کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
كانت أمامه، فكان ينبغي أن لا يشتغل مع هذا بشيء آخر سوى تحصيل الجنّة و التخلّص من النار.
قوله عليه السلام: ثلاثة و اثنان ..
الحاصل أنّ أحوال المخلوقين المكلّفين تدور على خمسة، و إنّما فصل الثلاثة عن الاثنين لأنّهم من المقرّبين المعصومين الناجين من غير شكّ، فلم يخلطهم بمن سواهم.
الأوّل: ملك أعطاه اللَّه جناحين يطير بهما في درجات الكمال صورة و معنى.
و الثاني: نبيّ أخذ اللَّه بضبعيه ..
الضّبع- بسكون الباء-: وسط العضد، و قيل: هو ما تحت الإبط 29656 ..
أي رفعه اللَّه بقدرته و عصمته من بين الخلق و اختاره و قرّبه كأنّه أخذ بعضده و قرّبه إليه، و يحتمل أن يكون كناية عن رفع يده و أخذها عن المعاصي بعصمته، و أن يكون كناية عن تقويته، و الأول أظهر.
و الثالث: ساع مجتهد في الطاعات غاية جهده .. و المراد إمّا الأوصياء عليهم السلام أو أتباعهم الخلّص 29657 ، فالأوصياء داخلون في الثاني على سبيل التغليب، أو المراد بالثالث أعمّ منهما.
و الرابع: عابد طالب للآخرة بشيء من السعي مع 29658 صحّة إيمانه، و بذلك يرجو فضل ربّه.
و الخامس: مقصّر ضالّ عن الحقّ كافر، فهو في النار.
قوله عليه السلام: اليمين و الشمال مضلّة ..
أي كلّ ما خرج عن الحقّ فهو ضلال، أو المراد باليمين ما يكون بسبب الطاعات و البدع فيها، و باليسار ما يكون بسبب المعاصي.
قوله عليه السلام: عليها يأتي الكتاب ..
أي على هذه الجادّة أتى كتاب
اللَّه و حثّ على سلوكها، و في بعض النسخ: ما في الكتاب، و في نسخ نهج البلاغة 29659 : باقي الكتاب، و لعلّ المراد ما بقي من الكتاب في أيدي الناس.
قوله عليه السلام: هلك من ادّعى ..
أي من ادّعى مرتبة ليس بأهل لها كالإمامة.
قوله عليه السلام: و ليس لأحد عند الإمام فيها هوادة ..
قال الجزريّ فيه:
«لا تأخذه في اللَّه هوادة» أي لا يسكن عند وجوب حدود اللَّه 29660 و لا يحابي فيه 29661 أحدا، و الهوادة: السّكون و الرّخصة و المحاباة 29662 انتهى.
قوله عليه السلام: و التوبة من ورائكم ..
قال ابن ميثم: تنبيه للعصاة على الرجوع إلى التوبة عن الجري في ميدان المعصية و اقتفاء أثر الشيطان، و كونها وراء، لأنّ الجواذب الإلهيّة إذا أخذت بقلب العبد فجذبته عن المعصية حتى أعرض عنها و التفت بوجه نفسه إلى ما كان معرضا عنه من الندم على المعصية، و التوجّه إلى القبلة الحقيقيّة، فإنّه يصدق عليه إذن أنّ التوبة وراءه، أي وراء عقليّا، و هو أولى من قول من قال من المفسّرين: إنّ وراءكم بمعنى أمامكم 29663 .
قوله عليه السلام: من أبدى صفحته للحقّ هلك ..
قال في النهاية:
صفحة 29664 كلّ شيء: وجهه و ناصيته 29665 .
أقول:
المراد و مواجهة الحقّ و مقابلته و معارضته، فالمراد بالهلاك الهلاك في الدنيا و الآخرة، أو المراد إبداء الوجه للخصوم و معارضتهم لإظهار الحقّ في كلّ
مكان و موطن من غير تقيّة و رعاية مصلحة فيكون مذموما، و الهلاك بالمعنى الذي سبق، و يؤيّد هذا قوله عليه السلام: استتروا في بيوتكم .. أو المراد معارضته أهل الباطل على الوجه المأمور به، و المراد بالهلاك مقاساة المشاق و المفاسد و المضارّ من جهّال الناس، و يؤيّده ما في نسخ نهج البلاغة 29666 : هلك عند جهلة الناس.
18- نهج 29667 : وَ مِنْ خُطْبَةٍ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ، وَ لَا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ، وَ لَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ، وَ لَا يَصِفُهُ لِسَانٌ، وَ 29668 لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ 29669 قَطْرِ الْمَاءِ، وَ لَا نُجُومِ السَّمَاءِ، وَ لَا سَوَافِي 29670 الرِّيحِ فِي الْهَوَاءِ، وَ لَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا 29671 ، وَ لَا مَقِيلُ الذَّرِّ 29672 فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ، وَ خَفِيَّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ 29673 ، وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ غَيْرَ مَعْدُولٍ بِهِ وَ لَا مَشْكُوكٍ فِيهِ وَ لَا مَكْفُورٍ دِينُهُ، وَ لَا مَجْحُودٍ 29674 تَكْوِينُهُ، شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ، وَ صَفَتْ دُخْلَتُهُ، وَ خَلَصَ يَقِينُهُ، وَ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، الَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِهِ، وَ الْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ، وَ الْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ، وَ الْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ 29675
رِسَالاتِهِ، وَ الْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى، وَ الْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى.
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ الْمُخْلِدَ إِلَيْهَا، وَ لَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا، وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا، وَ ايْمُ اللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي غَضِّ نِعْمَةٍ مِنْ عَيْشٍ فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوبٍ اجْتَرَحُوهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى 29676 لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ 29677 ، وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَ تَزُولُ عَنْهُمُ النِّعَمُ، فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْقٍ مِنْ نِيَّاتِهِمْ، وَ وَلَهٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ، لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِدٍ، وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِدٍ، وَ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا فِي فَتْرَةٍ وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ عِنْدِي 29678 مَضَتْ، مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ، وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ، وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا الْجُهْدُ، وَ لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ 29679 .
بيان:
قد مرّ شرح صدر الخطبة في كتاب التوحيد 29680 .
قوله عليه السلام: غير معدول به .. أي لا يعادل و يساوي به أحد 29681 ، كما قال تعالى: بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ 29682 .
و الدّخلة- بالكسر و الضّم-: باطن الأمر 29683 .
و المعتام: أي المختار، و التّاء تاء الافتعال، ذكره في النهاية 29684 ، و العقائل جمع عقيلة- و هي كريمة كلّ شيء 29685 .
و الأشراط: العلامات جمع شرط- بالتحريك 29686 -.
و الغربيب- بالكسر-: الأسود الشّديد السّواد 29687 .. أي المكشوف به ظلم الظلام 29688 .
و أخلد إليه: مال 29689 .
قوله عليه السلام: و لا تنفس .. أي لا ترغب 29690 إلى من يرغب إليها بل ترميه بالنّوائب.
قوله عليه السلام: من غلب عليها ..
أي من غلب إليها و أخذها قهرا فسوف تغلب الدنيا عليه، أو المراد بمن غلب عليها من أراد الغلبة عليها.
قوله عليه السلام: في غضّ نعمة ..
أي في نعمة غضّة: طريّة 29691 .
قوله عليه السلام: ليس بظلّام ..
أي لو فعله اللَّه بقوم لفعله بالجميع، لأنّ حكمه في الجميع واحد، فيكون ظلّاما، أو المعنى إنّ ذلك ظلم شديد، و يقال: فزعت إليه فأفزعني .. أي استغثت إليه فأغاثني 29692 .
و الوله: الحزن و الحيرة و الخوف و ذهاب العقل حزنا 29693 .
و الشّارد: النّافر 29694 .
قوله عليه السلام: في فترة ..
الفترة: الانكسار و الضّعف و ما بين الرّسولين 29695 ، و كنّى عليه السلام بها هنا عن أمر الجاهليّة .. أي إنّي لأخشى أن يكون أحوالكم في التعصّبات الباطلة و الأهواء المختلفة كأحوال أهل الجاهليّة.
قوله عليه السلام: ملتم فيها ميلة ..
إشارة إلى ميلهم عنه عليه السلام إلى الخلفاء الثلاثة.
و قول ابن أبي الحديد 29696 - إشارة إلى اختيارهم عثمان يوم الشورى- يبطله قوله عليه السلام: أمور و غير ذلك.
قوله عليه السلام: و لئن ردّ عليكم ..
أي أحوالكم التي كانت أيّام رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله.
قوله عليه السلام: و لو أشاء ..
أي لو أشاء أن أقول فيما ملتم عن الحقّ و نبذتم الآخرة وراء ظهوركم بلفظ صريح لقلت، لكنّي طويت عن ذكره و أعرضت عنه لعدم المصلحة فيه 29697 ، و لم أصرّح بكفركم و ما يكون إليه مصير أمركم و ما أكننتم 29698 و أخفيتم في ضمائركم لذلك.
و قوله عليه السلام: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ..
أي عفا عمّن تاب و أناب و رجع، و يحتمل أن يكون من الدعاء الشائع في أواخر الخطب، كقوله عليه السلام: غفر اللَّه لنا و لكم .. و أمثاله، و هذه الأدعية مشروطة بشرائط، و قيل:
يحتمل أن يكون المعنى لو أشاء أن أقول قولا يتضمّن العفو عنكم لقلت، لكنّي لا أقول ذلك، إذ لا مجال للعفو هنا، و لا يخفى بعده ..
19- نهج 29699 : قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاهُ 29700 وَ إِلَّا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَى 29701 .
و هذا القول 29702 من لطيف الكلام و فصيحه، و معناه إنّا إن لم نعط حقّنا كنّا أذلّاء، و ذلك أنّ الرّديف يركب عجز البعير، كالعبد و الأسير و من يجري مجراهما 29703 .