کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الفائدة، إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين، و لا يقول ذلك من أوتي حظّا من الفهم و الفطانة، أو اتّصف بشيء من الإنصاف و الأمانة، و قد أطبق محدّثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات اللّه عليها.
فإن قيل: أقصى ما يدلّ عليه الأخبار هو أنّ إيذاءها إيذاء للرسول صلّى اللّه عليه و آله، و من جوّز صدور الذنب عنه صلّى اللّه عليه و آله لا يأبى عن إيذائه إذا فعل ما يستحقّ به الإيذاء.
قلنا: بعد ما مرّ من الدلائل على عصمة الأنبياء عليهم السلام 27667 ، قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 27668 ، و قال سبحانه: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ 27669 ، و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً 27670 ، فالقول بجواز إيذائه صلّى اللّه عليه و آله ردّ لصريح القرآن، و لا يرضى به أحد من أهل الإيمان.
فإن قيل: إنّما دلّت الأخبار على عدم جواز إيذائها، و هو إنّما ينافي صدور ذنب عنها يمكن للناس الاطلاع عليه حتى يؤذيها نهيا عن المنكر، و لا ينافي صدور معصية عنها خفية فلا يدلّ على عصمتها مطلقا.
قلنا: نتمسّك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركّب على أنّ ما جرى في قصّة فدك و صدر عنها من الإنكار على أبي بكر، و مجاهرتها بالحكم بكفره و كفر طائفة من الصحابة و فسقهم تصريحا و تلويحا، و تظلّمها و غضبها على أبي بكر و هجرتها و ترك كلامها حتى ماتت لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رءوس الأشهاد، و أيّ ذنب أظهر و أفحش من مثل هذا الردّ و الإنكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين بزعمهم، فلا محيص لهم عن
القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرّزا عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيّدة النساء.
و نحتجّ أيضا في عصمتها صلوات اللّه عليها بالأخبار الدالّة على وجوب التمسّك بأهل البيت عليهم السلام، و عدم جواز التخلّف عنهم، و ما يقرب من هذا المعنى، و لا ريب في أنّ ذلك لا يكون ثابتا لأحد إلّا إذا كان معصوما، إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز اتّباعه عند ارتكابها، بل يجب ردعه و منعه و إيذاؤه، و إقامة الحدّ عليه، و إنكاره بالقلب و اللسان، و كلّ ذلك ينافي ما حثّ عليه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أوصى به الأمّة في شأنهم، و سيأتي من الأخبار في ذلك ما يتجاوز حدّ التواتر، و لنذكر فيها قليلا ممّا أورده المخالفون في صحاحهم:.
6- رَوَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27671 عَنِ التِّرْمِذِيِّ مِمَّا رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ 27672 عَنْ جَابِرِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِ 27673 قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ عَرَفَةَ- وَ هُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ 27674 - يَخْطُبُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي.
7- وَ رَوَى 27675 - أَيْضاً-، عَنِ التِّرْمِذِيِ 27676 ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا 27677 ، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ، وَ هُوَ كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ،
وَ عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا!.
8- وَ رَوَى فِي الْمِشْكَاةِ 27678 عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ- وَ هُوَ آخِذٌ بِبَابِ الْكَعْبَةِ-:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] يَقُولُ: أَلَا إِنَّ مَثَلَ أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ.
9- وَ رَوَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27679 وَ الْمِشْكَاةِ 27680 مِنْ صَحِيحِ التِّرْمِذِيِ 27681 ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ: أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ وَ سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمْتُمْ 27682 .
10- وَ رَوَى الْبُخَارِيُ 27683 وَ مُسْلِمٌ 27684 فِي صحيحهما [صَحِيحَيْهِمَا]، وَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ 27685 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى 27686 قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ؟، قَالَ: عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ ابْنَاهُمَا. 27687 ..
و سيأتي من الأخبار في ذلك ما يشبعك و يغنيك، و فيما ذكرنا كفاية للمنصف إن لم يكن يكفيك.:
الثانية:
في بيان ما يدلّ على كونها صلوات اللّه عليها محقّة في دعوى فدك، مع قطع النظر عن عصمتها، فنقول:
لا ريب على من 27688 له أدنى تتبّع في الآثار، و تنزّل قليلا عن درجة التعصّب و الإنكار في أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان يرى فدكا حقّا لفاطمة عليها السلام، و قد اعترف بذلك جلّ أهل الخلاف، و رووا أنّه عليه السلام شهد لها، و لذلك تراهم يجيبون تارة بعدم قبول شهادة الزوج، و تارة بأنّ أبا بكر لم يمض شهادة عليّ عليه السلام و شهادة أمّ أيمن لقصورها عن نصاب الشهادة، و قد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفريقين أنّ عليّا عليه السلام لا يفارق الحقّ و الحقّ لا يفارقه، بل يدور معه حيث ما دار، و قد اعترف ابن أبي الحديد بصحّة هذا الخبر 27689 .
11- وَ رَوَى ابْنُ بِطْرِيقٍ 27690 عَنِ السَّمْعَانِيِّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ 27691 بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] يَقُولُ: عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ، لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
12- وَ رَوَى ابْنُ شِيرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ 27692 ، بِالْإِسْنَادِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: رَحِمَ اللَّهُ عَلِيّاً، اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ.
و قد روى عليّ بن عيسى في كشف الغمّة 27693 ، و ابن شهر آشوب في المناقب 27694 ، و ابن بطريق في المستدرك و العمدة 27695 ، و العلّامة رحمه اللّه في كشف الحقّ 27696 .. و غيرهم في غيرها أخبارا كثيرة من كتب المخالفين في ذلك، و سنوردها بأسانيدها في المجلد التاسع 27697 .
فهل يشكّ عاقل في حقيّة دعوى كان المدّعي فيها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين باتّفاق المخالفين و المؤالفين، و الشاهد لها أمير المؤمنين الذي
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهِ : إِنَّ الْحَقَّ لَا يُفَارِقُهُ، وَ إِنَّهُ الْفَارُوقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ، وَ إِنَّ مَنِ اتَّبَعَهُ اتَّبَعَ الْحَقَّ وَ مَنْ تَرَكَهُ تَرَكَ الْحَقَ 27698 .
و .. غير ذلك ممّا سيأتي
في أبواب فضائله و مناقبه عليه السلام 27699 .
و أمّا فضائل فاطمة عليها السلام فتأتي الأخبار المتواترة من الجانبين في المجلد التاسع و المجلد العاشر 27700 .
13- وَ رَوَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27701 مِنْ صَحِيحِ التِّرْمِذِيِ 27702 ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ.
14- وَ رَوَى الْبُخَارِيُ 27703 وَ مُسْلِمٌ 27704 وَ التِّرْمِذِيُ 27705 وَ أَبُو دَاوُدَ 27706 فِي صِحَاحِهِمْ عَلَى مَا رَوَاهُ 27707 فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27708 - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ- قَالَ فِي آخِرِهِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ: يَا فَاطِمَةُ! أَ مَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْأُمَّةِ 27709 ؟!.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى رَوَاهَا الْبُخَارِيُ 27710 وَ مُسْلِمٌ 27711 : أَ مَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي
سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ 27712 وَ أَنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقاً بِي.
15- وَ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبِرِّ فِي الْإِسْتِيعَابِ 27713 فِي تَرْجَمَةِ خَدِيجَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ:
مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ ابْنَةُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُنَّ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَ عَنْ أَنَسٍ: أنَهُنَّ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ.
18- وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ ثُمَّ قَالَ: أَ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ 27714 خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (ص)، وَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ 27715 .