کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
المتقدم و غيره و الصنف الآخر الذي لا يحتمل ذلك محمولة على من يحصله من الحرام أو الشبهة أو يكون مسرفا في ذلك بحيث لا يناسب حاله أو يعلم من نفسه أن ذلك يصير سببا لطغيانه فيحتاج إلى تذليل بدنه و امتهانه و سيأتي مزيد تحقيق لذلك في أبواب المكارم مع سائر الأخبار المتعلقة بذلك. 4034
1- إِرْشَادُ الْقُلُوبِ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَوَجَدْتُهُ جَالِساً وَ بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ أَجِدُ فِيهِ رِيحَ حُمُوضَتِهِ وَ فِي يَدِهِ رَغِيفٌ أَرَى قُشَارَ الشَّعِيرِ فِي وَجْهِهِ وَ هُوَ يَكْسِرُ بِيَدِهِ وَ يَطْرَحُهُ فِيهِ فَقَالَ ادْنُ فَأَصِبْ مِنْ طَعَامِنَا فَقُلْتُ إِنِّي صَائِمٌ فَقَالَ ع سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَنَعَهُ الصِّيَامُ عَنْ طَعَامٍ يَشْتَهِيهِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ وَ يَسْقِيَهُ مِنْ شَرَابِهَا قَالَ قُلْتُ لِفِضَّةَ وَ هِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُ قَائِمَةٌ وَيْحَكِ يَا فِضَّةُ أَ مَا تَتَّقِينَ اللَّهَ فِي هَذَا الشَّيْخِ تَنْخُلُ هَذَا الطَّعَامَ مِنَ النُّخَالَةِ الَّتِي فِيهِ قَالَتْ قَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نَنْخُلَ لَهُ طَعَاماً قَالَ مَا قُلْتَ لَهَا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ بِأَبِي وَ أُمِّي مَنْ لَمْ يُنْخَلْ لَهُ طَعَامٌ وَ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ قَالَ وَ كَانَ ع يَجْعَلُ جَرِيشَ الشَّعِيرِ فِي وِعَاءٍ وَ يَخْتِمُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ أَنْ يَجْعَلَا فِيهِ شَيْئاً مِنْ زَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ 4035 .
2- الْمَحَاسِنُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ص مَسْجِدَ قُبَاءَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ حَلِيبٌ مَخِيضٌ بِعَسَلٍ فَشَرِبَ مِنْهُ حُسْوَةً أَوْ حُسْوَتَيْنِ ثُمَّ وَضَعَهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ تَدَعُهُ مُحَرِّماً قَالَ لَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَدَعُهُ تَوَاضُعاً لِلَّهِ 4036 .
بيان: مخيض بالخاء المعجمة و الياء المثناة التحتانية على فعيل من المخض و هو التحريك كناية عن الخلط الشديد و في بعض النسخ بالباء الموحدة من التخبيص بمعنى التخليط في القاموس خبصه يخبصه خلطه و منه الخبيص و قد خبص يخبص و خبص تخبيصا قوله محرما على بناء الفاعل أو على بناء المفعول حالا عن المفعول.
3 الْمَحَاسِنُ، عَنْ جَعْفَرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ: أُتِيَ بِخَبِيصٍ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ فَقِيلَ أَ تُحَرِّمُهُ قَالَ لَا وَ لَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَتُوقَ إِلَيْهِ نَفْسِي ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا 4037 .
بيان: أتي أي النبي ص أو الصادق ع و الأول أظهر و في كتاب الغارات أن المأتي كان أمير المؤمنين ع و في القاموس تَاقَ إليه تَوْقاً و تَوَقَاناً اشتاق.
4- الْمَحَاسِنُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرِيكٍ الْعَامِرِيِّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ: أُتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بِخِوَانِ فَالُوذَجٍ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ إِلَى صَفَائِهِ وَ حُسْنِهِ فَوَجَأَ بِإِصْبَعِهِ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَهُ ثُمَّ سَلَّهَا وَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً وَ تَلَمَّظَ إِصْبَعَهُ وَ قَالَ إِنَّ الْحَلَالَ طَيِّبٌ وَ مَا هُوَ بِحَرَامٍ وَ لَكِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُعَوِّدَ نَفْسِي مَا لَمْ أُعَوِّدْهَا ارْفَعُوهُ عَنِّي فَرَفَعُوهُ 4038 .
بيان: قال الجوهري الخوان بالكسر ما يؤكل عليه معرب و قال وجأته بالسكين ضربته و قال لمظ يلمظ بالضم لمظا إذا تتبع بلسانه يقيه الطعام في فمه أو أخرج لسانه فمسح به شفتيه و كذلك التلمظ.
5- الْمَحَاسِنُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ صَبَّاحٍ الْحَذَّاءِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الرَّحْبَةِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ أُهْدِيَ لَهُ طَسْتُ خِوَانِ فَالُوذَجٍ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مُدُّوا أَيْدِيَكُمْ فَمَدُّوا أَيْدِيَهُمْ وَ مَدَّ يَدَهُ ثُمَّ قَبَضَهَا فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرْتَنَا أَنْ نَمُدَّ أَيْدِيَنَا فَمَدَدْنَاهَا وَ مَدَدْتَ يَدَكَ ثُمَّ قَبَضْتَهَا فَقَالَ إِنِّي ذَكَرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص لَمْ يَأْكُلْهُ فَكَرِهْتُ أَكْلَهُ 4039 .
6- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَلْبَسُوا لِبَاسَ الْعَجَمِ وَ يَطْعَمُوا أَطْعِمَةَ الْعَجَمِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِ 4040 .
7- وَ مِنْهُ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ ع أَنَّ عَلِيّاً ع كَانَ لَا يُنْخَلُ لَهُ الدَّقِيقُ وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَقُولُ لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ 4041 .
8- وَ مِنْهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَزِيعٍ أَبِي عَمْرِو بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ هُوَ يَأْكُلُ خَلًّا وَ زَيْتاً فِي قَصْعَةٍ سَوْدَاءَ مَكْتُوبٍ فِي وَسَطِهَا بِصُفْرَةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقَالَ ادْنُ يَا بَزِيعُ فَدَنَوْتُ فَأَكَلْتُ مَعَهُ ثُمَّ حَسَا مِنَ الْمَاءِ ثَلَاثَ حُسًى حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ الْخُبْزِ شَيْءٌ ثُمَّ نَاوَلَنِي فَحَسَوْتُ الْبَقِيَّةَ 4042 .
بيان: يحتمل أن يكون المراد بالماء الخل الباقي في القصعة.
9- الْمَحَاسِنُ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ: لَمَّا دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع دَعَا بِنُمْرُقَةٍ فَطُرِحَتْ فَقَعَدْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ أُتِيتُ بِمَائِدَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ لِي كُلْ فَقُلْتُ مَا لَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَا تَأْكُلُ فَقَالَ إِنِّي صَائِمٌ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أُتِيَ بِخَلٍّ وَ زَيْتٍ فَأَفْطَرَ عَلَيْهِ وَ لَمْ يُؤْتَ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِي قُرِّبَ إِلَيَ 4043 .
بيان: في القاموس النمرق و النمرقة مثلثة الوسادة الصغيرة أو الميثرة أو الطنفسة فوق الرحل.
10- الْمَكَارِمُ، لَقَدْ جَاءَ النَّبِيَّ ص ابْنُ خَوَلِيٍّ بِإِنَاءٍ فِيهِ عَسَلٌ وَ لَبَنٌ فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَهُ فَقَالَ شَرْبَتَانِ فِي شَرْبَةٍ وَ إِنَاءَانِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَهُ ثُمَّ قَالَ مَا أُحَرِّمُهُ وَ لَكِنِّي أَكْرَهُ الْفَخْرَ وَ الْحِسَابَ بِفُضُولِ الدُّنْيَا غَداً وَ أُحِبُّ التَّوَاضُعَ فَإِنَّ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ 4044 .
11- كِتَابُ الزُّهْدِ، لِلْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ فِي مَسْجِدِ قُبَا فَقَالَ
هَلْ مِنْ شَرَابٍ فَأَتَاهُ أَوْسُ بْنُ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ مَخِيضٍ بِعَسَلٍ فَلَمَّا وَضَعَهُ عَلَى فِيهِ نَحَّاهُ ثُمَّ قَالَ شَرَابَانِ يُكْتَفَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ لَا أَشْرَبُهُ وَ لَا أُحَرِّمُهُ وَ لَكِنِّي أَتَوَاضَعُ لِلَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ وَ مَنْ تَكَبَّرَ خَفَضَهُ اللَّهُ وَ مَنِ اقْتَصَدَ فِي مَعِيشَتِهِ رَزَقَهُ اللَّهُ وَ مَنْ بَذَّرَ حَرَمَهُ اللَّهُ وَ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ أَحَبَّهُ اللَّهُ.
12- الدَّعَائِمُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهُ أَتَى قُبَا يَوْمَ خَمِيسٍ وَ هُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا أَمْسَى قَالَ هَلْ مِنْ شَرَابٍ وَ ذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ رَزَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا (وَ اللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص تَوَاضُعٌ كَمَا قَالَ لَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَرَّمَ شَيْئاً مِنْ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ عَنْ عَلِيٍّ ع أَنَّهُ أُتِيَ بِطَبَقِ فَالُوذَجٍ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَ رَأَى صَفَاءَهُ وَ حُسْنَهُ فَوَجَأَ بِإِصْبَعِهِ فِيهِ ثُمَّ اسْتَلَّهَا فَلَمْ يَنْتَزِعْ مِنْهُ شَيْئاً فَتَلَمَّظَ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَا لَحُلْوٌ طَيِّبٌ وَ لَكِنْ نَكْرَهُ أَنْ نُعَوِّدَ أَنْفُسَنَا مَا لَمْ تُعَوَّدْ ارْفَعُوهُ فَرَفَعُوهُ 4045 .
باب 5 ذم كثرة الأكل و الأكل على الشبع و الشكاية عن الطعام
1- عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ع الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَ الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ 4046 .
2 الْمَجَازَاتُ وَ الشِّهَابُ، عَنْهُ ص مِثْلَهُ.
بيان قال السيد رحمه الله هذا القول مجاز و المراد أن المؤمن يقنع من مطعمه بالبلغ التي تمسك الرمق و تقيم الأود دون المآكل التي يقصد بها وجه اللذة
و يقضي بها حق الشهوة فكأنه يأكل في معى واحد لفرط الاقتصار و كراهة الاستكثار و أما الكافر فإنه لِتَبَجُّحِهِ في المآكل و تنقّله في المطاعم و توخّيه ضد ما يتوخّاه المؤمن من اجترار حطام الدنيا التي يطلب عاجلها و لا يأمل آجلها فهو عبد للذته و كادح في طاعة شهوته كأنه يأكل في سبعة أمعاء لأن أكله للذة لا للبلغة و للنهمة لا للمسكة انتهى 4047 .
و قال الراوندي رحمه الله المعى على وزن اللوى واحد الأمعاء و هي مجاري الطعام في البطن و هذا مَثَلٌ و ذلك أن المؤمن لا يأكل إلا من الحلال و يجتنب الحرام و الشبهة و الكافر لا يبالي ما أكل و كيف أكل و من أين أكل و إذا كان كذلك فمأكل الكافر أكثر من مأكل المؤمن و خصّ السبعة بالذكر مثلا كما يذكر السبعون في مثل هذه المواضع قال تعالى إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ 4048 و المعى أيضا المذنب من المذانب و هو مسيل الماء في الحضيض قال أبو عبيد ترى ذلك لتسمية المؤمن عند طعامه فتكون فيه البركة و الكافر لا يفعل ذلك و هذا الوجه كما ترى و قيل إنه مثل ضربه النبي ص للمؤمن و زهده في الدنيا و الكافر و حرصه عليها و ليس الغرض بذلك الأكل فحسب بل يعني اتساع الرغبة و هذا الوجه قريب من الوجه الذي قدمناه و صدرنا به الكلام.
و قيل هذا في رجل بعينه كان يأكل في حال كفره فيكثر فلما أسلم قل طعمه و ذكر أنه عمرو بن معديكرب الزبيدي و قال أبو عبيد في تاريخه ترى أنه عنى أبا نضرة الغفاري و اسم أبي نضرة حُميل بالحاء و ضمّه فمن قال حميل أو جميل فقد أخطأ و الله أعلم بذلك و يؤيد أن المعنى اتساع الرغبة قولهم فلان يأكل هذه البلدة و هذه الولاية و لعله لا يأكل مما يحصل منها لقمة بل يتصرف في ذلك و ذكر الأكل مجاز في مثل هذه المواضع يقال أكل فلان ألف دينار و لعله لبس به و لم يأكل أو أعطاه أو أنفقه في وجه غير الأكل و الغرض بالأكل الشنعة أ لا ترى إلى
قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع لَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْكُمْ غُلَامُ ثَقِيفٍ الذَّيَّالُ الْمَيَّالُ يَأْكُلُ خُضْرَتَكُمْ وَ يُذِيبُ شَحْمَتَكُمْ.
و
يَقُولُ لِغَيْرِهِ أَمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ وَاسِعُ السُّرْمِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ.
كل ذلك تعبير بالرغب و قد قيل الرغب شؤم.
و هذا إعلام منه ع أن المؤمن يشغله دينه و خوفه من الله عن الدنيا و الاتساع فيها و فائدة الحديث الحث على الرغبة عن الدنيا و الاجتناب من الوقوع في مصائد من شهواتها و راوي الحديث جابر و رواه ابن عمر انتهى.
و في النهاية هذا مثل ضربه للمؤمن و زهده في الدنيا و الكافر و حرصه عليها و ليس معناه كثرة الأكل دون الاتساع في الدنيا و لهذا قيل الرُّغْبُ شُؤْمٌ لأنه يحمل صاحبه على اقتحام النار و قيل هو تحضيض للمؤمن على قلة الأكل و تحامي ما يجرُّه الشِّبَعُ من القسوة و طاعة الشهوة و وصف الكافر بكثرة الأكل إغلاظٌ على المؤمن و تأكيد لما رُسِمَ له و قيل هو خاص في رجل بعينه كان يأكل كثيرا فأسلم فقلّ أكله و المعى واحد الأمعاء و هي المَصارِين انتهى.
و قال في فتح الباري بعد ما ذكر بعض ما مر و قيل بل هو على ظاهره ثم اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه ورد في شخص بعينه و اللام عهدية لا جنسية و يؤيده
مَا رَوَاهُ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ بِزَعْمِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ 4049 قَالَ: جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ص سَبْعَةُ رجل [رِجَالٍ] فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَجُلًا وَ أَخَذَ النَّبِيُّ ص رَجُلًا فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ أَبُو غَزْوَانَ قَالَ فَحُلِبَ لَهُ سَبْعُ شِيَاهٍ فَشَرِبَ لَبَنَهَا كُلَّهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ص هَلْ لَكَ يَا أَبَا غَزْوَانَ أَنْ تُسْلِمَ قَالَ نَعَمْ فَأَسْلَمَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ ص صَدْرَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ حُلِبَ لَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يُتِمَّ لَبَنَهَا فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا غَزْوَانَ فَقَالَ وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رُوِيتُ قَالَ إِنَّكَ أَمْسِ كَانَ لَكَ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ وَ لَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ إِلَّا مِعًى وَاحِدٌ.
ثم ضعف هذا الحمل
و الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب و ليست حقيقة العدد مرادة كقوله وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ و المعنى أن من شأن المؤمن التقلّل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة و لعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسدّ الجوع و يمسك الرمق و يعين على العبادة و لخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك و الكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف على مقصود الشرع بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام فصار أكل المؤمن ما ذكر إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه و لا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن و كافر فقد يكن في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة أو لعارض يعرض له على رأي الأطباء و قد يكون في الكافرين من يأكل قليلا إما للرياضة على رأي الرهبان و إما لعارض كضعف المعدة.
قال الطيبي و محصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة و الاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث.
الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان لأن من حسن إسلامه و كمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت و ما بعده فيمنعه شدة الخوف و كثرة التفكر و الإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته كما ورد في حديث أبي أمامة من كثر تفكره قلّ طعمه و من قلّ طعمه كثر تفكره و من كثر طعمه قسا قلبه
وَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الصَّحِيحِ أَنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِإِسْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَ لَا يَشْبَعُ.