کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
ذلك من حسن سياسته.
و وجه البدعة فيه ظاهر، فإنّ إخراج نصر من المدينة و تغريبه و نفيه عن وطنه بمجرّد أنّ امرأة غنّت بما يدلّ على هواها فيه و رغبتها إليه مخالف لضرورة الدين، لقوله تعالى: (وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) 141 ، و لا ريب في 142 أنّ التغريب تعذيب عنيف و عقوبة عظيمة، و لم يجعل اللّه تعالى في دين من الأديان حسن الوجه و لا قبحه منشأ لاستحقاق العذاب لا في الدنيا و لا في الآخرة، و قد كان يمكنه دفع ما زعمه مفسدة من افتتان 143 النساء به بأمر أخفّ من التغريب و إن كان بدعة أيضا، و هو أن يأمره بالحجاب و ستر وجهه عن النساء أو مطلقا حتى لا يفتتن به أحد.
ثم ليت شعري ما الفائدة في تسيير نصر إلى البصرة، فهل كانت نساء البصرة أعفّ و أتقى من نساء المدينة، مع أنّها
«مَهْبِطُ إِبْلِيسَ و مَغْرِسُ الْفِتْنَةِ» 144 .
؟!. اللّهمّ إلّا أن يقال: لما كانت المدينة يومئذ مستقرّ سلطنة عمر كان القاطنون بها أقرب إلى الضلال ممّن نشأ في مغرس الفتنة، و قد حمل أصحابنا على ما يناسب هذا المقام ما روي في فضائل عمر: ما لقيك الشيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك، و كأنّه المصداق لما قيل:
و كنت امرأ من جند إبليس فارتقت
بي الحال حتى صار إبليس من جندي
و هذه البدعة من فروع بدعة أخرى له عدّوها 145 من فضائله، قالوا: هو أوّل من عسّ في عمله بنفسه، و هي مخالفة للنهي الصريح في قوله تعالى: (وَ لا
تَجَسَّسُوا ...) 146 .
و منها: بدعة الطلاق،
رُوِيَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 147 ، عَنْ طَاوُ سٍ، قَالَ: إِنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ السُّؤَالِ لِابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا 148 طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبِي بَكْرٍ وَ صَدْراً مِنَ إِمَارَةِ عُمَرَ؟. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ 149 كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثاً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَبِي بَكْرٍ وَ صَدْراً مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ 150 ، فَلَمَّا أَنْ 151 رَأَى النَّاسُ قَدْ تَتَابَعُوا عَلَيْهَا 152 قَالَ:
أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ 153 .
وَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ 154 : إِنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَاتِ مِنْ هَنَاتِكَ 155 ، أَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقُ الثَّلَاثِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً؟. فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ تَتَابَعَ 156 النَّاسُ فِي الطَّلَاقِ
فَأَجَازَهُ عَلَيْهِمْ 157 .
وَ فِي رِوَايَةٍ 158 عَنْهُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ أَبِي بَكْرٍ وَ سَنَتَيْنِ مِنَ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمُ .. فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ 159 .
وَ فِي أُخْرَى 160 : أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أَ تَعْلَمُ أَنَّمَا كَانَ الثَّلَاثُ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ أَبِي بَكْرٍ وَ ثَلَاثاً مِنْ إِمَارَةِ عُمَرَ؟. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَعَمْ 161 .
و أخرج أبو داود 162 أيضا، و النسائي 163 هذه الرواية الأخيرة. انتهى كلام جامع الأصول 164 .
و وجه البدعة في جعل الواحدة ثلاثا واضح، و سيأتي تفصيل أحكام تلك
المسألة في كتاب الطلاق 165 إن شاء اللّه تعالى 166 .
و منها: تحويل المقام عن موضعه،