کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
ليوافق كل واحدة منكما أختها فيما أردت منكما طَوْعاً أَوْ كَرْهاً شئتما ذلك أو أبيتما أو المراد إظهار كمال قدرته و وجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع و الكره لهما و هما مصدران وقعا موقع الحال قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ أي منقادين بالذات و الأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما و تأثرهما بالذات عنها و تمثيلها 6064 بأمر المطاع و إجابة المطيع الطائع كقوله كُنْ فَيَكُونُ و ما قيل إنه تعالى خاطبهما و أقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول و الأخير و إنما قال طائِعِينَ على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله تعالى ساجِدِينَ و قال الطبرسي قدس سره قال ابن عباس أتت السماء بما فيها من الشمس و القمر و النجوم و أتت الأرض بما فيها من الأنهار و الأشجار و الثمار و ليس هناك أمر بالقول حقيقة 6065 و لا جواب لذلك القول بل أخبر 6066 سبحانه عن اختراعه السماوات و الأرض و إنشائه لهما من غير تعذر و لا كلفة و لا مشقة بمنزلة ما يقال 6067 افعل فيفعل من غير تلبث و لا توقف و لا تأن 6068 فعبر عن ذلك بالأمر و الطاعة و هو كقوله إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ و إنما قال أَتَيْنا طائِعِينَ و لم يقل طائعتين لأن المعنى أتينا بمن فينا من العقلاء 6069 فغلب حكم العقلاء و قيل إنه لما خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل كما قال وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 6070 فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ قال البيضاوي أي فخلقهن خلقا إبداعيا و أتقن
أمرهن و الضمير للسماء على المعنى 6071 أو مبهم و سَبْعَ سَماواتٍ حال على الأول و تمييز على الثاني فِي يَوْمَيْنِ قيل خلق السماوات يوم الخميس و الشمس و القمر و النجوم يوم الجمعة وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها شأنها و ما يتأتى منها بأن حملها عليه اختيارا أو طبعا و قيل أوحى إلى أهلها بأوامره وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها وَ حِفْظاً أي و حفظناها من الآفات أو من المسترقة حفظا و قيل مفعول له على المعنى كأنه قال خصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة و حفظا ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ البالغ في القدرة و العلم.
وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ قال الطبرسي أي تعب و نصب أكذب الله تعالى بهذا اليهود فإنهم قالوا استراح الله يوم السبت فلذلك لا نعمل فيه شيئا 6072 .
و قال الرازي في تفسيره قال بعض المفسرين المراد من الآية الرد على اليهود حيث قالوا بدأ الله خلق العالم يوم الأحد و فرغ منه في ستة أيام آخرها يوم الجمعة و استراح يوم السبت و استوى 6073 على عرشه فقال تعالى وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ رادا 6074 عليهم و الظاهر أن المراد الرد على المشرك أي ما تعبنا بالخلق الأول حتى لا نقدر على الإعادة ثانيا و أما ما قاله اليهود و نقلوه من التوراة فهو إما تحريف منهم أو لم يعلموا تأويله و ذلك لأن الأحد و الإثنين أزمنة متميزة بعضها عن بعض فلو كان خلق السماوات ابتداء يوم الأحد لكان الزمان متحققا قبل الأجسام و الزمان لا ينفك عن الأجسام فيكون قبل الأجسام 6075 أجسام أخر
فيلزم القول بقدم العالم و هو مذهب الفلاسفة انتهى 6076 .
و أقول تعيين تلك الأيام موجودة في الأخبار المعتبرة كما ستعرف و ما توهم من لزوم قدم العالم خطأ كما عرفت سابقا أنه يمكن تصحيحه بوجوه متعددة شيء منها لا يستلزم ذلك و أما تعيين الأيام فيمكن أن تقدر الأزمنة بحيث تكون بعد خلق الشمس و حركة الأفلاك و تعيين الأيام تلك الأزمان الماضية موافقة لهذه الأيام الستة بحيث إذا كانت الشمس متحركة فيها كانت تلك الأيام بعينها فتأمل.
أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً قال البيضاوي أي أصعب خلقا أَمِ السَّماءُ ثم بين كيف خلقها و قال 6077 بَناها ثم بين البناء فقال رَفَعَ سَمْكَها أي جعل مقدار ارتفاعها من الأرض أو ثخنها الذاهب في العلو رفيعا فَسَوَّاها أي فعدلها أو جعلها 6078 مستوية أو فتممها بما به يتم 6079 كمالها من الكواكب و التداوير و غيرها 6080 من قولهم سوى فلان أمره إذا أصلحه وَ أَغْطَشَ لَيْلَها أي أظلمه منقول من غطش الليل إذا أظلم و أضاف 6081 إليها لأنه يحدث بحركتها وَ أَخْرَجَ ضُحاها أي و أبرز ضوء شمسها كقوله تعالى وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها يريد النهار وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها بسطها و مهدها للسكنى أَخْرَجَ مِنْها ماءَها بتفجير العيون وَ مَرْعاها أي و رعيها و هو في الأصل لمواضع الرعي 6082 و تجريد الجملة عن العاطف لأنها حال بإضمار قد أو بيان للدحو وَ الْجِبالَ أَرْساها أي أثبتها مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ تمتيعا لكم و لمواشيكم 6083 .
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى أي خلق كل شيء فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله و يتم معاشه وَ الَّذِي قَدَّرَ أي قدر أجناس الأشياء و أنواعها و أشخاصها و مقاديرها و صفاتها و أفعالها و آجالها فَهَدى فوجهه إلى أفعاله طبعا أو اختيارا بخلق الميول و الإلهامات و نصب الدلائل و إنزال الآيات.
تحقيق في دفع شبهة
اعلم أن بعض الملاحدة أوردوا تناقضا بين آيات سورتي البقرة و السجدة و بين آيات سورة النازعات حيث زعموا أن الأولة تدل على تقدم خلق الأرض على السماء و الأخيرة على العكس و أجيب عنه بوجوه.
أحدها أن خلق الأرض قبل السماء إلا أن دحوها متأخر عن خلق السماء و استشكل بوجهين الأول أن الأرض جسم عظيم فامتنع انفكاك خلقها عن التدحية فإذا كانت التدحية متأخرة عن خلق السماء كان خلقها لا محالة أيضا متأخرا عن خلق السماء. و الثاني أن الآية الأولى تدل على أن خلق الأرض و خلق كل ما فيها مقدم على خلق السماء و خلق الأشياء في الأرض لا يكون إلا بعد ما كانت مدحوة و أجيب عن الأول بأنا لا نسلم امتناع انفكاك خلق الأرض عن دحوها و المناقشة في إطلاق خلق الأرض على إيجادها غير مدحوة مناقشة لفظية و عن الثاني بأن قوله تعالى وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها يقتضي تقدم خلق السماء على دحو الأرض و لا يقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض فجاز أن تكون تسوية السماء متأخرة عن دحو الأرض فيكون خلق الأرض قبل السماء و خلق السماء قبل دحو الأرض و دحو الأرض قبل تسوية السماء فارتفع التنافي و يرد عليه أن الآية الثالثة تقتضي تقدم تسوية السماء على دحو الأرض و الثانية تقتضي تقدم خلق الأرض بما فيها على تسويتها سبع سماوات و خلق ما في الأرض قبل دحوها مستبعد و يمكن أن يجاب بأن المراد بالخلق في الأولى التقدير و هو شائع في العرف و اللغة أو بأن المراد بخلق ما في الأرض خلق موادها كما أن خلق
الأرض قبل دحوها عبارة عن مثل ذلك فتكون تسوية السماء متقدمة على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة أو بأن يفرق بين تسويتها المذكورة في الثالثة و بين تسويتها سبع سماوات كما في الأولى و حينئذ فتسويتها مطلقا متقدمة على دحو الأرض و تسويتها سبعا متأخرة عنه و لعل هذا أوفق في الجمع أو بأن يقال الفاء في قوله تعالى فَسَوَّاها بمعنى ثم و المشار إليه بذلك في قوله تعالى وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها هو بناء السماء و خلقها لا مجموع ما ذكر قبله أو بأن يقال كلمة ثم في الأولى للترتيب الذكري و تقديم خلق ما في الأرض في معرض الامتنان لمزيد الاختصاص فيكون خلق ما في الأرض بعد دحوها كما هو الظاهر و تسوية السماء متقدمة عليه و على دحو الأرض كما هو ظاهر الآية الثالثة لكن هذا لا يخلو من نوع 6084 منافرة لظاهر الآية الثانية و قد أوردنا بعض التوجيهات لها في شرح بعض الأخبار الآتية.
و قال البيضاوي كلمة ثم في آيتي البقرة و السجدة لتفاوت 6085 ما بين الخلقين و فضل خلق السماء على خلق الأرض كقوله تعالى ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لا للتراخي في المدة 6086 فإنه يخالف ظاهر قوله تعالى وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فإنه يدل على تأخر دحو الأرض المتقدم على خلق ما فيها عن خلق السماء و تسويتها إلا أن يستأنف بدحيها مقدرا لنصب الأرض فعلا آخر دل عليه أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً مثل تعرف الأرض و تدبر أمرها بعد ذلك لكنه خلاف الظاهر 6087 انتهى.
و الوجه الثاني مما قد أجيب به عن أصل الإشكال أن يقال كلمة بعد في الآية الثالثة ليست للتأخر الزماني إنما هو على جهة تعداد النعم و الإذكار
لها كما يقول القائل أ ليس قد أعطيتك و فعلت بك كذا و كذا و بعد ذلك خلطتك و ربما يكون بعض ما تقدم في اللفظ متأخرا بحسب الزمان لأنه لم يكن الغرض الإخبار عن الأوقات و الأزمنة بل المراد ذكر النعم و التنبيه عليها و ربما اقتضت الحال إيراد الكلام على هذا الوجه.
و الثالث ما ذكره الرازي و هو أن لا يكون معنى دَحاها مجرد البسط بل يكون المراد أنه بسطها بسطا مهيأ لنبات الأقوات و هذا هو الذي بينه بقوله أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها و ذلك لأن 6088 الاستعداد لا يحصل للأرض إلا بعد وجود السماء فإن الأرض كالأم و السماء كالأب و ما لم يحصلا لم يتولد أولاد المعادن و النبات و الحيوان.
و الرابع ما ذكره أيضا و هو أن يكون قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ أي مع ذلك كقوله عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ أي مع ذلك و كقولك للرجل أنت كذا و كذا ثم أنت بعدها كذا لا تريد 6089 الترتيب و قال تعالى فَكُّ رَقَبَةٍ إلى قوله ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا و المعنى و كان و هذا تقرير ما نقل عن ابن عباس و غيره قالوا في قوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أي مع مياده دحاها 6090 .
أقول و هذا قريب من الثاني ثم المشهور أن خلق الأرض قبل خلق السماء و هو الأظهر و قيل بالعكس نقل الواحدي في البسيط عن مقاتل أنه قال خلق الله السماء قبل الأرض و تأويل قوله ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ ثم كان قد استوى وَ هِيَ دُخانٌ قبل أن يخلق الأرض فأضمر فيه كان كما قال تعالى قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ معناه إن يكن سرق.
و قال الرازي المختار عندي أن يقال خلق السماء مقدم على خلق الأرض
بقي أن يقال كيف تأويل هذه الآية يعني آية السجدة فنقول الخلق ليس عبارة عن التكوين و الإيجاد و الدليل عليه قوله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فلو كان الخلق عبارة عن الإيجاد و التكوين لصار معنى الآية أوجده من تراب ثم قال له كن فيكون و هذا محال لأنه يلزم أنه تعالى قد قال لشيء وجد كن و إذا ثبت هذا فنقول قوله خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ معناه أنه قضى بحدوثها في يومين و قضاء الله بأنه سيحدث كذا في مدة كذا لا يقتضي حدوث ذلك الشيء في الحال فقضاء الله بحدوث الأرض في يومين مقدم على إحداث السماء و لا يلزم منه تقدم إحداث الأرض على إحداث السماء 6091 انتهى و لا يخفى ما فيه و ستطلع على حقيقة الأمر في ضمن شرح الأخبار إن شاء الله تعالى.
الأخبار
1- نهج، نهج البلاغة قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي خُطْبَةٍ لَهُ الْمَعْرُوفُ 6092 مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ وَ الْخَالِقُ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ وَ لَا حُجُبٌ ذَاتُ أَرْتَاجٍ وَ لَا لَيْلٌ دَاجٍ وَ لَا بَحْرٌ سَاجٍ وَ لَا جَبَلٌ ذُو فِجَاجٍ وَ لَا فَجٌّ ذُو اعْوِجَاجٍ وَ لَا أَرْضٌ ذَاتُ مِهَادٍ وَ لَا خَلْقٌ ذُو اعْتِمَادٍ ذَلِكَ مُبْتَدِعُ الْخَلْقِ وَ وَارِثُهُ وَ إِلَهُ الْخَلْقِ وَ رَازِقُهُ 6093 .