کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى أَنْ قَالَ وَ رَأَيْتُ فِي عِلِّيِّينَ بِحَاراً وَ أَنْوَاراً وَ حُجُباً وَ غَيْرَهَا لَوْ لَا تِلْكَ لَاحْتَرَقَ كُلُّ مَا تَحْتَ الْعَرْشِ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ قَالَ وَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ جَبْرَئِيلَ ع قَالَ لِلَّهِ دُونَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَاباً لَوْ دَنَوْنَا مِنْ أَحَدِهَا لَأَحْرَقَتْنَا سُبُحَاتُ وَجْهِ رَبِّنَا.
فذلكة اعلم أنه قد تظافرت الأخبار العامية و الخاصية في وجود الحجب و السرادقات و كثرتها و في القاموس السرادق الذي يمد فوق صحن البيت و الجمع سرادقات و البيت من الكرسف و بيت مسردق أعلاه و أسفله مشدود كله 7228 .
و في النهاية السرادق كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء 7229 انتهى و ظاهر أكثر الأخبار أنها تحت العرش و يلوح من بعضها أنها فوقه و لا تنافي بينها
وَ رُوِيَ مِنْ طُرُقِ الْمُخَالِفِينَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَبْعِينَ أَلْفَ حِجَابٍ مِنْ نُورٍ وَ ظُلْمَةٍ لَوْ كُشِفَتْ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا دُونَهُ.
و قال الجزري فيه أن جبرئيل قال لله دون العرش سبعون حجابا لو دنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجهه 7230
- وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ حِجَابُهُ النُّورُ أَوِ النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ.
سبحات الله جلاله و عظمته و هي في الأصل جمع سبحة و قيل أضواء وجهه و قيل سبحات الوجه محاسنه لأنك إذا رأيت الحسن الوجه قلت سبحان الله و قيل معناه تنزيه له أي سبحان وجهه و قيل إن سبحات وجهه كلام معترض بين الفعل و المفعول أي لو كشفها لأحرقت كل شيء بصره كما تقول لو دخل الملك البلد لقتل العياذ بالله كل من فيه و أقرب من هذا كله أن المعنى لو انكشف من أنوار الله التي تحجب العباد عنه شيء لأهلك كل من وقع عليه ذلك النور كما خَرَّ مُوسى صَعِقاً و تقطع الجبال دكا لما تجلى الله سبحانه و تعالى 7231 و قال النووي في شرح صحيح مسلم سبحات
بضم السين و الباء أي نوره و أراد بالوجه الذات و بما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات لأن بصره محيط بجميعها أي لو أزال المانع من رؤية أنواره لأحرق جلاله جميعهم.
و التحقيق أن لتلك الأخبار ظهرا و بطنا و كلاهما حق فأما ظهرها فإنه سبحانه كما خلق العرش و الكرسي مع عدم احتياجه إليهما كذلك خلق عندهما أستارا و حجبا و سرادقات و حشاها من أنواره الغريبة المخلوقة له ليظهر لمن يشاهدها من الملائكة و بعض النبيين و لمن يسمعها من غيرهم عظمة قدرته و جلال هيبته و سعة فيضه و رحمته و لعل اختلاف الأعداد باعتبار أن في بعض الإطلاقات اعتبرت الأنواع و في بعضها الأصناف و في بعضها الأشخاص أو ضم بعضها إلى بعض في بعض التعبيرات أو اكتفي بذكر بعضها في بعض الروايات و أما بطنها فلأن الحجب المانعة عن وصول الخلق إلى معرفة كنه ذاته و صفاته أمور كثيرة منها ما يرجع إلى نقص المخلوق و قواه و مداركه بسبب الإمكان و الافتقار و الاحتياج و الحدوث و ما يتبع ذلك من جهات النقص و العجز و هي الحجب الظلمانية و منها ما يرجع إلى نوريته و تجرده و تقدسه و وجوب وجوده و كماله و عظمته و جلاله و سائر ما يتبع ذلك و هي الحجب النورانية و ارتفاع تلك الحجب بنوعيه محال فلو ارتفعت لم يبق بغير ذات الحق شيء أو المراد بكشفها رفعها في الجملة بالتخلي عن الصفات الشهوانية و الأخلاق الحيوانية و التخلق بالأخلاق الربانية بكثرة العبادات و الرياضات و المجاهدات و ممارسة العلوم الحقة فترتفع الحجب بينه و بين ربه سبحانه في الجملة فيحرق ما يظهر عليهم من أنوار جلاله تعيناتهم و إراداتهم و شهواتهم فيرون بعين اليقين كماله سبحانه و نقصهم و بقاءه و فناءهم و ذلهم و غناه و افتقارهم بل يرون وجودهم المستعار في جنب وجوده الكامل عدما و قدرتهم الناقصة في جنب قدرته الكاملة عجزا بل يتخلون عن إرادتهم و علمهم و قدرتهم فيتصرف فيهم إرادته و قدرته و علمه سبحانه فلا يشاءون إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ و لا يريدون سوى ما أراد الله و يتصرفون في الأشياء بقدرة الله فيحيون الموتى و يردون الشمس و يشقون القمر
كَمَا
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا قَلَعْتُ بَابَ خَيْبَرَ بِقُوَّةٍ جِسْمَانِيَّةٍ بَلْ بِقُوَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ.
و المعنى الذي يمكن فهمه و لا ينافي أصول الدين من الفناء في الله و البقاء بالله هو هذا المعنى 7232 و بعبارة أخرى الحجب النورانية الموانع التي للعبد عن الوصول إلى قربه و غاية ما يمكنه من معرفته سبحانه من جهة العبادات كالرئاء و العجب و السمعة و المراء و أشباهها و الظلمانية ما يحجبه من المعاصي عن الوصول إليه فإذا ارتفعت تلك الحجب تجلى الله له في قلبه و أحرق محبة ما سواه حتى نفسه عن نفسه و سيأتي تمام القول في ذلك في كتاب الإيمان و الكفر إن شاء الله تعالى و كل ذلك لا يوجب عدم وجوب الإيمان بظواهرها إلا بمعارضة نصوص صحيحة صريحة صارفة عنها و أول الإلحاد سلوك التأويل من غير دليل و الله الهادي إلى سواء السبيل.
باب 6 سدرة المنتهى و معنى عليين و سجين
الآيات النجم وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى 7233 المطففين كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ إلى قوله تعالى كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ 7234 تفسير قال الطبرسي ره وَ لَقَدْ رَآهُ أي جبرئيل 7235 في صورته التي خلق عليها نازلا من السماء نَزْلَةً أُخْرى و ذلك أنه رآه مرتين على صورته عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى هي شجرة عن يمين العرش فوق السماء السابعة انتهى إليها علم كل ملك عن الكلبي و مقاتل و قيل إليها ينتهي ما يعرج إلى السماء و ما يهبط من فوقها من أمر الله عن ابن مسعود و الضحاك و قيل إليها ينتهي أرواح الشهداء و قيل إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها و إليها ينتهي ما يعرج من الأرواح فيقبض منها و المنتهى موضع الانتهاء و هذه الشجرة حيث تنتهي إليه الملائكة فأضيفت إليه و قيل هي شجرة طوبى عن مقاتل و السدرة هي شجرة النبق عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى أي جنة المقام و هي جنة الخلد و هي في السماء السابعة و قيل في السماء السادسة و قيل هي الجنة التي كان أوى إليها آدم و تصير إليها أرواح الشهداء عن الجبائي و قتادة و قيل هي التي تصير إليها أهل الجنة عن الحسن و قيل هي التي يأوي إليها جبرئيل و الملائكة عن عطاء عن ابن عباس إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى قيل يغشاها الملائكة أمثال الغربان حتى يقعن على الشجرة عن الحسن و مقاتل
وَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ أَوْرَاقِهَا مَلَكاً
قَائِماً يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى.
و قيل يغشاها من النور و البهاء و الحسن و الصفاء الذي يروق الأبصار ما ليس لوصفه منتهى عن الحسن و قيل يغشاها فراش من ذهب عن ابن عباس و مجاهد و كأنها ملائكة على صورة الفراش يعبدون الله تعالى و المعنى أنه رأى جبرئيل على صورته في الحال التي يغشى فيها السدرة من أمر الله و من العجائب المنبهة على كمال قدرة الله تعالى ما يغشاها و إنما أبهم الأمر فيما يغشى لتعظيم ذلك و تفخيمه 7236 .
إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ يعني كتابهم الذي فيه تثبت أعمالهم من الفجور و المعاصي عن الحسن و قيل معناه أنه كتب في كتابهم أنهم يكونون في سجين و هي في الأرض السابعة السفلى
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ مُجَاهِدٍ وَ قَتَادَةَ وَ ضَحَّاكٍ وَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص سِجِّينٌ أَسْفَلَ سَبْعِ أَرَضِينَ.
و قال شمر بن عطية جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول الله تعالى إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ قال إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فتدخل تحت سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجين و هو موضع جند إبليس و المعنى في الآية أن كتاب عملهم يوضع هناك و قيل إن سجين جب في جهنم مفتوح و
الفلق جب في جهنم مغطى رواه أبو هريرة عن النبي ص.
و قيل إن السجين اسم كتابهم و هو ظاهر التلاوة أي ما كتبه الله على الكفار بمعنى أوجبه عليهم من الجزاء في هذا الكتاب المسمى سجينا و يكون لفظه من السجن الذي هو الشدة عن أبي مسلم 7237 .
و قال لَفِي عِلِّيِّينَ أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة و قيل في السماء السابعة و فيها أرواح المؤمنين و قيل في سدرة المنتهى التي إليها ينتهي كل شيء من أمر الله تعالى و قيل عليون الجنة عن ابن عباس و قال الفراء في ارتفاع
بعد ارتفاع لا غاية له و قيل هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها عن ابن عباس في رواية أخرى
وَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ ص قَالَ فِي عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ.
و قال ابن عمر إن أهل عليين لينظرون إلى أهل الجنة من كذا فإذا أشرف رجل منهم أشرقت الجنة و قالوا قد اطلع رجل من أهل عليين 7238 .
1- الْعِلَلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّمَا سُمِّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ أَعْمَالَ أَهْلِ الْأَرْضِ تَصْعَدُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ الْحَفَظَةُ إِلَى مَحَلِّ السِّدْرَةِ قَالَ وَ الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ الْبَرَرَةُ دُونَ السِّدْرَةِ يَكْتُبُونَ مَا يَرْفَعُهُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فِي الْأَرْضِ فَيَنْتَهِي 7239 بِهَا إِلَى مَحَلِّ السِّدْرَةِ 7240 .
المحاسن، عن ابن محبوب مثله 7241 .
2- تَفْسِيرُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ انْتَهَيْتُ إِلَى مَحَلِّ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَ إِذَا الْوَرَقَةُ مِنْهَا تَظَلُّ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ فَكُنْتُ مِنْ رَبِّي كَقَابِ 7242 قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى الْخَبَرَ 7243 .
3- وَ مِنْهُ، قَالَ: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَ جَنَّةُ الْمَأْوَى عِنْدَهَا 7244 .