کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و أمّا من حيث فهم معاني الحديث و مغزاه 23 و نقله في الباب الفلاني دون الآخر، فلا أحسب أنّ أحدا يردّ عليه سلامة فهمه و حسن رأيه و فطنته الثاقبة السليمة، و هكذا في اختلاف الألفاظ و أنّ هذا الاختلاف مغيّر للمعنى أو لا، و من أراد حسن ثناء العلماء عليه فليراجع الفيض القدسي الرسالة الّتي كتبها شيخنا النوريّ في ترجمة العلّامة المجلسيّ، و قد طبع في صدر الجزء 105 من طبعتنا هذه.
*** و أمّا تعرّضه للمسائل الحكميّة و التكلّم فيها و الردّ و النكير عليها أحيانا فقد كان قدّس سرّه مع اطّلاعه على مباني القوم 24 ، يظنّ بهم ظنّة و يتّهمهم في سلامة براهينهم و أدلّتهم سيما إذا ما خالف النصوص المأثورة و ذلك لاختلاف مسلكي الاشراق و المشّاء و تناقض آراء كلّ فريق ثمّ تهافت آراء المتقدّمين منهم مع آراء المتأخرين، مع أنّ كلّ واحد منهم يدّعى البرهان على رأيه و يقيمه، فيجىء الآخر و ينسبه إلى السفسطة و يقيم البرهان بوجه آخر على خلافه.
و قد كان ظنّه قدّس سرّه صائبا صادقا حيث أسفر ضياء العلم عن وجه هذه
الظنّة، فضرب على أكثر مباحثها و مبانيها خطّ الترقين و البطلان، فهذا نجومهم و قد كانوا مشغوفين بها مقرّبين بذلك عند الملوك و هذا هيئتهم البطلميوسيّة و أفلاكهم التسعة الّتي كانت شقيقا للعقول العشرة 25 ، و هذا فلسفتهم في الطبيعيّات و من شعبها طب الأبدان و النفوس قد صارت هباء منثورا 26 كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا ....
*** فعلى مؤلّفنا العلامة رضوان اللّه و سلامه، حيث لم يأل جهدا في النصيحة و جاهد في اللّه و في سبيل الدين حقّ جهاده، أسكنه اللّه بحبوحة جنانه و سقاه من الرحيق المختوم.
محمد الباقر البهبودى
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
تصدير [في قيمة كتاب بحار الأنوار]
بحار الأنوار: موسوعة حافلة في العلم و الدين، و الكتاب و السنّة، و الفقه و الحديث، و الحكمة و العرفان و الفلسفة، و الأخلاق و التاريخ و الأدب، إلى الذكر و الدعاء، و العوذة و الرقية و الأحراز و الأوراد.
البحار: دائرة معارف تجمع فنون العلوم الإسلاميّة، و تحوي اصولها إلى فروعها. و مدخل واسع إلى الحقائق الراهنة و دروسها العالية، إلى ينابيع الحكم و الآداب، و جوامع الدقائق و الرقائق.
البحار: أكبر جامع دينيّ يطفح بالفضيلة و يمتاز عمّا سواه من التآليف القيّمة بغزارة العلم، و جودة السرد، و حسن التبويب، و رصانة البيان، و طول باع مؤلّفه الجليل في التحقيق و التدقيق و التثبّت وسعة الاطّلاع.
البحار: آية محكمة تدلّ على تضلّع مؤلّفه من فنون العلم، و هو لعمر الحقّ عبء فادح تنوء به العصبة من الفطاحل اولو منّة، و يبهظ حمله الجمّ الغفير من عباقرة العلم و الأدب و التاريخ، و يفتقر مثله من التأليف الحافل بالعلوم و الفنون المتنوّعة إلى جماعات و زرافات من أساتذة كلّ فنّ يبحث عنه المؤلّف في طيّ كتابه.
أخرج فيه شيخنا الحجّة المجلسيّ العظيم قدّس سرّه من الأحاديث المرويّة عن النبيّ الأعظم و آله الأئمّة المعصومين عليهم السّلام جملة وافية و عدّة جمّة ممّا أوقفه البحث و السبر عليه من أصول السلف الصالح القيّمة، و الكتب القديمة الثمينة ممّا قصرت عن نيله أيدي الكثيرين، و إنّما أنهته إليه و أبلغته إيّاه همّته القعساء و مثابرته على البحث عن ضالّته المنشودة.
حفّل تلكم الدروس الراقية بما أفادت يمناه من الغرر و الدرر في تحقيق المعاني و توضيح مغاز و دلالات، و حلّ مشكل الحديث، و الإعراب عمّا هو المراد منه، و بما جادت غريزته السليمة عند بيان نوادر الألفاظ، و غرائب اللّغات، و تعارض الآثار، و تشاكس المعاني.
أتى قدّس سرّه في غضون مجلّدات هذا السّفر القيّم الضخمة أبوابا واسعة النطاق كنطاق الجوزاء في شتّى فنون الإسلام و علومه، و لم يدع رحمه اللّه بحرا إلّا خاضه، و لا غمرة إلّا اقتحمها، و لا واديا إلّا سلكه، و لا حديثا إلّا أفاض فيه، و لا فنّا إلّا ولجه، و لا علما إلّا بحث عنه و أبلجه، حتّى جاء كلّ مجلّد في بابه من العلم كتابا حافلا في موضوعه، جامعا شتاته، حاويا نوادره و شوارده، جمّع الفرائد و ألّف الفوائد، كلّ ذلك بنسق بديع، و سلك منضّد، و ترتيب يسهل للباحث بذلك الوقوف على فصوله.
و الباحث مهما سبح في أجواء هذا البحر الطامي، و غامس في غمراته، و اغتمس في أمواجه يرى أمرا إمرا، و يحوله سيبه الفيّاض، غير آسن ماؤه، أصفى من المزن، و أطيب من المسك.
برز هذا الكتاب الكريم إلى الملأ العلميّ بحلّة زاهية، و روعة و جمال، ساطعة أنواره، زاهرة أنواره 27 ، ناصعة حقائقه، رقراقة دقائقه، يجمع كلّ من أجزائه بين دفّتيه من العلم الناجع ما لا غنى عنه لأيّ باحث متضلّع، ففيه ضالّة الفقيه، و طلبة المفسّر، و بلغة المحدّث، و بغية العارف المتألّه، و مقصد المؤرّخ، و منية المفيد و المستفيد، و غاية الأديب الأريب، و غرض النطاسيّ المحنّك، و نهاية القول إنّه مأرب المجتمع العلميّ من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فالكتاب تقصر عن استكناه وصفه جمل الثناء و الإطراء، و ينحصر دون إدراك عظمته البيان، و ما فاه به الأشدق الذلق الطلق فهو دون حقّه و حقيقته.
قد استصغر شيخ الإسلام المجلسيّ ما كابده و عاناه و قاساه في تنسيق كتابه هذا، و استسهل ما تحمّل من المشاقّ في السعي وراء غايته المتوخّاة و تأليفه الباهظ، كلّ
ذلك أداء لواجب الشريعة، و قياما بفروض الخدمة للحنيفيّة البيضاء، و إحياء لما قد درس من معالم الدين و طمس تحت أطباق البلى، و إعلاء لكلمة الحقّ، كلمة العدل و و الصّدق، و نشرا لألوية معارف الإسلام المقدّس، و ذبّا عن المذهب الإماميّ الصحيح.
و كان في هواجس ضميره أن يستدرك ما فاته من مصادر استجدّها أو ممّا لم يك يأخذ منه لدى تأليفه لغاية له هنالك 28 ، غير أنّ القضاء الحاتم و الأجل المسمّى المحتوم حالا بينه و بين ما تحتّم على نفسه، فأدركه أجله قبل بلوغ أمله، عطّر اللّه مضجعه.
و الكتاب في النهاية صورة ناطقة عن عبقريّة مؤلّفه العلّامة الأوحد، و تقدّمه في النفسيّات الكريمة و الملكات الفاضلة، و سبقه إلى الفضائل و تضلّعه من العلوم، تعرب صفحاته عن تاريخ حياته، و لا تدع القارئ مفتقرا إلى أيّ ترجمة له توجد في طيّات المعاجم 29 ، غير أنّا نورد هنا جملا منها إعجابا به و تقديما لمقامه و إيفاء لحقّه، و نذكرها في مقدّمة و نردفها باخرى تتضمّن لتراجم مؤلّفي مصادر كتابه، و نرجو من اللّه التوفيق و التسديد.
(المقدّمة الأولى في ترجمة المؤلّف)
[الثناء عليه:]
هو الإمام العلّامة شيخ الإسلام المولى محمّد باقر بن المولى محمّد تقيّ المجلسيّ نوّر اللّه ضريحه و قدّس روحه.
الثناء عليه: قد أجمع العلماء على جلالة قدره و تبرّزه في العلوم العقليّة و النقليّة و الحديث و الرجال و الأدب. و السابر لكتب التراجم جدّ عليم بأنّه من أكابر الرجال في علوم الدين و الشريعة، و النظر في كتبه العلميّة يهدينا إلى أنّه واقع في الطليعة من الفقهاء الأعلام و أنّه عظيم من عظماء الشيعة، و أنّ كلّ ما في التراجم و المعاجم من جمل الإكبار و التبجيل دون ما هو فيه، فلنذكر هنا نبذة ممّا هتف به العلماء من ألفاظ المدح و الإطراء في حقّه.
قال المولى الأردبيليّ 30 : محمّد باقر بن محمّد تقيّ بن المقصود عليّ الملقّب بالمجلسيّ مدّ ظلّه العالي أستادنا و شيخنا و شيخ الإسلام و المسلمين، خاتم المجتهدين، الإمام العلّامة، المحقّق المدقّق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، وحيد عصره، فريد دهره، ثقة، ثبت، عين، كثير العلم، جيّد التصانيف، و أمره في علوّ قدره و عظم شأنه و سموّ رتبته و تبحّره في العلوم العقليّة و النقليّة و دقّة نظره و إصابة رأيه و ثقتة و أمانته و عدالته أشهر من أن يذكر، و فوق ما يحوم حوله العبارة، و بلغ فيضه و فيض والده رحمهما اللّه دينا و دنيا بأكثر الناس من العوام و الخواص، جزاه اللّه تعالى أفضل جزاء المحسنين، له كتب نفيسة جيّدة، قد أجازني دام بقاه و تأييده أن أروي عنه جميعها.