کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
(وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) 1843 .
و من الشواهد على جهله أن مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني أميّة و المتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مائة و ستة و أربعين 1844 .
و قد رووا عن أبي هريرة الدوسي خمسة آلاف و ثلاثمائة و أربعة و سبعين حديثا 1845 ،
و ذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصحبة إلّا نحوا ممّا ذكر، أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و كلاهما يمنعان عن استيهال الخلافة و الإمامة 1846 .
تذييل و تتميم:
اعلم أنّ عبد الحميد بن أبي الحديد بعد ما أورد مطاعن عثمان أجاب عنها إجمالا، فقال 1847 : إنّا لا ننكر أنّ عثمان أحدث أحداثا أنكرها كثير من المسلمين، و لكنّا ندّعي مع ذلك أنّها لم تبلغ درجة الفسق، و لا أحبطت ثوابه، و أنّها من الصغائر المكفّرة، و ذلك لأنّا قد علمنا أنّه مغفور له، و أنّه من أهل الجنّة لثلاثة أوجه:
أحدها: أنّه من أهل بدر،
و قد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]: إِنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.
و عثمان و إن لم يشهد بدرا لكنّه تخلّف على رقيّة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله]، و ضمن 1848 رسول اللّه صلّى اللّه عليه [و آله] لسهمه و أجره باتّفاق سائر الناس.
و الثاني: أنّه من أهل بيعة الرضوان الذين قال اللّه تعالى فيهم: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) 1849 ، و هو و إن لم يشهد تلك البيعة و لكنّه
كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، وَ لِأَجْلِهِ كَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، حَيْثُ أُرْجِفَ بِأَنَّ قُرَيْشاً قَتَلَتْ عُثْمَانَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: إِنْ كَانُوا قَتَلُوهُ لَأُضْرِمَنَّهَا عَلَيْهِمْ نَاراً، ثُمَّ جَلَسَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وَ بَايَعَ
النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ. ثُمَ 1850 قَالَ: إِنْ كَانَ عُثْمَانُ حَيّاً فَأَنَا أُبَايِعُ عَنْهُ، فَمَسَحَ 1851 بِشِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ، وَ قَالَ: شِمَالِي خَيْرٌ مِنْ يَمِينِ 1852 عُثْمَانَ، رَوَى 1853 ذَلِكَ أَهْلُ السِّيَرِ مُتَّفِقاً عَلَيْهِ.
و الثالث: أنّه من جملة العشرة الذين تظاهرت الأخبار بأنّهم من أهل الجنّة.
و إذا كانت هذه الوجوه دالّة على أنّه مغفور 1854 له، و أنّ اللّه تعالى قد رضي عنه، و أنّه من أهل الجنّة، بطل أن يكون فاسقا، لأنّ الفاسق يخرج عندنا من الإيمان و ينحبط 1855 ثوابه، و يحكم له بالنار، و لا يغفر له، و لا يرضى عنه، و لا يرى الجنّة و لا يدخلها 1856 ، فاقتضت هذه الوجوه أن يحكم بأنّ كلّ ما وقع منه فهو من باب الصغائر المكفّرة توفيقا بين الأدلّة. انتهى كلامه 1857 .
و يرد على ما ذكره إجمالا أنّ المستند في جميع تلك الوجوه ليس إلّا ما تفرّد المخالفون بروايته، و لا يصحّ التمسّك به في مقام الاحتجاج كما مرّ مرارا، و الأصل في أكثرها
مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُ 1858 ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 1859 ، قَالَ: قَالَ 1860 رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ
فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟. قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَ لَمْ يَشْهَدْ؟. قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ:
اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ، أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى 1861 عَفَا عَنْهُ وَ غَفَرَ لَهُ، وَ أَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ وَ كَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْراً وَ سَهْمَهُ، وَ أَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ عُثْمَانَ وَ كَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] وَ سَلَّمَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ، فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ.
فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ 1862 ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ 1863 .
و ابن عمر هو الذي قعد عن نصرة أمير المؤمنين عليه السلام و بايع رجل الحجّاج 1864 ، و لا عبرة بقوله و روايته، مع قطع النظر عن سائر رواة الخبر، و حديث العشرة المبشّرة أيضا ممّا تفرّدوا بروايته، و سيأتي في قصّة الجمل تكذيب أمير المؤمنين
عليه السلام هذه الرواية 1865 ، و يؤيّد ضعفه أيضا أنّه ليس بمرويّ في صحاحهم إلّا عن رجلين عدّا أنفسهما من جملة العشرة، و هما سعيد بن زيد بن عمرو 1866 بن نفيل و عبد الرحمن بن عوف، و التهمة في روايتهما لتزكيتهما أنفسهما واضحة.
و يؤكّده أيضا ما ذكره السيّد الأجل رضي اللّه عنه في الشافي 1867 من: أنّه تعالى لا يجوز أن يعلم مكلّفا يجوز أن يقع منه القبيح و الحسن و ليس بمعصوم من الذنوب بأنّ عاقبته الجنّة، لأنّ ذلك يغريه بالقبيح، و لا خلاف في أنّ أكثر العشرة 1868 لم يكونوا معصومين من الذنوب، و قد أوقع بعضهم بالاتّفاق كبائر و إن ادّعى المخالفون أنّهم 1869 تابوا منها، قال: و ممّا يبيّن بطلان هذا الخبر أنّ أبا بكر لم يحتجّ به لنفسه و لا احتجّ له به في مواطن وقع فيه الاحتياج 1870 إلى الاحتجاج كالسقيفة و غيرها، و كذلك عمر، و عثمان لما حصر 1871 و طولب بخلع نفسه و همّوا بقتله، و قد رأينا 1872 احتجّ بأشياء تجري مجرى الفضائل و المناقب، و ذكر القطع له بالجنّة أولى منها و أحرى بأن 1873 يعتمد عليه في الاحتجاج، و في عدول الجماعة عن ذكره دلالة واضحة على بطلانه. انتهى.