کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
تردها إلى أن رفعته مرة فقالت أسأل الله بركة المقبل أما البعير فبعير ابني و أما الراكب فليس هو به قال فوقف الراكب عليها و قال يا أم عقيل عظم الله أجرك في عقيل ولدك فقالت له ويحك مات قال نعم قالت و ما سبب موته قال ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت انزل و اقض ذمام القوم و دفعت إليه كبشا فذبحه و أصلحه و قرب إلينا الطعام فجعلنا نأكل و نتعجب من صبرها فلما فرغنا خرجت إلينا و قالت يا قوم هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئا فقلت نعم قالت فاقرأ علي آيات أتعزى بها عن ولدي فقلت يقول الله عز و جل وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ- الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ- أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ قالت بالله إنها في كتاب الله هكذا قلت و الله إنها لفي كتاب الله هكذا فقالت السلام عليكم ثم صفت قدميها و صلت ركعات ثم قالت اللهم إني قد فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني به و لو بقي أحد لأحد قال فقلت في نفسي لبقي ابني لحاجتي إليه فقالت لبقي محمد ص لأمته فخرجت و أنا أقول ما رأيت أكمل منها و لا أجزل ذكرت ربها بأكمل خصاله و أجمل خلاله ثم إنها لما علمت أن الموت لا مدفع له و لا محيص عنه و إن الجزع لا يجدي نفعا و البكاء لا يرد هالكا رجعت إلى الصبر الجميل و احتسبت ابنها عند الله ذخيرة نافعة ليوم الفقر و الفاقة
وَ رُوِيَ أَنَّ يُونُسَ ع قَالَ لِجَبْرَئِيلَ ع دُلَّنِي عَلَى أَعْبَدِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدَلَّهُ عَلَى رَجُلٍ قَدْ قَطَعَ الْجُذَامُ يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ وَ ذَهَبَ بِبَصَرِهِ وَ سَمْعِهِ وَ هُوَ يَقُولُ مَتَّعْتَنِي بِهَا مَا شِئْتَ وَ سَلَبْتَنِي مَا شِئْتَ وَ أَبْقَيْتَ لِي فِيكَ الْأَمَلَ يَا بَرُّ يَا وَصُولُ.
وَ رُوِيَ أَنَّ عِيسَى ع مَرَّ بِرَجُلٍ أَعْمَى أَبْرَصَ مُقْعَدٍ مَضْرُوبِ الْجَنْبَيْنِ بِالْفَالِجِ وَ قَدْ تَنَاثَرَ لَحْمُهُ مِنَ الْجُذَامِ وَ هُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا
ابْتَلَى بِهِ كَثِيراً مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى ع يَا هَذَا وَ أَيُّ شَيْءٍ مِنَ الْبَلَاءِ أَرَاهُ مَصْرُوفاً عَنْكَ فَقَالَ يَا رُوحَ اللَّهِ أَنَا خَيْرٌ مِمَّنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مَا جَعَلَ فِي قَلْبِي مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ لَهُ صَدَقْتَ هَاتِ يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهاً وَ أَفْضَلُهُمْ هَيْئَةً قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كَانَ بِهِ فَصَحِبَ عِيسَى ع وَ تَعَبَّدَ مَعَهُ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ عَالِمٌ مُجْتَهِدٌ وَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَ كَانَ بِهَا مُعْجَباً فَمَاتَتْ فَوَجَدَ عَلَيْهَا وَجْداً شَدِيداً حَتَّى خَلَا فِي بَيْتٍ وَ أَغْلَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَ احْتَجَبَ عَنِ النَّاسِ فَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ ثُمَّ إِنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَمِعَتْ بِهِ فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ أَسْتَفْتِيهِ فِيهَا لَيْسَ يُجْزِئُنِي إِلَّا أَنْ أُشَافِهَهُ بِهَا فَذَهَبَ النَّاسُ وَ لَزِمَتِ الْبَابَ فَأُخْبِرَ فَأَذِنَ لَهَا فَقَالَتْ أَسْتَفْتِيكَ فِي أَمْرٍ قَالَ مَا هُوَ قَالَتْ إِنِّي اسْتَعَرْتُ مِنْ جَارَةٍ لِي حُلِيّاً فَكُنْتُ أَلْبَسُهُ زَمَاناً ثُمَّ إِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إِلَيَّ أَ فَأَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ قَالَ نَعَمْ وَ اللَّهِ قَالَتْ إِنَّهُ قَدْ مَكَثَ عِنْدِي زَمَاناً قَالَ ذَاكِ أَحَقُّ بِرَدِّكِ إِيَّاهُ فَقَالَتْ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ أَ فَتَأْسَفُ عَلَى مَا أَعَارَكَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ثُمَّ أَخَذَهُ مِنْكَ وَ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ فَأَبْصَرَ مَا كَانَ فِيهِ وَ نَفَعَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهَا.
: وَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ ع ابْنٌ يُحِبُّهُ حُبّاً شَدِيداً فَمَاتَ فَحَزِنَ عَلَيْهِ حُزْناً شَدِيداً فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِ مَلَكَيْنِ فِي هَيْئَةِ الْبَشَرِ فَقَالَ مَا أَنْتُمَا قَالا خَصْمَانِ قَالَ اجْلِسَا بِمَجْلِسِ الْخُصُومِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي زَرَعْتُ زَرْعاً فَأَتَى هَذَا فَأَفْسَدَهُ فَقَالَ سُلَيْمَانُ ع مَا يَقُولُ هَذَا قَالَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُ زَرَعَ فِي الطَّرِيقِ وَ إِنِّي مَرَرْتُ فَنَظَرْتُ يَمِيناً وَ شِمَالًا فَإِذَا الزَّرْعُ فَرَكِبْتُ قَارِعَةَ الطَّرِيقِ وَ كَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ زَرْعِهِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَزْرَعَ فِي الطَّرِيقِ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الطَّرِيقَ سَبِيلُ النَّاسِ وَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيلَهُمْ فَقَالَ لَهُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ أَ وَ مَا عَلِمْتَ يَا سُلَيْمَانُ إِنَّ الْمَوْتَ سَبِيلُ النَّاسِ وَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيلَهُمْ قَالَ فَكَأَنَّمَا كُشِفَ عَنْ سُلَيْمَانَ ع الْغِطَاءُ وَ لَمْ يَجْزَعْ عَلَى وَلَدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ رواه ابن أبي الدنيا .
وَ رُوِيَ أَيْضاً أَنَّ قَاضِياً كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَاتَ لَهُ ابْنٌ فَجَزِعَ عَلَيْهِ وَ صَاحَ فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ فَقَالا لَهُ اقْضِ بَيْنَنَا فَقَالَ مِنْ هَذَا فَرَرْتُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا إِنَّ هَذَا مَرَّ بِغَنَمِهِ عَلَى زَرْعِي فَأَفْسَدَهُ فَقَالَ الْآخَرُ إِنَّ هَذَا زَرَعَ بَيْنَ الْجَبَلِ وَ النَّهَرِ وَ لَمْ يَكُنْ لِي طَرِيقٌ غَيْرُهُ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي أَنْتَ حِينَ زَرَعْتَ بَيْنَ الْجَبَلِ وَ النَّهَرِ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ طَرِيقُ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ فَأَنْتَ حِينَ وُلِدَ لَكَ وَلَدٌ أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتُ فَارْجِعْ إِلَى قَضَائِكَ ثُمَّ عَرَجَا وَ كَانَا مَلَكَيْنِ.
: وَ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ مُقْعَدَانِ كَانَ لَهُمَا ابْنٌ شَابٌّ فَكَانَ إِذَا أَصْبَحَ نَقَلَهُمَا فَأَتَى بِهِمَا الْمَسْجِدَ فَكَانَ يَكْتَسِبُ عَلَيْهِمَا يَوْمَهُ فَإِذَا كَانَ الْمَسَاءُ احْتَمَلَهُمَا فَأَقْبَلَ بِهِمَا فَافْتَقَدَهُ النَّبِيُّ ص فَسَأَلَ عَنْهُ فَقِيلَ لَهُ مَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَوْ تُرِكَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ تُرِكَ ابْنُ الْمُقْعَدَيْنِ.
انتهى ما أردنا إخراجه من كتاب مسكن الفؤاد.
باب 20 النوادر
1- نَهْجُ الْبَلَاغَةِ، مِنْ كَلَامٍ لَهُ ع بَعْدَ تِلَاوَتِهِ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ يَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَيَّ مُدَّكِرٍ وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ يَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِيدِ الْهَلْكَى يَتَكَاثَرُونَ يَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ وَ لَأَنْ يَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَخَراً وَ لَأَنْ يَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ أَحْجَى مِنْ أَنْ يَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فِي غَمْرَةِ جَهَالَةٍ وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِي الْأَرْضِ ضُلَّالًا وَ ذَهَبْتُمْ فِي أَعْقَابِهِمْ جُهَّالًا تَطَئُونَ فِي هَامِهِمْ وَ تَسْتَثْبِتُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ وَ تَرْتَعُونَ فِيمَا لَفَظُوا وَ تَسْكُنُونَ فِيمَا خَرَّبُوا وَ إِنَّمَا الْأَيَّامُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَكُمْ بَوَاكٍ وَ نَوَائِحُ عَلَيْكُمْ أُولَئِكُمْ سَلَفُ غَايَتِكُمْ وَ فُرَّاطُ مَنَاهِلِكُمُ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَ حَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوكاً وَ سُوَقاً سَلَكُوا فِي بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِيلًا سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَيْهِمْ فِيهِ فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَ شَرِبْتَ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لَا يَنْمُونَ وَ ضِمَاراً لَا يُوجَدُونَ- لَا يُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الْأَهْوَالِ وَ لَا يَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الْأَحْوَالِ وَ لَا يَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَ لَا يَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُيَّباً لَا يُنْتَظَرُونَ وَ شُهُوداً لَا يَحْضُرُونَ وَ إِنَّمَا كَانُوا جَمِيعاً فَتَشَتَّتُوا وَ أُلَّافاً فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَ لَا بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِيَتْ أَخْبَارُهُمْ وَ صَمَّتْ دِيَارُهُمْ وَ لَكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً-
فَكَأَنَّهُمْ فِي ارْتِجَالِ الصِّفَةِ صَرْعَى سُبَاتٍ جِيرَانٌ لَا يَتَأَنَّسُونَ وَ أَحِبَّاءُ لَا يَتَزَاوَرُونَ بَلِيَتْ بَيْنَهُمْ عُرَى التَّعَارُفِ وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَكُلُّهُمْ وَحِيدٌ وَ هُمْ جَمِيعٌ وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلَّاءُ- لَا يَتَعَارَفُونَ لِلَيْلٍ صَبَاحاً وَ لَا لِنَهَارٍ مَسَاءً أَيُّ الْجَدِيدَيْنِ ظَعَنُوا فِيهِ كَانَ عَلَيْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا وَ رَأَوْا مِنْ آيَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَكِلَا الْغَايَتَيْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَى مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ فَلَوْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِهَا لَعَيُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَايَنُوا وَ لَئِنْ عَمِيَتْ آثَارُهُمْ وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِيهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَ خَوَتِ الْأَجْسَادُ النَّوَاعِمُ وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ البلاء [الْبِلَى] وَ تَكَاءَدَنَا ضِيقُ الْمَضْجَعِ وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ وَ تَهَكَّمَتْ عَلَيْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَ طَالَتْ فِي مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً وَ لَا مِنْ ضِيقٍ مُتَّسَعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ وَ تَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَةُ فِي أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلَاقَتِهَا وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِي صَدْرِهِمْ بَعْدَ يَقَظَتِهَا وَ عَاثَ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدِيدُ بِلًى سَمَّجَهَا وَ سَهَّلَ طُرُقَ الْآفَةِ إِلَيْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلَا أَيْدٍ تَدْفَعُ وَ لَا قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَيْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَ أَقْذَاءَ عُيُونٍ لَهُمْ مِنْ كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لَا تَنْتَقِلُ وَ غَمْرَةٌ لَا تَنْجَلِي وَ كَمْ أَكَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِيزِ جَسَدٍ وَ أَنِيقِ لَوْنٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا غَذِيَّ تَرَفٍ وَ رَبِيبَ شَرَفٍ يَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فِي سَاعَةِ حُزْنِهِ وَ يَفْزَعُ إِلَى السَّلْوَةِ إِنْ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَيْشِهِ وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ فَبَيْنَا هُوَ يَضْحَكُ إِلَى الدُّنْيَا وَ تَضْحَكُ إِلَيْهِ فِي ظِلِّ عَيْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ وَ نَقَضَتِ الْأَيَّامُ قُوَاهُ وَ نَظَرَتْ إِلَيْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌ
لَا يَعْرِفُهُ وَ نَجِيُّ هَمٍّ مَا كَانَ يَجِدُهُ وَ تَوَلَّدَتْ فِيهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكِينِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَ تَحْرِيكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ فَلَمْ يُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلَّا ثَوَّرَ حَرَارَةً وَ لَا حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلَّا هَيَّجَ بُرُودَةً وَ لَا اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلَّا أَمَدَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّى فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَ تَعَايَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلينَ عَنْهُ وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِيَّ خَبَرٍ يَكْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ هُوَ لِمَا بِهِ وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِيَابَ عَافِيَتِهِ وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَى فَقْدِهِ يُذَكِّرُهُمْ أُسَى الْمَاضِينَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلَى جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْيَا وَ تَرْكِ الْأَحِبَّةِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَيَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَ يَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَيَّ عَنْ رَدِّهِ وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ مِنْ كَبِيرٍ كَانَ يُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِيرٍ كَانَ يَرْحَمُهُ وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِيَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَى عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْيَا 3588 .
بيان: قيل نزلت سورة التكاثر في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان و بنو فلان أكثر من بني فلان حتى ماتوا ضلالا و قيل في فخذ من الأنصار و قيل في حيين من قريش بني عبد مناف بن قصي و بني سهم بن عمرو تكاثرا فعدوا أشرافهم فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زاروا القبور و قالوا هذا قبر فلان و هذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية.
و كلامه ع يدل على الأخير أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ أي شغلكم عن طاعة الله و عن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال و الأولاد و التفاخر بكثرتها حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال و لم تتوبوا أو حتى عددتم الأموات في القبور.
يا له مراما ما أبعد اللام للتعجب كقولهم يا للدواهي و مراما و زورا
و خطرا منصوبات على التميز و المرام المقصد و المعنى التعجب من بعد ذلك المرام فإن الغاية المطلوبة لا يدركها الإنسان لأن كل غاية بلغها فإن فوقها غاية أخرى قد أدركها غيره فيطمح نفسه إليها أو ما أبعده عن نظر العقل و عما هو الغاية الأصلية التي لا بد من السعي في الوصول إليها و زورا ما أغفله الزور الزائرون أو مصدر لزار يزور فنسبة الغفلة إليه توسع أي ما أغفل صاحبه و هو أنسب بالمرام و الخطر الإشراف على الهلاك و السبق الذي يتراهن عليه و خطر الرجل قدره و منزلته و فظع الشيء بالضم و هو فظيع أي شديد شنيع مجاوز للحد و الخطر الفظيع الموت أو شدائد الآخرة اللازمة لتلك الغفلة.
لقد استخلوا منهم أي مدكر الضمير في استخلوا للأحياء و في منهم للأموات و كني بالمدكر عما خلفوه من الآثار التي هي محل العبرة و أي مدكر استفهام على سبيل التعجب من ذلك المدكر في حسن إفادته للعبر لأولي الأبصار و استخلوا أي اتخذوا تخلية الذكر دأبهم و شأنهم و قيل استخلوا أي وجدوه خاليا كذا ذكره ابن ميثم و قال ابن أبي الحديد استخلوا أي ذكروا من خلا من آبائهم أي من مضى يقال هذا الأمر من الأمور الخالية و هذا القرن من القرون الخالية أي الماضية و استخلا فلان في حديثه أي حدث عن أمور خالية و المعنى أنه ع استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا و عمن خلا من أسلافهم و آثار أسلافهم من التذكير فقال أي مذكر و واعظ في ذلك و روي أي مدكر بمعنى المصدر كالمعتقد بمعنى الاعتقاد.
و تناوشوهم أي تناولوهم من مكان بعيد عنهم و عن تناولهم فإنهم بأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا و قال الجوهري عددته أحصيته عدا و الاسم العدد و العديد.