کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و قوله عليه السلام: كما قد وقع .. لعلّه إشارة إلى الصلح و الرضا بالحكمين، أو إلى بعض غزوات الصفين 30424 ، فعلى الأول سير الجنود إشارة إلى قتال الخوارج، و على الثاني إلى ما أراد عليه السلام من الرجوع إلى قتال معاوية.
و الحِرَابُ: مصدرٌ كالمُحَارَبَةِ، و جمع حَرْبَة 30425 ، و فيها هنا تجوز، و يمكن أن يقرأ بالضمّ و التشديد جمع حَارِبٍ، و في بعض النسخ: أَحْزَاب .. أي أحزاب الشرك الذين حاربوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله.
و الأُرَفٌ، كَغُرَفٍ جمع: أُرْفَةٍ- بالضم-، و هي الحدّ بين الأرضين، و أَرَّفَ على الأرض تأريفاً جعل لها حدودا و قسمها 30426 .
و نصّ الشيء: أظهره 30427 .
و في بعض النسخ: رَصّاً- بالراء- من قولهم: رَصَّ البناء رصّاً: إذا لصق بعضه ببعض 30428 .
قوله عليه السلام: حيّهم 30429 .. أي يرث حيّهم 30430 .
و المراد بالاسمين الأعلين: كلمتا التوحيد، أو القرآن و أهل البيت عليهم السلام، و المراد بالنجوم أوّلا الأئمّة، و ثانيا الدلائل الدالّة على إمامتهم.
قوله عليه السلام: ليحيى حماه .. الضمير راجع إلى الإسلام، و حماه ما حرّمه اللّه فيه، و مرعاه ما أحلّه، و ميزان العدل بيان للميزان، و حكم الفصل الحكم الذي يفصل بين الحقّ و الباطل، و يقال: كَفْيُكَ مِنْ رَجُلٍ- مثلثة حَسْبُكَ 30431 .
و قوله: يحبّ 30432 اللّه .. إما متعلّق بيفجرون، أو به و بما قبله على التنازع، أو بقوله: يتواصلون.
قوله: و يتساقون .. تَفَاعُلٌ مِنَ السَّقْيِ. و في بعض النسخ: يَتَنَاسَقُونَ ..
أي يَتَتَابَعُونَ 30433 ، و في بعضها: يَتَرَاشَفُونَ من قولهم رَشَفَ الْمَاءَ: مَصَّهُ 30434 .
أقول: و كانت النسخ التي عندنا سقيمة فصحّحناها على ما تيسّر من اجتماعها، و عسى أن تيسر نسخة أخرى أقرب إلى الصحّة، و باللّه التوفيق.
[17] باب احتجاج الحسين عليه السلام على عمر و هو على المنبر
1- ج 30435 : رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ أَنَّهُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: انْزِلْ أَيُّهَا الْكَذَّابُ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، لَا مِنْبَرِ 30436 أَبِيكَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَمِنْبَرُ أَبِيكَ لَعَمْرِي يَا حُسَيْنُ! لَا مِنْبَرُ أَبِي، مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا 30437 ؟ أَبُوكَ 30438 عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ: إِنْ أُطِعْ أَبِي فِيمَا أَمَرَنِي فَلَعَمْرِي إِنَّهُ لَهَادٍ وَ أَنَا مُهْتَدٍ بِهِ، وَ لَهُ فِي رِقَابِ النَّاسِ الْبَيْعَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُنْكِرُهَا أَحَدٌ إِلَّا جَاحِدٌ بِالْكِتَابِ، قَدْ عَرَفَهَا النَّاسُ بِقُلُوبِهِمْ وَ أَنْكَرُوهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَ وَيْلٌ لِلْمُنْكِرِينَ حَقَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ (ع)، مَا ذَا يَلْقَاهُمْ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ إِدَامَةِ الْغَضَبِ وَ شِدَّةِ الْعَذَابِ؟!.
فَقَالَ 30439 عُمَرُ: يَا حُسَيْنُ! مَنْ أَنْكَرَ حَقَّ أَبِيكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ! أَمَّرَنَا النَّاسُ فَتَأَمَّرْنَا، وَ لَوْ أَمَّرُوا أَبَاكَ لَأَطَعْنَا. فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ (ع): يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! فَأَيُّ النَّاسِ أَمَّرَكَ عَلَى نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ تُؤَمِّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى نَفْسِكَ لِيُؤَمِّرَكَ عَلَى النَّاسِ بِلَا حُجَّةٍ مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا رِضًى مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ؟! فَرِضَاكُمْ كَانَ لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ رِضًى، أَوْ رِضَى أَهْلِهِ كَانَ لَهُ سَخَطاً؟! أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ أَنْ لِلِّسَانِ مَقَالًا يَطُولُ تَصْدِيقُهُ، وَ فِعْلًا يُعِينُهُ الْمُؤْمِنُونَ لَمَا تَخَطَّيْتَ رِقَابَ آلِ مُحَمَّدٍ (ص)، تَرْقَى مِنْبَرَهُمْ وَ صِرْتَ الْحَاكِمَ عَلَيْهِمْ بِكِتَابٍ نَزَلَ فِيهِمْ، لَا تَعْرِفُ مُعْجَمَهُ، وَ لَا تَدْرِي تَأْوِيلَهُ إِلَّا سَمَاعَ الْآذَانِ، الْمُخْطِئُ وَ الْمُصِيبُ 30440 عِنْدَكَ سَوَاءٌ، فَجَزَاكَ اللَّهُ جَزَاكَ، وَ سَأَلَكَ عَمَّا أَحْدَثْتَ سُؤَالًا حَفِيّاً.
قَالَ: فَنَزَلَ عُمَرُ مُغْضَباً وَ مَشَى مَعَهُ أُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى بَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَقَالَ 30441 : يَا أَبَا الْحَسَنِ! مَا لَقِيتُ مِنِ 30442 ابْنِكَ الْحُسَيْنِ؟! يُجْهِرُنَا بِصَوْتٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ يُحَرِّضُ عَلَيَّ الطَّغَامَ وَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ؟!.
فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِثْلُ 30443 الْحُسَيْنِ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَسْتَحِثُ 30444 بِمَنْ لَا حُكْمَ لَهُ، أَوْ يَقُولُ بِالطَّغَامِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ، أَمَا وَ اللَّهِ مَا نِلْتَ مَا نِلْتَ 30445 إِلَّا بِالطَّغَامِ، فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّضَ الطَّغَامَ!.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَهْلًا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ! فَإِنَّكَ لَنْ تَكُونَ قَرِيبَ الْغَضَبِ، وَ لَا لَئِيمَ الْحَسَبِ، وَ لَا فِيكَ عُرُوقٌ مِنَ السُّودَانِ، اسْمَعْ كَلَامِي، وَ لَا
تَعْجَلْ بِالْكَلَامِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! إِنَّهُمَا لَيَهُمَّانِ فِي أَنْفُسِهِمَا بِمَا لَا يُرَى بِغَيْرِ الْخِلَافَةِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هُمَا أَقْرَبُ نَسَباً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنْ أَبِيهِمَا 30446 أَمَا فَأَرْضِهِمَا- يَا ابْنَ الْخَطَّابِ- بِحَقِّهِمَا يَرْضَ عَنْكَ مَنْ بَعْدَهُمَا. قَالَ: وَ مَا رِضَاهُمَا يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: رِضَاهُمَا الرَّجْعَةُ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَ التَّقِيَّةُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ بِالتَّوْبَةِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَدِّبْ- يَا أَبَا الْحَسَنِ- ابْنَكَ أَنْ لَا يَتَعَاطَى السَّلَاطِينَ الَّذِينَ هُمُ الْحُكَمَاءُ 30447 فِي الْأَرْضِ. فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَا أُؤَدِّبُ أَهْلَ الْمَعَاصِي عَلَى مَعَاصِيهِمْ، وَ مَنْ أَخَافُ عَلَيْهِ الزَّلَّةَ وَ الْهَلَكَةَ، فَأَمَّا مَنْ وَلَدَهُ 30448 رَسُولُ اللَّهِ (ص) لَا يَحُلُ 30449 أَدَبُهُ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ 30450 إِلَى أَدَبٍ خَيْرٍ لَهُ مِنْهُ، أَمَا فَأَرْضِهِمَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ!.
قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ فَاسْتَقْبَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ 30451 : يَا أَبَا حَفْصٍ! مَا صَنَعْتَ وَ قَدْ 30452 طَالَتْ بِكُمَا الْحُجَّةُ؟. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ:
وَ هَلْ حُجَّةٌ مَعَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ شِبْلَيْهِ؟!. فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! هُمْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الْأَسْمَنُونَ وَ النَّاسُ عِجَافٌ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَعُدُّ 30453 مَا صِرْتَ إِلَيْهِ فَخْراً فَخَرْتَ بِهِ، أَ بِحُمْقِكَ 30454 ؟. فَقَبَضَ عُثْمَانُ عَلَى مَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ جَذَبَهُ وَ رَدَّهُ، ثُمَّ قَالَ 30455 : يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! كَأَنَّكَ تُنْكِرُ مَا أَقُولُ. فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ
وَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَ افْتَرَقَ الْقَوْمُ 30456 .
بيان: قوله عليه السلام: إلّا سماع الآذان .. أي لا تعرف معنى الكتاب إلّا بما تسمعه الآذان من الناس، و في بعض النسخ: الفعلان- بصيغة الغيبة- أي لا يمكن معرفة الكتاب و تأويله إلّا 30457 بالسماع ممّن ينتهي عمله إلى الوحي الإلهي.
و الحفاوة و الحفاية 30458 و الإحفاء: الاستقصاء في السّؤال 30459 .
و التحريض على القتال: الحثّ 30460 و التّرغيب و التّحريض عليه.
و الطَّغامُ: الأَرَاذِلُ 30461 .
قوله: ليهمّان .. أي يقصدان أمرا لا يحصل إلّا بالخلافة، فأجاب عليه السلام بأنّ الخلافة غير بعيد منهما، فإنّ أباهما خليفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هما أقرب نسبا به صلّى اللّه عليه و آله منه.
قوله عليه السلام: فإنّه ينتقل .. أي يترقّى بنفسه في الآداب الحسنة من غير تأديب، و يحتمل الاستفهام الإنكاري، و يؤيّده أنّ في بعض النسخ: ويحك! أ أؤدّبه؟! فإنّه ينتقل ..