کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ إِنَّ الْيَقِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْإِيمَانِ وَ مَا مِنْ شَيْءٍ أَعَزَّ مِنَ الْيَقِينِ 8858 .
وَ عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ مَا كَانَ ذَهَباً وَ لَا فِضَّةً إِنَّمَا كَانَ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَضْحَكْ سِنُّهُ وَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ لَمْ يَفْرَحْ قَلْبُهُ وَ مَنْ أَيْقَنَ بِالْقَدَرِ لَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ 8859 .
وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع الصَّبْرُ مِنَ الْيَقِينِ.
وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كَانَ قَنْبَرٌ غُلَامُ عَلِيٍّ ع يُحِبُّ عَلِيّاً حُبّاً شَدِيداً فَإِذَا خَرَجَ عَلِيٌّ ع خَرَجَ عَلَى أَثَرِهِ بِالسَّيْفِ فَرَآهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ يَا قَنْبَرُ مَا لَكَ فَقَالَ جِئْتُ لِأَمْشِيَ خَلْفَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ وَيْحَكَ أَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ تَحْرُسُنِي أَوْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ قَالَ لَا بَلْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَقَالَ إِنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ لَا يَسْتَطِيعُونَ لَوْ شَاءُوا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ فَارْجِعْ قَالَ فَرَجَعَ.
وَ عَنْهُ ع لَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا لَهُ حَدٌّ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَمَا حَدُّ التَّوَكُّلِ قَالَ الْيَقِينُ قُلْتُ فَمَا حَدُّ الْيَقِينِ قَالَ لَا تَخَافُ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً وَ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ رَجُلًا رَابِطَ الْجَأْشِ وَ كَانَ الْحَجَّاجُ يَلْقَاهُ فَيَقُولُ لَهُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ فَيَقُولُ كَلَّا إِنْ لِلَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ لَحْظَةً فَأَرْجُو أَنْ يَكْفِيَكَ بِإِحْدَاهُنَ 8860 .
وَ سَأَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ع فَقَالَ لَهُمَا مَا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَ الْيَقِينِ فَسَكَتَا فَقَالَ لِلْحَسَنِ ع أَجِبْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ بَيْنَهُمَا شِبْرٌ قَالَ وَ كَيْفَ ذَاكَ قَالَ لِأَنَّ الْإِيمَانِ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا وَ صَدَّقْنَاهُ بِقُلُوبِنَا وَ الْيَقِينُ مَا أَبْصَرْنَاهُ بِأَعْيُنِنَا وَ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ عَلَى مَا غَابَ عَنَّا 8861 .
وَ مِنْهُ عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُنَالُ فِيهِ الْمُلْكُ إِلَّا بِالْقَتْلِ وَ التَّجَبُّرِ وَ لَا الْغِنَى إِلَّا بِالْغَصْبِ وَ الْبُخْلِ وَ لَا الْمَحَبَّةُ إِلَّا بِاسْتِخْرَاجِ الدِّينِ وَ اتِّبَاعِ الْهَوَى فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَصَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَ صَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى وَ صَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ آتَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقاً مِمَّنْ صَدَّقَ بِهِ 8862 .
وَ مِنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى الرَّسُولِ ص بَغْلَةٌ أَهْدَاهَا كِسْرَى لَهُ أَوْ قَيْصَرُ فَرَكِبَهَا النَّبِيُّ ص فَأَخَذَ مِنْ شَعْرِهَا وَ أَرْدَفَنِي خَلْفَهُ ثُمَّ قَالَ يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَ إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ قَدْ مَضَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلَوْ جَهَدَ النَّاسُ أَنْ يَنْفَعُوكَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَعْمَلَ بِالصَّبْرِ مَعَ الْيَقِينِ فَافْعَلْ وَ إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَإِنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَ اعْلَمْ أَنَّ الصَّبْرَ مَعَ النَّصْرِ وَ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَ أَنَ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً 8863 .
وَ مِنْهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الصَّبْرُ رَأْسُ الْإِيمَانِ.
وَ عَنْهُ ع قَالَ: الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِذَا ذَهَبَ الرَّأْسُ ذَهَبَ الْجَسَدُ كَذَلِكَ إِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الْإِيمَانُ.
وَ مِنْهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا حَفْصُ إِنَّ مَنْ صَبَرَ صَبْراً [صَبَرَ] قَلِيلًا وَ إِنَّ مَنْ جَزِعَ جَزَعاً [جَزِعَ] قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً ص فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ وَ الرِّفْقِ فَقَالَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ 8864 وَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 8865 فَصَبَرَ حَتَّى نَالُوهُ بِالْعَظَائِمِ وَ رَمَوْهُ بِهَا تَمَامَ الْحَدِيثِ.
وَ مِنْهُ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وُكِلَ الرِّزْقُ بِالْحُمْقِ وَ وُكِلَ الْحِرْمَانُ بِالْعَقْلِ وَ وُكِلَ الْبَلَاءُ بِالْيَقِينِ وَ الصَّبْرِ.
وَ مِنْهُ عَنْ مِهْرَانَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ ع أَشْكُو إِلَيْهِ الدَّيْنَ وَ تَغَيُّرَ الْحَالِ فَكَتَبَ لِي اصْبِرْ تُؤْجَرْ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَصْبِرْ لَمْ تُؤْجَرْ وَ لَمْ تُرَدَّ قَضَاءَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ 8866 .
وَ مِنْهُ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ جَمِيلٌ وَ أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ الصَّبْرُ عِنْدَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْخَبَرَ.
وَ قَالَ الْبَاقِرُ ع لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْ بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي أَبِي حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ ع أَوْصَاهُ بِهِ أَيْ بُنَيَّ اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ مُرّاً.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص عَجَباً لِلْمُؤْمِنِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَقْضِي لَهُ قَضَاءً 8867 إِلَّا كَانَ لَهُ خَيْراً إِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ وَ إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ.
وَ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَنْ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ قَالَ مَنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ وَ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ 8868 .
باب 53 النية و شرائطها و مراتبها و كمالها و ثوابها و أن قبول العمل نادر
1- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنِ الثُّمَالِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ: لَا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ 8869 .
تبيين لا عمل إلا بنية أي لا عمل صحيحة كما فهمه الأكثر إلا بنية و خص بالعبادات لأنه لو كان المراد مطلق تصور الفعل و تصور فائدته و التصديق بترتب الغاية عليه و انبعاث العزم من النفس إليه فهذا لازم لكل فعل اختياري و معلوم أنه ليس غرض الشارع بيان هذا المعنى بل لا بد أن يكون المراد بها نية خاصة خالصة بها يصير العمل كاملا أو صحيحا و الصحة أقرب إلى نفي الحقيقة الذي هو الحقيقة في هذا التركيب فلا بد من تخصيصها بالعبادات لعدم القول باشتراط نية القربة و أمثالها في غيرها و لذا استدلوا به و بأمثاله على وجوب النية و تفصيله في كتب الفروع.
و قال المحقق الطوسي قدس سره في بعض رسائله النية هي القصد إلى الفعل و هي واسطة بين العلم و العمل إذ ما لم يعلم الشيء لم يمكن قصده و ما لم يقصده لم يصدر عنه ثم لما كان غرض السالك العامل الوصول إلى مقصد معين كامل على الإطلاق و هو الله تعالى لا بد من اشتماله على قصد التقرب به.
و قال بعض المحققين يعني لا عمل يحسب من عبادة الله تعالى و يعد من طاعته بحيث يصح أن يترتب عليه الأجر في الآخرة إلا ما يراد به التقرب إلى الله تعالى و الدار الآخرة أعني يقصد به وجه الله سبحانه أو التوصل إلى ثوابه أو الخلاص من عقابه و بالجملة امتثال أمر الله تعالى فيما ندب عباده إليه و وعدهم
الأجر عليه و إنما يأجرهم على حسب أقدارهم و منازلهم و نياتهم فمن عرف الله بجماله و جلاله و لطف فعاله فأحبه و اشتاق إليه و أخلص عبادته له لكونه أهلا للعبادة و لمحبته له أحبه الله و أخلصه و اجتباه و قربه إلى نفسه و أدناه قربا معنويا و دنوا روحانيا كما قال في حق بعض من هذه صفته وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ 8870
وَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَيِّدُ الْمُوَحِّدِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لَا طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنَ اللَّهِ سِوَى كَوْنِهِ إِلَهاً صَانِعاً لِلْعَالَمِ قَادِراً قَاهِراً عَالِماً وَ أَنَّ لَهُ جَنَّةً يُنْعِمُ بِهَا الْمُطِيعِينَ وَ نَاراً يُعَذِّبُ بِهَا الْعَاصِينَ فَعَبَدَهُ لِيَفُوزَ بِجَنَّتِهِ أَوْ يَكُونَ لَهُ النَّجَاةُ مِنْ نَارِهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَ طَاعَتِهِ الْجَنَّةَ وَ أَنْجَاهُ مِنَ النَّارِ لَا مَحَالَةَ.
كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
فلا تصغ إلى قول من ذهب إلى بطلان العبادة إذا قصد بفعلها تحصيل الثواب أو الخلاص من العقاب زعما منه أن هذا القصد مناف للإخلاص الذي هو إرادة وجه الله سبحانه وحده و أن من قصد ذلك فإنما قصد جلب النفع إلى نفسه و دفع الضرر عنها لا وجه الله سبحانه فإن هذا قول من لا معرفة له بحقائق التكاليف و مراتب الناس فيها فإن أكثر الناس يتعذر منهم العبادة ابتغاء وجه الله بهذا المعنى لأنهم لا يعرفون من الله إلا المرجو و المخوف فغايتهم أن يتذكروا النار و يحذروا أنفسهم عقابها و يتذكروا الجنة و يرغبوا أنفسهم ثوابها و خصوصا من كان الغالب على قلبه الميل إلى الدنيا فإنه قلما ينبعث له إلى فعل الخيرات لينال بها ثواب الآخرة فضلا عن عبادته على نية إجلال الله عز و جل لاستحقاقه الطاعة و العبودية فإنه قل من يفهمها فضلا عمن يتعاطاها.
و الناس في نياتهم في العبادات على أقسام أدناهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار و منهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء فإنه يرغب
في الجنة و كل من القصدين و إن كان نازلا بالإضافة إلى قصد طاعة الله و تعظيمه لذاته و لجلاله لا لأمر سواه إلا أنه من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة و إن كان من جنس المألوف في الدنيا.
و أما قول القائل إنه ينافي الإخلاص فجوابه أنك ما تريد بالإخلاص إن أردت به أن يكون خالصا للآخرة لا يكون مشوبا بشوائب الدنيا و الحظوظ العاجلة للنفس كمدح الناس و الخلاص من النفقة بعتق العبد و نحو ذلك فظاهر أن إرادة الجنة و الخلاص من النار لا ينافيان الإخلاص بهذا المعنى و إن أردت بالإخلاص أن لا يراد بالعمل سوى جمال الله و جلاله من غير شوب من حظوظ النفس و إن كان حظا أخرويا فاشتراطه في صحة العبادة متوقف على دليل شرعي و أنى لك به بل الدلائل على خلافه أكثر من أن تذكر مع أنه تكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى أكثر الخلائق لأنهم لا يعرفون الله بجماله و جلاله و لا تتأتى منهم العبادة إلا من خوف النار أو للطمع في الجنة.
و أيضا فإن الله سبحانه قد قال ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً 8871 وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً 8872 فرغب و رهب و وعد و أوعد فلو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب و الترهيب و الوعد و الوعيد عبثا بل مخلا بالمقصود.
و أيضا فإن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة و صرف النار لأن حبيبهم يحب ذلك أو لتعليم الناس إخلاص العمل للآخرة إذا كانوا أئمة يقتدى بهم هذا
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سِيِّدُ الْأَوْلِيَاءِ قَدْ كَتَبَ كِتَاباً لِبَعْضِ مَا وَقَفَهُ مِنْ أَمْوَالِهِ فَصَدَّرَ كِتَابَهُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ بِهَذَا هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ وَ قَضَى بِهِ فِي مَالِهِ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ لِيُولِجَنِي بِهِ الْجَنَّةَ وَ يَصْرِفَنِي بِهِ عَنِ النَّارِ وَ يَصْرِفَ النَّارَ عَنِّي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ .
فإن لم تكن العبادة بهذه النية صحيحة لم يصح له أن يفعل ذلك و يلقن به غيره و يظهره في كلامه.
إن قيل إن جنة الأولياء لقاء الله و قربه و نارهم فراقه و بعده فيجوز أن يكون أمير المؤمنين ع أراد ذلك قلنا إرادة ذلك ترجع إلى طلب القرب المعنوي و الدنو الروحاني و مثل هذه النية مختص بأولياء الله كما اعترف به فغيرهم لما ذا يعبدون و ليس في الآخرة إلا الله و الجنة و النار فمن لم يكن من أهل الله و أوليائه لا يمكن له أن يطلب إلا الجنة أو يهرب إلا من النار المعهودتين إذ لا يعرف غير ذلك و كل يعمل على شاكلته و لما يحبه و يهواه غير هذا لا يكون أبدا.
و لعل هذا القائل لم يعرف معنى النية و حقيقتها و أن النية ليست مجرد قولك عند الصلاة أو الصوم أو التدريس أصلي أو أصوم أو أدرس قربة إلى الله تعالى ملاحظا معاني هذه الألفاظ بخاطرك و متصورا لها بقلبك هيهات إنما هذا تحريك لسان و حديث نفس و إنما النية المعتبرة انبعاث النفس و ميلها و توجهها إلى ما فيه غرضها و مطلبها إما عاجلا و إما آجلا.
و هذا الانبعاث و الميل إذا لم يكن حاصلا لها لا يمكنها اختراعه و اكتسابه بمجرد النطق بتلك الألفاظ و تصور تلك المعاني و ما ذلك إلا كقول الشبعان أشتهي الطعام و أميل إليه قاصدا حصول الميل و الاشتهاء و كقول الفارغ أعشق فلانا و أحبه و أنقاد إليه و أطيعه بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء و ميله إليه و إقباله عليه إلا بتحصيل الأسباب الموجبة لذلك الميل و الانبعاث و اجتناب الأمور المنافية لذلك المضادة له فإن النفس إنما تنبعث إلى الفعل و تقصده و تميل إليه تحصيلا للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات.