کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و الإلهام و بعثهم الله لتكميل الأنعام لشبه واهية اعترف مبدؤها بضعفها حيث قال الشيخ و أرسطو إنها مسألة جدلية الطرفين فيا إخوان الدين و خلان اليقين إن لم يغلب على قلوبكم الرين فافتحوا العين و ارفعوا العناد من البين و انظروا بأبصار مكحولة بالإنصاف مشفية من رمد التعصب و الاعتساف فتكونوا في أصول الدين من أصحاب اليقين و تدخلوا في حزب الأنبياء و الأوصياء و الصديقين و لا تعتمدوا على أصولكم و لا تتكلموا على عقولكم لا سيما في المقاصد الدينية و المطالب الإلهية فإن بديهة العقل كثيرا ما تشتبه ببديهة الوهم و المألوفات الطبيعية بالأمور اليقينية و المنطق لا يفي بتصحيح مواد الأقيسة و زن أفكارك بميزان الشرع المبين و مقياس الدين المتين و ما تحقق صدوره عن الأئمة الراسخين صلوات الله عليهم أجمعين لئلا تكون من الهالكين.
تكملة
اعلم أن العلماء اختلفوا في أول المخلوقات و اختلف الأخبار أيضا في ذلك فالحكماء يقولون أول المخلوقات العقل الأول ثم العقل الأول خلق العقل الثاني و الفلك الأول و هكذا إلى أن انتهى إلى العقل العاشر فهو خلق الفلك التاسع و هيولى العناصر و جماعة منهم يقول بأن تلك العقول وسائط لإيجاده تعالى و لا مؤثر في الوجود إلا الله و كل ذلك مخالف لما ظهر و تبين من الآيات و الأخبار و أجمع عليه المليون 6874 .
و أما غيرهم فقيل أولها الماء كما يدل عليه أكثر الأخبار المتقدمة و نقلنا ذلك سابقا عن ثاليس الملطي و رأيت في كتاب علل الأشياء المنسوب إلى بليناس الحكيم أنه قال إن الخالق تبارك و تعالى كان قبل الخلق و أراد أن يخلق الخلق فقال ليكن كذا و كذا فكانت هذه الكلمة علة الخلق و سائر المخلوقات معلول و كلام الله عز و جل أعلى و أعظم و أجل من أن يكون شيئا تدركه الحواس لأنه ليس بطبيعة و لا جوهر و لا حار و لا بارد و لا رطب و لا يابس ثم قال بعده إن أول ما حدث بعد كلام الله تعالى الفعل فدل بالفعل على الحركة و دل بالحركة على الحرارة ثم لما نقصت الحرارة جاء السكون عند فنائها فدل بالسكون على البرد ثم ذكر بعد ذلك أن طبائع العناصر الأربعة أنما كانت من هاتين القوتين أعني الحر و البرد قال و ذلك أن الحرارة حدث منها اللين و من البرودة اليبس فكانت أربع قوى مفردات فامتزج بعضها ببعض فحدث من امتزاجها الطبائع و كانت هذه الكيفيات قائمة
بأنفسها غير مركبة فمن امتزاج الحرارة و اليبس حصلت النار و من الرطوبة و البرد حدث الماء و من الحرارة و الرطوبة حدث الهواء و من امتزاج البرد و اليبس حصلت الأرض ثم قال إن الحرارة لما حركت طبيعة الماء و الأرض تحرك الماء للطفه عن ثقل الأرض و انقلب ما أصابه من الحر فصار بخارا لطيفا هوائيا رقيقا روحانيا و هو أول دخان طلع من أسفل الماء و امتزج بالهواء فسما إلى العلو لخفته و لطافته و بلغ الغاية في صعوده على قدر قوته و نفرته من الحرارة ثم وقف فكان منه الفلك الأعلى و هو فلك زحل ثم حركت النار الماء أيضا فطلع منه دخان هو أقل لطفا مما صعد أولا و أضعف فلما صار بخارا سما إلى العلو بجوهره و لطافته و لم يبلغ فلك زحل لقلة لطافته عما قبله فكان منه الفلك الثاني و هو فلك المشتري و هكذا بين طلوع الدخان مرة مرة و تكون الأفلاك الخمسة الباقية عنه ثم قال و الأفلاك السبعة بعضها في جوف بعض و بين كل فلكين منها هواء واسع مملوء أجزاء لا تتحرك.
و نقل صاحب الملل و النحل عن فلوطرخيس أيضا من الحكماء القدماء أنه قال أصل المركبات هو الماء فإذا تخلخل صافيا وجدت النار و إذا تخلخل و فيه بعض الثقل صار هواء و إذا تكاثف تكاثفا مبسوطا بالغا صار أرضا و قد مر نقلا من التوراة أن مبدأ الخلق جوهر خلقه الله ثم نظر إليه نظر الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماء إلى آخر ما مر و قريب منه ما رواه العامة عن كعب أنه قال إن الله خلق ياقوتة خضراء ثم نظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء كما قال تعالى وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ و قيل أول المخلوقات الهواء كما دل عليه ما ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره و الظاهر أنه أخذ من خبر لكن لا تعارض به الأخبار الكثيرة المسندة و مع صحته يمكن الجمع بحمل أولية الماء على التقدم الإضافي بالنسبة إلى الأجسام المشاهدة المحسوسة التي يدركها جميع الخلق فإن الهواء ليس منها و
لذا أنكر وجوده جماعة.
و قيل أول المخلوقات النار كما مر و قد مر في بعض الأخبار أن أول ما خلق الله النور و في بعضها نور النبي ص و في بعضها نوره مع أنوار الأئمة ع و
فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْعَامِّيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ ص أَوَلُّ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحِي.
فيمكن أن يكون المراد بالجميع واحدا و يكون خلق الأرواح قبل خلق الماء و سائر الأجسام و تكون أولية الماء بالنسبة إلى العناصر و الأفلاك فإن بعض الأخبار يدل على تقدم خلق الملائكة على خلق العناصر و الأفلاك كما مر و دلت الأخبار الكثيرة على تقدم خلق أرواحهم و أنوارهم ع على كل شيء.
وَ رَوَى الْكُلَيْنِيُّ وَ غَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمُ الْكَثِيرَةِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ وَ هُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ مِنْ نُورِهِ الْخَبَرَ 6875 .
و هذا لا يدل على تقدم العقل على جميع الموجودات بل على خلق الروحانيين و يمكن أن يكون خلقها متأخرا عن خلق الماء و الهواء و أما خبر أول ما خلق الله العقل فلم أجده في طرقنا و إنما هو في طرق العامة و على تقديره يمكن أن يراد به نفس الرسول ص لأنه أحد إطلاقات العقل على أنه يمكن حمل العقل على التقدير في بعض تلك الأخبار كما هو أحد معانيه و كذا حديث أول ما خلق الله القلم يمكن حمله على الأولية الإضافية بالنسبة إلى جنسه من الملائكة أو بعض المخلوقات كما يدل عليه خبر عبد الرحيم القصير الآتي في بابه.
فائدة جليلة
اعلم أنه أورد إشكال في آيات سورة السجدة حيث ظاهرها كون خلق السماوات و الأرض و ما بينهما في ثمانية أيام مع أن سائر الآيات تدل على خلقها في ستة أيام و الثاني ظاهر و الأول لأنه قال سبحانه أولا خَلَقَ الْأَرْضَ
فِي يَوْمَيْنِ و قال بعده وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَ بارَكَ فِيها وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ و قال بعد ذلك فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ 6876 فيصير المجموع ثمانية و يمكن التفصي عن ذلك بوجوه.
الأول ما مر و هو المشهور بين المفسرين أن المراد بقوله أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ في تتمة أربعة أيام بأن يكون خلق الأرض في يومين منها و تقدير الأقوات فيها أو هو مع جعل الرواسي من فوقها و البركة فيها في يومين آخرين و يؤيده كثير من الأخبار المتقدمة.
الثاني ما ذكره بعض الأفاضل ممن كان في عصرنا ره في شرحه على الكافي أن أربعة أيام مخصوصة بخلق ما على الأرض أولها بخلق الرواسي و الثاني بخلق البركة و الثالث و الرابع بخلق الأقوات التي هي عبارة عن خلق الماء و المرعى المذكورين في سورة النازعات بقوله تعالى أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها 6877 و أن اليومين اللذين خلق فيهما الأرض متحدان مع ما خلق فيهما السماوات إلا أن الخلق في اليوم الأول متعلق بأصل السماوات و الأرض و في اليوم الثاني بتمييز بعض أجزائهما عن بعض فيصدق أن السماوات مخلوقة في يومين و الأرض في يومين و لا تزيد أيام خلق المجموع على الستة.
الثالث ما ذكرناه في تأويل خبر الكافي بأن يكون يوما خلق السماوات داخلين في الأربعة فتذكر.
الرابع ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين و هو أن يكون الأيام الأربعة بل اليومان الأخيران أيضا في سورة السجدة غير الأيام الستة التي في سائر السور و يؤيده تغيير الأسلوب بإيراد لفظ الخلق في سائر الآيات و لفظ الجعل و البركة و التقدير و القضاء سبعا في السجدة و يؤيده لفظ ما بَيْنَهُما في آيات سور الفرقان و التنزيل و ق فإنه سواء كان خلق الأرض و بعض ما عليها في أربعة
أيام و خلق السماوات في يومين أو خلق ما على الأرض فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ و خلق السماوات و الأرض في يومين كما في التأويلين السابقين لا يبقى لخلق ما بين السماوات و الأرض كالهواء و ما فيها من كائنات الجو وقت فينبغي أن يحمل على أن خلق السماوات في يومين و خلق الأرض في يومين غيرهما و خلق ما بينهما في يومين غير الأربعة فيبلغ ستة كما هو ظاهر الآيات فتتم في هذه الستة ما ذكره تعالى في سورة النازعات بقوله أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها 6878 فيكون كل ما ذكره فيها متصلا به بقوله وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها وَ الْجِبالَ أَرْساها 6879 في يوم آخر أو أيام أخر غير الستة المذكورة و يؤيده ما روي أن دحو الأرض كان بعد خلقها بألفي سنة فعلى ذلك لا يبعد أن يكون خلق ما سوى المذكورات كتقدير الأقوات و سائر المخلوقات التي لا تعد و لا تحصى في أيام أخر كيف و ما في السماوات كالملائكة و ما في تحت الأرض كالصخرة و الديك و الحوت و غيرها المذكورات في حديث زينب العطارة غير السماوات و الأرض و ما بينهما كما يرشد إليه التسبيح المأثور المشهور سبحان الله رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و ما تحتهن فيكون خلقها في غير الستة المذكورة فلا حاجة إلى تكلف لإدخال زمان تقدير الأقوات و جعل الرواسي مثلا في زمان خلق السماوات و الأرض و ما بينهما حتى لا يزيد زمان خلق المجموع على ستة أيام و أما الروايات التي أريد بها التأويل فحملها على أن يكون المراد بها التعيين النوعي في أيام خلق كل من المذكورات فيها فلا ينافي أن يكون خلق الأشجار مثلا في أربعاء و المياه في أربعاء أخرى و كذا خلق الشمس و القمر مثلا في جمعة و كل من النجوم و الملائكة و آدم ع في جمعات أخر فلا يلزم الاتحاد الشخصي و لا التوالي في تلك الأيام كيف و لو لم تحمل على ذلك لما أمكن الجمع بينها و بين
ما مر من الرضا ع من أن خلق العرش و الماء و الملائكة قبل خلق السماوات و الأرض و كذا بينها و بين ما لا ريب فيه لأحد من أن خلق الملائكة و الجان قبل خلق آدم ع بدهور طويلة. و أما المنظومة المشهورة المنسوبة إلى أمير المؤمنين ع من قوله
لنعم اليوم يوم السبت حقا
لصيد إن أردت بلا امتراء
و في الأحد البناء لأن فيه
تبدى الله في خلق السماء .
حيث صرح فيها بأن خلق السماء في يوم الأحد فيمكن أن يجمع بينها و بين الروايات الدالة على أن خلقها في يوم الخميس بكون أصل خلقها في أحد ذينك اليومين و تمييز بعضها عن بعض في اليوم الآخر و مما يلائم هذا الجمع وقوع السماء بلفظ المفرد في المنظومة و بلفظ الجمع في الروايات و إدراج لفظ الابتداء في المنظومة دون الروايات فيسهل بما ذكرنا طريق الجمع بين الروايات المتعارضة الظواهر في هذا الباب.
و لنختم الكلام بذكر أقوال بعض من يعول على قوله من قدماء المؤرخين ليعلم اتفاق جميع فرق المسلمين على الحدوث قال المسعودي ره و كان من علماء الإمامية في كتاب مروج الذهب اتفق أهل الملة جميعا من أهل الإسلام على أن الله خلق الأشياء على غير مثال و ابتدعها من غير أصل ثم