218 رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ حَرِيرِ 1219 بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي جَلْدَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ وَ هُوَ يَخْطُبُ فَذَكَرَ عُثْمَانَ: وَ قَالَ-: وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا قَتَلْتُهُ 1220 وَ لَا مَالَأْتُ 1221 عَلَى قَتْلِهِ، وَ لَا سَاءَنِي 1222 . 1223
وَ رَوَاهُ أَبُو بَشِيرٍ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: مَنْ كَانَ سَائِلِي عَنْ دَمِ عُثْمَانَ فَإِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُ وَ أَنَا مَعَهُ.
وَ قَدْ رُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَ قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الضُّبَعِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: أَلَا مَنْ كَانَ سَائِلِي عَنْ دَمِ عُثْمَانَ فَإِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُ وَ أَنَا مَعَهُ. قَالَ 1224 : صَدَقَ أَبُوكَ، هَلْ تَدْرِي مَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ؟ إِنَّمَا عَنَى أَنَّ اللَّهَ قَتَلَهُ وَ أَنَا مَعَ اللَّهِ 1225 .
قال السيّد 1226 رحمه اللّه 1227 : فإن قيل: كيف يصحّ الجمع بين معاني هذه الأخبار؟.
قلنا: لا تنافي بين الجميع، لأنّه تبرأ من مباشرة قتله و المؤازرة عليه، ثم قال: ما أمرت بذلك و لا نهيت عنه .. يريد أنّ قاتليه لم يرجعوا إليّ و لم يكن منّي قول في ذلك بأمر 1228 و لا نهي، فأمّا قوله: اللّه قتله و أنا معه، فيجوز أن يكون المراد اللّه حكم بقتله و أوجبه و أنا كذلك، لأنّ من المعلوم أنّ اللّه لم يقتله على الحقيقة، فإضافة القتل إلى اللّه لا يكون 1229 إلّا بمعنى الحكم و الرضا، و ليس يمتنع 1230 أن يكون ممّا حكم اللّه به ما لم يتولّه بنفسه، و لا آزر عليه، و لا شايع فيه.
فإن قال: هذا ينافي قوله عليه السلام 1231 : ما أحببت قتله و لا كرهته ..
و كيف يكون من حكم اللّه و 1232 حكمه أن يقتل و هو لا يحبّ قتله؟.
قلنا: يجوز أن يريد بقوله ما أحببت قتله و لا كرهته .. أنّ ذلك لم يكن منّي على سبيل التفصيل و لا خطر لي ببال، و إن كان على سبيل الجملة يحبّ 1233 قتل من غلب على أمور المسلمين، و طالبوه بأن يعتزل 1234 ، لأنّه بغير حقّ مستول عليهم فامتنع من ذلك، و يكون فائدة هذا الكلام التبرّؤ من مباشرة قتله و الأمر به على سبيل التفصيل 1235 أو النهي، و يجوز أن يريد: أنّني ما أحببت قتله إن كانوا تعمّدوا القتل و لم يقع على سبيل الممانعة و هو غير مقصود، و يريد بقوله: ما كرهته .. إنّي لم أكرهه على كلّ حال و من كلّ وجه. انتهى.
و أقول: يمكن أن يكون المعنى: إنّي ما أحببت قتله لتضمّنه الفتن العظيمة الّتي نشأت بعد قتله من ارتداد آلاف من المسلمين و قتلهم و عدم استقرار الخلافة عليه صلوات اللّه عليه، و لا كرهته 1236 لأنّه كان كافرا مستحقّا للقتل، فلا تنافي بين الأمرين.
و أمّا تركه غير مدفون ثلاثة أيّام:
فقد رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْإِسْتِيعَابِ 1237 ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ أُلْقِيَ عَلَى الْمَزْبَلَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلِ 1238 أَتَاهُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى وَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ 1239 وَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ 1240 وَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَلَمَّا سَارُوا إِلَى الْمَقْبَرَةِ لِيَدْفِنُوهُ 1241 نَادَاهُمْ قَوْمٌ مِنْ بَنِي مَازِنٍ: وَ اللَّهِ لَئِنْ دَفَنْتُمُوهُ
هَاهُنَا لَنُخْبِرَنَّ النَّاسَ غَداً، فَاحْتَمَلُوهُ وَ كَانَ عَلَى بَابٍ وَ أَنَّ رَأْسَهُ عَلَى الْبَابِ لَيَقُولُ طق طق حَتَّى سَارُوا بِهِ إِلَى حُشِ 1242 كَوْكَبٍ فَاحْتَفَرُوا لَهُ، وَ كَانَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ عُثْمَانَ مَعَهَا مِصْبَاحٌ فِي حُقٍ 1243 ، فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ لِيَدْفِنُوهُ صَاحَتْ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ:
وَ اللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَسْكُتِي لَأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكِ. قَالَ: فَسَكَتَتْ، فَدُفِنَ.
وَ رَوَى ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 1244 ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، قَالَ: بَقِيَ عُثْمَانُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، ثُمَّ إِنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ وَ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ كَلَّمَا عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَنْ يَأْذَنَ فِي دَفْنِهِ فَفَعَلَ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَعَدَ لَهُ قَوْمٌ فِي الطَّرِيقِ بِالْحِجَارَةِ، وَ خَرَجَ بِهِ نَاسٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِهِ، وَ مَعَهُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ، فَأَتَوْا بِهِ حَائِطاً مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، يُعْرَفُ بِ: حُشِّ كَوْكَبٍ، وَ هُوَ خَارِجَ الْبَقِيعِ، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، وَ جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لِيَمْنَعُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَنَعَ مِنْ رَجْمِ سَرِيرِهِ، وَ كَفَّ الَّذِينَ رَامُوا مَنْعَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَ دُفِنَ فِي حُشِّ كَوْكَبٍ، فَلَمَّا ظَهَرَ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْإِمْرَةِ 1245 أَمَرَ بِذَلِكَ الْحَائِطِ فَهُدِمَ وَ أُدْخِلَ فِي الْبَقِيعِ، وَ أَمَرَ النَّاسَ فَدَفَنُوا 1246 مَوْتَاهُمْ حَوْلَ قَبْرِهِ حَتَّى اتَّصَلَ بِمَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَقِيعِ.
وَ قِيلَ: إِنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُغَسَّلْ، وَ إِنَّهُ كُفِّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا 1247 .
وَ قَدْ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ 1248 وَ الْأَعْثَمُ الْكُوفِيُّ فِي الْفُتُوحِ 1249 مُطَابِقاً لِمَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ، وَ زَادَ 1250 الْأَعْثَمُ: إِنَّهُمْ دَفَنُوهُ بَعْدَ مَا ذَهَبَ الْكِلَابُ بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ، وَ قَالَ: صَلَّى عَلَيْهِ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ أَوْ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ 1251 .
و لا يخفى على ذي مسكة من العقل دلالته على أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان راضيا بكونه مطروحا ثلاثة أيّام على المزبلة، بل على أنّه لم يأذن في دفنه إلّا بعد الأيّام الثلاثة، فلو كان أمير المؤمنين عليه السلام معتقدا لصحّة إمامته، بل لو كان يراه كأحد من المسلمين و من عرض 1252 الناس لما رضي بذلك بل كان يعجّل في تجهيزه و دفنه، و يأمر بدفنه 1253 في مقابر المسلمين حتى لا يلتجئ المجهّزون له إلى دفنه في حشّ كوكب.
و الحشّ هو المخرج 1254 ، و كان ذلك الموضع بستانا كان الناس يقضون الحوائج فيه كما هو دأبهم في قضاء الحاجة في البساتين، و كوكب اسم رجل من الأنصار، كما ذكره في الإستيعاب 1255 .
و الإمام الّذي رضي له أمير المؤمنين عليه السلام بمثل تلك الحال فحاله غير خفيّ على أولي الألباب، و لا ريب في أنّه لو لم يكن عليه السلام راضيا بقتله لجاهد قاتليه، فإنّه ليس في المنكرات أشنع و أقبح من قتل إمام فرض اللّه طاعته على
العالمين و 1256 حكم الرسول صلّى اللّه عليه و آله بأنّ من مات و لم يعرفه كان ميتته ميتة جاهليّة، و قد صرّح عليه السلام في كثير من كلماته بأنّه لم ينه عن قتله و لم ينصره، و أنّه كان في عزلة عن أمره 1257 كما سيأتي، و هل يريب اللبيب في أنّه عليه السلام لو كان نصره أو أنكر قتله لبالغ في إظهار ذلك للناس و في مكاتباته إلى معاوية، فإنّه لم يكن لمعانديه عليه السلام شبهة أقوى من اتّهامه بقتل عثمان، و إنّما كان عليه السلام يقتصر على التبرّي من قتله لأنّه لم يكن من المباشرين، و ذلك ممّا لا يرتاب فيه من له معرفة بالسير و الآثار، و حينئذ فالكفّ عن نصرة عثمان و الذبّ عنه إمّا مطعن لا مخلص عنه فيمن يدور الحقّ معه حيثما داروا 1258 في أعيان الصحابة الكبار حيث لم يدفعوا شرذمة قليلة عن إمامتهم 1259 في دار عزّهم حتى قتلوه أهون قتلة، و طرحوه في المزابل، و لم يتمكّن رهطه و عشيرته من دفنه في مقابر المسلمين، أو هو قدح في ذلك الإمام حيث اختلس الخلافة و غصبها من أهلها، و لم يخلع نفسه منها.
فلينظر الناصرون له في أمرهم بعين الإنصاف، و ليتحرّزوا عن اللجاج و الاعتساف!.
الثالث: