کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قالوا فأخذ موسى شعر رأس هارون عليه السلام بيمينه و لحيته بشماله و كان قد اعتزلهم في الاثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل و قال يا هارون ما مَنَعَكَ الآية.
فلما علم بنو إسرائيل خطأهم ندموا و استغفروا فأمرهم موسى أن يقتل البريء المجرم فتبرأ أكثرهم فأمر الله موسى أن يبرد العجل بالمبرد و يحرقه ثم يذريه في النيل فمن شرب ماءه ممن عبد العجل اصفر وجهه و اسودت شفتاه و قيل نبت على شاربه الذهب فكان ذلك علما لجرمه فأخذ موسى عليه السلام العجل فذبحه ثم برده بالمبارد ثم حرقه و جمع رماده و أمر السامري حتى بال عليه استخفافا به ثم ذرأه في الماء ثم أمرهم بالشرب من ذلك الماء فاسودت شفاه الذين عبدوه و اصفرت وجوههم فأقروا و قالوا لو أمرنا الله سبحانه أن نقتل أنفسنا ليقبل توبتنا لقتلناها فقيل لهم فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فجلسوا في الأفنية محتبين 11917 و أصلت القوم 11918 عليهم خناجر فكان الرجل يرى ابنه و أباه و أخاه و قريبه و صديقه و جاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله سبحانه 11919 فأرسل الله عليهم ضبابة 11920 و سحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا و قيل لهم من حل حبوته 11921 أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردود توبته فكانوا يقتلونهم إلى المساء فلما كثر فيهم القتل و بلغ عدة القتلى سبعين ألفا دعا موسى و هارون و بكيا و جزعا و تضرعا و قالا يا رب هلكت بنو إسرائيل البقية البقية فكشف الله تعالى السحابة و أمرهم أن يرفعوا السلاح و يكفوا عن القتل فلما انكشفت السحابة عن القتلى اشتد ذلك على موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه أ ما يرضيك أن يدخل 11922 القاتل و المقتول الجنة فكان من قتل منهم شهيدا و من بقي مكفرا عنه ذنبه.
ثم إن موسى عليه السلام هم بقتل السامري فأوحى الله سبحانه و تعالى إليه لا تقتله
فإنه سخي فلعنه موسى و قال فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَ إِنَّ لَكَ مَوْعِداً لعذابك في القيامة لَنْ تُخْلَفَهُ و أمر موسى عليه السلام بني إسرائيل أن لا يخالطوه و لا يقربوه فصار السامري وحشيا لا يألف و لا يؤلف و لا يدنو من الناس و لا يمس أحدا منهم فمن مسه قرض ذلك الموضع بالمقراض فكان كذلك حتى هلك.
قالوا ثم إن الله سبحانه أمر موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من خيار بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة قومهم العجل فاختار موسى سبعين رجلا فأمر عليه السلام أن يصوموا و يتطهروا و يطهروا ثيابهم و يتطيبوا ثم خرج موسى عليه السلام بهم إلى طور سيناء فلما دنا موسى عليه السلام الجبل وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله و دنا موسى عليه السلام و دخل فيه و قال للقوم ادنوا و كان عليه السلام إذا كلم ربه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه فضرب دونه بالحجاب و دخل القوم في الغمام فخروا سجدا فسمعوا الله سبحانه و هو يكلم موسى و يأمره و ينهاه و أسمعهم الله تعالى إني أنا الله لا إله إلا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني و لا تعبدوا غيري فلما فرغ موسى من الكلام و انكشف الغمام أقبل إليهم فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأخذتهم الصاعقة و هي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا و قال وهب بل أرسل الله إليهم جندا من السماء فلما سمعوا حسهم ماتوا يوما و ليلة فقال موسى رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا يا رب كيف أرجع إلى بني إسرائيل و قد أهلكت خيارهم فلم يزل موسى يناشد ربه عز و جل حتى أحياهم الله جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحيون فذلك قوله تعالى ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 11923 قالوا فلما رجع موسى عليه السلام إلى قومه و قد أتاهم بالتوراة أبوا أن يقبلوها و يعملوا بما فيها للآصار 11924 و الأثقال و الأغلال التي كانت فيها فأمر الله تعالى جبرئيل فقلع جبلا على قدر عسكرهم و كان فرسخا في فرسخ و رفعه فوق رءوسهم مقدار قامة الرجل
و عن ابن عباس أمر الله جبلا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رءوسهم مثل الظلة فذلك قوله سبحانه وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ الآية و قوله وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ
قال عطاء عن ابن عباس رفع الله تعالى فوق رءوسهم الطور و بعث نارا من قبل وجوههم و أتاهم البحر الملح من خلفهم و قيل لهم خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا فإن قبلتموه و فعلتم ما أمرتم به و إلا رضختكم بهذا الجبل و غرقتكم في هذا البحر 11925 و أحرقتكم بهذه النار فلما رأوا أن لا مهرب لهم منها قبلوا ذلك و سجدوا على شق وجوههم و جعلوا يلاحظون الجبل و هم سجود فصارت سنة في اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم فلما زال الجبل قالوا سمعنا و أطعنا و لو لا الجبل ما أطعناك.
- و روى قتادة عن الحسن قال مكث موسى عليه السلام بعد ما تغشاه نور رب العالمين و انصرف إلى قومه أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات حتى اتخذ لنفسه برنسا و عليه برقع لا يبدي وجهه لأحد مخافة أن يموت 11926 .
باب 8 قصة قارون
الآيات القصص إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَ ابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ تفسير لا تَفْرَحْ أي لا تأشر و لا تمرح و لا تتكبر بسبب كنوزك وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أي لا تترك أن تحصل بها آخرتك أو أن تأخذ منها ما يكفيك.
1- فس، تفسير القمي قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَ آتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ وَ الْعُصْبَةُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ 11927 قَالَ كَانَ يَحْمِلُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ الْعُصْبَةُ أولي [أُولُوا] الْقُوَّةِ فَقَالَ قَارُونُ كَمَا حَكَى اللَّهُ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي يَعْنِي مَالَهُ وَ كَانَ يَعْمَلُ الْكِيمِيَاءَ فَقَالَ اللَّهُ أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ أَيْ لَا يُسْأَلُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ عَنْ ذُنُوبِ هَؤُلَاءِ فَخَرَجَ
عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ فِي الثِّيَابِ الْمُصَبَّغَاتِ يَجُرُّهَا بِالْأَرْضِ 11928 فَ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فَقَالَ لَهُمُ الْخَاصُّ مِنْ أَصْحَابِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ لا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ قَالَ هِيَ لُغَةٌ سُرْيَانِيَّةٌ 11929 يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ يَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَ كَانَ سَبَبَ هَلَاكِ قَارُونَ أَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ وَ أَنْزَلَهُمُ الْبَادِيَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوَى وَ انْفَجَرَ لَهُمْ مِنَ الْحَجَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً بَطِرُوا وَ قَالُوا لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثَّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها قالَ لَهُمْ مُوسَى أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ فَقَالُوا كَمَا حَكَى اللَّهُ إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها ثُمَّ قَالُوا لِمُوسَى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا وَ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَكَانُوا يَقُومُونَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَ يَأْخُذُونَ فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَ الدُّعَاءِ وَ الْبُكَاءِ وَ كَانَ قَارُونُ مِنْهُمْ وَ كَانَ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحْسَنُ صَوْتاً مِنْهُ وَ كَانَ يُسَمَّى الْمَنُونَ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ وَ قَدْ كَانَ يَعْمَلُ الْكِيمِيَاءَ فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التِّيهِ وَ التَّوْبَةِ وَ كَانَ قَارُونُ قَدِ امْتَنَعَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُمْ فِي التَّوْبَةِ وَ كَانَ مُوسَى يُحِبُّهُ فَدَخَلَ إِلَيْهِ مُوسَى فَقَالَ لَهُ يَا قَارُونُ قَوْمُكَ فِي التَّوْبَةِ وَ أَنْتَ قَاعِدٌ هَاهُنَا ادْخُلْ مَعَهُمْ وَ إِلَّا نَزَلَ بِكَ الْعَذَابُ فَاسْتَهَانَ بِهِ وَ اسْتَهَزَأَ بِقَوْلِهِ فَخَرَجَ مُوسَى مِنْ عِنْدِهِ مُغْتَمّاً فَجَلَسَ فِي فَنَاءِ قَصْرِهِ وَ عَلَيْهِ جُبَّةُ شَعْرٍ وَ نَعْلَانِ مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ شِرَاكُهُمَا مِنْ خُيُوطِ شَعْرٍ بِيَدِهِ الْعَصَا فَأَمَرَ قَارُونُ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ رَمَادٌ قَدْ خُلِطَ بِالْمَاءِ فَصُبَّ عَلَيْهِ فَغَضِبَ مُوسَى غَضَباً شَدِيداً وَ كَانَ فِي كَتِفِهِ شَعَرَاتٌ كَانَ إِذَا غَضِبَ خَرَجَتْ
مِنْ ثِيَابِهِ وَ قَطَرَ مِنْهَا الدَّمُ فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ إِنْ لَمْ تَغْضَبْ لِي فَلَسْتُ لَكَ بِنَبِيٍّ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ قَدْ أَمَرْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تطعك [تُطِيعَكَ] فَمُرْهُمَا بِمَا شِئْتَ 11930 وَ قَدْ كَانَ قَارُونُ أَمَرَ أَنْ يُغْلَقَ بَابُ الْقَصْرِ فَأَقْبَلَ مُوسَى فَأَوْمَأَ إِلَى الْأَبْوَابِ فَانْفَرَجَتْ وَ دَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَارُونُ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ بِالْعَذَابِ 11931 فَقَالَ يَا مُوسَى أَسْأَلُكَ بِالرَّحِمِ الَّتِي بَيْنِي وَ بَيْنَكَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا ابْنَ لَاوَى لَا تَرُدَّنِي مِنْ كَلَامِكَ يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَدَخَلَ الْقَصْرُ بِمَا فِيهِ فِي الْأَرْضِ وَ دَخَلَ قَارُونُ فِي الْأَرْضِ إِلَى الرُّكْبَةِ 11932 فَبَكَى وَ حَلَّفَهُ بِالرَّحِمِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى يَا ابْنَ لَاوَى لَا تَرُدَّنِي مِنْ كَلَامِكَ 11933 يَا أَرْضُ خُذِيهِ فَابْتَلَعَتْهُ بِقَصْرِهِ وَ خَزَائِنِهِ وَ هَذَا مَا قَالَ مُوسَى لِقَارُونَ يَوْمَ أَهْلَكَهُ اللَّهُ فَعَيَّرَهُ اللَّهُ بِمَا قَالَهُ لِقَارُونَ فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَيَّرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ يَا رَبِّ إِنَّ قَارُونَ دَعَانِي بِغَيْرِكَ وَ لَوْ دَعَانِي بِكَ لَأَجَبْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ يَا ابْنِ لَاوَى لَا تَرُدَّنِي مِنْ كَلَامِكَ فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَكَ رِضًا لَأَجَبْتُهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا مُوسَى وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ جُودِي 11934 وَ مَجْدِي وَ عُلُوِّ مَكَانِي لَوْ أَنَّ قَارُونَ كَمَا دَعَاكَ دَعَانِي لَأَجَبْتُهُ وَ لَكِنَّهُ لَمَّا دَعَاكَ وَكَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا ابْنَ عِمْرَانَ لَا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ فَإِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَ قَدْ مَهَّدْتُ لَكَ مِهَاداً لَوْ قَدْ وَرَدْتَ عَلَيْهِ لَقَرَّتْ 11935 عَيْنَاكَ فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ طُورِ سَيْنَاءَ مَعَ وَصِيِّهِ فَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ فَنَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ وَ مَعَهُ مِكْتَلٌ وَ مِسْحَاةٌ 11936 فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا تُرِيدُ قَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ قَدْ تُوُفِّيَ فَأَنَا أَحْفِرُ لَهُ قَبْراً فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَ فَلَا أَعِينُكَ عَلَيْهِ قَالَ بَلَى قَالَ فَحَفَرَا الْقَبْرَ فَلَمَّا فَرَغَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْقَبْرِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا
تُرِيدُ قَالَ أَدْخُلُ الْقَبْرَ فَأَنْظُرُ كَيْفَ مَضْجَعُهُ فَقَالَ مُوسَى أَنَا أَكْفِيكَ فَدَخَلَهُ مُوسَى فَاضْطَجَعَ فِيهِ فَقَبَضَ مَلَكُ الْمَوْتِ رُوحَهُ وَ انْضَمَّ عَلَيْهِ الْجَبَلَ 11937 .
بيان
قوله تعالى كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قيل كان ابن عمه يصهر بن قاهث و موسى بن عمران بن قاهث و قيل كان ابن خالته- قال الطبرسي و روي ذلك عن أبي عبد الله ع .
و قيل كان عم موسى 11938 و قال الطبرسي رحمه الله ناء بحمله ينوء نوءا إذا نهض به مع ثقله عليه 11939 و المفاتح هنا الخزائن في قول أكثر المفسرين و قيل هي المفاتيح التي تفتح بها الأبواب
و روى الأعمش عن خثيمة قال كانت من جلود كل مفتاح مثل الإصبع.
و اختلف في معنى العصبة فقيل ما بين عشرة إلى خمسة عشر و قيل ما بين عشرة إلى أربعين و قيل أربعون رجلا و قيل ما بين الثلاثة إلى العشرة و قيل إنهم الجماعة يتعصب بعضهم لبعض قوله إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ قال البيضاوي أي فضلت به على الناس و استوجبت به التفوق عليهم بالجاه و المال و على علم في موضع الحال و هو علم التوراة و كان أعلمهم و قيل هو علم الكيمياء و قيل علم التجارة و الدهقنة و سائر المكاسب و قيل علمه بكنوز يوسف 11940 .
وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ سؤال استعلام فإنه تعالى مطلع عليها أو معاتبة فإنهم يعذبون بها بغتة قوله وَيْكَأَنَّ اللَّهَ قال البغوي قال الفراء ويكأن كلمة تقرير و عن الحسن أنه كلمة ابتداء و قيل هو تنبيه بمنزلة ألا و قال قطرب ويك بمعنى ويلك و أن منصوب بإضمار اعلم و قال البيضاوي عند البصريين مركب من وي للتعجب و كأن للتشبيه و المعنى ما أشبه الأمر أن الله يبسط 11941 .