کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بمعجزات النبي و الأئمة ع و كثير من أحكام الشريعة فيقطع على أنه مستدل عليه و هذا أصح و الأدلة في أن الأول فعل الله أو فعل العباد قائمة كافية و إذا كان كذلك وجب التوقف و تجويز كل واحد منهما.
و الخبر إذا لم يكن ما يجب وقوع العلم عنده و اشتراك العقلاء فيه و جاز وقوع الشبهة عليه فهو أيضا صحيح على وجه و هو أن يرويه جماعة قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها و أن يعلم مضافا إلى ذلك أنه لم يجمعهم على الكذب جامع كالتواطئ أو ما يقوم مقامه و يعلم أيضا أن اللبس و الشبهة زائلان عما خبروا عنه.
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر فإن كان بينهما واسطة وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبرت عنه من الجماعات حتى يقع الانتهاء إلى نفس المخبر و إذا صحت هذه الجملة في صحة الخبر الذي لا بد أن يكون المخبر صادقا من طريق الاستدلال بنينا عليها صحة المعجزات و غيرها من أحكام الشرع.
فصل
و قد ذكرنا من قبل أنهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا و يقولون قد جاء في العالم حجر يجذب الحديد إلى نفسه فلم يجب اتباع من يجذب الشجر إلى نفسه كذلك إذ لا نأمن أن يكون معه شيء مما يفعل به ذلك و يؤكدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق و لم يعرفوا نهايته و لم يقعوا على طبائع العالم و كيف يستعان بها على الأفعال و لم يحيطوا علما بأكثرهم و لم يأتهم في مظانهم و لا امتحنوا قواهم و مبالغ حيلهم و مخرقة أصحاب الخفة و أشكالهم.
الجواب عنه أن يقال قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه بأن ما ذكروا ليس في العالم كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الإنسان عاش أبدا و إذا وضعه على الموات عاد حيوانا و إذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة و لا فيه ما يرد الرجل المقطوعة و لا ما به يزال الزمانة
الحالة و لا فيه شيء يجتذب به الشمس و القمر من أماكنهما.
فلما لزم النفس على ما ذكرنا كذلك لزوم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر يجذب الشجر من أماكنها و يشق به البحور و يحيا به الأموات.
و أيضا فإن حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم طلب دون الحاجة إليه حتى بدروا عليه لما فيه من الأعجوبة و خاصة لإرادة التلبث به و استخراج نصل السهم من البدن بذلك فلو كان فيه حجر أو شيء يجذب الشجر فإنه كان أعز من حجر المغناطيس و كان سبيله سبيل الجواهر و غيرها لا يخفى على من في العالم خبرها.
كالجوهر الذي يقال له الكبريت الأحمر و لعزته ضرب به المثل فقيل أعز من الكبريت الأحمر و كانت الملوك أقدر على هذا الحجر كما هم أقدر على ما عز من الأدوية و غيرها من الأشياء العزيزة فلما لم يكن من هذا أثر عندهم و لا خبر لكونه بطل أن يكون له كون أو وجود و لو كان كيف كان الرسل و أوصياؤهم عليه مع فقرهم و عجزهم في الدنيا و ما فيها و يكون معروف المنشأ و لم يغب عنهم طويلا.
فصل
ثم إن النبي ص لما دعا الشجرة و كذا وصي من أوصيائه ردها إلى مكانها فإن جذبها شيء و ردها لا شيء كان ردها آية عظيمة و إن كان شيء كان معه فذلك محال من قبل أن ذلك الشيء يضاد ما جذبها فإذا كان الجذب به فإمساكها و ردها لم يجب أن يكون به أو معه فلا يرده لأنه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة و ذلك محال.
و لأن الحجر لو كان فيه ما ذكروا لكان فيه آية له لأنه ليس في العالم مثله فهو خارج عن العرف كخروج مجيء الشجرة بدعائه و قد أنبع الله لموسى من الحجر الماء فانبجست من الحجر اثنتا عشرة عينا لكل سبط عين و الحجارة يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ فلما كان حجر موسى خارجا عن عادات الناس كان دليلا على نبوته و ليس في الحجر ما يمكن به نقل الجبال و المدن.
و أما قولهم إن المقرين بمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق إلى آخر الكلام إنه يقال لهم و لم يمتحن أحد من الجاحدين للرسل طبائع العالم و لا عرفوا ما فيه فيعلموا أن جميع حيوانه يموت لعل حيوانا لا يموت يبقى على الدهر أبدا لا يتغير و لعل في العالم نارا لا تحرق إذ لو كان لم يمتحن قوى العالم و لا أحاط علمنا بخواصه و سرائره لزمه قلب أكثر الحقائق و بطلانها.
باب في مقالات المنكرين للنبوات و الإمامة عن قبل الله و جواباتها و بطلانها
اعلم أن المنكرين للنبوات فرقتان ملحدة و دهرية و موحدة البراهمة و الفلاسفة عندنا من جملة الدهرية و الملحدة أيضا و قد اجتمعوا على إبطال النبوات و إنكار المعجزات و احتالها تصريحا و تلويحا و زعمت أن تصحيح أمرها يؤدي إلى نقض وجوب الطبائع و قد استقر أمرها على وجه لا يصح انتقاضها و كلهم يطعنون في معجزات الأنبياء و أوصيائهم حتى قالوا في القرآن تناقض و أخبار زعموا مخبراتها على اختلافها.
منها قوله وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا 12395 ثم وجدناكم تقولون إن يحيى بن زكريا قتله ملك من الملوك و نشر رأس والده زكريا بالمنشار معما لا يحصى من الخلق من المؤمنين الذين قتلهم الكفار.
و في القرآن أيضا إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ 12396 و قد ينكح كثير فيبقى فقيرا أو يزداد فقره و قد قال لنبيه وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ 12397 ثم وجدنا كسرت رباعيته و شج رأسه.
و فيه أيضا ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ 12398 و إن الخلق يدعونه دائما فلا يجيبهم و في القرآن فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 12399 و هذا دليل على 12400
أن محمدا لم يكن واثقا بما عنده لأنه ردهم إلى قوم شهد عليهم بكتمان الحق و قول الباطل و هم عنده غير ثقات في الدعوى و الخبر.
فصل
الجواب عما ذكروه أولا أن تأويل ما حكيتم على خلاف ما توهمتم لأن الذي نفاه من كون سبيل الكفار على المؤمنين إنما هو من طريق قيام الحجة منهم على المسلمين في دينهم في إقامة دليل على فساد دينهم لم يرد بذلك المؤالبة و المغالبة و هو معنى قوله لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 12401 أي بالدلالة و الحجة لا بالمبالغة و العزة و يحيى بن زكريا لما قتل كانت حجته ثابتة على من قتله و كان هو الظاهر عليه بحقه و إن كان في ظاهر أمر الدنيا مغلوبا فإذا قهر بحق لم يدل ذلك على بطلان أمره و فساد طريقه.
و أما قوله إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ففيه جوابان أحدهما أنه أراد أن كانوا فقراء إلى الجماع استغنوا بالنكاح و الثاني أنه خرج على الأغلب من أحوالهم و قد قال تعالى بعد ما تزوج محمد عليه السلام خديجة وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى 12402 أي أغناك بمالها.
و أما قوله وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فالمعنى أنه يعصمك من قتلهم إياك.
و قوله ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ فيه أجوبة أحدها أن فيه إضمارا أي إن رأيت لكم مصلحة في الدين و قد صرح به في قوله فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ 12403 و الثاني أن الدعاء هو العبادة أي اعبدوني بالتوحيد آجركم عليه يدل على ذلك قوله إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي و الثالث أن يكون اللفظ عموما و المراد به الخصوص و هذا في العرف كثير.
و أما قوله فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ فإن الله لما احتج لنبيه بالبراهين
المعجزة و رأى فريقا ممن حسده على نعمة الله عنده من عشيرته يميلون إلى أهل الكتاب و يعدلونهم عليه و على أنفسهم و يعتمدون في الاحتجاج لباطلهم على جحدهم إياه أراد أن يدلهم على صدقه بإقرار عدوه و من أعظم استدلالا من الذي استشهد عدوه و يحتج بإقراره له و انقياده إياه ثم إن في التوراة و الإنجيل صفات محمد ص و كل من أنصف منهم شهد له بذلك.
فصل
و قالوا كيف يدعون أن كل إخبار محمد عن الغيب وقع صدقا و عدلا و قد وجدنا بعضها بخلافه لأن محمدا قال إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده و قد وجدنا بعده قياصر كثيرة و أملاكهم ثابتة و قال شهرا عيد لا ينقصان و قد وجدنا الأمر بخلاف ذلك كثيرا و قد قال ما ينقص مال من صدقة و قد وجدنا نقص حسابها.
و قال إن يوسف أعطي نصف حسن آدم ثم قال الله في قصة إخوته لما دخلوا عليه فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ 12404 و من كان في حسنه ثابتا بهذه البينونة العظمى كيف يخفى أمره و في كتابكم أن عيسى ما قتل و ما صلب و قد اجتمعت اليهود و النصارى على أنه قتل و صلب.
و في كتابكم وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ 12405 و قال نبيكم إن في نسائكم أربع نبيات و في كتابكم قالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً 12406 و كان فرعون قتل [قبل] هامان بزمان طويل و في كتابكم وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ 12407 و الشعر كلام موزون و نحن نجد في القرآن كلاما موزونا و هو الشعر في غير موضع فمنه وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ 12408 و وزنه عند العروضيين
فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن .
و منه قوله وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ 12409 و وزنه قول الشاعر
ألا حييت عنا يا ردينا
نحييها و إن كرمت علينا .
و منه قوله مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ 12410 وزنه
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
قالوا و منه موجود في كلام نبيكم معما روي أنه قال ما أبالي مما أتيت إن أنا سويت ترياقا أو علفت بهيمة و قال الشعر من قبل نفسي ثم قال يوم حنين
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
و قال يوم الخندق لما قال الأنصاري
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما بغينا أبدا .
و قال أيضا
غير الإله قط ما ندينا
و لو عبدنا غيره شقينا .
فقال ص
فحبذا دينا و حب دينا .
و قال لما دميت إصبعه
هل أنت إلا إصبع دميت
و في سبيل الله ما لقيت .
فصل
الجواب عما قالوه أولا فهو من أدل الأعلام على صدقه فيما أخبر به عن الغيوب و ذلك أنه
14 لما أرسل إلى كسرى و هو ممزق كتابه ع قال ص مزق الله مملكته كما مزق كتابي.
فوقع ذلك كما دعا و أخبر به و
لما كتب إلى قيصر لم يمزق كتابه قال ثبت الله مملكته.
و كان يغلب على الشام و كان النبي مخبرا بفتحها له فمعنى قوله و لا قيصر بعده يعني في كل أرض الشام.
و أما
14 قوله شهرا عيد لا ينقصان.
ففيه أجوبة أحدها أن خرج على سنة بعينها أشار إليها و كان كذلك و هذا كما قال يوم صومكم يوم نحركم لسنة بعينها و كما قال الجالس في وسط القوم ملعون أشار إلى واحد كان يستمع الأخبار من وسط الحلقة و الثاني أنهما لا ينقصان على الإجماع غالبا بل يكون أحدهما ناقصا و الآخر تاما و الثالث أن يكون معناه لا ينقص أجر من صامهما و إن كان في العدد نقصان لأن الشهر الهلالي ربما كمل و ربما نقص و على أي هذه
الوجوه حملته لم يكن في خبره خلف و لا كذب.
و أما خبر الزكاة فهو
كقوله في خبر آخر أمتعوا أموال اليتامى لا يأكلها الزكاة فلان من تصرف فيه بالتجارة.
استفاد من ثوابه أكثر مما تصدق به و كأنه لم ينقص من المال شيئا ثم إن المال الذي يزكى منه يكون له بركة.
فأما تأويل خبر يوسف بعد قيل إن الله أعطى يوسف نصف حسن آدم فلم يقع فيه التفاوت الشديد و قد كانوا فارقوه طفلا و رأوه كهلا و دفعوه أسيرا ذليلا و رواه ملكا عزيزا و بأقل هذه المدة و اختلاف هذه الأحوال تتغير فيها الخلق و تختلف المناظر فما فيه تناقض.
على أن الله ربما يرى لمصالح تعمية شيء على إنسان فيعرفه جملة و لا يعلمه تفصيلا و يحتمل أن يكون بمعنى قوله وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ أي مظهرون لإنكاره عارفون به.
و أما ما قالوا من قتل عيسى و صلبه قال نبينا ص حين أخبر أنه شبه عليهم و رأى القوم أنه قتل و صلب فقد جمعنا بين جزءين لأن إسقاط أحدهما لا يصح و استعمالهما ممكن و هو أن نقلهم عن مشاهدة صلب مصلوب يشبه عيسى صحيح لا خلف فيه و لكن لما كان الصادق أخبرنا أن الذي رأوه كان جسما ألقي عليه شبه عيسى فقلنا نجمع بين تواترهم و خبر نبينا قد قامت دلالة صحتها فنقول إن ما فعلوا عن مشاهدة الجسم الذي كان في صورة المسيح مصلوبا صحيح فأما أنهم ظنوا أنه المسيح و قد كان رجلا ألقي عليه شبه المسيح فلا لأجل خبر الصادق به على أن خبر النصارى يرجع إلى أربع نفر لا عصمة لهم.
و أما قوله إن في نسائكم أربع نبيات و أنه تناقض قوله وَ ما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فإن معنى النبي غير الرسول فيجوز أن يكون نبيات غير مرسلات و قيل المراد به سارة و أخت موسى و مريم و آسية بعثهن الله لولادة البتول فاطمة إلى خديجة ليلين أمرها.