کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
تَسْعى 12414 يدل على أنه لا حقيقة للسحر و إنما هو تخييل و تمويه قلنا يجوز أن يكون سحرهم إيقاع ذلك التخيل و قد تحقق و لو سلم فكون أثره في تلك الصورة هو التخييل لا يدل على أنه لا حقيقة له أصلا.
و أما الإصابة بالعين و هو أن يكون لبعض النفوس خاصية أنها إذا استحسنت شيئا لحقه الآفة فثبوتها يكاد يجري مجرى المشاهدات التي لا تفتقر إلى حجة
وَ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ ص الْعَيْنُ حَقٌّ يُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَ الْجَمَلَ الْقِدْرَ.
و قد ذهب كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ 12415 الآية نزلت في ذلك.
و قالوا كان العين في بني أسد فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء يقول فيه لم أر كاليوم إلا عانه فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصنعة أن يقول في رسول الله ص ذلك فعصمه الله.
و اعترض الجبائي أن القوم ما كانوا ينظرون إلى النبي ص نظر استحسان بل مقت و نقص.
و الجواب أنهم كانوا يستحسنون منه الفصاحة و كثيرا من الصفات و إن كانوا يبغضونه من جهة الدين.
ثم للقائلين بالسحر و العين اختلاف في جواز الاستعانة بالرقى و العوذ و في جواز تعليق التمائم و في جواز النفث و المسح و لكل من الطرفين أخبار و آثار و الجواز هو الأرجح و المسألة بالفقهيات أشبه انتهى.
و أقول الذي ظهر لنا مما مضى من الآيات و الأخبار و الآثار أن للسحر تأثيرا ما في بعض الأشخاص و الأبدان كإحداث حب أو بغض أو هم أو فرح و أما تأثيره في إحياء شخص أو قلب حقيقة إلى أخرى كجعل الإنسان بهيمة فلا ريب في نفيهما و أنهما من المعجزات و كذا في كل ما يكون من هذا القبيل كإبراء
الأكمه و الأبرص و إسقاط يد بغير جارحة أو وصل يد مقطوع أو إجراء الماء الكثير من بين الأصابع أو من حجر صغير و أشباه ذلك. و الظاهر أن الإماتة أيضا كذلك فإنه بعيد أن يقدر الإنسان على أن يقتل رجلا بغير ضرب و جرح و سم و تأثير ظاهر في بدنه و إن أمكن أن يكون الله تعالى جعل لبعض الأشياء تأثيرا في ذلك و نهى عن فعله كما أنه سبحانه جعل الخمر مسكرا و نهى عن شربه و جعل الحديد قاطعا و منع من استعماله في غير ما أحله و كذا التمريض لكنه أقل استبعادا.
فإن قيل مع تجويز ذلك يبطل كثير من المعجزات و يحتمل فيه السحر.
قلنا قد مر أن المعجزة تحدث عند طلبها بلا آلات و أدوات و مرور زمان يمكن فيه تلك الأعمال بخلاف السحر فإنه لا يحصل إلا بعد استعمال تلك الأمور و مرور زمان و أيضا الفرق بين السحر و المعجزة بين عند العارف بالسحر و حقيقته و لذا حكم بعض الأصحاب بوجوب تعلمه كفاية و يروى عن شيخنا البهائي قدس الله روحه أنه لو كان خروج الماء من بين أصابع النبي ص مع قبض يده و ضم أصابعه إلى كفه كان يحتمل السحر و أما مع بسط الأصابع و تفريجها فلا يحتمل السحر و ذلك واضح عند من له دربة 12416 في صناعة السحر.
و أيضا معجزات الأنبياء لا تقع على وجه تكون فيه شبهه لأحد إلا أن يقول معاند بلسانه ما ليس في قلبه فإن الساحر ربما يخيل و يظهر قطرات من الماء من بين أصابعه أو كفه أو من حجر صغير و إما أن يجري أنهار كبيرة بمحض ضرب العصا أو يروي كثيرا من الناس و الدواب بما يجري من بين أصابعه بلا معاناة عمل أو استعانة بآلة فهذا مما يعرف كل عاقل أنه لا يكون من السحر و كذا إذا دعا على أحد فمات أو مرض من ساعته فإن مثل هذا لا يكون سحرا بديهة.
و أما جهة تأثيره فما كان من قبيل التخييلات و الشعبدة فأسبابها ظاهرة عند العاملين بها تفصيلا و عند غيرهم إجمالا كما مر في سحر سحرة فرعون و استعانتهم
بالزئبق أو إراءتهم أشياء بسرعة اليد لا حقيقة لها.
و أما حدوث الحب و البغض و الهم و أمثالها فالظاهر أن الله تعالى جعل لها تأثيرا و حرمها كما أومأنا إليه و هذا مما لا ينكره العقل و يحتمل أن يكون للشياطين أيضا مدخلا 12417 في ذلك و يقل أو يبطل تأثيرها بالتوكل و الدعاء و الآيات و التعويذات.
و لذا كان شيوع السحر و الكهانة و أمثالهما في الفترات بين الرسل و خفاء آثار النبوة و استيلاء الشياطين أكثر و تضعف و تخفى تلك الأمور عند نشر آثار الأنبياء و سطوع أنوارهم كأمثال تلك الأزمنة فإنه ليس من دار و لا بيت إلا و فيه مصاحف كثيرة و كتب جمة من الأدعية و الأحاديث و ليس من أحد إلا و معه مصحف أو عوذة أو سورة شريفة و قلوبهم و صدورهم مشحونة بذلك فلذا لا نرى منها أثرا بينا في تلك البلاد إلا نادرا في البلهاء و الضعفاء و المنهمكين في المعاصي و قد نسمع ظهور بعض آثارها في أقاصي البلاد لظهور آثار الكفر و ندور أنوار الإيمان فيها كأقاصي بلاد الهند و الصين و الترك.
و أما تأثير السحر في النبي و الإمام صلوات الله عليهما فالظاهر عدم وقوعه و إن لم يقم برهان على امتناعه إذا لم ينته إلى حد يخل بغرض البعثة كالتخبيط و التخليط فإنه إذا كان الله سبحانه أقدر الكفار لمصالح التكليف على حبس الأنبياء و الأوصياء ع و ضربهم و جرحهم و قتلهم بأشنع الوجوه فأي استحالة على أن يقدروا على فعل يؤثر فيهم هما و مرضا.
لكن لما عرفت أن السحر يندفع بالعوذ و الآيات و التوكل و هم ع معادن جميع ذلك فتأثيره فيهم مستبعد و الأخبار الواردة في ذلك أكثرها عامية أو ضعيفة و معارضة بمثلها فيشكل التعويل عليها في إثبات مثل ذلك.
و أما ما يذكر من بلاد الترك أنهم يعملون ما يحدث به السحب و الأمطار فتأثير أعمال مثل هؤلاء الكفرة في الآثار العلوية و ما به نظام العالم مما يأبى عنه العقول
السليمة و الأفهام القويمة و لم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله.
و أما العين فالظاهر من الآيات و الأخبار أن لها تحققا أيضا إما بأن جعل الله تعالى لذلك تأثيرا و جعل علاجه التوكل و التوسل بالآيات و الأدعية الواردة في ذلك أو بأن الله تعالى يفعل في المعين فعلا عند حدوث ذلك لضرب من المصلحة و قد أومأنا إلى وجه آخر فيما مر.
و بالجملة لا يمكن إنكار ذلك رأسا لما يشاهد من ذلك عينا و ورود الأخبار به مستفيضا و الله يعلم و حججه ع حقائق الأمور.
باب 2 حقيقة الجن و أحوالهم 12418
الآيات الأنعام وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمَّا يَصِفُونَ 12419 و قال تعالى وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ
الأعراف فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ 12421 الحجر وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ 12422 الشعراء هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَ أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ 12423 النمل وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ 12424 و قال تعالى قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ 12425 التنزيل لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ 12426 سبأ وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ 12427 و قال سبحانه بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ 12428
الأحقاف أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ 12429 و قال سبحانه وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ 12430 الرحمن وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ 12431 و قال عز و جل يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ 12432 و قال سبحانه وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ 12433 و قال تعالى لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌ 12434 في موضعين الجن قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً 12435 إلى آخر السورة.
تفسير وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ قال الرازي في تفسيره إن الذين أثبتوا الشريك لله فرق و طوائف.
فالأولى عبدة الأصنام فهم يقولون الأصنام شركاء لله في المعبودية و لكنهم
يعترفون 12436 بأن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخلق و الإيجاد و التكوين.
و الثانية الذين يقولون مدبر هذا العالم هو الكواكب و هؤلاء فريقان منهم من يقول إنها واجبة الوجود لذواتها 12437 و منهم من يقول إنها ممكنة الوجود محدثة 12438 و خالقها هو الله تعالى إلا أنه سبحانه فوض تدبير هذا العالم الأسفل إليها و هم الذين ناظرهم الخليل 12439 .
و الثالثة من المشركين الذين قالوا لجملة هذا العالم بما فيه من السماوات و الأرض إلهان أحدهما فاعل الخير و ثانيهما فاعل الشر و المقصود من هذه الآية حكاية مذهب هؤلاء فروي عن ابن عباس أنه قال قوله تعالى وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ نزلت في الزنادقة الذين قالوا إن الله و إبليس أخوان فالله تعالى خالق النار و الدواب و الأنعام و الخيرات و إبليس خالق السباع و الحيات و العقارب و الشرور.