کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
كانا معدومين فيها و اجتمع معهما عدم الحادث الثالث ضرورة أن عدم كل حادث أزلي و أن عدم الحادث المتأخر و إن كان أطول امتدادا من الحادث المتقدم إلا أن الكل متحقق في ظرف الزمان إذ طبيعة الزمان أزلية عندهم و الأعدام كلها أزلية فلا بد من اجتماعها قطعا في زمان ما و يجتمع مع هذه الأعدام الثلاث عدم الحادث الرابع و هكذا على ترتيب الآحاد على التوالي فإما أن يستغرق هذا الاجتماع إعدام جميع الآحاد فيكون جميع الحوادث معدوما في مرتبة ما من المراتب الواقعية فتأخر جميع الحوادث عن تلك المرتبة الواقعية و يكون الجميع معدوما في تلك المرتبة فيكون لها مبدأ و انقطاع و هو المطلوب 6848 و إن لم يستغرق فينتهي إلى حادث معين لا يجتمع عدمه مع عدم ما قبله من الحوادث إما لأن هذا الحادث لا يسبقه عدمه فيكون قديما بالشخص و إما لأن الحادث الذي قبله لا يسبقه عدم أزلي فيكون ذلك قديما ضرورة أنه لو تقدمهما عدم أزلي يجب اجتماعهما مع ما تأخر عنهما فتنقطع سلسلة الحوادث على أي تقدير.
لا يقال كل جملة متناهية يجتمع في العدم و يتحقق عدم سابق على الجميع و أما جملة الحوادث الغير المتناهية فلا.
لأنا نقول قد بينا أن هذا الحكم مستغرق لجميع الآحاد على التوالي و قد مر في المقدمات الممهدة أن أمثال هذه الأحكام على كل فرد تسري إلى الجملة فلا مجال لهذا التوهم 6849 .
و لك أن تقول هاهنا سلسلتان إحداهما سلسلة وجودات الحوادث و الأخرى سلسلة عدماتها فإذا أخذنا مجموع الوجودات بحيث لا يشذ عنها فرد و كذا العدمات فلا شك أن جملة العدمات بحيث لا يشذ فرد متقدمة على جملة الوجودات لتقدم كل فرد منها على نظيره و عديله و مثل هذا الحكم يسري من الآحاد إلى الجملة و لأن جملة العدمات لما كان كل فرد منها أزليا 6850 و جملة الحوادث حادثة و تقدم الأزلي على الحادث ضرورية و لا شبهة في إمكان أخذ المجموع بحيث لا يشذ فإنه ليس من قبيل الجملة اللايقفية التي لا يمكن فيها أخذ المجموع بحيث لا يشذ و قد أخذوا جملة الممكنات في دليل إثبات الواجب فيكون ممكنا فلا يكون في تلك المرتبة شيء من الحوادث و هو الانقطاع.
و لنا أيضا أن نقول يتقدم على كل حادث عدم أزلي هو عدم لهذا الحادث و ينعدم معه جميع ما بعده من الحوادث التي هو معد لها و سبق هذا العدم يستوعب جميع آحاد سلسلة الحوادث و حكم الآحاد يسري إلى الجملة فيلزم عدم مجموع الحوادث رأسا و انقطاعها أو نقول مجموع الحوادث واحد شخصي لأن كل جزء منه واحد شخصي و حادث أيضا لأن جميع أجزائه حادث فيلزم الانقطاع و نقول أيضا السلسلة المذكورة معدات عندهم و المعد يعتبر وجوده و عدمه في المعلول المتأخر و كلاهما سابق عليه فنأخذ سلسلة العدمات اللاحقة السابقة على وجود المعلولات و نقول إما أن يستغرق سبق كل فرد من العدمات لكل فرد من وجودات الحوادث النظير على النظير فيلزم تقدم جملة سلسلة العدمات إذا أخذنا بحيث لا يشذ منها شيء على سلسلة وجودات الحوادث و هو يستلزم الانقطاع و تقدم عدم اللاحق على الموجود و هذا خلف و إن لم يستغرق فينتهي إلى فرد لا يسبقه عدم المعد فتنقطع سلسلة المعدات.
و على هذه التقريرات لا يتوجه ما قيل إن الأزل ليس وقتا محدودا تجتمع فيه العدمات و غيرها بل مرجعه إلى أن قبل كل حادث حادث إلى غير نهاية
و هكذا عدم الحوادث و لا محذور فيه لأن اجتماع العدم الأزلي الغير المتناهي في الماضي في زمان مع عدم تناهي الزمان عندهم مع مثله بالغا ما بلغ سواء كانت الأعدام متناهية أم لا بديهي و لا يلزمنا تعيين زمان معين للأزل و كذا ما قيل و إن تحقق في الأزل عدم الحوادث لكنه عدم كل حادث مقرون بوجود حادث تقدم على ذلك الحادث أبدا فلا يتحقق وقت ينتهي 6851 فيه جميع الموجودات و يبقى صرف العدم و هذا مع أنه مدفوع بما قررنا لو تم فهو فساد آخر نشأ من عدم تناهي الحوادث إذ جميع المفاسد التي ذكرنا إنما نشأت من الحوادث إلى غير نهاية.
و يمكن أن يقال أيضا إن الحادث اليومي مسبوق بعدم معده و بعدم معد معده و هكذا إلى غير نهاية و عدم المعد البعيد بواسطة أطول امتدادا من عدم المعد القريب و المعد البعيد بواسطتين أطول منهما و المعد الأبعد بثلاث وسائط أطول من الثلاثة و كلما تمتد سلسلة المعدات تتزايد امتداد الأعدام اللاحقة للمعدات فلو ذهبت السلسلة إلى غير نهاية لزم أن يمتد العدم اللاحق لا إلى نهاية مع أنه عدم لاحق مسبوق بوجود المعد و استحالته ظاهرة و هذا برهان لطيف قوي لا يرد عليه ما يرد على برهان السلم لأن جميع الأعدام الغير المتناهية جزء للعلة التامة للحادث اليومي مجتمعة و وجودات المعدات متحققة في الواقع متمايزة بخلاف برهان السلم لأن ازدياد الانفراج هنا على سبيل اللايقف و موقوف على فرض النقاط في الساقين.
الثالث قال بعض المحققين إن الأمور الغير المتناهية مطلقا يستلزم الأمور الغير المتناهية المترتبة و يلزم منه تناهي النفوس و حدوثها على بعض الوجوه كما سلف بيانه أن المجموع متوقف على المجموع إذا أسقط منه واحد و ذلك المجموع على مجموع أقل منه بواحد و هكذا إلى غير نهاية فيجري التطبيق و التضايف بين المجموعات الغير المتناهية إذ هي أمور موجودة مترتبة.
المقصد الخامس في دفع بعض شبه الفلاسفة الدائرة على ألسنة المنافقين و المشككين القاطعين لطريق الطالبين للحق و اليقين
و فيه مراصد.
المرصد الأول قالوا إذا لاحظنا الواجب تعالى شأنه في طرف و جميع ما عداه بحيث لا يشذ منها شيء في طرف آخر فحينئذ إما أن يكون الواجب سبحانه علة تامة لشيء ما أو لا و بعبارة أخرى جميع ما لا بد منه في وجود شيء ما سواء كان ذلك الشيء الإرادة الزائدة أو غيرها إما ذاته تعالى أو لا و على الأول يكون ذلك الشيء معه دائما في الأزل لاستحالة تخلف المعلول عن العلة التامة و على الثاني يستحيل وجود شيء ما أبدا لاستحالة التغير في ذاته تعالى و بعبارة أخرى و بوجه أبسط و هو أن يقال ذات الواجب تعالى إما أن يستجمع جميع شرائط التأثير في الأزل أو لا و على الأول يلزم قدم الأول 6852 بالضرورة لامتناع التخلف عن الموجب التام و على الثاني توقف وجود الأثر و هو العالم على شرط حادث و ننقل الكلام إليه حتى يلزم التسلسل.
أما على سبيل الاجتماع و هو باطل بما مر و أيضا نقول إذا أخذنا مجموع تلك الشروط بحيث لا يشذ عنها شرط فإما أن يتوقف وجودها على شرط آخر غير ذات الواجب تعالى خارج عن مجموع الشروط فلم يكن ما فرضناه جميعا جميعا و هذا خلف أو لا يتوقف فيكون الذات وحده مستقلا بإيجاد ذلك المجموع فأما أن يكون اجتماعها في آن حدوث الأثر فيلزم إما حدوث الواجب بالذات و إما تخلف الشروط عن موجبها التام و كلاهما محالان أو يكون اجتماعها في الأزل فيلزم قدم أشخاص غير متناهية من العالم هي الشروط بل و المشروط وجوده بها أيضا و إلا لزم تخلف المشروط عن موجبه التام و هو الواجب مع جميعها إذ المفروض عدم شرط خارج عن المجموع أو على سبيل تعاقب تلك الشروط إما في الحدوث
مع اجتماعها في البقاء فتجتمع في آن الحدوث أمور غير متناهية مترتبة موجودة و تجري فيها براهين إبطال التسلسل بالاتفاق على أنه يلزم حينئذ قدم نوع الفعل و طبيعته و هو مطلوب في الجملة و إما على سبيل تعاقبها حدوثا و بقاء بأن لا يجتمع اثنان منها في الوجود في زمان و لا في آن فتكون طبيعة العالم قديمة محفوظة بتعاقب تلك الأفراد الغير المتناهية و تلك الأمور إنما يكون تعاقبها على مادة قديمة فيلزم أيضا قدم شخص هو المادة و لكونها لا تنفك عن الصورة يكون الجسم قديما أيضا أو يقال لا يجوز وجود الشرائط على التعاقب أيضا فإن الفاعل لما توقف تأثيره في كل من الشرائط على شرط آخر فهو في حد ذاته متساوي النسبة إلى طرفي الإيجاد و تركه فيتساوى فرض وجوده بحيث لا يوجد منه شيء من تلك الشروط أصلا و فرض وجوده موجدا له فلا يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لأمر خارج و ننقل الكلام إليه حتى يظهر أنه يجب أن يكون بين البارئ تعالى و الحوادث توسط أمر واحد ذاتا تتكثر إضافاته و نسبه فيكون قديما بالذات و حادثا بالإضافة و هو الحركة فأوجبوا وجود حركة قديمة بل وجود جسم قديم هو المتحرك بتلك الحركة و ادعوا أنها حركة الفلك الأعظم فيكون قديما و كذا ما في جوفه لامتناع الخلاء و لأن الحركة الواحدة البسيطة كما لا تختلف ذاتها لا تختلف إعداداتها للمادة الواحدة لتشابه أجزائها في الحقيقة و أثبتوا حركات مختلفة و أفلاكا كثيرة يحصل من اجتماعها و اختلافها سرعة و بطء و جهة و أوضاع مختلفة من المقارنات و المقابلات و التربيعات و التسديسات و التثليثات و غير ذلك فتنتظم بها سلسلة الحوادث عندهم.
و هذه الشبهة بتلك التقريرات أقوى شكوكهم و للتفصي عنها طرق الطريق الأول ما هو المشهور بين المتكلمين و هو أن يقال إنهم يقولون بقدم العالم لزعمهم لزوم توسط أمر ذي جهتي استمرار و تجدد بين الحادث اليومي و القديم لئلا يلزم التخلف عن العلة التامة و نحن نقول إنه الزمان و لا يلزم القدم لكونه أمرا اعتباريا انتزاعيا و أدلة وجوده مدخولة و لا نقول بانتزاعه من
موجود ممكن حتى يلزم القدم أيضا بل هو منتزع من بقائه تعالى فكما أنهم يصححون ربط الحادث بالقديم بالحركة و الزمان كذلك نصححه أيضا بالزمان و كون الزمان مقدار حركة الفلك ممنوع بل نعلم بديهة أنه إذا لم يتحرك الفلك مثلا يتوهم هذا الامتداد المسمى بالزمان و القول بأنه لعله من بديهة الوهم لا يصغى إليه 6853 .
ثم إن الزمان و إن كان وهميا فمعلوم أنه ليس وهميا اختراعيا بل وهميا نفس أمري و مثل هذا الوهمي يصح أن يكون منشأ للأمور الموجودة في الخارج لا بأن يكون فاعلا لها بل دخيلا فيها مع أن محققي الفلاسفة وافقونا على كون الزمان الممتد المتصل أمرا انتزاعيا مرتسما في الخيال و خالفونا فيما هو منشأ لانتزاعه فقالوا بوجود أمر قديم سرمدي في الخارج لا امتداد له و لا تقدر و اعتقدوا أن له جهتي استمرار و تنقل كالحركة التوسطية و سموه بالآن السيال و زعموا أن ذلك الأمر يفعل باستمراره و سيلانه في الخيال أمرا ممتدا متصلا غير قار الأجزاء في الوجود
الفرضي الخارجي أو في حدوث الارتسام كالحركة بمعنى القطع و سموه بالزمان بمعنى القطع كل ذلك من غير ضرورة و لا برهان يدل على ذلك الأمر البسيط في الخارج فإن الشيخ لم يزد في الشفاء على تحرير الدعوى و إعادته بعبارات متكررة في فصول شتى و لا نقل عن السابقين عليه دليل في هذا الباب و اقتفى المقلدون أثرهم بحسن الظن بهم و ليت شعري إذا قنعوا بالتقليد فلم لم يقلدوا من قلدهم الله تقليده و تصديقه على أن العقل المستقيم ينقبض عن وجود ذلك الأمر في الخارج بل يمكن إبطاله أيضا بوجوه ليس هذا مقام إيرادها مع أنه على هذا القول يرد عليهم ما يرد علينا.
و ما قيل من أن الزمان الموهوم لا تمايز بين أجزائه و طلب الترجيح فيما بينها غير معقول مدفوع بما مر من أنه و إن لم يكن موجودا لكنه من الأمور الواقعية التي يحكم العقل عليها بتلك الأحكام حكما واقعيا مع أنه لو كان وهميا محضا لا يترتب عليه حكم لا يتحقق التخلف أيضا إذا لم يتخلل زمان بين العلة و أول المعلولات أصلا حتى يسأل عن الترجيح بين أجزائه فيلزم الترجيح بلا مرجح و الامتداد المتوهم محض اختراع الوهم حينئذ.