کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ 7242 فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ وَ أَنْزَلَ فِي الْحَاقَّةِ وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ 7243 فَهَذَا مُشْرِكٌ وَ أَنْزَلَ فِي طسم وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ 7244 جُنُودُ إِبْلِيسَ ذُرِّيَّتُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَ قَوْلُهُ وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ 7245 يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ هَؤُلَاءِ فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ وَ هُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ ص لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى أَحَدٌ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ 7246 كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ 7247 كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ 7248 لَيْسَ هُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ لَا النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ سَيُدْخِلُ اللَّهُ الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى النَّارَ وَ يُدْخِلُ كُلَّ قَوْمٍ بِأَعْمَالِهِمْ وَ قَوْلُهُمْ وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ إِذْ دَعَوْنَا إِلَى سَبِيلِهِمْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِمْ حِينَ جَمَعَهُمْ إِلَى النَّارِ قالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ وَ قَوْلُهُ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً 7249 بَرِئَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَ لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً يُرِيدُ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحَجِّجَ بَعْضاً رَجَاءَ الْفَلْجِ فَيُفْلِتُوا مِنْ عَظِيمِ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَ لَيْسَ بِأَوَانِ بَلْوَى وَ لَا اخْتِبَارٍ وَ لَا قَبُولِ مَعْذِرَةٍ وَ لَا حِينَ نَجَاةٍ وَ الْآيَاتُ وَ أَشْبَاهُهُنَّ مِمَّا نَزَلَ بِهِ بِمَكَّةَ وَ لَا يُدْخِلُ اللَّهُ النَّارَ إِلَّا مُشْرِكاً
فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ص فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَنَى الْإِسْلَامَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَ حِجِّ الْبَيْتِ وَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَ قِسْمَةَ الْفَرَائِضِ وَ أَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وَ بِهَا النَّارُ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا وَ أَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً 7250 وَ لَا يَلْعَنُ اللَّهُ مُؤْمِناً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً 7251 وَ كَيْفَ يَكُونُ فِي الْمَشِيَّةِ وَ قَدْ أَلْحَقَ بِهِ حِينَ جَزَاهُ جَهَنَّمَ الْغَضَبَ وَ اللَّعْنَةَ وَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مَنِ الْمَلْعُونُونَ فِي كِتَابِهِ وَ أَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَنْ أَكَلَهُ ظُلْماً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً 7252 وَ ذَلِكَ أَنَّ آكِلَ مَالِ الْيَتِيمِ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ النَّارُ تَلْتَهِبُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى يَخْرُجَ لَهَبُ النَّارِ مِنْ فِيهِ يَعْرِفُ أَهْلُ الْجَمْعِ أَنَّهُ آكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَ أَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَ لَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لِأَحَدٍ حَتَّى يُسَمِّيَهُ كَافِراً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ 7253 وَ أَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 7254 وَ الْخَلَاقُ النَّصِيبُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْآخِرَةِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 7255 فَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً وَ لَا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَيْسَ يَمْتَرِي فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلِعَ عَنْهُ الْإِيمَانُ
كَخَلْعِ الْقَمِيصِ وَ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 7256 فَبَرَأَ اللَّهُ مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ 7257 وَ جَعَلَهُ اللَّهُ مُنَافِقاً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ 7258 وَ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَوْلِيَاءِ إِبْلِيسَ قَالَ إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ 7259 وَ جَعَلَهُ اللَّهُ مَلْعُوناً فَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ 7260 وَ لَيْسَتْ تَشْهَدُ الْجَوَارِحُ عَلَى مُؤْمِنٍ إِنَّمَا تَشْهَدُ عَلَى مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا 7261 وَ سُورَةُ النُّورِ أُنْزِلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا 7262 وَ السَّبِيلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ 7263 سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ
وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 7264 .
تبيين و تحقيق
قوله و ذلك أن تعليل لتكلمهم فيه بغير علم لأنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم و المحكم في اللغة المتقن و في العرف يطلق على ما له معنى لا يحتمل غيره و على ما اتضحت دلالته و على ما كان محفوظا من النسخ أو التخصيص أو منهما جميعا و على ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا و المتشابه يقابله بكل من هذه المعاني و قال الراغب المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى و المتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى و قال الفقهاء المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده.
و حقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق و متشابه على الإطلاق و محكم من وجه متشابه من وجه فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب متشابه من جهة اللفظ فقط و متشابه من جهة المعنى فقط و متشابه من جهتهما فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة و ذلك إما من جهة غرابته نحو الأب و يزفون و إما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد و العين و الثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب و ذلك ثلاثة أضرب ضرب لاختصار الكلام نحو وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ 7265 و ضرب لبسط الكلام نحو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 7266 لأنه لو قيل ليس مثله شيء كان أظهر للسامع و ضرب لنظم الكلام نحو أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً 7267 تقديره الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا و المتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى و أوصاف القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا تحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.
و المتشابه من جهة المعنى و اللفظ جميعا خمسة أضرب الأول من جهة الكمية كالعموم و الخصوص نحو فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ 7268 و الثاني من جهة الكيفية كالوجوب و الندب نحو فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و الثالث من جهة الزمان كالناسخ و المنسوخ نحو اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ 7269 و الرابع من جهة المكان و الأمور التي نزلت فيها نحو لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها 7270 و قوله عز و جل إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ 7271 فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية و الخامس من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط الصلاة و النكاح و هذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال المتشابه الم و قول قتادة المحكم الناسخ و المتشابه المنسوخ و قول الأصم المحكم ما أجمع على تأويله و المتشابه ما اختلف فيه.
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة و خروج دابة الأرض و كيفية الدابة و نحو ذلك و ضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة و الأحكام المغلقة و ضرب متردد بين الأمرين يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم و يخفى على من دونهم و هو الضرب المشار إليه بقوله ص في علي ع اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل و إذا عرفت هذه الجملة علم أن الوقوف على قوله إلا الله و وصله بقوله و الراسخون في العلم جائزان و أن لكل واحد منهما وجها حسب ما يدل عليه التفصيل المتقدم انتهى 7272 .
قوله تعالى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قيل أي أحكمت عباراتها بأن حفظت عن الإجمال هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله يرد إليها غيرها وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ
قيل أي محتملات لا يتضح مقصودها إلا بالفحص و النظر ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها و ردها إلى المحكمات و ليتوصلوا بها إلى معرفة الله و توحيده و أقول بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن و احتياجهم في تفسيره إلى الإمام المنصوب من قبل الله و هم الراسخون في العلم
وَ رَوَى الْعَيَّاشِيُّ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُحْكَمِ وَ الْمُتَشَابِهِ فَقَالَ الْمُحْكَمُ مَا يُعْمَلُ بِهِ وَ الْمُتَشَابِهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَى جَاهِلِهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَ الْمُتَشَابِهُ الَّذِي يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَتُؤْمِنُ بِهِ وَ تَعْمَلُ بِهِ وَ تَدِينُ بِهِ وَ أَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَتُؤْمِنُ بِهِ وَ لَا تَعْمَلُ بِهِ 7273 .
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي ميل عن الحق كالمبتدعة فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك و التلبيس و مناقضة المحكم بالمتشابه
وَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا الْكُفْرُ.
وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ أي و طلب أن يأولوه على ما يشتهونه وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الذي يجب أن يحمل عليه إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الذين تثبتوا و تمكثوا فيه.
و أقول قد مر الكلام منا في تأويل هذه الآية في كتاب الإمامة في باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة ع 7274 .
قوله ع فالمنسوخات من المتشابهات كأن هذا الكلام تمهيد لما سيأتي من اختلاف الإيمان المأمور به في مكة قبل الهجرة و في المدينة بعدها و اختلاف التكاليف فيهما كما و كيفا ردا على من استدل ببعض الآيات على أن الإيمان نفس الاعتقاد بالتوحيد و النبوة فقط بلا مدخلية للأعمال أو الولاية فيه بأن تلك الآيات أكثرها نزلت في مكة و كان الإيمان فيها نفس الاعتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد وجوب الواجبات و تحريم المحرمات
و نصب الوالي و الأمر بولايته و يحتمل أن لا يكون ذلك من قبيل النسخ و يكون ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني الآيات و خطائهم في الاستدلال بها كما أنهم لا يعرفون الناسخ من المنسوخ و يستدلون بالآيات المنسوخة على الأحكام مع عدم علمهم بنسخها و عد المنسوخات التي لا يعلم نسخها من المتشابهات فالمنسوخة أخص مطلقا من المتشابهة.
و لما كان المحكم غير المتشابه و الناسخ غير المنسوخ و نقيض الأخص أعم من نقيض الأعم غير الأسلوب في الفقرة الثانية فقال و المحكمات من الناسخات للإشارة إلى ذلك و تسمية غير المنسوخ مطلقا ناسخا إما على التوسع و إطلاق لفظ الجزء على الكل أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة أو للإباحة الأصلية التي كانوا متمسكين بها قبلها و يمكن حمل الناسخ على معناه و حمل الكلام على القلب بأن يكون الناسخ أيضا أخص من المحكم و لا فساد فيه لعدم انحصار الآيات حينئذ في الناسخة و المنسوخة.