کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مفسرة بأنه سبحانه قبل كل شيء 6820 .
و منها الآيات و الأخبار الدالة على فناء جميع الموجودات و قد مر بعضها هنا و بعضها في المجلد الثالث و ذلك بضم مقدمة مسلمة عند القائلين بالقدم و هي أن ما ثبت قدمه امتنع عدمه 6821 .
وَ قَدْ رُوِيَ فِي الْإِحْتِجَاجِ فِي حَدِيثِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي سَأَلَ الصَّادِقَ ع عَنْ مَسَائِلَ أَنَّهُ قَالَ فَيَتَلَاشَى 6822 الرُّوحُ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ قَالَبِهِ أَمْ هُوَ بَاقٍ قَالَ ع بَلْ بَاقٍ إِلَى وَقْتِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَبْطُلُ الْأَشْيَاءُ وَ تَفْنَى فَلَا حِسٌّ يَبْقَى وَ لَا مَحْسُوسٌ ثُمَّ أُعِيدَتِ الْأَشْيَاءُ كَمَا بَدَأَهَا يُدَبِّرُهَا 6823 وَ ذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ سَنَةٍ يَثْبُتُ فِيهَا الْخَلْقُ وَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ 6824 .
و يدل على حدوث السماوات الآيات و الأخبار الدالة على انشقاقها و انفطارها و طيها و انتشار الكواكب منها بما مر من التقريب و قد مضى جميع ذلك في المجلد الثالث.
و منها الآيات و الأخبار الدالة على خلق السماوات و الأرض في ستة أيام
لأن الحادث في اليوم الأخير مسبوق بخمسة أيام فيكون منقطع الوجود في الماضي و الموجود في اليوم الأول زمان وجوده أزيد على زمان الأخير بقدر متناه فالجميع متناهي الوجود حادث فيكون الزمان الموجود الذي يثبتونه أيضا متناهيا لأنه عندهم مقدار حركة الفلك 6825 و قد مر تأويل الأيام و كيفية تقديرها في تفسير الآيات.
و إذا أحطت خبرا بما نقلنا من الآيات و الأخبار المتواترة الصريحة فهل يجترئ عاقل استشم رائحة من الدين أن يعرض عن جميع ذلك و ينبذها وراء ظهره تقليدا للفلاسفة و اتكالا على شبهاتهم الكاسدة و مذاهبهم الفاسدة و ستعرف أنها أوهن من بيت العنكبوت بفضل الحي الذي لا يموت.
قال المحقق الدواني في أنموذجه بعد ما تكلم في شبهاتهم لا يذهب عليك أنه إذا ظهر الخلل في دلائل قدم العالم و ثبت بالتواتر و إخبار الأنبياء الذين هم أصول البرايا و إجماع أهل الملل على ذلك و قد نطق به الوحي الإلهي على وجه لا يقبل التأويل إلا بوجه بعيد تتنفر عنه الطبائع السليمة و الأذهان المستقيمة فلا محيص عن اتباع الأنبياء في ذلك و الأخذ بقولهم كيف و أساطين الفلاسفة ينسبون أنفسهم إليهم و ينسبون أصول مقالاتهم على ما يزعمون أنها مأخوذة منهم فإذن 6826 تقليد هؤلاء الأعاظم الذين اصطفاهم الله تعالى و بعثهم لتكميل العباد و الإرشاد إلى صلاح المعاش و المعاد و قد أذعن لكلامهم الفلاسفة أولى و أحرى من تقليد الفلاسفة الذين هم معترفون برجحان الأنبياء ع عليهم و يتبركون بالانتساب إليهم و من العجب العجاب أن بعض المتفلسفة يتمادون في غيهم و يقولون إن كلام الأنبياء مؤول و لم يريدوا به ظاهره مع أنا نعلم أنه قد نطق القرآن المجيد في أكثر المطالب
الاعتقادية بوجه لا يقبل التأويل أصلا كما قال الإمام الرازي لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي ص و إنكار الحشر الجسماني فإنه قد ورد من القرآن المجيد التصريح به بحيث لا يقبل التأويل أصلا.
و أقول لا يمكن الجمع بين قدم العالم و الحشر الجسماني أيضا لأن النفوس الناطقة لو كانت غير متناهية على ما هو مقتضى القول بقدم العالم 6827 امتنع الحشر الجسماني عليهم لأنه لا بد في حشرهم جميعا من أبدان غير متناهية و أمكنة غير متناهية و قد ثبت أن الأبعاد متناهية ثم التأويلات التي يتمحلونها في كلام الأنبياء عسى أن يتأتى مثلها في كلام الفلاسفة بل أكثر تلك التأويلات من قبيل المكابرات للسوفسطائية فإنا نعلم قطعا أن المراد من هذه الألفاظ الواردة في الكتاب و السنة هي معانيها المتعارفة عند أهل اللسان فإنا كما لا نشك في أن من يخاطبنا بالاستفسار عن مسألة الجزء الذي لا يتجزأ لا يريد بذلك الاستفسار عن حال زيد مثلا في قيامه و قعوده كذلك لا نشك في أن المراد بقوله تعالى قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ هو هذه المعاني الظاهرة لا معنى آخر من أحوال المعاد الروحاني الذي يقول به الفلاسفة و بالجملة فنصوص الكتاب يجب الحمل على ظاهرها و التجاوز عن هذا النهج غي و ضلال و التزامه طريق أهل الكمال انتهى.
و لقد أحسن و أجاد لكن ما يظهر من كلامه من أن النصوص الواردة في الحدوث قابلة للتأويل البعيد ليس كذلك بل إن كان بعضها قابلا فالمجموع يفيد القطع بالمقصود و لعله إنما قال ذلك لعدم اطلاعه على نصوص أئمة الهدى ع أو لعدم اعتقاده بها كما هو ظاهر حاله و إن أشعر بالتدين بالحق في بعض المواضع.
و أما منافاة القول بالقدم مع الحشر الجسماني فإنما يتم لو ذهبوا إلى عدم تناهي
عدد النفوس و وجوب تعلق كل واحدة بالأبدان لا على سبيل التناسخ كما ذهب إليه أرسطو و من تأخر عنه أما لو قيل بقدمها و حدوث تعلقها بالأبدان كما ذهب إليه أفلاطون و من تبعه فإنه ذهب إلى قدم النفس وحدها و حدوث سائر العالم و تناهي الأبدان أو قيل بجواز تعلق نفس واحدة بأبدان كثيرة غير متناهية على سبيل التناسخ و أن في المعاد يرجع النفس مع بدن واحد فلا يتم أصلا.
نعم القول بقدم النفوس البشرية بالنوع و حدوثها بحدوث الأبدان على سبيل التعاقب و عدم تناهيها كما ذهب إليه المشاءون على ما نقل عنهم المتأخرون مما لا يجتمع مع التصديق بما جاء به النبي ص بل الأنبياء ع من وجوه أخر أيضا.
الأول التصديق بوجود آدم و حواء على ما نطق به القرآن و السنة المتواترة مشروحا.
الثاني أنهم ذهبوا إلى قدم هيولى العناصر بالشخص و تعاقب صور غير متناهية عليها فلا بد لهم من القول بتكون أبدان غير متناهية من حصص تلك الهيولى و تعلق صور نفوس غير متناهية بكل حصة منها و عندهم أيضا أنه لا يمكن اجتماع صورتين في حصة من تلك الهيولى دفعة فيلزمهم اجتماع نفوس غير متناهية في بدن واحد إن اعترفوا بالمعاد الجسماني إلى غير ذلك من المفاسد تركناها روما للاختصار.
المقصد الرابع في ذكر نبذ من الدلائل العقلية على هذا المقصد و إن كان خارجا عن مقصود الكتاب تشييدا لهذا المقصد من كل باب و إن أفضى إلى بعض الإطناب
و هو مشتمل على مطالب.
المطلب الأول في إبطال التسلسل مطلقا 6828 و هو مفتقر إلى تمهيد مقدمات.
الأولى ما ذكره السيد ره في القبسات و هو أن الحكم المستوعب الشمول لكل واحد إذا صح على جميع تقادير الوجود لكل من الآحاد 6829 منفردا كان عن غيره أو ملحوظا على الاجتماع كان سحب 6830 ذيله على المجموع الجملي أيضا من غير امتراء و إن اختص بكل واحد واحد بشرط الانفراد كان حكم الجملة غير حكم الآحاد 6831 .
فإنه إذا كان سلسلة فرد منها أبيض فالجملة أيضا أبيض و إذا كان لكل جزء مقدار فللكل أيضا كذلك إلى غير ذلك من الأمثلة المنبهة على المطلب و إذا كان فرد متناهيا لم يلزم أن يكون المجموع متناهيا و إذا كان كل جزء من الأجزاء لا يتجزأ غير منقسم لا يكون الكل غير منقسم و إذا كان كل فرد من أفراد السلسلة واجبا بالذات لا يلزم أن تكون الجملة واجبا بالذات لأن في تلك للانفراد مدخلا و تأثيرا.
الثانية ما أشار إليه المحقق الدواني و غيره و هي أن العقل قد يحكم على الإجمال حكما كليا بالبديهة أو الحدس على كل فرد و على كل جملة سواء كانت متناهية أو غير متناهية و إن كان لو لاحظ التفصيل ابتداء توقف في بعض الأفراد و الجمل كما يحكم العقل مجملا بأن كل موجد يجب أن يتقدم على الموجد من غير تفصيل بين موجد نفسه و موجد غيره ثم يثبت به أن الماهية لا يجوز أن تكون علة لوجودها و هذا جار في جميع كبريات الشكل الأول بالنسبة إلى الأصغر انتهى.
و بهذا يمكن تتميم البرهان السلمي بأن كل بعد من الأبعاد المفروضة فيه يجب أن يوجد فيما فوقه فكذا الكل الغير المتناهي.
الثالثة اعلم أن من النسب و الإضافات ما هي فرع اعتبار العقل و انتزاعه
حتى لو لم يعتبرها العقل لم يتحقق في نفس الأمر أصلا و ذلك إنما يكون إذا كان الموصوف أو الاتصاف و النسبة و الإضافة اعتباريا محضا يتوقف تحققه على اعتبار العقل و فرضه و منه العدد إذا كان معروضه غير موجود 6832 فإن العدد عرض لا يتحقق إلا بتحقق معروضه و هو المعدود و منه وجود الوجود و لزوم اللزوم و هكذا لأن الموصوف و المنتزع عنه فيهما لا يتحقق إلا بعد الانتزاع و توجه العقل إليه قصدا و بالذات فإن الموصوف لا يتحقق إلا بهذا و منه النسب الاعتبارية المحضة و الانطباقات الحاصلة بين آحاد السلسلتين إذا كانت باعتبار هذه الوجوه كانت اعتبارية محضة تنقطع بانقطاع الاعتبار و من الاتصافات و النسب ما ليست كذلك و لا يتوقف على اعتبار و فرض بل هي متحققة في الواقع بدون فرض فارض مثل لوازم الماهية و الاتصافات الخارجية و النفس الأمرية فإنا نجزم بديهة أن العدد موصوف بالزوجية أو الفردية و السماء موصوفة بالفوقية بالنسبة إلى الأرض و الأب بالأبوة و الابن بالبنوة و إن لم يفرض العقل بل انتزاع العقل تابع لما هو متحقق في الواقع و إلا صح انتزاع كل أمر من كل شيء و المنبهات عليه كثيرة لا تخفى فظهر أن انتزاع العقل و صحة حكمه تابع و فرع للواقع و ليس لفرض العقل مدخل في صحة هذه الأمور و تحققها و هذا القدر كاف في دفع الاعتراضات الواردة على البراهين الآتية و لنشرع في إيراد البراهين على وجه الاختصار و إن كانت مذكورة في كتب القوم.
الأول برهان التطبيق 6833 و هو أم البراهين و له تقريرات.
الأول لو تسلسلت أمور مترتبة إلى غير نهاية بأي وجه من وجوه الترتيب
اتفق كالترتيب الوضعي 6834 و الطبعي أو بالعلية أو بالزمان و سواء كانت عددا أو زمانا أو كما قارا أو معدودا أو حركة أو حوادث متعاقبة فنفرض من حد معين منها على سبيل التصاعد مثلا سلسلة غير متناهية و من الذي من فوق الأخير أيضا سلسلة أخرى و لا شك في أنه يتحقق هناك جملتان إحداهما جزء للأخرى و لا في أن الأول من إحداهما منطبق على الأول من الأخرى و الثاني على الثاني في نفس الأمر و هكذا حتى يستغرق التطبيق كل فرد فرد بحيث لا يشذ فرد فإن كان في الواقع بإزاء كل واحد من الناقصة واحد من الزائدة لزم تساوي الكل و الجزء و هو محال أو لا يكون فقد وجد في الزائدة جزء لا يكون بإزائه من الناقصة شيء فتتناهى الناقصة أولا و يلزم تناهي الزائدة أيضا لأن زيادتها بقدر متناه هو ما بين المبدأين و قد فرضناهما غير متناهيين و هذا خلف.