کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مسلمة الأنصاري بقتل سعد فرماه كل منهما بسهم فقتل ثم أوقعوا في أوهام الناس أن الجن قتلوه و وضعوا هذا الشعر على لسانهم.
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة .
فرميناه بسهمين فلم نخط فؤاده .
و لو سلم فنقول قد اعتبر في تعريف الإجماع اتفاق أهله على أمر واحد في وقت واحد إذ لو لم يقع ذلك في وقت واحد احتمل رجوع المتقدم قبل موافقة المتأخر فلا معنى لحصول الإجماع على خلافة أبي بكر تدريجا و الحاصل أنهم أرادوا بوقوع الإجماع على خلافته حصول الاتفاق على ذلك بعد النبي ص بلا فصل أو في زمان قليل فهو معلوم البطلان و إن أرادوا تحققه بعد تطاول المدة فمع تسليمه مخالف لما اعتبر في حقيقة الإجماع من اتحاد الوقت و أيضا لا يقوم حجة إلا إذا
دخل الباقون طوعا أما إذا استظهر الأكثر و خاف الأقل و دخلوا فيما دخل فيه الأكثر خوفا و كرها فلا.
و لا أظنك تستريب بعد الاطلاع على ما أوردنا سابقا من روايات الخاصة و العامة أن الحال كانت كذلك و أن بني هاشم لم يبايعوا أولا ثم قهروا و بايعوا بعد ستة أشهر حتى أن معاوية كتب إلى علي ع يُؤَنِّبُهُ بذلك حيث يقول إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش و
كتب ع في جوابه و قلت إني كنت أُقَادُ كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع و لعمر الله لقد أردت أن تذم فمدحت و أن تفضح فافتضحت و ما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه أو مرتابا في يقينه و هذه حجتي عليك و على غيرك 24844 .
و سيأتي في باب شكواه عن المتقدمين المتغلبين ما فيه كفاية للمعتبرين.
و من الغرائب أنهم اتفقوا جميعا على صحة الحديث
عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ: عَلِيٌّ مَعَ الْحَقِّ وَ الْحَقُّ مَعَ عَلِيٍّ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ مَا دَارَ 24845 .
و قد اعترف ابن أبي الحديد بصحته و قال الغزالي مع شدة تعصبه في كتاب الإحياء لم يذهب ذو بصيرة ما إلى تخطئة علي ع قط و
من المتفق على روايته في صحاحهم و أصولهم كان
علي ديان هذه الأمة بعد نبيها 24846 .
و قال الزمخشري و ابن الأثير عند ذكر الرواية الديان القهار و قيل القاضي و الحاكم و قد نقلنا ما أوردوه في صحاحهم من أخبار السفينة 24847 و المنزلة 24848 و الثقلين 24849 و غيرها في أبواب النصوص عليه ع و أبواب فضائله و مع ذلك لا يبالون بمخالفته في إمامة خلفائهم بلى مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ .
تتميم
أحببت أن أورد هاهنا فصلا من كتاب تلخيص الشافي 24850 يتضمن كثيرا مما أجاب به السيد رضي الله عنه في الشافي عن شبه المخالفين و أخبارا جمة مأخوذة من كتبهم يؤيد ما أسلفناه من الأخبار حيث قال في الكلام في خلافة أبي بكر.
و الطريقة الثانية بنوها على الإجماع و ادعوا أن الأمة أجمعت على إمامته و اختياره و لهم في ترتيب الإجماع طرق.
منها أن يقولوا انتهى الأمر في إمامته إلى إن لم يكن في الزمان إلا راض بإمامته و كاف عن النكير فلو لم يكن حقا لم يصح ذلك و لا فرق بين أن نبين ذلك في أول الأمر أو في بعض الأوقات و إنما يذكرون ذلك لادعائهم من أن ما ظهر من العباس و الزبير و أبي سفيان و وقع من تأخر أمير المؤمنين ع عن بيعته و من غيره زال كل ذلك.
و الآخر أن يقول إن كل من يدعي عليه الخلاف قد ثبت عنه فعلا و قولا الرضا و البيعة ممن يعتمد عليه و يذكرون أن سعد بن عبادة لم يبق على الخلاف أو لا يعتد بخلافه.
و الثالث أن يقولوا إن إجماعهم على فرع لأصل يتضمن تثبيت الأصل و قد استقر الإجماع في أيام عمر على إمامته و هي فرع لإمامة أبي بكر فيجب بصحتها صحة ذلك أو نبين أن أحدا لم يقل بصحة إمامة أحدهما دون الآخر ففي ثبوت أحدهما ثبوت الآخر من جهة الإجماع الثاني.
قالوا و الكلام في هذا أوضح لأن أيام عمر امتدت و ظهر للناس الطاعة له و القبول من قبله و حضور مجلسه و المعاضدة له في الأمور لأن سعد بن عبادة مات في أوائل أيام عمر فاستقر الإجماع بعده بغير شبهة.
و لنا في الكلام على إبطال هذه الطريقة وجهان من الكلام.
أحدهما أن نبين أن ترك المنازعة و الإمساك عن النكير اللَّذَيْنِ توصلوا بهما إلى الرضا و الإجماع لم يكونا في وقت من الأوقات.
و الثاني أن نسلم أن الخلاف في إمامته بعد ظهوره انقطع غير أنه لم ينقطع على وجه يوجب الرضا و إن السخط ممن كان مظهرا للنكير ثم كف عنه باق في المستقبل و إن كف عن معاذير يذكرها.
فأما الكلام في الوجه الأول فبأن الخلاف ظهر في أول الأمر ظهورا لا يمكن دفعه من أمير المؤمنين ع و العباس رضي الله عنه و جماعة بني هاشم ثم من الزبير حتى روي عنه أنه خرج شاهرا سيفه و اسْتُلِبَ من يده فَضُرِبَ بِهِ الصَّفَا ثم من سلمان و خالد بن سعيد و أبي سفيان صخر بن حرب فكل هؤلاء قد ظهر من خلافهم ما شهرته تغني عن ذكره و خلاف سعد و ولده و أهله أيضا معروف و كل هذا كان ظاهرا في ابتداء الأمر.
ثم إن الخلاف من بعض من ذكرنا بقي و استمر و إن لم يكن ظاهرا منه في المستقبل على حد ظهوره في الماضي إلا أنه منقول معروف فمن أين للمخالف أن الخلاف انقطع و أن الإجماع وقع في حال من الأحوال فما نراه عَوَّلَ في ذلك إلا على الدعوى.
فإن قال أما الخلاف في الابتداء فقد عرفته و أقررت به و ما تَدَّعُونَهُ من استمراره باطل لأنه غير منقول و لا معروف فعلى من ادعى استمرار الخلاف أن يبين ذلك فإني أنكره.
قيل له لا معتبر بإنكارك ما نذكره في هذا الباب لأنك بين أمرين إما أن تكون منكرا لكونه مرويا في الجملة و تدعي أن أحدا لم يرو استمرار الخلاف على وجه من الوجوه أو تعترف بأنَّ قوماً رووه غيرُ ثقاتٍ عندك و لم يظهر ظهور الخلاف و لم ينقله كل من نقل ذلك.
فإن أردت ما ذكرناه ثانيا فقد سبقناك إلى الاعتراف به لأنا لم ندع في الاستمرار ما حصل في الابتداء من الظهور و لا ندفع أنك لا توثق أيضا كل من
روى ذلك إلا أن أقل ما في هذا الباب أن يمنعك هذا من القطع على أن النكير زال و ارتفع و الرضا حصل و ثبت و إن أردت ما ذكرناه أولا فهو يجري مجرى المشاهدات لأن وجودها في الرواية أظهر من أن يدفع و لم يزل أمير المؤمنين ع متظلِّما متألِّما منذ قبض الرسول ص إلى أن توفاه الله إلى جنته و لم يزل أهله و شيعته يتظلمون له من دفعه عن حقه و كان ذلك منه ع و منهم يخفى و يظهر و يترتب في الخفاء و الظهور ترتب الأوقات في شدتها و سهولتها فكان ع يظهر من كلامه في هذا الباب في أيام أبي بكر ما لم يكن ظاهرا في أيام عمر ثم قَوِيَ كلامُهُ و صرَّح بكثير مما في نفسه في أيام عثمان ثم ازداد قوة في أيام تسليم الأمر إليه و من عنى بقراءة الآثار علم أن الأمر جرى على ما ذكرناه.
رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيّاً ع عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنِّي 24851 .
وَ رَوَى إِبْرَاهِيمُ الثَّقَفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً ع يَقُولُ
مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص إِلَى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا 24852 .
وَ رَوَى إِبْرَاهِيمُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ وَ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسَيَّبِ بْنِ نَجَبَةَ قَالَ: بَيْنَمَا عَلِيٌّ ع يَخْطُبُ وَ أَعْرَابِيٌّ يَقُولُ وَا مَظْلِمَتَاهْ فَقَالَ عَلِيٌّ ع ادْنُ فَدَنَا فَقَالَ لَقَدْ ظُلِمْتُ عَدَدَ الْمَدَرِ وَ الْوَبَرِ.
وَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ يَتَخَطَّى فَنَادَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَظْلُومٌ قَالَ عَلِيٌّ ع وَيْحَكَ وَ أَنَا مَظْلُومٌ ظُلِمْتُ عَدَدَ الْمَدَرِ وَ الْوَبَرِ 24853 .
وَ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ حَدَّثَنِي وَالِدِي أَنَّ عَلِيّاً ع لَمْ يَقُمْ مَرَّةً عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَّا قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص.