کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ رَوَى الْكُلَيْنِيُّ فِي الْحَسَنِ 4985 عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَ لَا مَالُهُ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِهِ.
و سيأتي بعض الأخبار في آخر الباب و في باب الغصب.
و أما بطلان الصلاة مع العلم بالغصب فقال في المنتهى ذهب علماؤنا إلى بطلان الصلاة فيه و ظاهره دعوى الإجماع و قال في المعتبر و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ظاهره عدم تحقق الإجماع عليه حيث إن الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ذكر في جواب من قاس من العامة صحة الطلاق في الحيض بصحة العدة مع خروج المعتدة من بيت زوجها ما هذا لفظه و إنما قياس الخروج و الإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار و صلاته جائزة لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أم لم يصل و كذلك لو أن رجلا غصب رجلا ثوبا أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة و كان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لأن ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنه منهي عن ذلك صلى أو لم يصل و كذلك لو أنه لبس ثوبا غير طاهر أو لم يطهر نفسه أو لم يتوجه نحو القبلة لكانت صلاته فاسدة غير جائزة لأن ذلك من شرائط الصلاة و حدودها لا يجب إلا للصلاة.
و كذلك لو كذب في شهر رمضان و هو صائم بعد أن لا يخرجه كذبه من الإيمان لكان عاصيا في كذبه ذلك و كان صومه جائزا لأنه منهي عن الكذب صام أم أفطر و لو ترك العزم على الصوم أو جامع لكان صومه فاسدا باطلا لأن ذلك من شرائط الصوم و حدوده لا يجب إلا مع الصوم.
و كذلك لو حج و هو عاق لوالديه أو لم يخرج لغرمائه من حقوقهم لكان عاصيا في ذلك و كانت حجته جائزة لأنه منهي عن ذلك حج أم لم يحج و لو
ترك الإحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جائزة لأن ذلك من شرائط الحج و حدوده لا يجب إلا مع الحج و من أجل الحج و كل ما كان واجبا قبل الفرض و بعده فليس ذلك من شرائط الفرض لأن ذلك أتى على حده و الفرض جائز معه و كل ما لم يجب إلا مع الفرض و من أجل الفرض فإن ذلك من شرائطه لا يجوز الفرض إلا بذلك على ما بينا و لكن القوم لا يعرفون و لا يميزون و يريدون أن يلبسوا الحق بالباطل إلى آخر ما ذكره ره.
فظهر أن القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الأعصار و كلام الفضل يرجع إلى ما ذكره محققو أصحابنا من أن التكليف الإيجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد و غيره و كذا التكليف السلبي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد و النسبة بين الطبيعتين عموم من وجه فطلب الفعل و الترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق و إنما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره فهو ممتثل للتكليف الإيجابي باعتبار أن هذا فرد الطبيعة المطلوبة و امتثال الطبيعة إنما يحصل بالإتيان بفرد من أفرادها و هو مستحق للعقاب أيضا باعتبار كون هذا الفرد فردا للطبيعة المنهية.
و قيل هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا لأن تعلق التكليف بالطبيعة مسلم لكن لا نزاع عندنا في أن الطبيعة المطلوبة يجب أن تكون حسنة و مصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم إرادتها و قد ثبت ذلك في محله و غير خاف أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية و حينئذ نقول الفرد المحرم لا يخلو إما أن يكون حسنا و مصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا و على الأول لا يصح النهي عنه و على الثاني لم يكن القدر المشترك بينه و بين باقي الأفراد مطلوبا للشارع بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد لخروجه من أفراد المأمور به.
أقول و يمكن المناقشة فيه بوجوه لو تعرضنا لها خرجنا عما هو مقصودنا في هذا الكتاب و بالجملة الحكم بالبطلان أحوط و أولى و إن كان إثباته في غاية الإشكال.
فائدة
اعلم أنهم ذكروا أنه لا بد في مكان المصلي من كونه مملوكا عينا أو منفعة كالمستأجر و الموصى للمصلي بمنفعته و المعمر و المستعار أو مأذونا فيه صريحا بأن يقال صل في هذا المكان أو فحوى كإدخال الضيف منزله كذا أطلق الأصحاب و لو فرض وجود الأمارات على كراهة المالك للصلاة فيه بسبب من الأسباب كمخالفته له في الاعتقاد مثلا لم يبعد عدم الجواز أو بشاهد الحال و فسر بما إذا كان هناك أمارة تشهد بأن المالك لا يكره و ظاهر ذلك أنه يكفي الظن برضا المالك و ظاهر كثير من عبارات الأصحاب اعتبار العلم برضاه و الأول أنسب و أوفق بعمومات الأخبار السالفة و اعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم إذ قلما يتحقق ذلك في مادة.
بل الظاهر جواز الصلاة في كل موضع لم يتضرر المالك بالكون فيه و كان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله و إن فرضنا عدم العلم برضا المالك هناك على الخصوص بسبب من الأسباب نعم لو ظهرت كراهة المالك لأمارة لم تجز الصلاة فيه مطلقا.
و بالجملة الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في جواز الصلاة في الصحاري و البساتين إذا لم يتضرر المالك بها و لم تكن أمارة تشهد بعدم الرضا و إن لم يأذن المالك صريحا أو فحوى و في حكم الصحاري الأماكن المأذون في غشيانها على وجه مخصوص إذا اتصف به المصلى كالحمامات و الخانات و الأرحية و غيرها و لا يقدح في الجواز كون الصحراء لمولّى عليه بشهادة الحال و لو من الولي.
قال في الذكرى و لو علم أنها لمولى عليه فالظاهر الجواز لإطلاق الأصحاب و عدم تخيل ضرر لاحق به فهو كالاستظلال بحائطه و لو فرض ضرر
امتنع منه و من غيره و وجه المنع أن الاستناد إلى أن المالك أذن بشاهد الحال و المالك هنا ليس أهلا للإذن إلا أن يقال إن الولي أذن هنا و الطفل لا بد له من ولي انتهى و العمدة عندي الاستدلال بعموم الأخبار السالفة إذ لم يخرج تلك الأفراد منها بدليل.
تتمة
اعلم أن المشهور بين الأصحاب أنه لا فرق في عدم جواز الصلاة في الملك المغصوب بين الغاصب و غيره ممن علم الغصب و جوز المرتضى و الشيخ أبو الفتح الكراجكي الصلاة في الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت عليه قبل الغصب و هو غير بعيد و لو صلى المالك في المكان المغصوب صحت صلاته و نقل الإجماع عليه إلا من الزيدية و لو أذن المالك للغاصب أو لغيره في الصلاة صحت لارتفاع المانع و قال الشيخ في المبسوط لو صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه و لا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه انتهى و الظاهر أن مراده بالآذن الغاصب و إن كان الوهم لا يذهب إلى تأثير إذنه في الصحة إذ يمكن أن يكون الاشتراط مبنيا على العرف و أن الغالب أنه لا يتمكن الغير من الصلاة فيه إلا بإذن الغاصب الغالب.
و حمله على إرادة المالك كما هو ظاهر المعتبر بعيد جدا إذ لا جهة للبطلان حينئذ و وجهه في الذكرى بأن المالك لما لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يفد إذنه الإباحة كما لو باعه فإنه باطل و لا يجوز للمشتري التصرف فيه و فيه نظر لمنع الأصل و بطلان القياس فلا يتم الحكم في الفرع و في الذكرى أيضا و يجوز أن يقرأ أذن بصيغة المجهول و يراد به الإذن المطلق المستند إلى شاهد الحال فإن طريان الغصب يمنع استصحابه كما صرح به ابن إدريس و يكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى ره و تعليل الشيخ مشعر بهذا انتهى و فيه ما ترى و ليت شعري ما المانع عن الحمل على ما ذكرنا مع أنه أظهر في عبارته لفظا و معنى و
ما الداعي على الحمل على ما يوجب تلك التكلفات.
و سمعنا أن بعض أفاضل المتأخرين ممن ولي عصرنا زاد في الطنبور نغمة و حكم بأن لا يجوز للمالك أيضا أن يصلي فيه لأنه يصدق عليه أنه مغصوب و هذا فرع ورود تلك العبارة في شيء من النصوص و لا نص فيه على الخصوص بل إنما يستدلون بعموم ما دل على عدم جواز التصرف في ملك الغير ثم يحتجون للبطلان بأن النهي في العبادة موجب للفساد و لا يجري ذلك في المالك و من أذن له فكم بين من يحكم بجواز الصلاة و صحتها للغاصب و غيره و إن منع المالك صريحا و بين من يقول بهذا القول.
ثم اعلم أنه على القول بالبطلان لا فرق بين الفريضة و النافلة و هل تبطل الصلاة تحت السقف و الخيمة إذا كانا مغصوبين مع إباحة الأرض فيه إشكال و لعل الأظهر عدم البطلان و استند القائل به إلى أن هذا تصرف في السقف و الخيمة بناء على أن التصرف في كل شيء بحسب ما يليق به و الانتفاع به بحسب ما أعد له.
و اختلفوا في بطلان الطهارة في المكان المغصوب فذهب المحقق إلى العدم بناء على أن الكون ليس جزءا منها و لا شرطا فيها و إليه ذهب العلامة في المنتهى و الفرق بين الطهارة و الصلاة في ذلك مشكل إذ الكون كما أنه مأخوذ في مفهوم السكون مأخوذ في مفهوم الحركة و ليس الوضوء و الغسل إلا حركات مخصوصة و ليس المكان منحصرا فيما يعتمد عليه الجسم فقط فإن الملك و الأحكام الشرعية لا تتعلق به خاصة بل تعم الفراغ الموهوم أو الموجود فكل منهما عبارة حقيقة عن الكون أو مشتمل عليه.
و إنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لكثرة حاجة الناس إلى تلك المسائل و دورانها على ألسن الخاص و العام و الله يعلم حقائق الأحكام.
7- تُحَفُ الْعُقُولِ، لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ مَالُ أَخِيهِ
إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ 4986 .
وَ مِنْهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي وَصِيَّتِهِ لِكُمَيْلٍ قَالَ يَا كُمَيْلُ انْظُرْ فِيمَا تُصَلِّي وَ عَلَى مَا تُصَلِّي إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَجْهِهِ وَ حِلِّهِ فَلَا قَبُولَ 4987 .
1- 8- بِشَارَةُ الْمُصْطَفَى، لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ الطَّبَرِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ الدُّبَيْلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ رَاشِدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ مِثْلَهُ 4988 .
باب 2 طهارة موضع الصلاة و ما يتبعها من أحكام المصلى
1- قُرْبُ الْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الشَّاذَكُونَةِ يُصِيبُهَا الِاحْتِلَامُ أَ يُصَلَّى عَلَيْهَا قَالَ لَا 4989 .
بيان: الشاذكونة في أكثر النسخ بالذال المعجمة و في كتب اللغة بالمهملة و قد يقال إنه معرب شاديانة قال الفيروزآبادي الشادكونة بفتح الدال ثياب غلاظ مضربة تعمل باليمن انتهى و ظاهره وجوب طهارة جميع مكان المصلي كما نقل عن السيد و عن أبي الصلاح طهارة المواضع السبعة و المشهورة بين الأصحاب عدم اشتراط طهارة غير موضع الجبهة كما يدل عليه أكثر الأخبار بل يظهر من بعضها عدم اشتراط طهارة موضع الجبهة أيضا لكن نقل كثير من الأصحاب كالمحقق و العلامة و الشهيد و ابن زهرة عليه الإجماع لكن المحقق نقل عن الراوندي و صاحب الوسيلة أنهما ذهبا إلى أن الأرض و البواري و الحصر إذا أصابها البول و جفتها الشمس لا يطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها و استجوده المحقق فلعل دعواهم الإجماع فيما سوى هذا الموضع و بالجملة لو ثبت الإجماع لكان هو الحجة و إلا فيمكن المناقشة فيه أيضا فالخبر إما محمول على الاستحباب أو على ما إذا كان رطبا يسري إلى المصلي أو ثيابه و حمله على موضع الجبهة بعيد لبعد كون الشاذكونة مما يصح السجود عليه.