کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الثاني الجلوس على العقبين مطلقا كما هو الظاهر من كلام أكثر العامة الثالث ما اتفق عليه كلام أصحابنا من وضع صدور القدمين على الأرض و وضع الأليين على القدمين و لعل مراد أكثر العامة أيضا هذا المعنى لأن الجلوس على العقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه فإنه إذا جعل ظهر قدمه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين لا على العقبين.
و يؤيده قول الجزري عند تفسير إقعائه ص عند الأكل أنه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن فإن المستعجل هكذا يجلس و أما الجالس على بطون القدمين فهو متمكن مستقر و قال الجوهري استوفز في قعدته إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن و مثله ما ذكره البغوي في تفسير الإقعاء.
و أيضا اعتذار ابن عمر بالضعف و الكبر يدل على ذلك فإن الضعف يقتضي عدم تغيير القدمين عما كانتا عليه في حالة السجود و لا يتمكن من الجلوس ثم يعود إلى السجود و لذا قال الخطابي معناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا تفارقان الأرض حتى يعيد السجود و هكذا يفعل من أقعى و ما هو المشاهد من العوام من الفريقين حين يجلسون هكذا بين السجدتين لسهولته عليهم شاهد بذلك.
و أما التشبيه بإقعاء الكلب فلا يلزم أن يكون كاملا من كل جهة بل يكفي أنه يشبهه في الانحناء عند الجلوس و الاعتماد على الرجلين و اليدين لا سيما إذا لم يرفع يديه من الأرض و أما الجلوس على القدمين بدون ذلك فهو أبعد من مشابهة إقعاء الكلب كما لا يخفى.
فإذا تمهد هذا فاعلم أن المعنى الأول خلاف ما هو المستحب من التورك و أما إثبات كراهته فهو مشكل لأنه لا يدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الإقعاء و هي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين الأصحاب
وَ يُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ لَا تُقْعِ عَلَى قَدَمَيْكَ.
إذ الظاهر من الإقعاء على القدمين أن يكون الجلوس عليهما و إن لم تكن ظاهرة في معنى آخر فمجرد الاحتمال لا يكفي للاستدلال.
فإن قلت الاشتهار بين اللغويين يؤيده قلنا الشهرة بين علماء الفريقين في
خلافه يعارضه و الأولى ترك هذا الجلوس لاشتهار هذا المعنى بين اللغويين و احتمله بعض علمائنا كما عرفت مع أنه خلاف ما هو السنة في هذا الجلوس و الفرق بين ترك السنة و ارتكاب المكروه ضعيف بل قيل باستلزامه له.
و أما المعنى الثالث فقد عرفت أن المشهور بين علمائنا بل علماء المخالفين أيضا كراهته و كفى بذلك مرجحا و قد ورد في اللغة بهذا المعنى و قد عرفت ما يؤيده و تجويز ابن عمر و أضرابه ذلك و عملهم به يؤيد أن النهي إنما ورد في ذلك للرد عليهم و أما ما ورد في صحيحة الحلبي من عدم البأس فلا ينافي الكراهة بل قيل إنه يؤيدها.
و أما الجلوس على القدمين من غير أن يكون صدر القدمين على الأرض الذي نسميها المعنى الثاني فهو خلاف المستحب أيضا و لم أر من أصحابنا من قال بكراهته بل يظهر من كلام ابن الجنيد أنه قال باستحبابه كما مر و قد اتفقت كلمة أصحابنا في تفسير الإقعاء المكروه بما عرفت فإثبات كراهته مما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين و المخالفين مشكل.
فإن قيل ما مر من
قول أبي جعفر ع في صحيحة زرارة و لا تقع على قدميك.
و
قوله ع في صحيحته الأخرى إياك و القعود على قدميك فتتأذى بذلك و لا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد و الدعاء.
يدلان على شمول النهي لهذا الفرد أيضا.
قلنا أما الخبر الأول فقد ورد النهي فيه عن الإقعاء على القدمين لا مطلق القعود عليهما فيتوقف الاستدلال به على أن الإقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله و قد عرفت ما فيه نعم بظاهره ينفي المعنى الأول من الإقعاء كما أومأنا إليه و أما الخبر الثاني فهو وارد في الجلوس للتشهد لا بين السجدتين و لو ارتكبنا التكلف في ذلك بأن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم إليه كما قيل فمع أنه يمكن المناقشة فيه بمنع جريان العلة إذ الدعاء و الذكر في التشهد أكثر منهما بين السجدتين لا نسلم أنه يدل على هذا المعنى إذ يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أن يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل أليتيه إليها رافعا فخذيه و
ركبتيه إلى قريب ذقنه كما يتجافى المسبوق.
بل الخبر الأول أيضا يحتمل ذلك فيظهر معنى آخر للإقعاء و الفرق بينه و بين المعنى الأول من المعاني الثلاثة بإلصاق الأليتين بالأرض و عدمه و ربما احتمل كلام ابن الجنيد أيضا ذلك حيث قال و لا يقعد على مقدم رجليه و أصابعهما هذا المعنى أيضا و التعليل الوارد في الخبر أيضا شديد الانطباق على هذا الوجه و لو سلم عدم إرادة هذا المعنى فالتعليل الوارد في الخبر بالإقعاء بالمعنى المشهور بين الأصحاب ألصق.
و بالجملة الأظهر حمل الإقعاء المنهي عنه على ما هو المشهور بين الأصحاب و لكن الأحوط و الأولى ترك الجلوس على الوجوه الأربعة التي ذكرنا أنها من محتملات الأخبار بل يحتمل أن يكون المراد النهي عن جميعها إن جوزنا استعمال اللفظ في المعنيين الحقيقيين أو المعنى الحقيقي و المجازي معا و الله تعالى يعلم و حججه صلوات الله عليهم حقائق أحكامه تعالى.
باب 32 القنوت و آدابه و أحكامه
الآيات البقرة وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ 6916 آل عمران يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ 6917 تفسير القنوت يطلق في اللغة على خمسة معان الدعاء و الطاعة و السكون و القيام في الصلاة و الإمساك عن الكلام ذكره في القاموس و ذكر ابن الأثير معاني أخرى كالخشوع و الصلاة و العبادة و القيام و طول القيام و قال الجوهري القنوت الطاعة هذا هو الأصل و منه قوله تعالى الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ 6918 ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا و قريب منه كلام ابن فارس و هو في اصطلاح الفقهاء الدعاء في أثناء الصلاة في محل معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا و ربما يطلق على الدعاء مع رفع اليد.
ثم إن المشهور بين الأصحاب استحبابه و قال الصدوق في الفقيه سنة واجبة من تركه عمدا أعاد و نقل عن ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوبه في الصلوات الجهرية و الأول لعله أقوى.
و استدل بالآية الأولى على مذهب الصدوق و يرد عليه أن القنوت جاء في اللغة
لمعان فيجوز أن يكون المراد به في الآية الطاعة أو غيرها من المعاني المتقدمة فلا يختص بالدعاء و لو سلم أن المراد به الدعاء فيمكن أن يراد به الدعاء الذي يتحقق في ضمن القراءة لأن الفاتحة مشتملة على الدعاء فلا دلالة في الآية على الدعاء المخصوص على أن الاختصاص بالصلاة الوسطى قائم كما مر في الخبر أيضا فيحتاج إلى التمسك بعدم القائل بالفصل و في إثباته عسر.
و المفسرون أيضا اختلفوا في تفسيره قال في مجمع البيان 6919 قال ابن عباس معناه داعين و القنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع و قيل طائعين و قيل خاشعين و قيل ساكنين و قال في الكشاف قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ ذاكرين الله في قيامكم و القنوت أن تذكر الله قائما و عن عكرمة كانوا يتكلمون في الصلاة فنهوا و قال مجاهد هو الركود و كف الأيدي و البصر و روي أنه إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يمد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا.
و كذا الكلام في الآية الثانية و تزيد على الأولى بأنها متعلقة بالأمم السالفة قال الطبرسي ره 6920 اقْنُتِي لِرَبِّكِ أي اعبديه و أخلصي له العبادة عن ابن جبير و قيل معناه أديمي الطاعة له و قيل أطيلي القيام في الصلاة.
1- الْعُيُونُ، وَ الْعِلَلُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عُبْدُوسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ فِي الْعِلَلِ الَّتِي رَوَاهَا عَنِ الرِّضَا ع فَإِنْ قَالَ فَلِمَ جُعِلَ الدُّعَاءُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَ لِمَ جُعِلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الْقُنُوتُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قِيلَ لِأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَحَ قِيَامَهُ لِرَبِّهِ وَ عِبَادَتَهُ بِالتَّحْمِيدِ وَ التَّقْدِيسِ وَ الرَّغْبَةِ وَ الرَّهْبَةِ وَ يَخْتِمَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَ يَكُونَ فِي الْقِيَامِ عِنْدَ الْقُنُوتِ بَعْضُ الطُّولِ فَأَحْرَى أَنْ يُدْرِكَ الْمُدْرِكُ الرُّكُوعَ فَلَا تَفُوتُهُ الرَّكْعَتَانِ فِي الْجَمَاعَةِ 6921 .
2- الْعُيُونُ، بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ الْفَضْلِ فِيمَا كَتَبَ الرِّضَا ع لِلْمَأْمُونِ مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ قَالَ ع وَ الْقُنُوتُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ فِي الْغَدَاةِ وَ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ وَ الْمَغْرِبِ وَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ 6922 .
3- الْخِصَالُ، عَنْ سِتَّةٍ مِنْ مَشَايِخِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ تَمِيمِ بْنِ بُهْلُولٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ: الْقُنُوتُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَ قَالَ فَرَائِضُ الصَّلَاةِ سَبْعٌ الْوَقْتُ وَ الطَّهُورُ وَ التَّوَجُّهُ وَ الْقِبْلَةُ وَ الرُّكُوعُ وَ السُّجُودُ وَ الدُّعَاءُ 6923 .
بيان: قد عرفت أنه لا يمكن الاستدلال بالسنة على الاستحباب 6924 و لا بالوجوب على المعنى المصطلح لشيوع استعمال الأول فيما ظهر من السنة واجبا كان أم ندبا و الثاني في السنن الأكيدة في الأخبار و قد يستدل بالجزء الأخير على وجوبه بحمل الدعاء على القنوت و قد عرفت احتمال كون المراد به قراءة الفاتحة لاشتمالها على الدعاء و لذا تسمى سورة الدعاء أيضا مع أنه يمكن حمل الفرض على ما يشمل السنة المؤكدة لوجود المعارض و الأحوط عدم الترك.
ثم إن الخبر يدل على كون القنوت قبل الركوع كما هو المشهور بين الأصحاب و حكى العلامة في المنتهى اتفاق الأصحاب عليه و يظهر من المحقق في المعتبر الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع و بعده و إن كان الأول أظهر
لِمَا رَوَاهُ الشَّيْخُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَ إِنْ شِئْتَ بَعْدَهُ 6925 .
و في سند الرواية
ضعف و المشهور أقوى و أحوط و الظاهر أن قنوت الوتر أيضا قبل الركوع و يستحب الدعاء أيضا بعده فيها لرواية وردت فيه و سماه في المعتبر قنوتا و العلامة في المنتهى جوز قنوت الوتر قبل الركوع و بعده و فيه نظر و الأولى إما الجمع بينهما أو الاكتفاء بما قبل الركوع و سيأتي حكم قنوت الجمعة.
- 4- تُحَفُ الْعُقُولِ، عَنِ الرِّضَا ع فِيمَا كَتَبَ لِلْمَأْمُونِ قَالَ كُلُّ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ 6926 .
5- كِتَابُ الْمَسَائِلِ، لِعَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْقُنُوتَ حَتَّى رَكَعَ مَا حَالُهُ قَالَ ع تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ 6927 .
بيان: المشهور بين الأصحاب استحباب القنوت بعد الركوع لمن نسيه قبله و قال في المنتهى لا خلاف عندنا في استحباب الإتيان بالقنوت بعد الركوع مع نسيانه قبله و أما أنه هل هو أداء أو قضاء ففيه تردد ثم قرب كونه قضاء.
و الظاهر أنه لا حاجة إلى نية الأداء و القضاء و هذا الخبر إنما يدل على عدم وجوب القضاء و لعله لم يقل به أحد و لا ينافي استحبابه مع ورود الأخبار الكثيرة به و لو لم يذكره بعد الركوع أيضا استحب قضاؤه بعد الصلاة كما ذكره الأكثر و دلت عليه الرواية و احتمال الأداء هنا ضعيف جدا.