کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
مقدرة لها و حيل متعلمة أو موضوعة فيمكن المساواة فيها و لا يتهيأ ذلك إلا لمن عرف مباديها و لا بد من آلات يستعين بها في إتمام ذلك و يتوصل بها إليه.
و اعلم أن المعجزة أمر يتعذر على كل من في العصر مثله عند التكليف و الاجتهاد على المشعبذين فضلا عن غيرهم كعصا موسى الذي أعجز السحرة أمرها مع حذقهم في السحر و صنعتهم و الشعبذة مخرقة و خفة تظهر على أيدي بعض المحتالين بأسباب مقدرة يخفى على قوم دون قوم و المعجزة تظهر على أيدي من يعرف بالصدق و الصيانة و الصلاح و السداد و الشعوذة تظهر على أيدي المجانين و الخبثاء و الأرذال و المعجزة يظهرها صاحبها متحديا و دلائل العقل يوافقها على سبيل الجملة و يباهي بها جميع الخلائق و لا يزيده الأيام إلا وضوحا و لا يكشف الأوقات إلا عن صحته و للمعجزات شرائط ذكرناها.
و لأن أكثر الشعوذة و المخرقة تتعلق بزمان مخصوص و مكان معلوم و يستعان في فعلها بالأدوات و المعاناة و المعالجة و المعجزة لا تتعلق بزمان مخصوص و لا ببقعة مخصوصة و لا يستعين فيها صاحبها بآلة و لا أداة و إنما يظهرها الله على يده عند دعائه و دعواه و هو لم يتكلف في ذلك شيئا و لا استعان فيها بمعاونة و لا معالجة و لا أداة و آلة و أنها على الوجه الناقض للعادات و الباهر للعقول القاهر للنفوس حتى تذعن لها الرقاب و الأعناق و تخضع لها النفوس و تسموا إليها القلوب ممن أراد أن يعلم صدق من أظهرها عليه.
و أما مطاعن المعجزات و جواباتها
فذكر ابن زكريا المتطبب في مقابلة المعجزات أمورا يسيرة فذكر ما نقل عن زردشت من صب الصفر المذاب على صدره و من بعض سدنة بيت الأوثان أنه كان منحنيا على سيف و قد خرج من ظهر لا يسيل منه دم بل ماء أصفر و كان يخبرهم بأمور قال و رأيت رجلا كان يتكلم من إبطه و آخر لم يأكل خمسة و عشرين يوما و هو مع ذلك حصيف البدن و أين ما ذكروه من فلق البحر حتى صار كل فرق منه كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ و من إحياء ميت متقادم العهد و يبقى حيا
حتى يولد و انفجار الماء الكثير من حجر صغير أو من بين الأصابع حتى يشرب الخلق الكثير.
و الذي ذكره ابن زكريا عن زردشت إنما يمكن منه بطلاء الطلق و هو دواء يمنع من الاحتراق و في زماننا نسمع أن أناسا يدخلون التنور المسجور بالغضا.
و أما إراءة السيف نافذا في البطن شعبذة معروفة فإنهم يصنعونه بحيث يدخل بعضه في البعض فيري المشعبذ أنه يدخل جوفه.
و أما الإمساك عن أكل الطعام فهو عادة يعتادها كثير من الناس و المتصوفة يعودون أنفسهم التجويع أربعين يوما و قيل إن بعض الصحابة كان يصوم الوصال خمسة عشر يوما و أما المتكلم من الإبط فيجوز أن يكون ذلك أصواتا مقطعة قريبة من الحروف و أن يكون حروفا متميزة كأصوات كثير من الطيور و قد يسمع من صرير الباب ما يقرب من الحروف و هو مبهم في هذه الحكاية فيجوز أن يخبر أن ذلك كان كلاما خالصا و يجوز أن يتعمل الإنسان له و يصل إلى ذلك بالتجربة و الاستعمال و قد رأينا في زماننا من كان يحكي عن الحلاج أغرب و أعجب و قد وقع العلماء على وجوه الحيل فيها و ما من حيلة إلا و يحصل عقيب سبب و ليس فيها ما تنقض به العادة.
و طعن ابن زكريا في المعجزات من وجه آخر فقال و قد يوجد في طبائع الأشياء أعاجيب و ذكر حجر المغناطيس و جذبه للحديد و باغض الخل و هو حجر إذا جعل في إناء خل فإنه يهرب منه و لا ينزل إلى الخل و الزمرد يسيل عين الأفعى و السمكة الرعادة يرتعد صاحبها ما دامت في شبكته و كان آخذا بخيط الشبكة قال و لا نقطع أيضا فيما يأتي به الدعاة أنها ليست منهم بل تنقض الطبائع إلا أن يدعي مدع أنه أحاط علما بجميع طبائع جواهر العالم أو بامتناع ذلك بدليل بين.
و ذكر أبو إسحاق بن عباس أنه أخذ هذا على ابن الراوندي 12394 فإنه قال في كتاب له سماه الرد على من يحتج بصحة النبوة بالمعجزات فقال و من أين لكم أن الخلق يعجزون عنه هل شاهدتم الخلق أو أحطتم علما بمنتهى قواهم و حيلهم فإن قالوا نعم فقد كذبوا لأنهم لم يجوبوا المشرق و المغرب و لا امتحنوا الناس جميعا ثم ذكر أفعال الأحجار كحجر المغناطيس و غيره.
قال أبو إسحاق فأجابه أبو علي في نقضه عليه أنه يجوز أن يكون في الطبائع ما يجذب به النجوم و تسير به الجبال في الهواء و يحيا به الموتى بعد ما صاروا رميما فإذا لا يمكن أن يفصل بين الممكن المعتاد و ما ليس بمعتاد و لا بين ما ينفذ فيه حيلة و بين ما لا ينفذ فيه حيلة إلا أن يجوب البلاد شرقا و غربا و يعرف جميع قوى الخلق فأما إذا سلم أن يعلم ما الممكن المعتاد و غيره و ما لا يبعد فيه حيلة ليريه النظير في المعجزات قبل أن يجوب البلاد فليس يحتاج من يعرف كون الجاذب معجزا إلى ما ذكره من معرفة قوى الخلق و طبائع الجواهر و لهذا لو ادعى واحد النبوة و جذب بالتراب الجبل علمنا أنه ليس فيه وجه حيلة و إنا نعلم بذلك صدقه قبل أن نجوب البلاد و نعرف جميع الطبائع.
و قال أبو إسحاق إن جميع ما ذكره في خصائص الإعجاز أكثره كذب و ذكر أن واحدا أمر أن يجيء بالأفاعي في سبد و جعل الزمرد في رأس قصبة و وجه به عين الأفاعي فلم تسل ثم إن جميع ما ذكره يسقط بما شرطناه في المعجزات و يفتش عنه أهل النظر و من يقوى دواعيه إلى كشف عواره الزمان الطويل فلا يوقف منه على وجه حيلة ففيما ذكره ما هو معتاد ظاهر لأكثر الناس كحجر المغناطيس أو وقف منه على وجهه.
. فصل
و إنما يقول المنكرون لمعجزات النبي و الأئمة عليهم أفضل الصلوات و التحية أن الأخبار التي يذكرون و الأحاديث التي يعولون عليها في معجزاتهم و يصولون بها إنما رواها الواحد و الاثنان و مثل ذلك لا يمكن القطع بعينه و الحكم بصحته و أمر المعجزات و الخارج عن العادات يجب أن يكون معلوما متعينا غير مظنون يتوهم.
و الجواب عن ذلك أن أخبارنا في معجزات النبي و الأئمة صلوات الله عليهم جاءت من طرق مختلفة و مواضع مفترقة و مظان متباعدة و فرق مخالفة و موافقة في زمان بعد زمان و قرن بعد قرن و كذلك رويت المعجزات من جنس واحد من كل واحد منهم ع و لا يمكن أن يتواطأ الناس على مثل هذا فلا يكون مخبرهم على ما أخبروا به جميعا لأن ذلك ينقض عادتهم كما نقض العادة الاجتماع على الكذب في الجماعات الكثيرة.
و مما يدل على ذلك إباؤها من تواطئ الكذب كما إذا أخبر جمهور من الناس فقال بعضهم إن رجلا له مال من ذهب و ورق و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له أثاثا و جهازا و أواني و آلات و أسبابا و قوم آخرون أن له غلات و ارتفاعات و ضياعا و عقارا و آخرون يخبرون عنه أنهم رأوا له خيلا و بغالا و حميرا إن الخبر إذا ورد عن الإنسان بما ذكرنا أحيط إلى العلم بأن المخبر عنه غني موسر لا يقدر أحد على دفع علم ذلك عن نفسه إذا نظر بعين الإنصاف في تلك الأخبار و إن كان يجوز على كل واحد من المخبرين اللغط و الكذب في خبره لو انفرد من عصابة غيره ثم إن إجماع الفرقة المحقة منعقد على صحة أخبار معجزات الرسول و الأئمة من أهل بيته ع و إجماعهم حجة لأن فيهم معصوما.
فصل
و من أخبار المعجزات أخبار تفاوت أخبار الجماعات الكثيرة نحو خبر الحصاة و إشباع الخلق الكثير بالطعام اليسير و ذلك أن المخبرين بهذه الأخبار إنما أخبروا عن حضرة جماعة ادعوا حضورهم كذلك فقد كانوا خلائق كثيرين مجتمعين شاهدي الحال و كانوا فيمن شرب من الماء و أكل من الطعام فلم
ينكروا عليهم و لو كان الخبر كذبا لمنعت الجماعة التي ادعى المخبرون حضورهم بذلك و أنكروا عليهم و لقالوا لم يكن هذا و لا شاهدناه فلما سكتوا عن ذلك دل على تصديقهم و إن ذلك يجري مجرى المتواتر نقلا في الصحة و القطع.
و مما يدل على ذلك أن رجلا لو عمد إلى الجامع و الناس مجتمعون و قال إنكم كنتم في موضع كذا في دار كذا لأملاك فلان فأطعمكم كذا من الطعام و كذا من الشراب لم يمتنعوا أن ينكروا عليه و لا سكتوا عن تكذيبه في الأمر الذي لا يمتنع في العادة فكيف في الأمر الذي خرج عن العادات و النفوس إلى إنكار المنكر أسرع.
و من هذه الأخبار أخبار انتشرت في الأمة و لم يوجد له منكر و لا مكذب بل تلقوه بالقبول فيجب المصير إليه لاجتماع عليه من الأمناء و الطائفة المحقة و هم لا يجتمعون على خطاء و فيهم معصوم في كل زمان.
و ما رووا أن زوجين من الطير جادلا إلى أحدهم ع و صالح بينهما أو شكا طير من حية في موضع يأكل فراخه فأمر بقتل الحية فلا خفاء في كونه معجزا فأما ما سئل الحسين ع و هو صبي عن أصوات الطيور و الحيوانات فإعجازه من وجه آخر و نحوه قول عيسى في المهد إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ و كلاهما نقض العادة إذ ليس في مقدور الأطفال التكلم بما يتكلم به و قيل إن نفس الدعوى في بعض المواضع معجز.
فصل
و الأخبار المتواترة توجب العلم على الإطلاق و كذلك إذا كانت غير متواترة و قد اقترن بها قرينة من أحد خمسة أشياء من أدلة العقل و الكتاب و السنة المقطوع بها أو إجماع المسلمين أو إجماع الطائفة فهذه القرائن تدخل الأخبار و إن كانت آحادا في باب المعلوم فيكون ملحقة بالمتواتر و العلوم التي تحصل عند الأخبار المتواترة لكل عاقل ملتبسة عند الشيخ المفيد.
و ذهب المرتضى إلى تقسيم ذلك فقال العلوم بأخبار البلدان و الوقائع و نحوها يجوز أن تكون ضرورية و يجوز أن تكون ملتبسة و ما عداها كالعلم
بمعجزات النبي و الأئمة ع و كثير من أحكام الشريعة فيقطع على أنه مستدل عليه و هذا أصح و الأدلة في أن الأول فعل الله أو فعل العباد قائمة كافية و إذا كان كذلك وجب التوقف و تجويز كل واحد منهما.
و الخبر إذا لم يكن ما يجب وقوع العلم عنده و اشتراك العقلاء فيه و جاز وقوع الشبهة عليه فهو أيضا صحيح على وجه و هو أن يرويه جماعة قد بلغت من الكثرة إلى حد لا يصح معه أن يتفق فيها و أن يعلم مضافا إلى ذلك أنه لم يجمعهم على الكذب جامع كالتواطئ أو ما يقوم مقامه و يعلم أيضا أن اللبس و الشبهة زائلان عما خبروا عنه.
هذا إذا كانت الجماعة تخبر بلا واسطة عن المخبر فإن كان بينهما واسطة وجب اعتبار هذه الشروط في جميع من خبرت عنه من الجماعات حتى يقع الانتهاء إلى نفس المخبر و إذا صحت هذه الجملة في صحة الخبر الذي لا بد أن يكون المخبر صادقا من طريق الاستدلال بنينا عليها صحة المعجزات و غيرها من أحكام الشرع.
فصل
و قد ذكرنا من قبل أنهم كثيرا ما يوردون السؤال علينا و يقولون قد جاء في العالم حجر يجذب الحديد إلى نفسه فلم يجب اتباع من يجذب الشجر إلى نفسه كذلك إذ لا نأمن أن يكون معه شيء مما يفعل به ذلك و يؤكدون قولهم بأن المقرين لمعجزات الرسل لم يمتحنوا قوى الخلق و لم يعرفوا نهايته و لم يقعوا على طبائع العالم و كيف يستعان بها على الأفعال و لم يحيطوا علما بأكثرهم و لم يأتهم في مظانهم و لا امتحنوا قواهم و مبالغ حيلهم و مخرقة أصحاب الخفة و أشكالهم.
الجواب عنه أن يقال قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه بأن ما ذكروا ليس في العالم كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الإنسان عاش أبدا و إذا وضعه على الموات عاد حيوانا و إذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة و لا فيه ما يرد الرجل المقطوعة و لا ما به يزال الزمانة
الحالة و لا فيه شيء يجتذب به الشمس و القمر من أماكنهما.
فلما لزم النفس على ما ذكرنا كذلك لزوم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر يجذب الشجر من أماكنها و يشق به البحور و يحيا به الأموات.
و أيضا فإن حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم طلب دون الحاجة إليه حتى بدروا عليه لما فيه من الأعجوبة و خاصة لإرادة التلبث به و استخراج نصل السهم من البدن بذلك فلو كان فيه حجر أو شيء يجذب الشجر فإنه كان أعز من حجر المغناطيس و كان سبيله سبيل الجواهر و غيرها لا يخفى على من في العالم خبرها.
كالجوهر الذي يقال له الكبريت الأحمر و لعزته ضرب به المثل فقيل أعز من الكبريت الأحمر و كانت الملوك أقدر على هذا الحجر كما هم أقدر على ما عز من الأدوية و غيرها من الأشياء العزيزة فلما لم يكن من هذا أثر عندهم و لا خبر لكونه بطل أن يكون له كون أو وجود و لو كان كيف كان الرسل و أوصياؤهم عليه مع فقرهم و عجزهم في الدنيا و ما فيها و يكون معروف المنشأ و لم يغب عنهم طويلا.
فصل
ثم إن النبي ص لما دعا الشجرة و كذا وصي من أوصيائه ردها إلى مكانها فإن جذبها شيء و ردها لا شيء كان ردها آية عظيمة و إن كان شيء كان معه فذلك محال من قبل أن ذلك الشيء يضاد ما جذبها فإذا كان الجذب به فإمساكها و ردها لم يجب أن يكون به أو معه فلا يرده لأنه يوجب أن تكون مقبلة مدبرة و ذلك محال.