کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
جحد التنزيل، و ردّ النصوص، و لو كانوا كما يقولون و يصفون 27896 ما كان سبيل الأمّة فيهما إلّا كسبيلهم فيه، و عثمان كان أعزّ نفرا، و أشرف رهطا، و أكثر عددا و ثروة، و أقوى عدّة.
قلنا: إنّهما لم يجحدا التنزيل، و لم ينكرا 27897 المنصوص، و لكنّهما بعد إقرارهما بحكم الميراث و ما عليه الظاهر من الشريعة ادّعيا رواية، و تحدّثا بحديث لم يكن محالا 27898 كونه، و لا يمتنع 27899 في حجج العقول مجيئه، و شهد لهما عليه من علّته مثل علّتهما فيه، و لعلّ بعضهم كان يرى التصديق للرجل 27900 إذا كان عدلا في رهطه، مأمونا في ظاهره، و لم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة، و لا جرب عليه 27901 غدرة، فيكون تصديقه له على جهة حسن الظنّ و تعديل الشاهد، و لأنّه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج، و الّذي يقطع بشهادته على الغيب، و كان ذلك شبهة على أكثرهم، فلذلك قلّ النّكير، و تواكل الناس، و اشتبه الأمر، فصار لا يتخلّص إلى معرفة حقّ ذلك من باطله، إلّا العالم المتقدّم، و المؤيّد المرشد 27902 ، و لأنّه لم يكن لعثمان في صدور 27903 العوام، و في قلوب السّفلة و الطّغام ما كان لهما من الهيبة و المحبّة 27904 ، و لأنّهما كانا أقلّ استئثارا بالفيء، و أقلّ تفكّها بمال اللّه 27905 منه، و من
شأن الناس إهمال 27906 السلطان ما وفّر عليهم أموالهم، و لا يستأثر 27907 بخراجهم، و لم يعطّل ثغورهم، و لأنّ الّذي صنع أبو بكر من منع العترة حظّها 27908 ، و العمومة ميراثها، قد كان موافقا لجلّة قريش، و لكبراء 27909 العرب، و لأنّ عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه، مستخفّا بقدره، لا يمنع ضيما، و لا يقمع عدوّا، و لقد وثب ناس على عثمان بالشتم و القذف و التشنيع و النكير 27910 ، لأمور لو أتى عمر أضعافها، و بلغ أقصاها، لما اجترءوا على اغتيابه فضلا عن مبادأته 27911 ، و الإغراء به و مواجهته، كما أغلظ عيينة بن حصين 27912 له، فقال له: أما إنّه لو كان عمر لقمعك و منعك؟
فقال عيينة: إنّ عمر كان خيرا لي منك، أرهبني فأبقاني 27913 .
ثم قال: و العجب أنّا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث على اختلافهم في التشبيه و القدر و الوعيد يردّ كلّ صنف منهم من أحاديث مخالفيه و خصومه ما هو أقرب استنادا، و أوضح 27914 رجالا، و أحسن اتّصالا، حتّى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نسخوا الكتاب، و خصّوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما رووه 27915 ، و أكذبوا ناقليه 27916 ، و ذلك إنّ كلّ إنسان منهم إنّما يجري إلى
هواه، و يصدق ما وافق رضاه .. هذا آخر كلام الجاحظ 27917 .
ثم قال السيّد رضي اللّه عنه 27918 : فإن قيل: ليس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير، و قوله: كما لم ينكروا على أبي بكر، فلم ينكروا أيضا على فاطمة عليها السلام و لا غيرها من المطالبين 27919 بالميراث كالأزواج و غيرهنّ معارضة صحيحة، و ذلك أنّ نكير أبي بكر لذلك و دفعه و الاحتجاج عليه يكفيهم و يغنيهم عن تكلّف نكير 27920 ، و لم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره 27921 .
قلنا: أوّل ما يبطل هذا السؤال أنّ أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه بعد احتجاجها بالخبر من التظلّم و التألّم، و التعنيف و التبكيت 27922 ، و قولها- على ما روي-:
و اللّه لأدعونّ اللّه عليك ...، و لا كلّمتك أبدا، و ... ما جرى هذا المجرى، فقد كان يجب أن ينكره غيره، فمن المنكر الغضب على المنصف. و بعد، فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا أو مغنيا عن إنكار غيره من المسلمين، فإنكار فاطمة عليها السلام حكمه، و مقامها على التظلّم منه يغني 27923 عن نكير غيرها، و هذا واضح لمن أنصف من نفسه. انتهى كلامه رفع اللّه مقامه ..
الخامسة:
قال ابن أبي الحديد 27924 : اعلم أنّ الناس يظنّون أنّ نزاع فاطمة (ع) أبا بكر كان في أمرين: في الميراث و النّحلة، و قد وجدت في الحديث أنّها نازعت في أمر ثالث، و منعها أبو بكر إيّاه أيضا، و هو سهم ذي القربى.
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَوْهَرِيُ 27925 عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ لَمَّا أَتَتْ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَتْ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْنَا 27926 أَهْلَ الْبَيْتِ (ع) مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنَ الْغَنَائِمِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى! ثُمَّ قَرَأَتْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى 27927 الْآيَةَ، فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: بِأَبِي أَنْتِ وَ أُمِّي وَ وَالِدٌ وَلَدَكِ 27928 السَّمْعَ وَ الطَّاعَةَ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَ لِحَقِّ رَسُولِهِ (ص) وَ حَقِّ قَرَابَتِهِ، وَ أَنَا أَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي تَقْرَءِينَ 27929 ، وَ لَمْ يَبْلُغْ عِلْمِي مِنْهُ أَنَّ هَذَا السَّهْمَ مِنَ الْخُمُسِ مُسَلَّمٌ إِلَيْكُمْ 27930 كَامِلًا؟
قَالَتْ: أَ مِلْكٌ هُوَ لَكَ وَ لِأَقْرِبَائِكَ 27931 ؟! قَالَ: لَا، بَلْ أُنْفِقُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ وَ أَصْرِفُ الْبَاقِيَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَتْ: لَيْسَ هَذَا بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟! فَقَالَ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَهِدَ إِلَيْكِ فِي هَذَا عَهْداً 27932 صَدَّقْتُكِ وَ سَلَّمْتُهُ كُلَّهُ إِلَيْكِ وَ إِلَى أَهْلِكِ. قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ لَمْ يَعْهَدْ إِلَيَّ فِي
ذَلِكَ بِشَيْءٍ، إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: أَبْشِرُوا آلَ مُحَمَّدٍ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْغِنَى 27933 !. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَبْلُغْ مِنْ 27934 هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ أُسَلِّمَ إِلَيْكُمْ هَذَا السَّهْمَ كُلَّهُ كَامِلًا، وَ لَكِنْ لَكُمُ الْغِنَى 27935 الَّذِي يُغْنِيكُمْ وَ يُفَضِّلُ عَنْكُمْ، وَ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَ غَيْرُهُمَا فَاسْأَلِيهِمْ عَنْ ذَلِكِ وَ انْظُرِي هَلْ يُوَافِقُكِ عَلَى مَا طَلَبْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ؟ فَانْصَرَفَتْ إِلَى عُمَرَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ مَا قَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَعَجَّبَتْ 27936 فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ وَ تَظَنَّتْ أَنَّهُمَا قَدْ تَذَاكَرَا ذَلِكَ وَ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ.
ثم قَالَ: قَالَ 27937 أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ- بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُرْوَةَ قَالَ: أَرَادَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَبَا بَكْرٍ عَلَى فَدَكَ وَ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، فَأَبَى عَلَيْهَا وَ جَعَلَهُمَا فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثم رَوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍ 27938 عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَنَعَ فَاطِمَةَ (ع) وَ بَنِي هَاشِمٍ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى وَ جَعَلَهَا 27939 فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي السِّلَاحِ وَ الْكُرَاعِ.
ثم رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قُلْتُ: أَ رَأَيْتَ عَلِيّاً (ع) حِينَ وَلِيَ الْعِرَاقَ وَ مَا وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ، كَيْفَ صَنَعَ فِي سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ: قُلْتُ:
كَيْفَ؟ وَ لِمَ؟ وَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالَ: أَمَا وَ اللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ يَصْدُرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ. فَقُلْتُ: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: يَكْرَهُ 27940 أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ.
انتهى
ما أخرجه ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبد العزيز 27941 .
وَ رَوَى فِي جَامِعِ الْأُصُولِ 27942 مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ 27943 عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَقْسِمُ 27944 لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَ لَا لِبَنِي نَوْفَلَ مِنَ الْخُمُسِ شَيْئاً كَمَا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ 27945 ، قَالَ: وَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْسِمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي مِنْهُ قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَمَا يُعْطِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، وَ كَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ.
و روى مثله بسند آخر عن جبير بن مطعم. .
ثم قَالَ: وَ فِي أُخْرَى لَهُ وَ النَّسَائِيِ 27946 : لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ] سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَ بَنِي الْمُطَّلِبِ.
ثم قال: و أخرج النسائي 27947 أيضا بنحو من هذه الروايات من طرق متعدّدة بتغيير بعض ألفاظها و اتّفاق المعنى 27948 .
وَ رَوَى أَيْضاً 27949 عَنْ أَبِي دَاوُدَ 27950 بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ
أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الْعَبَّاسِ يَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى لِمَنْ يَرَاهُ؟ فَقَالَ لَهُ: لِقُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وَ آلِهِ]، قَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ لَهُمْ وَ قَدْ كَانَ عُمَرُ عَرَضَ عَلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ عَرْضاً رَأَيْنَاهُ دُونَ حَقِّنَا وَ رَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَ أَبَيْنَا أَنْ نَقْبَلَهُ 27951 .
و روى مثله عن النسائي 27952 أيضا، و قال.:
وَ فِي أُخْرَى لَهُ مِثْلَ أَبِي دَاوُدَ 27953 ، وَ فِيهِ: وَ كَانَ الَّذِي عَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعِينَ نَاكِحَهُمْ، وَ يَقْضِيَ عَنْ غَارِمِهِمْ، وَ يُعْطِيَ فَقِيرَهُمْ، وَ أَبَى أَنْ يَزِيدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ 27954 .
و روى العياشي في تفسيره 27955 رواية ابن عباس و رويناه في موضع آخر.
وَ رَوَى أَيْضاً 27956 عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ قَالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ الْخُمُسَ نَصِيباً 27957 لِآلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ نَصِيبَهُمْ حَسَداً وَ عَدَاوَةً، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ 27958 .
و الأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام في ذلك أكثر من أن تحصى، و سيأتي بعضها في أبواب الخمس و الأنفال إن شاء اللّه تعالى 27959 .