کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
، وَ يَعِدَانِهِمْ بِالْعَطَاءِ وَ الْإِفْضَالِ، وَ هُمَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمَا وَ عِنْدَ النَّاسِ خَلِيفَتَانِ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ عُمَرَ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَ ارْتَضَاهُمَا لِلْخِلَافَةِ، وَ عُمَرُ كَانَ مُتَّبَعَ الْقَوْلِ، مَرْضِيَّ الْفِعَالِ، مُطَاعاً نَافِذَ 555 الْحُكْمِ فِي حَيَاتِهِ وَ مَمَاتِهِ 556 ، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، أَرَادَهَا طَلْحَةُ وَ حَرَصَ عَلَيْهَا، فَلَوْ لَا الْأَشْتَرُ وَ قَوْمٌ مَعَهُ مِنْ شُجْعَانِ الْعَرَبِ جَعَلُوهَا فِي عَلِيٍّ (ع) لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ أَبَداً، فَلَمَّا فَاتَتْ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ ، فَتَقَا ذَلِكَ الْفَتْقَ الْعَظِيمَ 557 ، وَ أَخْرَجَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهُمَا، وَ قَصَدَا الْعِرَاقَ وَ أَثَارَا الْفِتْنَةَ، وَ كَانَ مِنْ حَرْبِ الْجَمَلِ مَا قَدْ عُلِمَ وَ عُرِفَ، ثُمَّ كَانَ حَرْبُ الْجَمَلِ مُقَدِّمَةً وَ تَمْهِيداً لِحَرْبِ صِفِّينَ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ مَا فَعَلَ لَوْ لَا طَمَعُهُ بِمَا جَرَى فِي الْبَصْرَةِ، ثُمَّ أَوْهَمَ أَهْلَ الشَّامِ أَنَّ عَلِيّاً (ع) قَدْ فَسَقَ بِمُحَارَبَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَ أَنَّهُ قَتَلَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرَ وَ هُمَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَهَلْ كَانَ الْفَسَادُ الْمُتَوَلِّدُ فِي صِفِّينَ إِلَّا فَرْعاً لِلْفَسَادِ الْكَائِنِ يَوْمَ الْجَمَلِ؟! ثُمَّ نَشَأَ مِنْ فَسَادِ صِفِّينَ وَ ضَلَالِ مُعَاوِيَةَ كُلُّ مَا جَرَى مِنَ الْفَسَادِ وَ الْقَبِيحِ فِي أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَ نَشَأَتْ فِتْنَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَرْعاً مِنْ 558 يَوْمِ الدَّارِ، لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا أَيْقَنَ بِالْقَتْلِ نَصَّ عَلَيَّ بِالْخِلَافَةِ، وَ لِي بِذَلِكَ شُهُودٌ، مِنْهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، أَ فَلَا تَرَى 559 كَيْفَ تَسَلْسَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فَرْعاً عَلَى أَصْلٍ، وَ غُصْناً مِنْ شَجَرَةٍ 560 ، وَ جَذْوَةً مِنْ ضِرَامٍ؟! وَ هَكَذَا يَدُورُ بَعْضُهُ 561 عَلَى بَعْضٍ وَ كُلُّهُ مِنَ الشُّورَى فِي السِّتَّةِ. قَالَ 562 : وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ وَ قَدْ قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ اسْتَعْمَلْتَ 563
سَعِيدَ 564 بْنَ الْعَاصِ وَ مُعَاوِيَةَ وَ فُلَاناً وَ فُلَاناً مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الطُّلَقَاءِ وَ أَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَ تَرَكْتَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ عَلِيّاً وَ الْعَبَّاسَ وَ الزُّبَيْرَ وَ طَلْحَةَ؟! فَقَالَ: فَأَمَّا عَلِيٌّ فأتيه 565 مِنْ ذَلِكَ، وَ أَمَّا هَؤُلَاءِ النَّفَرُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنْتَشِرُوا فِي الْبِلَادِ، فَيُكْثِرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَمَنْ يَخَافُ مِنْ تَأْمِيرِهِمْ لِئَلَّا يَطْمَعُوا فِي الْمُلْكِ، وَ يَدَّعِيَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ، كَيْفَ لَمْ يَخَفْ مِنْ جَعْلِهِمْ سِتَّةً مُتَسَاوِينَ فِي الشُّورَى، مُرَشِّحِينَ لِلْخِلَافَةِ؟! وَ هَلْ شَيْءٌ أَقْرَبُ إِلَى الْفَسَادِ مِنْ هَ ذَا 566 ؟! وَ قَدْ رَوَوْا أَنَّ الرَّشِيدَ رَأَى يَوْماً مُحَمَّداً وَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَيْهِ يَلْعَبَانِ وَ يَضْحَكَانِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَلَمَّا غَابَا عَنْ عَيْنِهِ بَكَى، فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ هَذَا مَقَامُ جَذَلٍ 567 لَا مَقَامُ حُزْنٍ؟!. فَقَالَ: أَ مَا رَأَيْتَ لَعْبَهُمَا وَ مَوَدَّةَ بَيْنِهِمَا؟، أَمَا وَ اللَّهِ لَيَتَبَدَّلَنَّ ذَلِكَ بُغْضاً وَ سَيْفاً 568 ، وَ لَيَخْتَلِسَنَ 569 كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفْسَ صَاحِبِهِ عَنْ قَرِيبٍ، فَإِنَّ الْمُلْكَ عَقِيمٌ، وَ كَانَ الرَّشِيدُ قَدْ 570 عَقَدَ الْأَمْرَ لَهُمَا عَلَى تَرْتِيبٍ، هَذَا بَعْدَ هَذَا، فَكَيْفَ مَنْ لَمْ يُرَتَّبُوا فِي الْخِلَافَةِ، بَلْ جُعِلُوا فِيهَا كَأَسْنَانِ الْمُشْطِ؟! فَقُلْتُ أَنَا لِجَعْفَرٍ: هَذَا كُلُّهُ تَحْكِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَمَا تَقُولُ أَنْتَ؟، فَقَالَ:
إِذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا
فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ 571
انتهى 572 فقد ظهر أنّ جميع الفتن الواقعة في الإسلام من فروع الشورى و السقيفة و سائر ما أبدعه و أسّسه 573 هذا و أخوه.
بيان:
قوله عليه السلام: يهرّ عقيرته .. الهرير: الصّوت و النباح 574 .
و العقيرة كفعيلة أيضا-: الصّوت 575 .. أي يرفع صوته. و في بعض النسخ بالزاي.
و عفيرته بالفاء على التصغير و العفرة 576 : بياض الإبط 577 ، و لعلّ المعنى يحرّك منكبيه للخيلاء، و الأول أظهر 578 .
قال الجوهري 579 : العقيرة: السّاق المقطوعة، و قولهم: رفع فلان عقيرته ..
أي صوته، و أصله أنّ رجلا قطعت إحدى رجليه فرفعها و وضعها على الأخرى و صرخ، فقيل بعد لكلّ رافع صوته: قد رفع عقيرته 580 .
التاسع عشر:
أنّه أوصى بدفنه في بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كذلك تصدّى لدفن أبي بكر هناك، و هو تصرّف في ملك الغير من غير جهة شرعيّة، و قد نهى اللّه الناس عن دخول بيته صلّى اللّه عليه و آله من غير إذن بقوله: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 581 ، و ضربوا المعاول عند أذنه صلّى اللّه عليه و آله، قال تعالى:
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ مَيِّتاً كَحُرْمَتِهِ 583 حَيّاً 584 .
و تفصيل القول في ذلك، أنّه ليس يخلو موضع قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة كما ادّعاه بعضهم فإن كان الأول لم يخل 585 من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة، فإن كان ميراثا فما كان يحلّ لأبي بكر و عمر من بعده أن يأمرا بدفنهما فيه إلّا بعد إرضاء الورثة، و لم نجد أحدا خاطب أحدا من الورثة على ابتياع هذا المكان و لا استنزله 586 عنه بثمن و لا غيره، و إن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين، و ابتياعه 587 منهم إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى، و إن كان نقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله و الحجّة في ه، فإنّ فاطمة عليها السلام لم يقنع
منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها و لا شهادة من شهد لها.
و أمّا استدلال بعضهم بإضافة البيوت إليهنّ في قوله تعالى: (وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ..) 588 فمن ضعيف 589 الشبهة، إذ هي لا تقتضي الملك و إنّما تقتضي السكنى، و العادة في استعمال هذه اللفظة فيما ذكرناه ظاهرة، قال اللّه تعالى: (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) 590 و لم يرد تعالى إلّا حيث يسكنّ و ينزلن دون حيث يملكن بلا شبهة، و أيضا قوله تعالى: (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) 591 متأخّر في الترتيب عن قوله: (وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) 592 ، فلو كان هذا دالا على ملكيّة الزوجات لكان ذلك دالا على 593 كونها ملكه صلّى اللّه عليه و آله، و الجمع بين الآيتين بالانتقال لا يجديهم، لتأخّر النهي عن الدخول من غير إذن عن الآية الأخرى في الترتيب، و الترتيب حجّة عند كلّهم أو جلّهم، مع أنّه ظاهر أنّ البيوت كانت في يده صلّى اللّه عليه و آله يتصرّف فيها كيف يشاء، و اختصاص كلّ من الزوجات بحجرة لا يدلّ 594 على كونها ملكا لها.
و أمّا اعتذارهم بأنّ عمر استأذن عائشة في ذلك، حيث رَوَى الْبُخَارِيُ 595 ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ يُشْمَلُ عَلَى قِصَّةِ قَتْلِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ: انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلَامَ، وَ لَا تَقُلْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيراً، وَ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ
يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، 596 .. فَسَلَّمَ وَ اسْتَأْذَنَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي، فَقَالَ 597 : يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلَامَ وَ يَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، 598 فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي وَ لَأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي، فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ، قَالَ 599 : ارْفَعُونِي، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟. فَقَالَ:
الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ شَيْءٌ 600 أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِذَا أَنَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ 601 يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي وَ إِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ 602 ..