کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ الْحُسَيْنُ ع وَ الطَّيِّبُونَ مِنْ آلِهِمْ فَنَرَى بَعْضَ شِيعَتِنَا فِي تِلْكَ الْعَرَصَاتِ مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقَصِّراً فِي بَعْضِ شَدَائِدِهَا فَنَبْعَثُ عَلَيْهِمْ خِيَارَ شِيعَتِنَا كَسَلْمَانَ وَ الْمِقْدَادِ وَ أَبِي ذَرٍّ وَ عَمَّارٍ وَ نُظَرَائِهِمْ فِي الْعَصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَ فِي كُلِّ عَصْرٍ 5303 إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَنْقَضُّونَ عَلَيْهِمْ كَالْبُزَاةِ وَ الصُّقُورَةِ وَ يَتَنَاوَلُونَهُمْ كَمَا تَتَنَاوَلُ الْبُزَاةُ وَ الصُّقُورَةُ صَيْدَهَا فَيَزُفُّونَهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زَفّاً الْخَبَرَ.
14- فر، تفسير فرات بن إبراهيم عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَصْبَغِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ فَقَالَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِأَسْمَائِهِمْ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ اللَّهُ إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ نُوقَفُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ الْحَدِيثَ.
15- فر، تفسير فرات بن إبراهيم عَنْ عُبَيْدِ بْنِ كَثِيرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِ 5304 عَنْ عَلِيٍّ ع إِلَى أَنْ قَالَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ مَنْ عَرَفَنَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَ مَنْ أَنْكَرَنَا دَخَلَ النَّارَ.
16- شي، تفسير العياشي عَنِ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ اللَّهُ إِلَّا بِسَبَبِ مَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ أَنْ يُعَرِّفَ النَّاسَ نَفْسَهُ لَعَرَّفَهُمْ وَ لَكِنَّهُ جَعَلَنَا سَبَبَهُ وَ سَبِيلَهُ وَ بَابَهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ.
17- شي، تفسير العياشي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ
يَمُوتُونَ عِطَاشاً وَ يَدْخُلُونَ قُبُورَهُمْ عِطَاشاً وَ يَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ عِطَاشاً فَيُرْفَعُ لَهُمْ قَرَابَاتُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ .
18- شي، تفسير العياشي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ يُنَادِي أَهْلُ النَّارِ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ .
19- كا، الكافي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَّالِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع.
20- مع، معاني الأخبار الطَّالَقَانِيُّ عَنِ الْجَلُودِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجَاءِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ سَاقَ الْخُطْبَةَ إِلَى أَنْ قَالَ وَ نَحْنُ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَنَا وَ عَمِّي وَ أَخِي وَ ابْنُ عَمِّي وَ اللَّهِ فَالِقِ الْحَبِّ وَ النَّوَى لَا يَلِجُ النَّارَ لَنَا مُحِبٌّ وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَنَا مُبْغِضٌ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ الْخُطْبَةَ.
21- فس، تفسير القمي قَالَ الصَّادِقُ ع كُلُّ أُمَّةٍ يُحَاسِبُهَا إِمَامُ زَمَانِهَا وَ يَعْرِفُ الْأَئِمَّةُ أَوْلِيَاءَهُمْ وَ أَعْدَاءَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَ هُوَ قَوْلُهُ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ وَ هُمُ الْأَئِمَّةُ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ فَيُعْطُونَ أَوْلِيَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِيَمِينِهِمْ فَيَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِلَا حِسَابٍ وَ يُؤْتُونَ أَعْدَاءَهُمْ كِتَابَهُمْ بِشِمَالِهِمْ فَيَمُرُّونَ إِلَى النَّارِ بِلَا حِسَابٍ فَإِذَا نَظَرَ أَوْلِيَاؤُهُمْ فِي كِتَابِهِمْ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ فَوُضِعَ الْفَاعِلُ مَكَانَ الْمَفْعُولِ.
22- كا، الكافي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مُقَرِّنٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ جَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ص فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ فَقَالَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ نَعْرِفُ أَنْصَارَنَا بِسِيمَاهُمْ وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُ اللَّهُ إِلَّا بِسَبِيلِ مَعْرِفَتِنَا وَ نَحْنُ الْأَعْرَافُ يُعَرِّفُنَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ وَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ عَرَفَنَا وَ عَرَفْنَاهُ وَ لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِلَّا مَنْ أَنْكَرَنَا وَ أَنْكَرْنَاهُ.
: فر، تفسير فرات بن إبراهيم بإسناده عن الأصبغ عنه ع مثله أقول سيأتي الأخبار الكثيرة في أنهم أهل الأعراف في أبواب فضائلهم ع 23 عد، العقائد اعتقادنا في الأعراف أنه سور بين الجنة و النار عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم و الرجال هم النبي و أوصياؤه ع لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه و عند الأعراف المرجون لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أقول و قال الشيخ المفيد رحمه الله في شرح هذا الكلام قد قيل إن الأعراف جبل بين الجنة و النار و قيل أيضا إنه سور بين الجنة و النار و جملة الأمر في ذلك أنه مكان ليس من الجنة و لا من النار و قد جاء الخبر بما ذكرناه و أنه إذا كان يوم القيامة كان به رسول الله ص و أمير المؤمنين و الأئمة من ذريته صلوات الله عليهم و هم الذين عنى الله بقوله وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ الآية و ذلك أن الله تعالى يعلمهم أصحاب الجنة و أصحاب النار بسيماء يجعلها عليهم و هي العلامات و قد بين ذلك في قوله تعالى يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ 5305 يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ 5306 و قال تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ 5307 فأخبر أن في خلقه طائفة يتوسمون الخلق فيعرفونهم بسيماهم.
وَ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ أَنَا صَاحِبُ الْعَصَا وَ الْمِيسَمِ.
يعني علمه بمن يعلم حاله بالتوسم.
وَ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ فِينَا نَزَلَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ يَعْنِي فِي الْأَئِمَّةِ ع.
وَ قَدْ جَاءَ اْلَحِديثُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُسْكِنُ الْأَعْرَافَ طَائِفَةً مِنَ الْخَلْقِ لَمْ يَسْتَحِقُّوا بِأَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ الثَّوَابَ مِنْ غَيْرِ عِقَابٍ وَ لَا اسْتَحَقُّوا الْخُلُودَ فِي النَّارِ وَ هُمُ الْمُرْجَوْنَ
لِأَمْرِ اللَّهِ وَ لَهُمُ الشَّفَاعَةُ وَ لَا يَزَالُونَ عَلَى الْأَعْرَافِ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ بِشَفَاعَةِ النَّبِيِّ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ ص.
و قيل أيضا إنه مسكن طوائف لم يكونوا في الأرض مكلفين فيستحقون بأعمالهم جنة و نارا فيسكنهم الله تعالى ذلك المكان يعوضهم على آلامهم في الدنيا بنعيم لا يبلغون منازل أهل الثواب المستحقين له بالأعمال و كل ما ذكرناه جائز في العقول و قد وردت به أخبار و الله أعلم بالحقيقة من ذلك إلا أن المقطوع به في جملته أن الأعراف مكان بين الجنة و النار يقف فيه من سميناه من حجج الله تعالى على خلقه و يكون به يوم القيامة قوم من المرجون لأمر الله و ما بعد ذلك فالله أعلم بالحال فيه.
باب 26 ذبح الموت بين الجنة و النار و الخلود فيهما و علته
الآيات هود وَ ما نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ مريم وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ تفسير قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ اختلف العلماء في تأويل هذا في الآيتين و هما من المواضع المشكلة في القرآن و الإشكال فيه من وجهين أحدهما تحديد الخلود بمدة دوام السماوات و الأرض و الآخر الاستثناء بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ فالأول فيه أقوال أحدها أن المراد ما دامت السماوات و الأرض مبدلتين أي ما دامت سماء الآخرة و أرضها و هما لا يفنيان إذا أعيدا بعد الإفناء و ثانيها أن المراد ما دامت سماوات الجنة و النار و أرضهما و كل ما علاك و أظلك فهو سماء كل ما استقر عليه قدمك فهو
أرض و هذا مثل الأول أو قريب منه و ثالثها أن المراد ما دامت الآخرة و هي دائمة أبدا كما أن دوام السماء و الأرض في الدنيا قدر مدة بقائها و رابعها أنه لا يراد به السماء و الأرض بعينهما بل المراد التبعيد فإن للعرب ألفاظا للتبعيد في معنى التأبيد يقولون لا أفعل ذلك ما اختلف الليل و النهار و ما دامت السماوات و الأرض و ما ذر شارق و أشباه ذلك كثيرة ظنا منهم أن هذه الأشياء لا تتغير و يريدون بذلك التأبيد لا التوقيت فخاطبهم الله سبحانه بالمتعارف من كلامهم على قدر عقولهم و ما يعرفون.
و أما الكلام في الاستثناء فقد اختلف فيه أقوال العلماء على وجوه أحدها أنه استثنى في الزيادة من العذاب لأهل العذاب و الزيادة من النعيم لأهل الجنة و التقدير إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من الزيادة على هذا المقدار كما يقول الرجل لغيره لي عليك ألف دينار إلا الألفين اللذين أقرضتكهما وقت كذا فالألفان زيادة على الألف بغير شك لأن الكثير لا يستثنى من القليل فيكون على هذا إلا بمعنى سوى و ثانيها أن الاستثناء واقع على مقامهم في المحشر و الحساب لأنهم حينئذ ليسوا في جنة و لا نار و مدة كونهم في البرزخ الذي هو ما بين الموت و الحياة لأنه تعالى لو قال خالدين فيها أبدا و لم يستثن لظن ظان أنهم يكونون في النار أو الجنة من لدن نزول الآية أو من بعد انقطاع التكليف فحصل للاستثناء فائدة.
و ثالثها أن الاستثناء الأول يتصل بقوله لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ و تقديره إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب على هذين الضربين 5308 و لا يتعلق الاستثناء بالخلود و في أهل الجنة يتصل بما دل عليه الكلام فكأنه قال لهم فيها نعيم إلا ما شاء ربك من أنواع النعيم و إنما دل عليه قوله عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و رابعها أن يكون إلا بمعنى الواو أي و ما شاء ربك عن الفراء و قد ضعفه محققو النحويين.
و خامسها أن المراد بالذين شقوا من أدخل النار من أهل التوحيد الذين
ضموا إلى إيمانهم و طاعاتهم ارتكاب المعاصي فقال سبحانه إنهم معاقبون في النار إلا ما شاء ربك من إخراجهم إلى الجنة و إيصال ثواب طاعاتهم إليهم.
و يجوز أن يريد بالذين شقوا جميع الداخلين إلى جهنم ثم استثنى بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ أهل الطاعات منهم ممن قد استحق الثواب و لا بد أن يوصل إليه و تقديره إلا ما شاء ربك أن يخرجه بتوحيده من النار و يدخله الجنة و قد يكون ما بمعنى من و أما في أهل الجنة فهو استثناء من خلودهم أيضا لما ذكرناه لأن من ينقل إلى الجنة من النار و خلد فيها لا بد في الإخبار عنه بتأبيد خلوده أيضا من استثناء ما تقدم فكأنه قال خالدين فيها إلا ما شاء ربك من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة فما في قوله ما شاءَ رَبُّكَ هاهنا على بابه و الاستثناء من الزمان و الاستثناء في الأول عن الأعيان و الذين شقوا على هذا القول هم الذين سعدوا بأعيانهم و إنما أجري عليهم كل لفظ في الحال التي تليق به فإذا أدخلوا النار و عوقبوا فيها فهم من أهل الشقاوة و إذا نقلوا منها إلى الجنة فهم من أهل السعادة و هذا القول عن ابن عباس و جابر بن عبد الله و أبي سعيد الخدري و قتادة و السدي و الضحاك و جماعة من المفسرين و روى أبو روق 5309 عن الضحاك عن ابن عباس قال الَّذِينَ شَقُوا ليس فيهم كافر و إنما هم قوم من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم ثم يتفضل الله عليهم فيخرجهم من النار إلى الجنة فيكونون أشقياء في حال سعداء في حال أخرى و قال قتادة الله أعلم بثنياه 5310 ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع من النار بذنوبهم ثم يدخلهم الله الجنة برحمته يسمون الجهنميين و هم الذين أنفذ فيهم الوعيد ثم أخرجهم الله بالشفاعة.
و سادسها أن تعليق ذلك بالمشية على سبيل التأكيد للخلود و التبعيد للخروج
لأن الله تعالى لا يشاء إلا تخليدهم على ما حكم به فكأنه تعليق لما لا يكون بما لا يكون لأنه لا يشاء أن يخرجهم منها.
و سابعها ما قاله الحسن إن الله تعالى استثنى ثم عزم بقوله إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أنه أراد أن يخلدهم و قريب منه ما قاله الزجاج و غيره أنه استثناء تستثنيه العرب و تفعله كما تقول و الله لأضربن زيدا إلا أن أرى غير ذلك و أنت عازم على ضربه و المعنى في الاستثناء على هذا أني لو شئت أن أضربه لفعلت.
و ثامنها ما قاله يحيى بن سلام البصري إنه يعني بقوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ما سبقهم به الذين دخلوا قبلهم من الفريقين و احتج بقوله تعالى وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً 5311 قال إن الزمرة تدخل بعد الزمرة فلا بد أن يقع بينهما تفاوت في الدخول و الاستثناءان على هذا من الزمان.
و تاسعها أن المعنى أنهم خالدون في النار دائمون فيها مدة كونهم في القبور ما دامت السماوات في الأرض و الدنيا و إذا فنيتا و عدمتا انقطع عقابهم إلى أن يبعثهم الله للحساب و قوله إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ استثناء وقع على ما يكون في الآخرة أورده الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه و قال ذكره قوم من أصحابنا في التفسير.
و عاشرها أن المراد إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنهم فلا يدخلهم النار فالاستثناء لأهل التوحيد عن أبي محلز 5312 قال هي جزاؤهم و إن شاء سبحانه تجاوز عنهم و الاستثناء على هذا يكون من الأعيان عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع.
و في قوله وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ الخطاب للنبي ص أي خوف كفار قريش يوم يتحسر المسيء هلا أحسن العمل و المحسن هلا ازداد من العمل و هو يوم القيامة و قيل إنما يتحسر من يستحق العقاب فأما المؤمن فلا يتحسر.