کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
إذا تمهّدت المقدّمات فنقول:
لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله صدقة، لقسّمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء و الأولاد و سائر الأقارب، و لا يخلو الحال إمّا أن يكون كلّ نبيّ يبيّن هذا الحكم لورثته بخلاف نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله أو يتركون البيان كما تركه صلّى اللّه عليه و آله، فجرى على سنّة الذين خلوا من قبله من أنبياء اللّه عليهم السلام، فإن كان الأوّل فمع أنّه خلاف الظاهر كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل و الأديان، و لم يسمعه أحد إلّا أبو بكر و من يحذو حذوه، و لم ينقل أحد أنّ عصا موسى عليه السلام انتقل على وجه الصدقة إلى فلان، و سيف سليمان عليه السلام صار إلى فلان، و كذا ثياب سائر الأنبياء و أسلحتهم و أدواتهم فرّقت بين الناس و لم يكن في ورثة أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك، و إن كان بخلاف حكم اللّه عزّ و جلّ و قد كان أولاد يعقوب عليهم السلام- مع علوّ قدرهم- يحسدون على أخيهم و يلقونه في الجبّ لما 27810 رأوه أحبّهم إليه أو وقعت تلك المنازعة كثيرا، و لم ينقلها أحد في الملل السابقة و أرباب السير- مع شدّة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء و خصائصهم- و ما جرى بعدهم كما تقدّم.
و إن كان الثاني، فكيف كانت حال ورثة الأنبياء؟ أ كانوا يرضون بذلك و لا ينكرون؟ فكيف صارت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء و لم يرض [كذا] به سيّدة النساء، أو كانت سنّة المنازعة جارية في جميع الأمم و لم ينقلها أحد ممّن تقدّم و لا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ !.
و أعجب من ذلك أنّهم ينازعون في وجود النصّ على أمير المؤمنين عليه السلام مع كثرة الناقلين له من يوم السقيفة إلى الآن، و وجود الأخبار في
صحاحهم، و ادّعاء الشيعة تواتر ذلك من أوّل الأمر إلى الآن، و يستندون في ذلك إلى أنّه لو كان حقّا لما خفي ذلك لتوفّر الدواعي إلى نقله و روايته.
فانظر بعين الإنصاف أنّ الدواعي لشهرة أمر خاصّ ليس الشاهد له إلّا قوم مخصوصون من أهل قرن معيّن أكثر أم لشهرة أمر قلّ زمان من الأزمنة من لدن آدم عليه السلام إلى الخاتم صلّى اللّه عليه و آله عن وقوعه فيه، مع أنّه ليس يدعو إلى كتمانه و إخفائه في الأمم السالفة داع، و لم يذكره رجل في كتاب، و لم يسمعه أحد من أهل ملّة.
و لعمري لا أشكّ في أنّ من لزم الإنصاف، و جانب المكابرة و الاعتساف، و تأمّل في مدلول الخبر، و أمعن النظر، يجزم قطعا بكذبه و بطلانه.
و إن كان القسم الثاني
- و هو أن يكون اعتماد أبي بكر في تخصيص الآيات بالخبر من حيث رواية الرواة له دون علمه بأنّه من كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله لسماعه بإذنه.-
فيرد عليه أيضا وجوه من النظر: الأوّل:
أنّ ما ذكره قاضي القضاة 27811 من أنّه شهد بصدق الرواية في أيّام أبي بكر: عمر و عثمان و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن باطل غير مذكور في سيرة و رواية من طرقهم و طرق أصحابنا، و إنّما المذكور
فِي رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ الَّتِي رَوَوْهَا فِي صِحَاحِهِمْ 27812 أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا تَنَازَعَ عِنْدَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ الْعَبَّاسُ اسْتَشْهَدَ نَفَراً فَشَهِدُوا بِصِدْقِ الرِّوَايَةِ.
، و لنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس- على اختلافها- حتى يتّضح حقيقة الحال.
رَوَى الْبُخَارِيُ 27813 وَ مُسْلِمٌ 27814 وَ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَ حَكَاهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27815
فِي الْفَرْعِ الرَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ حَرْفِ الْجِيمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عُمَرُ فَجِئْتُهُ حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ قَالَ: فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِهِ جَالِساً عَلَى سَرِيرٍ مُفْضِياً عَلَى رِمَالِهِ 27816 مُتَّكِئاً عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ لِي: يَا مَالِ 27817 ! إِنَّهُ قَدْ دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتِ قَوْمِكَ 27818 ، وَ قَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَخُذْهُ، فَاقْسِمْ 27819 بَيْنَهُمْ.
قَالَ: قُلْتُ: لَوْ أَمَرْتَ بِهَذَا غَيْرِي. قَالَ: خُذْهُ يَا مَالِ. قَالَ: فَجَاءَ يرفاه [يَرْفَأُ] 27820 ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَ الزُّبَيْرِ وَ سَعْدٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَ عَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَ بَيْنَ هَذَا؟
فَقَالَ الْقَوْمُ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ وَ ارْحَمْهُمْ 27821 .
قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا قَدَّمُوهُمْ لِذَلِكَ، فَقَالَ عُمَرُ:
اتئد [اتَّئِدُوا] 27822 أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟! قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَ عَلِيٍّ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ، أَ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ قَالا:
نَعَمْ ... إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ.
ثم
حَكَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27823 عَنِ الْبُخَارِيِ 27824 وَ مُسْلِمٍ 27825 أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِباً آثِماً غَادِراً خَائِناً ... وَ تَزْعُمَانِ أَنَّهُ فِيهَا كَذَا ..؟ 27826 .
كما نقلنا سابقا.
و
حَكَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27827 عَنْ أَبِي دَاوُدَ 27828 أَنَّهُ قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: سَمِعْتُ حَدِيثاً مِنْ رَجُلٍ فَأَعْجَبَنِي، فَقُلْتُ: اكْتُبْهُ لِي، فَأَتَى بِهِ مَكْتُوباً مُدْبَراً 27829 : دَخَلَ الْعَبَّاسُ وَ عَلِيٌّ عَلَى عُمَرَ- وَ عِنْدَهُ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ وَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٌ- وَ هُمَا يَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٍ: أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: كُلُّ مَالِ النَّبِيِّ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ أَوْ كَسَاهُمْ، إِنَّا لَا نُورَثُ؟! قَالُوا: بَلَى.
توضيح:
قوله: مفضيا إلى رماله .. أي ملقيا نفسه على الرمال لا حاجز بينهما 27830 .
و رمال السّرير- بالكسر-: ما رمل أي نسج- جمع رمل- بمعنى مرمول
كالخلق بمعنى المخلوق، و المراد به أنّه كان السّرير قد نسج وجهه بالسّعف و لم يكن على السّرير وطاء سوى الحصير 27831 .
و الوسادة: المخدّة 27832 .
و دفّ أهل أبيات .. أي دخلوا المصر، يقال: دفّ دافّة من العرب 27833 .
و الرّضخ- بالضّاد و الخاء المعجمتين-: العطاء القليل 27834 .
و يرفأ- بالرّاء و الفاء و الهمزة، على صيغة المضارع كيمنع- علم، مولى عمر ابن الخطّاب 27835 .
و اتّئد: أمر من التّؤدة أي التّأنّي و التّثبّت 27836 .
و مدبرا أي مسندا 27837 ، و ألفاظ باقي الأصول مذكورة في جامع الأصول.
و لا يذهب على ذي فطنة أنّ شهادة الأربعة التي تضمّنتها الرواية الأولى و الثانية على اختلافهما لم يكن من حيث الرواية و السماع عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، بل لثبوت الرواية عندهم بقول أبي بكر، بقرينة أنّ عمر ناشد عليّا عليه السلام و العباس: أ تعلمان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال 27838 : لا نورث ما تركناه صدقة؟ فقالا 27839 : نعم، و ذلك لأنّه لا يقدر أحد في ذلك الزمان على تكذيب
تلك الرواية، و قد قال عمر في آخر الرواية: رأيتماه- يعني أبا بكر- كاذبا آثما غادرا خائنا .. و كذا في حقّ نفسه.
و العجب أنّ القاضي لم يجعل عليّا عليه السلام و العباس شاهدين على الرواية مع تصديقهما كما صدّق الباقون، بل جميع الصحابة، لأنّهم يشهدون بصدقهما.
و قال ابن أبي الحديد 27840 - بعد حكاية كلام السيّد رضي اللّه عنه- في أنّ الاستشهاد كان في خلافة عمر دون أبي بكر، و أنّ معول المخالفين على إمساك الأمّة عن النكير على أبي بكر دون الاستشهاد، ما هذا لفظه-: قلت: صدق المرتضى رحمه اللّه فيما قال، أمّا عقيب وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مطالبة فاطمة عليها السلام بالإرث فلم يرو الخبر إلّا أبو بكر وحده، و قيل إنّه رواه معه مالك بن أوس بن 27841 الحدثان، و أمّا المهاجرون الّذين ذكرهم قاضي القضاة فقد شهدوا بالخبر في خلافة عمر، و قد تقدّم ذكر ذلك.
و قال 27842 - في الموضع المتقدّم الذي أشار إليه و هو الفصل الذي ذكر فيه روايات أبي البختريّ.
على ما رواه أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَوْهَرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ عَلِيٌّ وَ الْعَبَّاسُ إِلَى عُمَرَ وَ هُمَا يَخْتَصِمَانِ، فَقَالَ عُمَرُ لِطَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ سَعْدٍ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ! أَ سَمِعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ قَالَ:
كُلُّ مَالِ نَبِيٍّ فَهُوَ صَدَقَةٌ إِلَّا مَا أَطْعَمَهُ أَهْلَهُ، إِنَّا لَا نُورَثُ؟! فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَ يَقْسِمُ فَضْلَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ فَوَلِيَهُ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ أَنْتُمَا تَقُولَانِ:
إِنَّهُ كَانَ بِذَلِكَ خَاطِئاً؟ وَ كَانَ بِذَلِكَ ظَالِماً؟ وَ مَا كَانَ بِذَلِكَ إِلَّا رَاشِداً، ثُمَّ وَلِيتُهُ بَعْدَ
أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنْ شِئْتُمَا قَبِلْتُمَاهُ عَلَى عَمَلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ عَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَ فِيهِ، فَقُلْتُمَا: نَعَمْ، وَ جِئْتُمَانِي الْآنَ تَخْتَصِمَانِ، يَقُولُ هَذَا: أُرِيدُ نَصِيبِي مِنِ ابْنِ أَخِي، وَ يَقُولُ هَذَا: أُرِيدُ نَصِيبِي مِنِ امْرَأَتِي! وَ اللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ.
قال ابن أبي الحديد 27843 : قلت: هذا مشكل 27844 ، لأنّ أكثر الروايات أنّه لم يرو هذا الخبر إلّا أبو بكر وحده، ذكر ذلك معظم 27845 المحدّثين، حتى أنّ الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على 27846 ذلك في احتجاجهم بالخبر برواية الصحابيّ الواحد.
و قال شيخنا أبو عليّ: لا يقبل 27847 في الرواية إلّا رواية اثنين كالشهادة، فخالفه المتكلّمون و الفقهاء كلّهم، و احتجّوا عليه بقول الصحابة
رِوَايَةَ أَبِي بَكْرٍ وَحْدَهُ، قَالَ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ.
، حتى أنّ بعض أصحاب أبي عليّ تكلّف لذلك جوابا، فقال: قد روي أنّ أبا بكر يوم حاجّ فاطمة عليها السلام، قال: أنشد اللّه امرأ سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في هذا شيئا؟ فروى مالك بن أوس بن الحدثان، أنّه سمع 27848 من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و هذا الحديث ينطق بأنّه استشهد عمر طلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعدا، فقالوا:
سمعناه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فأين كانت هذه الروايات أيّام أبي بكر؟! ما نقل أنّ أحدا من هؤلاء يوم خصومة فاطمة عليها السلام و أبي بكر روى من هذا شيئا، انتهى.