کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
من المتعة و منعها غير المعنى المعروف، و إنّما ذلك معنى تكلّفه المتعصّبون لضيق الخناق.
الثاني: أنّ روايات عمران بن حصين في أنّ: ما نهى عنه الرجل و قال فيه برأيه ما شاء، هو المعنى المعروف، و إيقاع العمرة في أشهر الحجّ، و ظاهر أنّ النهي عن المتعة و القول بالرأي فيها لم يكن من غير عمر، و لذا لم يصرّح عمران به تقيّة 34665 .
الثالث: أنّه قد مرّ في رواية أبي موسى، أنّه علّل عمر ما أحدثه في شأن النسك بقوله، كرهت أن يظلّوا معرسين .. و ظاهر أن هذا التعليل يقتضي 34666 المنع عن المتعة بالمعنى المعروف، و الرواية صريحة في أنّ أبا موسى كان يفتي بالمتعة فحذّره الرجل عن مخالفة عمر.
الرابع: أنّ رواية عمران بن سوادة صريحة في اعتراف عمر بأنّه حرّم المتعة في أشهر الحجّ معلّلا بما ذكر فيها، و كذا رواية الترمذي عن ابن عمر صريحة في أنّه نهى عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، و كذا غيرهما ممّا سبق من الروايات.
الخامس: أنّه لو كان ما نهى عنه و حرّمه عمر أمرا منسوخا في زمن الرسول (ص) لأنكر على عمران بن سوادة قوله: لم يحرّمهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا أبو بكر، و قد صدّقه و علّل التحريم بما سبق.
و بالجملة، لا مجال للشكّ في أنّ ما حرمه عمر هو التمتّع بالعمرة إلى الحجّ الذي صرّحت روايات الفريقين 34667 بأنّه حكمه باق إلى يوم القيامة، و أنّه للأبد،
و أبد الأبد، بل إنّه نهى عن أعمّ منه و هو الاعتمار في أشهر الحجّ 34668 .
و لنعم ما حكى الشهيد الثاني، قال 34669 : وجدت في بعض كتب الجمهور أنّ رجلا كان يتمتّع بالنساء، فقيل له: عمّن أخذت حلّها؟. قال: عن عمر. قيل له: كيف ذلك و عمر هو الذي نهى عنها و عاقب عليها؟. فقال: لِقَوْلِهِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ أَنَا أُحَرِّمُهُمَا 34670 وَ أُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا، مُتْعَةُ
الْحَجِّ وَ مُتْعَةُ النِّسَاءِ، فأنا أقبل روايته في شرعيّتها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا أقبل نهيه 34671 من قبل نفسه 34672 .
الخامس:
إنّه عطّل حدّ اللّه في المغيرة بن شعبة لمّا شهدوا عليه بالزنا، و لقّن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتّباعا لهواه، فلمّا فعل ذلك عاد إلى الشهود و فضحهم و حدّهم، فتجنّب أن يفضح المغيرة- و هو واحد و كان آثما- و فضح الثلاثة، و عطّل حدّ اللّه و وضعه في غير موضعه.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ 34673 :- رَوَى الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِهِ 34674 ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الْمُغِيرَةُ يَخْتَلِفُ إِلَى أُمِّ جَمِيلٍ- امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ- وَ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مِنْ ثَقِيفٍ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ: الْحَجَّاجُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَ كَانَ الْمُغِيرَةُ- وَ هُوَ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ- يَخْتَلِفُ إِلَيْهَا سِرّاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ فَأَعْظَمُوا، فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ 34675 فَدَخَلَ عَلَيْهَا- وَ قَدْ وَضَعُوا عَلَيْهِمَا الرَّصَدَ- فَانْطَلَقَ الْقَوْمُ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ عُمَرَ فَكَشَفُوا السِّتْرَ فَرَأَوْهُ قَدْ وَاقَعَهَا، فَكَتَبُوا بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ، وَ أَوْفَدُوا إِلَيْهِ بِالْكِتَابِ أَبَا بَكْرَةَ، فَانْتَهَى أَبُو بَكْرَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَ جَاءَ إِلَى بَابِ عُمَرَ فَسَمِعَ صَوْتَهُ وَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَهُ حِجَابٌ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرَةَ؟. فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَقَدْ جِئْتَ لِشَرٍّ!. قَالَ: إِنَّمَا جَاءَ بِهِ 34676 الْمُغِيرَةُ .. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَبَعَثَ 34677 أَبَا مُوسَى عَامِلًا وَ أَمَرَهُ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ أَبُو مُوسَى الْبَصْرَةَ وَ قَعَدَ فِي الْإِمَارَةِ أَهْدَى إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ عَقِيلَةَ 34678 ، وَ قَالَ: وَ إِنَّنِي قَدْ رَضِيتُهَا
لَكَ، فَبَعَثَ أَبُو مُوسَى بِالْمُغِيرَةِ إِلَى عُمَرَ.
قَالَ الطَّبَرِيُ 34679 : وَ رَوَى الْوَاقِدِيُ 34680 ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ 34681 ، قَالَ: قَدِمَ الْمُغِيرَةُ عَلَى عُمَرَ فَتَزَوَّجَ فِي طَرِيقِهِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مُرَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّكَ لَفَارِغُ الْقَلْبِ شَدِيدٌ الشَّبَقِ، طَوِيلُ العزمول [الْغُرْمُولِ] 34682 . ثُمَّ سَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ فَقِيلَ لَهُ: يُقَالُ لَهَا:
الرَّقْطَاءُ، كَانَ زَوْجُهَا مِنْ ثَقِيفٍ، وَ هِيَ مِنْ بَنِي هِلَالٍ.
قَالَ الطَّبَرِيُ 34683 : وَ كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ كَانَ يُبْغِضُ أَبَا بَكْرَةَ، وَ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ يُبْغِضُهُ، وَ يُنَاغِي 34684 كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ يُنَافِرُهُ عِنْدَ كُلِّ مَا يَكُونُ مِنْهُ، وَ كَانَا مُتَجَاوِرَيْنِ بِالْبَصْرَةِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ، وَ هُمَا فِي مَشْرَبَتَيْنِ مُتَقَابِلَتَيْنِ، فَهُمَا فِي دَارَيْهِمَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُوَّةٌ مُقَابِلَةُ الْأُخْرَى، فَاجْتَمَعَ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي مَشْرَبَتِهِ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَفَتَحَتْ بَابَ الْكُوَّةِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرَةَ لِيَصْفِقَهُ فَبَصُرَ بِالْمُغِيرَةِ وَ قَدْ فَتَحَ 34685 الرِّيحُ بِالْكُوَّةِ الَّتِي فِي مَشْرَبَتِهِ، وَ هُوَ بَيْنَ رِجْلَيِ امْرَأَةٍ، فَقَالَ لِلنَّفَرِ: قُومُوا فَانْظُرُوا، فَقَامُوا فَنَظَرُوا، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا، قَالُوا: وَ مَنْ هَذِهِ؟. قَالَ: أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ الْأَفْقَمِ، وَ كَانَتْ أُمُّ جَمِيلٍ إِحْدَى بَنِي عَامِرِ 34686
بْنِ صَعْصَعَةَ، فَقَالُوا 34687 : إِنَّمَا رَأَيْنَا أَعْجَازاً وَ لَا نَدْرِي مَا الْوُجُوهُ 34688 ؟. فَلَمَّا قَامَتْ صَمَّمُوا، وَ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَحَالَ أَبُو بَكْرَةَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَ قَالَ: لَا تُصَلِّ بِنَا، وَ كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، وَ كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَيْهِ أَيْضاً، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى! إِنِّي مُسْتَعْمِلُكَ، وَ إِنِّي بَاعِثُكَ إِلَى أَرْضٍ قَدْ 34689 بَاضَ فِيهَا الشَّيْطَانُ وَ فَرَّخَ، فَالْزَمْ مَا تَعْرِفُ، وَ لَا تَسْتَبْدِلْ فَيَسْتَبْدِلَ اللَّهُ بِكَ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَعِنِّي بِعِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ، فَإِنِّي وَجَدْتُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ كَالْمِلْحِ لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ. قَالَ: فَاسْتَعِنْ بِمَنْ أَحْبَبْتَ، فَاسْتَعَانَ بِتِسْعَةٍ وَ عِشْرِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَ عَمَّارُ 34690 بْنُ حُصَيْنٍ وَ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ .. وَ خَرَجَ أَبُو مُوسَى بِهِمْ حَتَّى أَنَاخَ بِالْبَصْرَةِ فِي الْمِرْبَدِ 34691 ، وَ بَلَغَ الْمُغِيرَةَ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَدْ أَنَاخَ بِالْمِرْبَدِ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ مَا جَاءَ أَبُو مُوسَى تَاجِراً وَ لَا زَائِراً 34692 وَ لَكِنَّهُ جَاءَ أَمِيراً، وَ إِنَّهُمْ لَفِي ذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَدَفَعَ إِلَى الْمُغِيرَةِ كِتَاباً مِنْ عُمَرَ- إِنَّهُ لَأَزْجَرُ 34693 كِتَابٍ كَتَبَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ- أَرْبَعَ كَلِمٍ عَزَلَ فِيهَا وَ عَاتَبَ 34694 وَ اسْتَحَثَّ وَ أَمَّرَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي نَبَأٌ عَظِيمٌ فَبَعَثْتُ أَبَا مُوسَى 34695 فَسَلِّمْ مَا فِي يَدَيْكَ إِلَيْهِ وَ الْعَجَلَ. وَ كَتَبَ إِلَى
أَهْلِ الْبَصْرَةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ أَبَا مُوسَى أَمِيراً عَلَيْكُمْ لِيَأْخُذَ لِضَعِيفِكُمْ مِنْ قَوِيِّكُمْ، وَ لِيُقَاتِلَ بِكُمْ عَدُوَّكُمْ، وَ لِيَدْفَعَ عَنْ ذِمَّتِكُمْ، وَ لِيَجْبِيَ 34696 لَكُمْ فَيْئَكُمْ، وَ لِيُقَسِّمَ فِيكُمْ 34697 ، وَ لِيَحْمِيَ لَكُمْ طُرُقَكُمْ 34698 .
فَأَهْدَى إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ وَلِيدَةً مِنْ مُوَلَّدَاتِ الطَّائِفِ تُدْعَى: عَقِيلَةَ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَضِيتُهَا لَكَ- وَ كَانَتْ فَارِهَةً-، وَ ارْتَحَلَ الْمُغِيرَةُ وَ أَبُو بَكْرَةَ وَ نَافِعُ بْنُ كَلَدَةَ وَ زِيَادٌ وَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! سَلْ هَؤُلَاءِ الْأَعْبُدَ كَيْفَ رَأَوْنِي مُسْتَقْبِلَهُمْ أَمْ مُسْتَدْبِرَهُمْ؟
فَكَيْفَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ وَ عَرَفُوهَا؟ فَإِنْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِيَّ فَكَيْفَ لَمْ أَسْتَتِرْ! وَ إِنْ كَانُوا مُسْتَدْبِرِيَّ فَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا النَّظَرَ إِلَيَّ فِي مَنْزِلِي عَلَى امْرَأَتِي! وَ اللَّهِ مَا أَتَيْتُ إِلَّا امْرَأَتِي، فَبَدَأَ بِأَبِي بَكْرَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَآهُ بَيْنَ رِجْلَيْ أُمِّ جَمِيلٍ، وَ هُوَ يُدْخِلُهُ وَ يُخْرِجُهُ 34699 ، قَالَ عُمَرُ:
كَيْفَ رَأَيْتَهُمَا؟. قَالَ: مُسْتَدْبِرَهُمَا. قَالَ: كَيْفَ اسْتَبَنْتَ 34700 رَأْسَهَا؟. قَالَ: