کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و على الثالث أنه لا يلزم من ذلك وجود حس مشترك غاية الأمر أن لا تكفي الحواس الظاهرة لمشاهدة الصور حالتي الغيبة و الحضور بل يكون لكل حس ظاهر حس باطن.
الثاني الخيال و هي قوة مرتبة في مؤخر التجويف الأول من الدماغ بحسب المشهور و عند المحققين الروح المصوب في التجويف الأول آلة للحس المشترك و الخيال إلا أن المشاهدة اختص بما في مقدمه و التخيل بما في مؤخره و هو يحفظ جميع صور المحسوسات و يمثلها بعد الغيبة عن الحواس المختصة و الحس المشترك و هي خزانة الحس المشترك لبقاء الصور المحسوسة فيها بعد زوالها عنه و إنما جعلت خزانة للحس المشترك مع أن مدركات جميع الحواس الظاهرة تختزن فيها لأن الحواس الظاهرة لا تدرك شيئا بسبب الاختزان بالخيال بل بإحساس جديد من خارج فيفوت معنى الخزانة بالقياس إليها بخلاف الحس المشترك فإنا إذا شاهدنا صورة في اليقظة أو النوم ثم ذهلنا عنها ثم شاهدناها مرة أخرى نحكم عليها بأنها هي التي شاهدناها قبل ذلك فلو لم تكن الصور محفوظة لم يكن هذا الحكم كما لو صارت منسية و إنما احتيج إلى الحفظ لئلا يختل نظام العالم و لا يشتبه الضار بالنافع إذا لم يعلم أنه المبصر أو لا و ينفسد المعاملات و غيرها.
و الدليل على مغايرتها للحس المشترك وجهان أحدهما أن قوة القبول غير قوة الحفظ فرب قابل النقش كالماء لم يحفظ لوجود رطوبة فيه هي شرط سرعة القبول و عدم اليبس الذي هو شرط الحفظ و ثانيهما أن استحضار الصور و الذهول عنها من غير نسيان و النسيان يوجب تغاير القوتين ليكون الاستحضار حصول الصورة فيهما و الذهول حصولها في أحدهما دون الأخرى و النسيان زوالها عنهما و اعترض عليهما بوجوه و أجابوا منها و هي مذكورة في محالها.
و احتج الرازي على إبطال الخيال بأن من طاف في العالم و رأى البلاد و الأشخاص الغير المعدودة فلو انطبقت صورها في الروح الدماغي فإما أن يحصل جميع تلك الصور في محل واحد فيلزم الاختلاط و عدم التمايز و إما أن يكون لكل صورة
محل فيلزم ارتسام صورة في غاية العظم في جزء في غاية الصغر.
و أجيب بأنه قياس للصور على الأعيان و هو باطل فإنه لا استحالة و لا استبعاد في توارد الصور على محل واحد مع تمايزها و لا في ارتسام صورة العظيم في المحل الصغير و إنما ذلك في الأعيان الحالة في محالها حلول العرض في الموضوع أو الجسم في المكان الثالث الوهم و هي القوة المدركة للمعاني الجزئية الموجودة في المحسوسات كالعداوة المعينة من زيد و قيد بذلك لأن مدرك العداوة الكلية هو النفس و المراد بالمعاني ما لا يدرك بالحواس الظاهرة فيقابل الصور أعني ما يدرك بها فإدراك تلك المعاني دليل على وجود قوة بها إدراكها و كونها مما لم يتأد من الحواس دليل على مغايرتها للحس المشترك و كونها جزئية دليل على مغايرتها للنفس الناطقة بناء على أنها لا تدرك الجزئيات بالذات هذا مع وجودها في الحيوانات العجم كإدراك الشاة معنى في الذئب بقي الكلام في أن القوة الواحدة لما جاز أن تكون آلة لإدراك أنواع المحسوسات لم لا يجوز أن تكون آلة لإدراك معانيها أيضا.
و أما إثبات ذلك بأنهم جعلوا من أحكام الوهم ما إذا رأينا شيئا أصفر فحكمنا بأنه عسل و حلو فيكون الوهم مدركا للحلاوة و الصفرة و العسل جميعا ليصح الحكم و بأن مدرك عداوة الشخص مدرك له ضرورة فضعيف لأن الحاكم حقيقة هو النفس فيكون المجموع من الصور و المعاني حاضرا عندها بواسطة الآلات كل منها بآلتها الخاصة و لا يلزم كون محل الصور و المعاني قوة واحدة لكن يشكل بأن مثل هذا الحكم قد يكون للحيوانات العجم التي لا يعلم وجود النفس الناطقة لها كذا ذكره في شرح المقاصد.
و قد يستدل على وجودها بأن في الإنسان شيئا ينازع عقله في قضاياه كما يخاف الانفراد بميت يقتضي عقله الأمن منه و ربما يغلب التخويف على التأمين فهو قوة باطنية غير عقله و قيل محل هذه القوة التجويف الأوسط من الدماغ و آلتها الدماغ كله لأنها الرئيس المطلق في الحيوان و مستخدمة سائر القوى
الحيوانية التي مصدر أكثر أفاعيلها الروح الدماغي فيكون كل الدماغ آلة لكن الأخص بها التجويف الأوسط لاستخدامها المتخيلة و محلها مؤخر ذلك التجويف و لا يستلزم كون الشيء آلة القوة كونه محلا لها ليلزم توارد القوى على محل واحد كما توهم.
الرابع الحافظة و هي للوهم كالخيال للحس المشترك و وجه تغايرهما 11032 أن قوة القبول غير قوة الحفظ و الحافظة للمعاني غير الحافظة للصور و الكلام فيه كالكلام في ما تقدم و يسميها قوم ذاكرة إذ بها الذكر أعني ملاحظة المحفوظ بعد الذهول و متذكرة إذ بها التذكر أي الاحتيال لاستعراض الصور بعد ما اندرست و محلها أول التجويف الآخر من الدماغ.
و الخامس المتخيلة المركبة للصور المحسوسة و المعاني الجزئية المتعلقة بها بعضها مع بعض و المفصلة بعضها عن بعض تركيب الصورة بالصورة كما في قولك صاحب هذا اللون المخصوص له هذا الطعم المخصوص و تركيب المعنى بالمعنى كما في قولك ما له هذه العداوة له هذه النفرة و تركيب الصورة بالمعنى كما في قولك صاحب هذه الصداقة له هذا اللون و تفصيل الصورة عن الصورة كما في قولك هذا اللون ليس هذا الطعم و قس على هذا و قال بعضهم هي مرتبة في مقدم التجويف الأوسط من الدماغ من شأنها تركيب بعض ما في الخيال أو الحافظة من الصور و المعاني مع بعض و تفصيل بعضها عن بعض فتجمع أجزاء أنواع مختلفة كجعلها حيوانا من رأس إنسان و عنق جمل و ظهر نمر و يفرق أجزاء نوع واحد كإنسان بلا رأس و لا يسكن عن فعلها دائما لا نوما و لا يقظة و هي المحاكية للمدركات و الهيئات المزاجية و تنتقل إلى الضد و الشبيه فما في القوى الباطنة أشد شيطنة منها ليس من شأنها أن يكون عملها منتظما بل النفس هي التي تستعملها على أي نظام أرادت فتسمى عند استعمال النفس إياها بواسطة الوهم بالمتخيلة و عند استعمالها إياها بواسطة القوة
العقلية بالمفكرة بها تستنبط العلوم و الصناعات و تقتنص الحدود الوسطى باستعراض ما في الحافظة.
خاتمة
قال بعض المحققين قد علم بالتشريح أن للدماغ بطونا ثلاثة أعظمها البطن المقدم و أصغرها البطن الأوسط و هو كمنفذ من البطن المقدم إلى البطن المؤخر فآلة الحس المشترك هو الروح المصبوب في مقدم البطن المقدم و آلة الخيال هو الروح المصبوب في مؤخره و لما كان الوهم سلطان القوى الحسية و مستخدما لسائر القوى الحيوانية كان الدماغ كله آلة له و إن كان له اختصاص بآخر التجويف الأوسط و آلة المتصرفة مقدم التجويف الأوسط و آلة الحافظة مقدم التجويف الأخير و أما مؤخر هذا التجويف فلم يودع فيه شيء من هذه القوى إذ لا حارس هناك من الحواس الظاهرة فلو أودع فيه شيء من هذه القوى لكثر فيه المصادمات الموجبة لاختلال القوة.
قال المحقق الشريف فانظر إلى حكمة البارئ حيث قدم ما يدرك به الصور الجزئية و وضع تحته ما يحفظها و أخر ما يدرك به المعاني المنتزعة من تلك الصور و قرنه بما يحفظها و أقعد المتصرف فيهما بينهما فسبحانه جلت قدرته و عظمت حكمته انتهى.
و هو إشارة إلى ما قيل في تعيين محال تلك القوى بطريق الحكمة و الغاية من أن الحس المشترك ينبغي أن يكون في مقدم الدماغ ليكون قريبا من الحواس الظاهرة فيكون التأدي إليه سهلا و الخيال خلفه لأن خزانة الشيء ينبغي أن يكون كذلك ثم ينبغي أن يكون الوهم بقرب الخيال ليكون الصور الجزئية بحذاء معانيها الجزئية و الحافظة بعده لأنها خزانته و المتخيلة في الوسط لتكون قريبة من الصور و المعاني فيمكنها الأخذ منهما 11033 بسهولة.
و أما القوى المحركة فعندهم تنقسم إلى فاعلة و باعثة أما الباعثة المسماة
بالشوقية فهي القوة التي إذا ارتسمت في الخيال صورة مطلوبة أو مهروبة عنها حملت القوة الفاعلة على تحريك آلات الحركة و الشوقية ذات شعبتين شهوية و غضبية لأنها إن حملت الفاعلة على تحريك يطلب بها الأشياء المتخيلة التي اعتقد أنها نافعة سواء كانت ضارة بحسب الواقع أو نافعة طلبا لحصول اللذة تسمى قوة شهوانية و إن حملت القوة الشوقية القوى المباشرة على تحريك يدفع به الشيء المتخيل ضارا كان بحسب الواقع أو مفيدا دفعا على سبيل الغلبة تسمى قوة غضبية.
و أما الفاعلة المباشرة للتحريك فهي التي من شأنها أن تعد العضلات للتحريك و كيفية ذلك الإعداد منها أن تبسط العضل بإرخاء الأعصاب إلى خلاف جهة مبدئها لينبسط العضو المتحرك أي يزداد طولا و ينتقص عرضا أو تقبضه بتمديد الأعصاب إلى جهة مبدئها لينقبض العضو المتحرك أي يزداد عرضا و ينتقص طولا.
ثم اعلم أن للحركات الاختيارية مبادئ مترتبة أبعدها القوى المدركة التي هي الخيال أو الوهم في الحيوان و العقل بتوسطهما في الإنسان و في الفلك بزعمهم و تليها القوة الشوقية و هي الرئيسة في القوة المحركة الفاعلة كما أن الوهم رئيسه في القوى المدركة و بعد الشوقية و قبل الفاعلة قوة أخرى هي مبدأ العزم و الإجماع المسماة بالإرادة و الكراهة و هي التي تصمم بعد التردد في الفعل و الترك عند وجود ما يترجح به أحد طرفيهما المتساوي نسبتهما إلى القادر عليهما.
و يدل على مغايرة الشوق للإدراك تحقق الإدراك بدونه و على مغايرة الشوق للإجماع أنه قد يكون شوق 11034 و لا إرادة و قيل إنه لا تغاير بينهما إلا بالشدة و الضعف فإن الشوق قد يكون ضعيفا ثم يقوى فيصير عزما فالعزم كمال الشوق و ما قيل من أنه قد يحصل كمال الشوق بدون الإرادة كما في المحرمات للزاهد المغلوب للشهوة فغير مسلم بل الشوق العقلي فيه إلى جانب الترك أقوى من الميل الشهوي إلى خلافه و يدل على مغايرة الفاعلة لسائر المبادئ كون الإنسان المشتاق العازم غير قادر على التحريك و كون القادر على ذلك غير مشتاق
و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المسائل الحس كله مماسة ما تحس به المحسوس و اتصال به أو بما يتصل به أو بما ينفصل منه أو بما يتصل بما ينفصل منه و ذلك كالبصر فإن شعاعه لا بد من أن يتصل بالمبصر أو بما ينفصل منه أو بما يتصل بما ينفصل منه و لو كان يحس به بغير اتصال لما ضر الساتر و الحاجز و لما ضرت الظلمة و لكان وجود ذلك و عدمه في وقوع العلم سواء فإن قال قائل أ فيتصل شعاع البصر بالمشتري و زحل على بعدهما قيل له لا لكنه يتصل بالشعاع المنفصل منهما فيصيران كالشيء الواحد لتجانسهما و تشاكلهما.
و أما الصوت فإنه إذا حدث في أول الهواء الذي يلي الأجسام المصطكة و كذا في ما يليه من الهواء مثله ثم كذلك إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ فيدركه السامع و مما يدل على ذلك أن القصار يضرب الثوب على الحجر فترى مماسة الثوب للحجر و يصل الصوت بعد ذلك فهذا دال على ما قلناه من أنه يتولد في هواء بعد هواء إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ.
و أما الرائحة فإنه ينفصل من الجسم ذي الرائحة أجزاء لطاف و تتفرق في الهواء فما صار منه في الخيشوم الذي يقرب من موضع ذي الرائحة أدركه.
و أما الذوق فإنه إدراك ما ينحل من الجسم فيمازج رطوبة اللسان و اللهوات و لذلك لا يوجد طعم ما لا ينحل منه الشيء كاليواقيت و الزجاج و نحوهما و الطعم و الرائحة لا خلاف في أنهما لا يكونان إلا بمماسة و اللمس في الحقيقة هو طلب الشيء ليشعر به و حقيقته الشعور و هذه جملة على اعتقادنا و أبي القاسم البلخي و جمهور أهل العدل و أبو هاشم الجبائي يخالف في مواضع منها.
و أقول قال الحكماء أيضا للنفس الناطقة قوى تشارك بها الحيوان الأعجم و النبات و قوى أخرى أخص يحصل بها الإدراك للجزئي و هي قوى تشارك بها الحيوان الأعجم دون النبات و هي الحواس الخمس الظاهرة و الخمس الباطنة و لها قوة أخرى أخص من الأوليين لأنها تختص بالإنسان و هي قوة يحصل بها الإدراك للكلي.
فأما القوى التي تشارك بها النبات و الحيوان الأعجم فأصولها ثلاثة اثنتان لأجل الشخص و هما الغاذية و النامية و واحدة لأجل النوع و هي المولدة و هذه القوى الثلاثة تسمى نباتية لا لاختصاص النبات بها بل لانحصار قواه فيها و تسمى طبيعية أيضا.
فأما الغاذية فهي التي تحيل الغذاء إلى مشاكلة المغتذي و يتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة أحدها تحصيل جوهر البدل و هي الدم و الخلط الذي هو بالقوة القريبة من الفعل و بالإلزاق و هو أن يلصق ذلك الحاصل بالعضو و يجعله جزءا منه و بالتشبيه بالعضو المغتذي حتى في قوامه و لونه و قد تخل بكل واحد من هذه الأفعال الثلاثة أما الأول فكما في علة تسمى أطروقيا و هي عدم الغذاء و أما الثاني فكما في الاستسقاء اللحمي و أما الثالث فكما في البرص و البهق فإن البدل و الإلصاق موجودان فيهما و التشبيه غير موجود فهذه الأفعال الثلاثة لا بد و أن تكون بقوى ثلاث لكن القوة الغاذية هي مجموعها أو قوة أخرى هي تستخدم كل واحدة منها و القوة التي يصدر منها التشبيه يسمونها مغيرة ثانية و هي واحدة بالجنس في الإنسان و غيره من المركبات التي لها أجزاء و أعضاء مختلفة بالحقيقة بمنزلة الأعضاء و تختلف بالنوع إذ في كل عضو منها قوة تغير الغذاء إلى تشبيه مخالف لتشبيه قوة أخرى.
و أما النامية فهي التي تداخل الغذاء بين أجزاء المغتذي فيزيد في الأقطار الثلاثة بنسبة طبيعية بأن يزيد في الأعضاء الأصلية أعني ما يتولد عن المني كالعظم و العصب و الرباط و غيرها و بذلك يظهر الفرق بين النمو و السمن فإن السمن إنما هو زيادة في الأعضاء المتولدة من الدم كاللحم و الشحم و السمين لا في الأعضاء الأصلية و بقولنا بنسبة طبيعية يخرج الورم فإنه ليس على نسبة طبيعية بل خارج عن المجرى الطبيعي.