کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ قَدْ رَوَى الْبُخَارِيُ 34338 فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] مَاتَ وَ أَبُو بَكْرٍ بِالسُّنُحِ، قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ: تَعْنِي بِالْعَالِيَةِ، فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَ اللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ (ص). قَالَتْ: وَ قَالَ عُمَرُ: وَ اللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلَّا ذَاكَ، وَ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَ أَرْجُلَهُمْ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ 34339 رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَبَّلَهُ، وَ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي طِبْتَ حَيّاً وَ مَيِّتاً، وَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُذِيقُكَ 34340 اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَداً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ! عَلَى رِسْلِكَ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ، فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ، وَ قَالَ: أَلَا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّداً ... الْخَبَرَ 34341 .
فقوله: في رواية عائشة: و اللّه ما كان يقع في نفسي إلّا ذاك .. صريح في نفي ما 34342 ذكره، إذ ظاهر أنّه حكاية كلام عمر بعد تلك الواقعة مؤكّدا بالحلف عليه، بل لا يرتاب ذو فطنة في أنّ قوله: فو اللّه ما ملكت نفسي حيث سمعتها أن سقطت إلى الأرض و علمت أنّ رسول اللّه قد مات .. ممّا قاله عمر بعد ذلك اليوم و حكاية لما جرى فيه، فلو كان للمصلحة لا على وجه الاعتقاد لبيّن 34343 ذلك للناس بعد مجيء أبي بكر، أو بعد ذلك اليوم و زوال الخوف، و لم ينقل أحد من نقلة الأخبار ذلك، بل رووا ما يدلّ على خلافه.
قَالَ الْمُفِيدُ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي الْمَجَالِسِ 34344 : رُوِيَ عَنْ 34345 مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنِ الزُّهْرِيِ 34346 ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السَّقِيفَةِ- وَ كَانَ الْغَدُ- جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَامَ عُمَرُ فَتَكَلَّمَ 34347 قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَ 34348 وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي 34349 كُنْتُ قُلْتُ لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ إِلَّا عَنْ رَأْيٍ، وَ مَا وَجَدْتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَ لَا كَانَتْ لِعَهْدٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وَ لَكِنْ قَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مُسْتَدْبِرُ 34350 أَمْرِنَا حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا مَوْتاً.
قَالَ: وَ رَوَى عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَ 34351 مَا مَعَهُ غَيْرِي، وَ هُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ وَ يَضْرِبُ قَدَمَيْهِ بِدِرَّتِهِ إِذِ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! هَلْ تَدْرِي مَا حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِيَ الَّتِي قُلْتُ حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؟. قَالَ: قُلْتُ: لَا أَدْرِي، أَنْتَ أَعْلَمُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ:
فَإِنَّهُ وَ اللَّهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنِّي 34352 كُنْتُ أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً 34353 ، فَكُنْتُ 34354 أَظُنُّ أَنَّهُ سَيَبْقَى بَعْدَ أُمَّتِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ 34355 أَعْمَالِهَا، فَإِنَّهُ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ.
و الظاهر أنّه جعل المخاطب بقوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً .. 34356
جميع الأمّة، فيلزم على ما فهم من دلالة الشهادة على البقاء و تأخّر الموت أن يعتقد تأخّر موت كلّ واحد من الأمّة عن الناس، فكان عليه أن لا يذعن بموت أحد من الأمّة، و لو سامحنا في كون المراد بعض الأمّة لانهدم أساس إنكاره، إذ لا شكّ في تأخّر موته صلّى اللّه عليه و آله عن بعض أمّته، و أنّه قد مات قبله كثير من أمّته، و لو كان المراد ب (البعض) الصحابة لزمه أن لا يذعن بموت أحد منهم، و لم يتعينّ ذلك البعض بوجه آخر حتى يزعم تأخّر موته صلّى اللّه عليه و آله عنهم.
و بالجملة، سوء الفهم و سخافة الرأي في مثل هذا الاستنباط ممّا لا يريب فيه عاقل، و الظاهر أنّ هذا الاعتلال ممّا تفطّن به بعد حال الإنكار فدفع به بزعمه شناعة إنكاره.
ثم إنّه أجاب شارح المقاصد 34357 بوجه آخر، و هو: أنّ ذلك الاشتباه كان لتشوّش البال، و اضطراب الحال، و الذهول عن جليّات الأحوال.
و حكى شارح كشف الحقّ 34358 عن بعضهم أنّه قال: كان هذا الحال من غلبة المحبّة، و شدّة المصيبة، و إنّ قلبه كان لا يأذن له أن يحكم بموت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله .. و هذا أمر كان قد عمّ جميع المؤمنين بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى جنّ بعضهم، و أغمي على بعضهم من كثرة الهمّ، و اختبل بعضهم، فغلب عمر شدّة حال المصيبة، فخرج عن حال العلم و المعرفة و تكلّم بعدم موته و أنّه ذهب إلى مناجاة ربّه .. و أمثال هذا لا يكون طعنا.
و يرد عليه أنّه من الضروريات العادية أنّ من عظمت عليه المصيبة و جلّت الرزيّة بفقد حبيبه حتى اشتبهت عليه الأمور الضروريّة لا يترك تجهيزه و تكفينه و الصلاة عليه و دفنه، و لا يسرع إلى السقيفة لعقد البيعة و الطمع في الخلافة
و الإمارة؟! و لم لم يتكلّم في ذلك المجلس من شدّة الحزن و الوجد ما ينافي غرضه و لا يلائم في 34359 تدبيره الميشوم، و لم يأت في أمر الرئاسة و غصب الخلافة بهجر و لا هذيان، و لم يتخلّل من الزمان ما يسع 34360 لاندمال الجرح و نسيان المصيبة؟ و كيف لم يأذن قلبه في الحكم بموته صلّى اللّه عليه و آله مع أنّه لم يضق صدره بأن يقول في وجهه الكريم: إنّه ليهجر، و يمنعه من إحضار ما طلب، و يقول: حسبنا كتاب اللّه، الذي هو في قوّة قوله: لا حاجة لنا بعد موتك إلى كتاب تكتبه لنا!! و من بلغ به الحبّ إلى حيث يخرجه من حدّ العقل لا يجبه حبيبه بمثل هذا القول الشنيع، و لا يرفع صوته في الردّ عليه، و منازعة المنازعين من حدّ العقل 34361 إلى حدّ يخرجه الحبيب و إيّاهم عن البيت و يقول: اعزبوا عنّي و لا ينبغي التنازع عندي 34362 ، و لا ينكر ذلك إلّا متعنّت لم يشم رائحة الإنصاف، و ما ذكره من جنون بعض الصحابة، و إغماء بعضهم، و خبل الآخرين فشيء لم نسمعه إلى الآن، نعم، لو عدّ ما أتوا به من ترك جسده المطهّر و المسارعة إلى السقيفة طمعا في الرئاسة و شوقا إلى الإمارة من فنون الجنون و ضروب الخبل لكان له وجه.
الرابع: أنّه حرّم 34363 المتعتين، متعة الحجّ و متعة النساء.
و لم يكن له أن يشرّع في الأحكام و ينسخ ما أمر به سيّد الأنام صلّى اللّه عليه و آله، و يجعل اتّباع نفسه أولى من اتّباع من لا ينطق عن الهوى، و تفصيل القول
في ذلك 34364 : أنّ متعة النساء 34365 لا خلاف بين الأمّة قاطبة في أصل شرعيّتها و إن اختلفوا في نسخها و دوام حكمها 34366 ، و فيها نزلت قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً 34367 على أكثر التفاسير و أصّحها 34368 .
و قد أجمع أهل البيت عليهم السلام على دوام شرعيّتها، كما ورد في الأخبار المتواترة 34369 .
و قال الفخر الرازي في التفسير 34370 : اتّفقت الأمّة على أنّها كانت مباحة في ابتداء الإسلام، قال.:
وَ 34371 رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَتِهِ تَزَيَّنَ نِسَاءُ مَكَّةَ، فَشَكَا أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ طُولَ الْعُزْبَةِ، فَقَالَ: اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِهِ النِّسَاءِ 34372 .
و قد صرّح بهذا الاتّفاق كثير من فقهاء الإسلام.
وَ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ 34373 ، وَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 34374 ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ 34375 يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]
لَيْسَ لَنَا 34376 نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَ لَا نَسْتَخْصِي 34377 ؟! فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ 34378 ، فَكَانَ أَحَدُنَا يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ 34379 .
و قد روى هذا الخبر في المشكاة 34380 و عدّه من المتّفق عليه.
وَ رَوَى الْبُخَارِيُ 34381 وَ مُسْلِمٌ 34382 فِي صحيحهما [صَحِيحَيْهِمَا]، وَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 34383 ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَ عَنْ جَابِرٍ 34384 ، قَالا: خَرَجَ 34385 عَلَيْنَا مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا 34386 فَاسْتَمْتِعُوا .. يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ.