کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
- وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو العَلَاءِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَشَايِخِهِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع بَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عِدَّةً مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَ ضَمَّ إِلَيْهِمْ عِدَّةً مِنْ مَوَالِي أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ بَعَثَ بِثَقَلِ الْحُسَيْنِ وَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَهُمْ وَ جَهَّزَهُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ وَ لَمْ يَدَعْ لَهُمْ حَاجَةً بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَمَرَ لَهُمْ بِهَا وَ بَعَثَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَمْرٌو وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ بِهِ إِلَيَّ ثُمَّ أَمَرَ عَمْرٌو بِهِ فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ عِنْدَ قَبْرِ أُمِّهِ فَاطِمَةَ ع وَ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَأَى النَّبِيَّ ص فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ يَبَرُّهُ وَ يُلْطِفُهُ فَدَعَا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَعَلَّكَ اصْطَنَعْتَ إِلَى أَهْلِهِ مَعْرُوفاً فَقَالَ سُلَيْمَانُ إِنِّي وَجَدْتُ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع فِي خِزَانَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَكَسَوْتُهُ خَمْسَةً مِنَ الدِّيبَاجِ وَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِي وَ قَبَرْتُهُ فَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ النَّبِيَّ ص رَضِيَ مِنْكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَ أَحْسَنَ إِلَى الْحَسَنِ وَ أَمْرَهُ بِالْجَوَائِزِ وَ ذِكْرَ غَيْرُهُمَا أَنَّ رَأْسَهُ ع صُلِبَ بِدِمَشْقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ مَكَثَ فِي خَزَائِنِ بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَطَلَبَ فَجِيءَ بِهِ وَ هُوَ عَظِيمٌ أَبْيَضُ فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ وَ طَيَّبَهُ وَ جَعَلَ عَلَيْهِ ثَوْباً وَ دَفَنَهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَا صَلَّى عَلَيْهِ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ إِلَى الْمَكَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ الرَّأْسَ فَأُخْبِرَ بِخَبَرِهِ فَسَأَلَ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ فَنَبَشَهُ وَ أَخَذَهُ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ مَا صَنَعَ بِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ دِينِهِ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى كَرْبَلَاءَ فَدُفِنَ مَعَ جَسَدِهِ ع أقول هذه أقوال المخالفين في ذلك و المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين ع و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين ع و سيأتي بعضها و الله يعلم ثُمَّ قَالَ الْمُفِيدُ وَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ اللَّفْظُ لِصَاحِبِ الْمَنَاقِبِ وَ رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمُقَامَ بِدِمَشْقَ فَأَبَوْا ذَلِكَ وَ قَالُوا بَلْ رُدَّنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مُهَاجَرُ
جَدِّنَا ص فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص جَهِّزْ هَؤُلَاءِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَ ابْعَثْ مَعَهُمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَمِيناً صَالِحاً وَ ابْعَثْ مَعَهُمْ خَيْلًا وَ أَعْوَاناً ثُمَّ كَسَاهُمْ وَ حَبَاهُمْ وَ فَرَضَ لَهُمُ الْأَرْزَاقَ وَ الْأَنْزَالَ 22075 ثُمَّ دَعَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ مَا سَأَلَنِي خَلَّةً إِلَّا أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ وَ لَدَفَعْتُ عَنْهُ الْحَتْفَ بِكُلِّ مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ وَ لَوْ بِهَلَاكِ بَعْضِ وُلْدِي وَ لَكِنْ قَضَى اللَّهُ مَا رَأَيْتَ فَكَاتِبْنِي وَ أَنْهِ 22076 إِلَيَّ كُلَّ حَاجَةٍ تَكُونُ لَكَ ثُمَّ أَوْصَى بِهِمُ الرَّسُولَ فَخَرَجَ بِهِمُ الرَّسُولُ يُسَايِرُهُمْ فَيَكُونُ أَمَامَهُمْ فَإِذَا نَزَلُوا تَنَحَّى عَنْهُمْ وَ تَفَرَّقَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ كَهَيْئَةِ الْحَرَسِ ثُمَّ يَنْزِلُ بِهِمْ حَيْثُ أَرَادَ أَحَدُهُمُ الْوَضُوءَ وَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ حَوَائِجَهُمْ وَ يُلْطِفُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ ع قُلْتُ لِأُخْتِي زَيْنَبَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا حَقُّ هَذَا لِحُسْنِ صُحْبَتِهِ لَنَا فَهَلْ لَكَ أَنْ تَصِلَهُ قَالَتْ فَقَالَتْ وَ اللَّهِ مَا لَنَا مَا نَصِلُهُ بِهِ إِلَّا أَنْ نُعْطِيَهُ حُلِيَّنَا فَأَخَذْتُ سِوَارِي وَ دُمْلُجِي أَوْ سِوَارَ أُخْتِي وَ دُمْلُجَهَا فَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ وَ اعْتَذَرْنَا مِنْ قِلَّتِهَا وَ قُلْنَا هَذَا بَعْضُ جَزَائِكَ لِحُسْنِ صُحْبَتِكَ إِيَّانَا فَقَالَ لَوْ كَانَ الَّذِي صَنَعْتُهُ لِلدُّنْيَا كَانَ فِي دُونِ هَذَا رِضَايَ وَ لَكِنْ وَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا لِلَّهِ وَ قَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ وَ لَمَّا رَجَعَتْ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ ع وَ عِيَالُهُ مِنَ الشَّامِ وَ بَلَغُوا إِلَى الْعِرَاقِ قَالُوا لِلدَّلِيلِ مُرَّ بِنَا عَلَى طَرِيقِ كَرْبَلَاءَ فَوَصَلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْمَصْرَعِ فَوَجَدُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ رَجُلًا مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ وَرَدُوا لِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَوَافَوْا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَ تَلَاقَوْا بِالْبُكَاءِ وَ الْحُزْنِ وَ اللَّطْمِ وَ أَقَامُوا الْمَآتِمَ الْمُقْرِحَةَ لِلْأَكْبَادِ وَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ نِسَاءُ ذَلِكَ السَّوَادِ وَ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ أَيَّاماً فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حُبَابٍ الْكَلْبِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْجَصَّاصُونَ قَالُوا كُنَّا نَخْرُجُ
إِلَى الْجَبَّانَةِ 22077 فِي اللَّيْلِ- عِنْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ ع فَنَسْمَعُ الْجِنَّ يَنُوحُونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ-
مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الْخُدُودِ -
أَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْشٍ وَ جَدُّهُ خَيْرُ الْجُدُودِ -
قَالَ ثُمَّ انْفَصَلُوا مِنْ كَرْبَلَاءَ طَالِبِينَ الْمَدِينَةَ قَالَ بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْهَا نَزَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَحَطَّ رَحْلَهُ وَ ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ وَ أَنْزَلَ نِسَاءَهُ وَ قَالَ يَا بَشِيرُ رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِراً فَهَلْ تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ قُلْتُ بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي لَشَاعِرٌ قَالَ فَادْخُلِ الْمَدِينَةَ وَ انْعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَشِيرٌ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَ رَكَضْتُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ص رَفَعْتُ صَوْتِي بِالْبُكَاءِ وَ أَنْشَأْتُ أَقُولُ-
يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ بِهَا -
قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ -
الْجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلَاءَ مُضَرَّجٌ -
وَ الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ يُدَارُ -
قَالَ ثُمَّ قُلْتُ هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَعَ عَمَّاتِهِ وَ أَخَوَاتِهِ قَدْ حَلُّوا بِسَاحَتِكُمْ وَ نَزَلُوا بِفِنَائِكُمْ وَ أَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ أُعَرِّفُكُمْ مَكَانَهُ فَمَا بَقِيَتْ فِي الْمَدِينَةِ مُخَدَّرَةٌ وَ لَا مُحَجَّبَةٌ إِلَّا بَرَزْنَ مِنْ خُدُورِهِنَّ مَكْشُوفَةً شُعُورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجُوهُهُنَّ ضَارِبَاتٍ خُدُودَهُنَّ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ فَلَمْ أَرَ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ لَا يَوْماً أَمَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ وَ سَمِعْتُ جَارِيَةً تَنُوحُ عَلَى الْحُسَيْنِ فَتَقُولُ-
نَعَى سَيِّدِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَوْجَعَا -
وَ أَمْرَضَنِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَفْجَعَا -
فَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ وَ أَسْكِبَا -
وَ جُودَا بِدَمْعٍ بَعْدَ دَمْعِكُمَا مَعاً -
عَلَى مَنْ دَهَى عَرْشَ الْجَلِيلِ فَزَعْزَعَا -
فَأَصْبَحَ هَذَا الْمَجْدُ وَ الدِّينُ أَجْدَعَا -
عَلَى ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ وَ ابْنِ وَصِيِّهِ -
وَ إِنْ كَانَ عَنَّا شَاحِطَ الدَّارِ أَشْسَعَا
ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا النَّاعِي جَدَّدْتَ حُزْنَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ خَدَشْتَ مِنَّا قُرُوحاً لَمَّا تَنْدَمِلْ فَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقُلْتُ أَنَا بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ وَجَّهَنِي مَوْلَايَ عَلِيُّ بْنُ
الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا مَعَ عِيَالِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ نِسَائِهِ قَالَ فَتَرَكُونِي مَكَانِي وَ بَادَرُوا فَضَرَبْتُ فَرَسِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَوَجَدْتُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الطُّرُقَ وَ الْمَوَاضِعَ فَنَزَلْتُ عَنْ فَرَسِي وَ تَخَطَّيْتُ رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى قَرُبْتُ مِنْ بَابِ الْفُسْطَاطِ وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع دَاخِلًا وَ مَعَهُ خِرْقَةٌ يَمْسَحُ بِهَا دُمُوعَهُ وَ خَلْفَهُ خَادِمٌ مَعَهُ كُرْسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وَ جَلَسَ عَلَيْهِ وَ هُوَ لَا يَتَمَالَكُ مِنَ الْعَبْرَةِ وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ بِالْبُكَاءِ وَ حَنِينِ الْجَوَارِي وَ النِّسَاءِ وَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يُعَزُّونَهُ فَضَجَّتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ ضَجَّةً شَدِيدَةً فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتُوا فَسَكَنَتْ فَوْرَتُهُمْ فَقَالَ ع- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بَارِئِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ الَّذِي بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى وَ قَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوَى نَحْمَدُهُ عَلَى عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَ فَجَائِعِ الدُّهُورِ وَ أَلَمِ الْفَجَائِعِ وَ مَضَاضَةِ اللَّوَاذِعِ وَ جَلِيلِ الرُّزْءِ وَ عَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاضِعَةِ الْكَاظَّةِ الْفَادِحَةِ الْجَائِحَةِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ وَ لَهُ الْحَمْدُ ابْتَلَانَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ وَ ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٍ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَ عِتْرَتُهُ وَ سُبِيَ نِسَاؤُهُ وَ صِبْيَتُهُ وَ دَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوْقِ عَامِلِ السِّنَانِ وَ هَذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لَا مِثْلَهَا رَزِيَّةٌ أَيُّهَا النَّاسُ فَأَيُّ رِجَالاتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبِسُ دَمْعَهَا وَ تَضَنُّ عَنِ انْهِمَالِهَا فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَادُ لِقَتْلِهِ وَ بَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا وَ السَّمَاوَاتُ بِأَرْكَانِهَا وَ الْأَرْضُ بِأَرْجَائِهَا وَ الْأَشْجَارُ بِأَغْصَانِهَا وَ الْحِيتَانُ وَ لُجَجُ الْبِحَارِ وَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ أَجْمَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ قَلْبٍ لَا يَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لَا يَحِنُّ إِلَيْهِ أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الْإِسْلَامِ أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُودِينَ شَاسِعِينَ عَنِ الْأَمْصَارِ كَأَنَّا أَوْلَادُ تُرْكٍ وَ كَابُلَ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ وَ لَا مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ وَ لَا ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَمْنَاهَا- ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ - إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ -
وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي قِتَالِنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْوِصَايَةِ بِنَا لَمَا ازْدَادُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِنَا فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَ أَوْجَعَهَا وَ أَفْجَعَهَا وَ أَكَظَّهَا وَ أَفَظَّهَا وَ أَمَرَّهَا وَ أَفْدَحَهَا فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصَابَنَا وَ مَا بَلَغَ بِنَا إِنَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ قَالَ فَقَامَ صُوحَانُ بْنُ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ وَ كَانَ زَمِناً فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ زَمَانَةِ رِجْلَيْهِ فَأَجَابَهُ بِقَبُولِ مَعْذِرَتِهِ وَ حُسْنِ الظَّنِّ فِيهِ وَ شَكَرَ لَهُ وَ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ 22078 ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ إِنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ ع بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً صَائِماً نَهَارَهُ قَائِماً لَيْلَهُ فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ جَاءَهُ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وَ شَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ كُلْ يَا مَوْلَايَ فَيَقُولُ قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ جَائِعاً قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَ يَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ يُمْزَجُ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ حَدَّثَ مَوْلًى لَهُ ع أَنَّهُ بَرَزَ يَوْماً إِلَى الصَّحْرَاءِ قَالَ فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنَةٍ فَوَقَفْتُ وَ أَنَا أَسْمَعُ شَهِيقَهُ وَ بُكَاءَهُ وَ أَحْصَيْتُ عَلَيْهِ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقّاً حَقّاً- لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعَبُّداً وَ رِقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِيمَاناً وَ صِدْقاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَ إِنَّ لِحْيَتَهُ وَ وَجْهَهُ قَدْ غَمَرَ بِالْمَاءِ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي أَ مَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ وَ لِبُكَائِكَ أَنْ تَقِلَّ فَقَالَ لِي وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ع كَانَ نَبِيّاً ابْنَ نَبِيٍّ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْناً فَغَيَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَشَابَ رَأْسُهُ مِنَ الْحُزْنِ وَ احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ مِنَ الْغَمِّ وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَ ابْنُهُ حَيٌّ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَ أَنَا فَقَدْتُ أَبِي وَ أَخِي وَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي صَرْعَى مَقْتُولِينَ فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي وَ يَقِلُّ بُكَائِي 22079 .
إيضاح قال الجوهري ارتث فلان هو افتعل على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا و به رمق و قال الخفر بالتحريك شدة الحياء
و جارية خفرة و متخفرة و قال فرعت في الجبل صعدته و فرعت في الجبل صعدت و يقال بئسما أفرعت به أي ابتدأت.
أقول و في بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الإفراغ بمعنى السكب و هو أظهر و الختل الخدعة و في الإحتجاج الختر و هو أيضا بالتحريك الغدر.
قولها ع كمثل التي إشارة إلى قوله تعالى وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ 22080 قال الطبرسي ره أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للمغزل و هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن و لا تزال ذلك دأبها و قيل إنه مثل ضربه الله شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك أَنْكاثاً جمع نكث و هو الغزل من الصوف و الشعر يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دغلا و خيانة و مكرا.
و قال الخليل الصلف مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و النطف بالتحريك التلطخ بالعيب و في الإحتجاج بعد الصلف و العجب و الشنف و الكذب و الشنف بالتحريك البغض و التنكر و الدمنة بالكسر ما تدمنه الإبل و الغنم بأبوالها و أبعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات شبهتهم تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم و عدم الانتفاع بهم مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم و أخرى بفضة 22081 تزين بها القبور في أنهم كالأموات زينوا أنفسهم بلباس الأحياء و لا ينتفع بهم الأحباء و لا يرجى منهم الكرم و الوفاء.
قولها بعارها الضمير راجع إلى الأمة أو الأزمنة
و في الإحتجاج أجل و الله فابكوا فإنكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها.
و الشنار العيب و رحضه كمنعه غسله كأرحضه و المدرة بالكسر زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم و الذي يرجعون إلى رأيه و تبت الأيدي أي خسرت أو هلكت و الأيدي إما مجاز للأنفس أو بمعناها.
و الفري القطع
و في بعض النسخ و الروايات فرثتم.
بالثاء المثلثة
قال في النهاية في حديث أم كلثوم بنت علي ع لأهل الكوفة أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله ص.
الفرث تفتيت الكبد بالغم و الأذى و الصلعاء الداهية القبيحة قال الجزري في حديث عائشة أنها قالت لمعاوية حين ادعى زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية و الأمر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهى.
و العنقاء بالقاف الداهية و في بعض النسخ بالفاء من العنف و الفقماء من قولهم تفاقم الأمر أي عظم و الخرق ضد الرفق و الشوهاء القبيحة و الضمير في قولها جئتم بها راجع إلى الفعلة القبيحة و القضية الشنيعة التي أتوا بها و الكلام مبني على التجريد و طلاع الأرض بالكسر ملؤها و الحفز الحث و الإعجال.
قولها لا يبزى أي لا يغلب و لا يقهر و الذحل الحقد و العداوة يقال طلب بذحله أي بثأره و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة.
قولها ع في بيت متعلق بالمقتول لأن أمير المؤمنين ع قتل في المسجد و سائر الأوصاف بعد ذلك نعوت له و التعس الهلاك و الضيم الظلم و النقيبة النفس و العريكة الطبيعة و العذل الملامة و الجدل بالتحريك الفرح و سحته و أسحته أي استأصله و نزع إليه اشتاق و في بعض النسخ فزعت أي لجأت.
و قال الجوهري الكثكث و الكثكث فتات الحجارة و التراب مثل الأثلب و الإثلب و يقال بفيه الكثكث و قال كظم غيظه كظما اجترعه و الكظوم السكوت و كظم البعير يكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة و قال أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه و ناصبا يديه و قد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة و قال الشاعر
فأقع كما أقعى أبوك على استه
رأى أن ريما فوقه لا يعادله