کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
سَيِّدِي سَيِّدِي كَمْ مِنْ عَتِيقٍ لَكَ فَاجْعَلْنِي مِمَّنْ أَعْتَقْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي وَ كَمْ مِنْ ذَنْبٍ قَدْ غَفَرْتَ فَاجْعَلْ ذَنْبِي فِيمَا غَفَرْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي كَمْ مِنْ حَاجَةٍ قَدْ قَضَيْتَ فَاجْعَلْ حَاجَتِي فِيمَا قَضَيْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي وَ كَمْ مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ كَشَفْتَ فَاجْعَلْ كُرْبَتِي فِيمَا كَشَفْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي وَ كَمْ مِنْ مُسْتَغِيثٍ قَدْ أَغَثْتَ فَاجْعَلْنِي فِيمَنْ أَغَثْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي كَمْ مِنْ دَعْوَةٍ قَدْ أَجَبْتَ فَاجْعَلْ دَعْوَتِي فِيمَا أَجَبْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي وَ ارْحَمْ سُجُودِي فِي السَّاجِدِينَ وَ ارْحَمْ عَبْرَتِي فِي الْمُسْتَعْبِرِينَ وَ ارْحَمْ تَضَرُّعِي فِيمَنْ تَضَرَّعَ مِنَ الْمُتَضَرِّعِينَ سَيِّدِي سَيِّدِي وَ كَمْ مِنْ فَقْرٍ قَدْ أَغْنَيْتَ فَاجْعَلْ فَقْرِي فِيمَا أَغْنَيْتَ سَيِّدِي سَيِّدِي ارْحَمْ دَعْوَتِي فِي الدَّاعِينَ سَيِّدِي وَ إِلَهِي أَسَأْتُ وَ ظَلَمْتُ وَ عَمِلْتُ سُوءاً وَ اعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي وَ بِئْسَ مَا عَمِلْتُ فَاغْفِرْ لِي يَا مَوْلَايَ أَيْ كَرِيمُ أَيْ عَزِيزُ أَيْ جَمِيلُ- فَإِذَا فَرَغْتَ وَ انْصَرَفْتَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ ثُمَّ حَمِدْتَ رَبَّكَ ثُمَّ تَقُولُ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمْتَ عَلَى النَّبِيِّ ص وَ حَمِدْتَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 11311 .
8- الْمُتَهَجِّدُ، رَوَى أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً ع كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْفِطْرِ فَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ - لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ- يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَ ما يَخْرُجُ مِنْها وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ كَذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ- لَا أَمَدَ لَهُ وَ لَا غَايَةَ لَهُ وَ لَا نِهَايَةَ وَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ وَ أَعْمِمْنَا بِعَافِيَتِكَ وَ أَمْدِدْنَا بِعِصْمَتِكَ وَ لَا تُخْلِنَا مِنْ رَحْمَتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا مَقْنُوطاً مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لَا مَخْلُوّاً مِنْ
نِعْمَتِهِ وَ لَا مُؤْيَساً مِنْ رَوْحِهِ وَ لَا مُسْتَنْكَفاً عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي بِكَلِمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ قَرَّتِ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ وَ ثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي وَ جَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ وَ سَارَتْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ السَّحَابُ وَ قَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا الْبِحَارُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَهٌ قَاهِرٌ قَادِرٌ ذَلَّ لَهُ الْمُتَعَزِّزُونَ وَ تَضَاءَلَ لَهُ الْمُتَكَبِّرُونَ وَ دَانَ طَوْعاً وَ كُرْهاً لَهُ الْعَالَمُونَ نَحْمَدُهُ بِمَا حَمِدَ بِهِ نَفْسَهُ وَ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ نَسْتَعِينُهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ وَ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي النُّفُوسُ وَ مَا تُجِنُّ الْبِحَارُ وَ مَا تُوَارِي الْأَسْرَابُ وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ لَا تَوَارَى مِنْهُ ظُلْمَةٌ وَ لَا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ وَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ وَ إِلَى أَيِّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَ نَسْتَهْدِي اللَّهَ بِالْهُدَى وَ نَعُوذُ بِهِ مِنَ الضَّلَالِ وَ الرَّدَى وَ نَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ نَبِيُّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَ أَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ وَ أَنَّهُ بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَ جَاهَدَ فِي اللَّهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ وَ عَبَدَهُ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ ص أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ نِعْمَةٌ وَ لَا تُفْقَدُ لَهُ رَحْمَةٌ وَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْعِبَادُ وَ لَا تَجْزِي أَنْعُمَهُ الْأَعْمَالُ الَّذِي رَغَّبَ فِي الْآخِرَةِ وَ زَهَّدَ فِي الدُّنْيَا وَ حَذَّرَ الْمَعَاصِيَ وَ تَعَزَّزَ بِالْبَقَاءِ وَ تَفَرَّدَ بِالْعِزِّ وَ الْبَهَاءِ وَ جَعَلَ الْمَوْتَ غَايَةَ الْمَخْلُوقِينَ وَ سَبِيلَ الْمَاضِينَ فَهُوَ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ حَتْمٌ فِي رِقَابِهِمْ لَا يُعْجِزُهُ لُحُوقُ الْهَارِبِ وَ لَا يَفُوتُهُ نَاءٍ وَ لَا آئِبٌ يَهْدِمُ كُلَّ لَذَّةٍ وَ يُزِيلُ كُلَّ بَهْجَةٍ وَ يَقْشَعُ كُلَّ نِعْمَةٍ عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ رَضِيَ اللَّهُ لِأَهْلِهَا الْفَنَاءَ وَ قَدَّرَ عَلَيْهِمْ بِهَا الْجَلَاءَ فَكُلُّ مَا فِيهَا نَافِدٌ وَ كُلُّ مَنْ يَسْلُكُهَا بَائِدٌ وَ هِيَ مَعَ ذَلِكَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ رَائِقَةٌ نَضِرَةٌ قَدْ زُيِّنَتْ لِلطَّالِبِ وَ لَاطَتْ بِقَلْبِ الرَّاغِبِ يُطَيِّبُهَا الطَّامِعُ وَ يَحْتَوِيهَا الْوَجِلُ الْخَائِفُ فَارْتَحِلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ وَ لَا تَطْلُبُوا مِنْهَا سِوَى الْبُلْغَةِ وَ كُونُوا فِيهَا كَسَفْرٍ نَزَلُوا مَنْزِلًا فَتَمَتَّعُوا مِنْهُ بِأَدْنَى ظِلٍّ ثُمَّ ارْتَحَلُوا لِشَأْنِهِمْ-
وَ لَا تَمُدُّوا أَعْيُنَكُمْ فِيهَا إِلَى مَا مُتِّعَ بِهِ الْمُتْرَفُونَ وَ أَضِرُّوا فِيهَا بِأَنْفُسِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ لِلْحِسَابِ وَ أَقْرَبُ مِنَ النَّجَاةِ أَلَا وَ إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ وَ أَدْبَرَتْ وَ آذَنَتْ بِوَدَاعٍ أَلَا وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ أَشْرَفَتْ وَ نَادَتْ بِاطِّلَاعٍ أَلَا وَ إِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَ غَداً السِّبَاقُ أَلَا وَ إِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ وَ الْغَايَةَ النَّارُ أَ فَلَا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ هُجُومِ مَنِيَّتِهِ أَ وَ لَا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ فَقْرِهِ وَ بُؤْسِهِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَخَافُهُ وَ يَرْجُو ثَوَابَهُ أَلَا وَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيداً وَ جَعَلَكُمْ لَهُ أَهْلًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ وَ كَبِّرُوهُ وَ عَظِّمُوهُ وَ سَبِّحُوهُ وَ مَجِّدُوهُ وَ ادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ وَ اسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ تَضَرَّعُوا وَ ابْتَهِلُوا وَ تُوبُوا وَ أَنِيبُوا وَ أَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَلْيُخْرِجْهَا كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ عَنْ نَفْسِهِ وَ عَنْ عِيَالِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَ أُنْثَاهُمْ صَغِيرِهِمْ وَ كَبِيرِهِمْ وَ حُرِّهِمْ وَ مَمْلُوكِهِمْ يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ- 11312 مِنْ طِيبِ كَسْبِهِ طَيِّبَةً بِذَلِكَ نَفْسُهُ عِبَادَ اللَّهِ وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ تَرَاحَمُوا وَ تَعَاطَفُوا وَ أَدُّوا فَرَائِضَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَ أَدَاءِ الزَّكَوَاتِ وَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حَجِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْإِحْسَانِ إِلَى نِسَائِكُمْ وَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ وَ أَطِيعُوهُ فِي اجْتِنَابِ قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ وَ إِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ وَ شُرْبِ الْخَمْرِ وَ بَخْسِ الْمِكْيَالِ وَ نَقْصِ الْمِيزَانِ وَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ عَصَمَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ بِالتَّقْوَى وَ جَعَلَ الْآخِرَةَ خَيْراً لَنَا وَ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَ أَبْلَغَ الْمَوْعِظَةِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ جَلَسَ وَ قَامَ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَ نَسْتَعِينُهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ وَ نَسْتَهْدِيهِ وَ نُؤْمِنُ بِهِ وَ نَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا- مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ ذَكَرَ بَاقِيَ الْخُطْبَةِ الْقَصِيرَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ 11313 .
توضيح
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أخبر بأنه تعالى حقيق بالحمد و نبه على أنه المستحق له على هذه النعم الجسام حمد أو لم يحمد ليكون حجة على الذين هم بربهم يعدلون و جمع السماوات دون الأرض و هي مثلهن لأن طبقاتها مختلفة بالذات متفاوتة الآثار و الحركات و قدمها لشرفها و علو مكانها و تقدم وجودها كما قيل.
و جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ أي أنشأهما و الفرق بين خلق و جعل الذي له مفعول واحد أن خلق فيه معنى التقدير و جعل فيه معنى التضمين و لذلك عبر عن إحداث النور و الظلمة بالجعل تنبيها على أنهما لا يقومان بأنفسهما كما زعمت الثنوية و جمع الظلمات لكثرة أسبابها و الأجرام الحاملة لها أو لأن المراد بالظلمة الضلال و بالنور الهدى و الهدى واحد و الضلال كثير و تقديمها لتقديم الأعدام على الملكات.
و قيل من زعم أن الظلمة عرض يضاد النور احتج بهذه الآية و لم يعلم أن عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل.
ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته و يكون بربهم تنبيها على أنه خلق هذه الأشياء أسبابا لتكونهم و
تعيشهم فمن حقه أن يحمد عليها و لا يكفر أو على قوله خلق على معنى أنه خلق ما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.
و معنى ثم استبعاد عدولهم بعد هذا البيان و الباء على الأول متعلقة بكفروا و صلة يعدلون محذوفة أي يعدلون عنه ليقع الإنكار على نفس الفعل و على الثاني متعلقة بيعدلون و المعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به.
ثم استأنف ع الكلام تبريا عن المشركين و إظهارا لتوحيد رب العالمين بقوله لا تشرك بالله شيئا فكأن سائلا يسأل فكيف تقولون أنتم فأجاب بأنا لا ندعي لا في الخلق و التربية و لا في استحقاق العبادة و لا في الاستعانة و لا نتخذ من دونه وليا أي ناصرا و محبا أو متوليا لأمورنا.
و الحمد لله الذي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ خلقا و نعمة فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته و على تمام نعمته و لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ لأن ما في الآخرة أيضا كذلك و تقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها و لا كذلك نعم الآخرة و هو الحكيم الذي أحكم أمور الدارين الخبير ببواطن الأشياء.
يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ كالغيث ينفذ في موضع و ينبع في موضع آخر و كالكنوز و الدفائن و الأموات و الحبات وَ ما يَخْرُجُ مِنْها كالحيوان في النشأتين و النبات و الفلذات و مياه العيون وَ ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ كالملائكة و الكتب و المقادير و الأرزاق و الأنداء و الصواعق وَ ما يَعْرُجُ فِيها كالملائكة و أعمال العباد و الأبخرة و الأدخنة و هو الرحيم الغفور للمفرطين في شكر نعمته مع كثرتها أي في الآخرة مع ما له من سوابق هذه النعم الفائتة للحصر.
و لما اقتبس تلك الآيات من الكتاب الحكيم أكدها و أظهر الإيمان و الإذعان بها بقوله كذلك الله ربنا جل ثناؤه عن أن يمكننا القيام به كما هو حقه و لا أمد له أزلا و لا غاية له أبدا و لا نهاية لنعمه و ألطافه و كمالاته و لا إله أي معبود أو خالق إلا هو و إليه المصير في الآخرة.
أن تقع أي من أن تقع أو كراهة أن تقع بأن خلقها على صورة متداعية إلى الاستمساك إلا بإذنه أي بمشيته و ذلك في القيامة لرءوف رحيم حيث هيأ لهم أسباب الاستدلال و فتح عليهم أبواب المنافع و دفع عنهم أنواع المضار.
ثم إنه ع لما عدد أصول نعمه الجسام و حمده على ما خص عباده به من الإنعام شرع في السؤال فابتدأ بأهم المطالب و هو الرحمة و المغفرة و العصمة عن الخطايا و أن لا يخلينا في حال من أحوالنا في الدنيا و الآخرة من رحمته.
و في الفقيه و أعممنا بمغفرتك إنك أنت العلي الكبير أي اغفر لنا جميعا أو جميع خطايانا أو الأعم و أمددنا على بناء الإفعال أو بضم الدال على المجرد أي قونا و أيدنا قال الجوهري أمدت الجيش بمدد قال أبو زيد مددنا القوم أي صرنا مددا لهم و أمددناهم بغيرنا وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ و المادة الزيادة المتصلة.
ثم استأنف ع الحمد على وجه آخر ليصير سببا لمزيد معرفتهم به سبحانه و بنعمه فتؤثر فيهم مواعظه فقال و الحمد لله لا مقنوطا من رحمته لا مقنوطا حال عن الجلالة و من رحمته قائم مقام الفاعل لقوله مقنوطا كممرور به أي أحمده حال كونه لسعة رحمته و وفور نعمته بحيث لا ينبغي أن يقنط من رحمته أحد و كذا سائر الفقرات.
و الروح الرحمة قال تعالى نقلا عن يعقوب وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ 11314 و قوله و لا مستنكفا في بعض النسخ بفتح الكاف على سياق سائر الفقرات و في أكثرها بكسر الكاف فالمعنى أنه سبحانه مع غاية علوه و رفعته و استغنائه لم يستنكف عن أن يعبده العباد و يدعوه لصغير حوائجهم و كبيرها و سمي دعاءه عبادة و تركه استكبارا.
وَ فِي نَهْجِ الْبَلَاغَةِ 11315 هَكَذَا الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لَا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَ لَا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَ لَا مُسْتَنْكِفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي لَا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَ لَا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ.
وَ فِي الْفَقِيهِ هَكَذَا وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لَا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَ لَا مُؤْيَسٌ مِنْ رَوْحِهِ وَ لَا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبَادَتِهِ.
فيمكن أن يقرأ مقنوط و نظائره بالرفع فتكون مع الظرف بتقدير الجملة أي لا يقنط من رحمته أو يكون صدر الصلة ضميرا محذوفا و يمكن أن يقرأ الجميع بالنصب و يكون المفعول في المقنوط و المخلو بمعنى الفاعل كما قيل في حِجاباً مَسْتُوراً أي لا قانط من رحمته و لا خالي من نعمته فالمستنكف يكون على بناء الفاعل مع أن قنط أتى متعديا قال الفيروزآبادي القنط المنع.