کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بما جاء به النبي ص إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا.
لا يقال الواجب تصديق يبلغ حد اليقين و هو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصور إلا باحتمال النقيض لأنا نقول اليقين من باب العلم و المعرفة و قد سبق أنه غير التصديق و لو سلم أنه التصديق و أن المراد به ما يبلغ حد الإذعان و القبول و يصدق عليه المعنى المسمى بگرويدن ليكون تصديقا قطعا فلا نسلم أنه لا يقبل التفاوت بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات و كون التفاوت راجعا إلى مجرد الجلاء و الخفاء غير مسلم بل عند الحصول و زوال التردد التفاوت بحاله و كفاك قول الخليل وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي 7579
وَ عَنْ عَلِيٍّ ع لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً.
على أن القول بأن المعتبر في حق الكل هو اليقين و أن ليس للظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محل نظر.
احتج القائلون بالزيادة و النقصان بالعقل و النقل أما العقل فلأنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمك في الفسق مساويا لتصديق الأنبياء و اللازم باطل قطعا و أما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى قال الله وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً 7580 لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ 7581 وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً 7582 وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً 7583 فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً 7584 و عن ابن عمر قلنا يا رسول الله إن الإيمان يزيد و ينقص قال نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة و ينقص حتى يدخل صاحبه النار.
و أجيب بوجوه الأول أن المراد الزيادة بحسب الدوام و الثبات و كثرة الأزمان و الساعات و هذا ما قال إمام الحرمين النبي ص يفضل من عداه باستمرار تصديقه و عصمة الله إياه من مخامرة الشكوك و التصديق عرض لا يبقى فيقع للنبي ص متواليا و لغيره على الفترات فثبت للنبي ص أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر و الزيادة بهذا المعنى مما لا نزاع فيه و ما يقال من أن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة مدفوع بأن المراد زيادة أعداد حصلت و عدم البقاء لا ينافي ذلك.
الثاني أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به و الصحابة كانوا آمنوا في الجملة و كان يأتي فرض بعد فرض و كانوا يؤمنون بكل فرض خاص و حاصله أن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و الناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة و قلة فيتفاوت إيمانهم زيادة و نقصانا و لا يختص ذلك بعصر النبي ص على ما يتوهم.
الثالث أن المراد زيادة ثمرته و إشراق نوره في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و هذا مما لا خفاء فيه و هذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت و الكلام فيه انتهى.
و الحق أن الإيمان يقبل الزيادة و النقصان سواء كانت الأعمال أجزاءه أو شرائطه أو آثاره الدالة عليه فإن التصديق القلبي بأي معنى فسر لا ريب أنه يزيد و كلما زاد زادت آثاره على الأعضاء و الجوارح فهي كثرة و قلة تدل على مراتب الإيمان زيادة و نقصانا و كل منهما يتفرع على الآخر فإن كل مرتبة من مراتب الإيمان تصير سببا لقدر من الأعمال يناسبها فإذا أتى بها قوي الإيمان القلبي و حصلت مرتبة أعلى تقتضي عملا أكثر و هكذا.
و جملة القول في ذلك أن للإيمان و لكل من الأعمال الإيمانية أفرادا كثيرة و حقيقة و نورا و روحا كالصلاة فإن لها روحا هي الإخلاص مثلا فإذا فارقها كانت جسدا بلا روح لا يترتب عليه أثر و لا ينهى عن الفحشاء و المنكر فللإيمان
أيضا مراتب يترتب على كل مرتبة منها آثار فإذا ارتكب المؤمن الكبائر نقص إيمانه و فارقه روح الإيمان و حقيقته و كيف يؤمن بالله و بالمعاد و بالجنة و النار و يرتكب ما أخبر الله بأنه موجب لدخول النار فلا يكون ذلك إلا لضعف في اليقين كما ورد في أخبار كثيرة أنهم ع سألوا عند ادعاء الإيمان أو اليقين ما حقيقة إيمانك و ما حقيقة يقينك فظهر لهما حقائق مختلفة تظهر بآثارهما.
و روح الإيمان الواردة في الأخبار يمكن حملها على ذلك فإن الإيمان إذا ضعف حتى غلب عليه الشهوات البدنية فكأنه لا روح له و لا يترتب عليه أثر بل لا بقاء له فإن غلب عليه الشهوة و عاد إلى التوبة قوي الإيمان و عاد إليه الروح و ترتب عليه الآثار و عاد إليه الملك المؤيد له و لذا أطلق الروح في بعض الأخبار على ذلك الملك أيضا و قد يعود إليه بعد انقضاء الشهوة و قوة العقل و الإيمان و تصرف العقل في ممالكه بعد ما صار مغلوبا مقهورا بالشهوات الدنية فيتذكر قبح فعله فيعود إليه الملك المؤيد أو شيء من نور الإيمان و إن لم تكمل له التوبة و لم يقدر على العزم التام على تركها فيما سيأتي و لذا ورد في بعض الأخبار أنه يعود إليه روح الإيمان بدون التوبة أيضا و قد مر بعض القول في ذلك و سيأتي إن شاء الله تعالى.
باب 34 أن الإيمان مستقر و مستودع و إمكان زوال الإيمان
الآيات الأنعام وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ 7585 تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أي أبدعكم و خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي من آدم ع لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه و خلق أمنا حواء من ضلع من أضلاعه انتهى 7586 .
أقول و قد مر أن خلقهم من أب واحد لا يقتضي عدم مدخلية الأم و لا يكون الأم مخلوقة منه لما مر نفي ذلك في الأخبار فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال المفسرون فيه وجوها الأول مستقر في الرحم إلى أن يولد و مستودع في القبر إلى أن يبعث و الثاني مستقر في بطن الأمهات و مستودع في أصلاب الآباء الثالث مستقر على ظهر الأرض في الدنيا و مستودع عند الله في الآخرة الرابع مستقر في القبر و مستودع في الدنيا و قيل مستقرها أيام حياتها و مستودعها حيث يموت.
و أقول قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب بكسر القاف و الباقون بالفتح و على ما سيأتي من التأويل في الأخبار تستقيم القراءتان فبالفتح أي فلكم استقرار في الإيمان و استيداع فيه أو فمنكم من هو محل استقرار الإيمان و منكم من هو محل استيداعه ففيه حذف و إيصال أي مستقر فيه و بالكسر أي فمنكم مستقر في الإيمان و منكم مستودع فيه أو فإيمان بعضكم مستقر و إيمان بعضكم مستودع على القراءتين.
1- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ
نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع لِمَ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِناً قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْإِيمَانُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَنْقُلُهُ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الْعَدْلُ إِنَّمَا دَعَا الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ لَا إِلَى الْكُفْرِ وَ لَا يَدْعُو أَحَداً إِلَى الْكُفْرِ بِهِ فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْإِيمَانُ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَنْقُلْهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ قُلْتُ لَهُ فَيَكُونُ الرَّجُلُ كَافِراً قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْكُفْرُ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَعْرِفُونَ إِيمَاناً بِشَرِيعَةٍ وَ لَا كُفْراً بِجُحُودٍ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ تَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ 7587 .
بيان: يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد و هو أن هدايته تعالى و خذلانه المعبر عنه بالإضلال ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى الإيمان و من الإيمان إلى الكفر بل كل منهما باختيار العبد و الهدايات الخاصة لبعض لا تصيره مجبورا على الإيمان و ترك تلك الهدايات لبعض لعدم استحقاقه لها لا يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه.
و يحتمل أن يكون بناؤها على الفرق بينهما فحاصل الجواب الأول أن المؤمن الواقعي الذي ثبت إيمانه عند الله و لم يكن منافقا و مستودعا لا يسلب الله منه توفيقه و هدايته و لا يرجع عن الإيمان أبدا و من تراه يرجع فليس بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر الإيمان و لم يستقر في قلبه كما اختاره بعض المتكلمين و حاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا و الناس في بدو الفطرة لم يتصفوا بالإيمان لكنهم على الفطرة القابلة للإيمان و للكفر بمعنى الجحود لا الكفر بمعنى عدم الإيمان فإنه متصف به قبل التصديق و الإذعان فبعث الله الرسل لإتمام الحجة عليهم ثم بعد ذلك بعضهم يستحق الهدايات و الألطاف الخاصة بحسن اختياره و عدم إبطاله الفطرة الأصلية فتشمله تلك الألطاف فيختار الإيمان
و بعضهم لم يستحق ذلك فيخذله الله فيختار الكفر بمعنى الجحود.
و كأن هذا أظهر من الخبر لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله الله من كفر الجحود إلى الإيمان و الظاهر أن مراد السائل كان استعلام ذلك و يمكن الجواب بوجهين الأول أن نحمل كلام السائل ثانيا على الإخبار أو التعجب لا الاستفهام و لما كان كلامه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد ع أن هدايته سبحانه و خذلاته لا يوجبان سلب الاختيار فإنهم على الفطرة القابلة لهما و الثاني أن يقال إنه أفاد ع قاعدة كلية يظهر منه جواب ذلك و هو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور لا بالجبر.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا و لا خلاف في أنه لا يمكن ما دام الوصف و إنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره فذهب أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه و ذلك لأن زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال ممكن لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال و ظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه كقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً 7588 و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ 7589 و ذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو غيره و قال الشهيد الثاني قدس الله روحه و نسب ذلك إلى السيد المرتضى رضي الله عنه مستدلا بأن ثواب الإيمان دائم و عقاب الكفر دائم و الإحباط و الموافاة عنده باطلان أما الإحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الإحسان و الإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة و بمنزلة من لم يسئ مع العكس و اللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله و أما الموافاة فليست
عندنا شرطا في استحقاق الثواب بالإيمان لأن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و لا متأخرة عن وقت حدوثها و الموافاة منفصلة عن وقت حدوث الإيمان فلا يكون وجها و لا شرطا في استحقاق الثواب.
لا يقال الثواب إنما يستحقه العبد على الفعل كما هو مذهب العدلية و الإيمان ليس فعلا للعبد و إلا لما صح الشكر عليه لكن التالي باطل إذ الأمة مجتمعة على وجوب شكر الله تعالى على نعمة الإيمان فيكون الإيمان من فعل الله تعالى إذ لا يشكر على فعل غيره و إذا لم يكن من فعل العبد فلا يستحق عليه ثوابا فلا يتم دليله على أنه لا يتعقبه كفر لأن مبناه على استحقاق الثواب على الإيمان.
لأنا نقول بل هو من فعل العبد و نلتزم عدم صحة الشكر عليه و نمنع بطلانه قولك في إثباته الأمة مجتمعة إلخ قلنا الشكر إنما هو على مقدمات الإيمان و هي تمكين العبد من فعله و إقداره عليه و توفيقه على تحصيل أسبابه و توفيق ذلك له لا على نفس الإيمان الذي هو فعل العبد فإن ادعى الإجماع على ذلك سلمناه و لا يضرنا و إن ادعى الإجماع على غيره منعناه فلا ينفعهم.
و الاعتراض عليه رحمه الله من وجوه أحدها توجه المنع إلى المقدمة القابلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب و ما ذكره في إثباتها من أن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و الموافاة منفصلة عن وقت الحدوث فلا يكون وجها لا دلالة له على ذلك بل إن دل فإنما يدل على أن الموافاة ليست من وجوه الأفعال لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون شرطا لاستحقاق الثواب فلم لا يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه الأفعال مع الموافاة أيضا لا بد لنفي ذلك من دليل.