کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
أحصى أفعال أبي بكر حتّى علم أنّه لم يفعل ذلك بأحد من معاشريه و خواصّه و أهل بيته؟ و بعد تسليم أنّه لم يقدم قطّ على جرح الأبشار و نتف الأشعار، نقول:
إذا بلغ الطيش و الحدّة في الشدّة إلى حدّ يخاف صاحبه على نفسه الوثوب على الناس فلا يشكّ في أنّه يصدر عنه عند الغضب من الشتم و البذاء و أصناف الأذى قولا و فعلا ما يخرجه عن حدّ العدالة المشترطة في الإمامة، و لو قصر الغضب عن القيام بما يخل بالعدالة- و لو بالإصرار على ما كان من هذا النوع من قبيل الصغائر لم يعبّر عنه بهذا النوع من الكلام.
و بالجملة، حمل كلام أبي بكر على المبالغة لا ينفعهم و لا يضرّنا، و كذا التمسّك بقولهم: لا تدن من الأسد .. لا ينفعهم، إذ لا يقال ذلك إلّا إذا جرت عادته بأكل من دنى منه، فكذلك لا موقع لكلام أبي بكر ما لم تجر عادته بأن يؤثر غضبه في أشعار الناس و أبشارهم، أو يؤذيهم بالشتم و البذاء .. و نحو ذلك ممّا كنّى عنه بقوله: لا أوثر في أشعاركم و أبشاركم، و مثل هذا الطيش و الحدّة لا ريب في كونه مخرجا عن العدالة، قادحا في صلوح صاحبه للإمامة، فخروج الكلام مخرج الإشفاق و الحذر- على هذا الوجه- لا ينفع في دفع الطعن.
و أمّا ما أشار 33840 إليه- تبعا للقاضي- من منع صحّة الخبر في استقالة أبي بكر فممّا لا وقع له، لاستفاضة الخبر و اشتهاره في كلّ عصر و زمان، و كونه مسلّما عند كثير من أهل الخلاف، و لذا لمن يمنع الرازي في نهاية العقول 33841 صحّته مع ما علم من حاله من كثرة التشكيك و الاهتمام بإيراد الأجوبة العديدة، و إن كانت سخيفة ضعيفة.
و قد رواه أبو عبيد القاسم بن سلام- على ما حكاه بعض الثقات من الأصحاب-.
وَ قَالَ مُؤَلِّفُ كِتَابِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ 33842 : ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ 33843 ، وَ الْبَلاذُرِيِّ فِي أَنْسَابِ الْأَشْرَافِ 33844 ، وَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْفَضَائِلِ 33845 ، وَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
قَوْلَ 33846 أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ- بَعْدَ مَا بُويِعَ 33847 -: أَقِيلُونِي فَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ وَ عَلِيٌّ فِيكُمْ 33848 .
وَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْخُطْبَةِ الشِّقْشِقِيَّةِ 33849 بِقَوْلِهِ : فَيَا عَجَباً! بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
و صحّة الخطبة مسلّمة عند ابن أبي الحديد 33850 و قاضي القضاة 33851 و غيرهما 33852 كما عرفت.
و أمّا عدم رواية أصحاب أصولهم قصّة الاستقالة فلا حجّة فيه، لأنّهم لا يروون ما لا تتعلّق أغراضهم بروايته، بل تعلّق غرضهم بانمحاء ذكره.
و يدلّ على بطلان ما زعمه من أنّ أبا بكر أراد اختبار حال الناس في اليوم الثاني من بيعته ليعلم وليّه من عدوّه،
قول أمير المؤمنين عليه السلام : بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ..
إذ لو كان المراد ما توهّمه لم يكن عقده لآخر بعد الوفاة مع الاستقالة في الحياة موضعا للعجب، و إنّما التعجّب من صرفها عن أمير المؤمنين عليه السلام عند الوفاة و عقدها لغيره مع الاستقالة منها
في الحياة، لعلمه بأنّه كان حقّا لأمير المؤمنين عليه السلام و هو واضح، و لعلّهم لا ينكرون أنّ فهم أمير المؤمنين عليه السلام مقدّم على فهمهم.
و قد ظهر ممّا ذكرناه ضعف ما أجاب به الفخر الرازي في نهاية العقول 33853 من أنّه 33854 ذكر ذلك على سبيل التواضع و هضم النفس، كما
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى.
و الفرق بين استقالة أبي بكر و الخبر الذي رواه على تقدير صحّته- واضح، و لو أراد مجرّد الاستشهاد على ورود الكلام للتواضع و هضم النفس- و هو أمر لا ينازع فيه- لكن لا يلزم منه صحّة حمل كلّ كلام عليه.
و أمّا ما ذكره من جواز الاستقالة تشبيها بالقضاء، فيرد عليه، أنّه إذا جازت الاستقالة من الإمام و لم يتعيّن عليه القيام بالأمر فلم لم يرض عثمان بالخلع مع أنّ القوم حصروه و تواعدوه 33855 بالقتل، فقال: لا أخلع قميصا قمّصنيه اللّه عزّ و جلّ 33856 ، و أصرّ على ذلك حتّى قتل، و قد جاز- بلا خلاف- إظهار كلمة الشرك و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير عند الخوف على النفس، فدلّ ذلك الإصرار منه على أنّ الخلع أعظم من إظهار كلمة الكفر و غيره من الكبائر، و أنّ ما أتى به أبو بكر كان أعظم ممّا ذكر على مذهب عثمان، فما دفع به الطعن عن أبي بكر يوجب قدحا شنيعا في عثمان، فإنّ تعريض النفس للقتل لأمر مباح لم يقل بجوازه أحد.
و قد أشار إلى ذلك الشيخ المفيد قدّس اللّه روحه 33857 ، حيث قال: على أنّ
الاختيار إن كان للأمّة و كان 33858 إليها الخلع و العزل لم يكن 33859 لدعائها عثمان إلى أن يخلع نفسه معنى يعقل، لأنّه كان لها أن تخلعه و إن لم يجبها إلى ذلك 33860 ، و إن كان الخلع إلى الإمام فلا معنى لقول أبي بكر 33861 : أقيلوني .. و قد 33862 كان يجب لمّا كره الأمر أن يخلع هو نفسه ... و هذا أيضا تناقض آخر يبيّن عن بطلان الاختيار و تخليط القوم.
و أنت- أرشدك اللّه- إذا تأمّلت
قول أمير المؤمنين عليه السلام 33863 : فيا عجبا! بينا هو يستقيلها.
إلى آخره، وجدته عجبا، و عرفت من المغزى كان 33864 من الرجل في القوم و بان خلاف الباطن منه 33865 ، و تيقّنت الحيلة التي أوقعها و التلبيس، و عثرت به على الضلال و قلّة الدين، و اللّه 33866 نسأل التوفيق، انتهى.
و أمّا ما ذكره من قياس خلع الخليفة نفسه اختيارا بما صدر عن أئمّتنا عليهم السلام تقيّة و اضطرارا فهو أظهر فسادا من أن يفتقر إلى البيان، مع أنّه يظهر ممّا مرّ جوابه و سيأتي بعض القول في ذلك، وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ .
السابع:
أنّه كان جاهلا بكثير من أحكام الدين 33867 ، فَقَدْ قَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا
بِرَأْيِي، فَإِنْ كَانَ صَوَاباً فَمِنَ اللَّهِ وَ إِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي 33868 وَ لَمْ يَعْرِفْ مِيرَاثَ الْجَدَّةِ 33869
فَقَالَ: لِجَدَّةٍ سَأَلَتْهُ عَنْ إِرْثِهَا؟ لَا أَجِدُ لَكِ شَيْئاً فِي كِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، فَأَخْبَرَهُ الْمُغِيرَةُ وَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعْطَاهَا السُّدُسَ، وَ قَالَ: أَطْعِمُوا الْجَدَّاتِ السُّدُسَ 33870 .
، و قطع يسار السارق 33871 ، و أحرق فجاءة بالنار 33872 ، و لم يعرف ميراث العمّة و الخالة 33873 .. إلى غير ذلك.