کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
بالعمل بالفرائض و ترك الكبائر أو العمل بجميع الواجبات و ترك جميع المحرمات.
و الحاصل أنه يحتمل أن يكون المراد بالإسلام الإسلام الظاهري و إن لم يكن مر التصديق القلبي و بالإيمان العقائد القلبية مع الإقرار بالولاية و الإتيان بالأعمال و يحتمل أن يكون المراد بقوله والى ولينا و عادى عدونا موالاة أولياء الأئمة ع و معاداة أعدائهم فالإسلام عبارة عن الإذعان بجميع العقائد الحقة ظاهرا أو ظاهرا و باطنا و الإيمان عبارة عن انضمام العقائد القلبية و الأعمال معه أو الأعمال فقط و على كل تقدير يرجع إلى أحد المعاني المتقدمة لهما.
55- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ وَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ فِي الْكُفْرِ وَ الْإِيمَانِ وَ قَالَ إِنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْنَا وَ يَقُولُونَ كَمَا أَنَّ الْكَافِرَ عِنْدَنَا هُوَ الْكَافِرُ عِنْدَ اللَّهِ فَكَذَلِكَ نَجِدُ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَقَرَّ بِإِيمَانِهِ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْتَوِي هَذَانِ وَ الْكُفْرُ إِقْرَارٌ مِنَ الْعَبْدِ فَلَا يُكَلَّفُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِبَيِّنَةٍ وَ الْإِيمَانُ دَعْوَى لَا تَجُوزُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ وَ بَيِّنَتُهُ عَمَلُهُ وَ نِيَّتُهُ فَإِذَا اتَّفَقَا فَالْعَبْدُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنٌ وَ الْكُفْرُ مَوْجُودٌ بِكُلِّ جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَ الْأَحْكَامُ تَجْرِي عَلَى الْقَوْلِ وَ الْعَمَلِ فَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْإِيمَانِ وَ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَافِرٌ وَ قَدْ أَصَابَ مَنْ أَجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُؤْمِنِينَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ وَ عَمَلِهِ 6774 .
بيان مفعول يقول قوله سبحان الله إلى آخر الكلام و إعادة فقال للتأكيد لطول الفصل و قد مر أن المرجئة قوم يقولون إنه لا يضر مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة و يظهر من هذا الخبر أنهم كانوا يقولون بأن الإيمان هو الإقرار الظاهري و لا يشترط فيه الاعتقاد القلبي و كذا الكفر لكنه غير مشهور عنهم.
قال في المواقف و شرحه من كبار الفرق الإسلامية المرجئة لقبوا به لأنهم يرجئون العمل عن النية أي يؤخرونه أو لأنهم يقولون لا يضر مع الإيمان معصية
كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهم يعطون الرجاء و على هذا ينبغي أن لا يهمز لفظ المرجئة و فرقهم خمس اليونسية أصحاب يونس النميري قالوا الإيمان هو المعرفة بالله و الخضوع له و المحبة بالقلب فمن اجتمعت فيه هذه الصفات فهو مؤمن و لا يضر معها ترك الطاعات و ارتكاب المعاصي و لا يعاقب عليها و العبيدية أصحاب العبيد المكذب زادوا على اليونسية أن علم الله لا يزال شيئا مع غيره و أنه تعالى على صورة الإنسان و الغسانية أصحاب غسان الكوفي قالوا الإيمان هو المعرفة بالله و رسوله و بما جاء من عندهما إجمالا لا تفصيلا و هو لا يزيد و لا ينقص و غسان كان يحكيه عن أبي حنيفة و هو افتراء عليه فإنه لما قال الإيمان هو التصديق و لا يزيد و لا ينقص ظن به الإرجاء بتأخير العمل عن الإيمان و الثوبانية أصحاب ثوبان المرجي قالوا الإيمان هو المعرفة و الإقرار بالله و رسوله و بكل ما لا يجوز في العقل أن يعقله و أما ما جاز في العقل أن يعقله فليس الاعتقاد به من الإيمان و أخروا العمل كله من الإيمان و الثومنية أصحاب أبي معاذ الثومني قالوا الإيمان هو المعرفة و التصديق و المحبة و الإخلاص و الإقرار بما جاء به الرسول و ترك كله أو بعضه كفر و ليس بعضه إيمانا و لا بعض إيمان و كل معصية لم يجمع على أنه كفر فصاحبه يقال أنه فسق و عصى و إنه فاسق و من ترك الصلاة مستحلا كفر لتكذيبه بما جاء به النبي ص و من تركها بنية القضاء لم يكفر و قالوا السجود للصنم ليس كفرا بل هو علامة الكفر فهذه هي المرجئة الخالصة و منهم من جمع إلى الإرجاء القدر انتهى.
قوله كما أن الكافر كأنه قاس الإيمان بالكفر فإن من أنكر ضروريا من ضروريات الدين ظاهرا من غير تقية فهو كافر و إن لم يعتقد ذلك فإذا أقر بما جاء به النبي ص يجب أن يكون مؤمنا غير معذب و إن لم يعتقد بقلبه شيئا من ذلك و لم يضم إليه أفعال الجوارح من الطاعات و ترك المعاصي فأجاب ع بأنه مع بطلان القياس لا سيما في المسائل الأصولية فهو قياس مع الفارق ثم شبه ع الأمرين بالإقرار و الإنكار ليظهر الفرق فإن إنكار الضروري مستلزم لترك جزء
من أجزاء الإيمان و هو الإقرار الظاهري فهو بمنزلة إقرار الإنسان على نفسه فإنه لا يكلف بينة على إقراره بل يحكم بمحض الإقرار عليه و إن شهدت البينة على خلافه بخلاف إظهار الإيمان و التكلم به فإنه و إن أتى بجزء من الإيمان و هو الإقرار الظاهري لكن عمدة أجزائه التصديق القلبي و هو في ذلك مدع لا بد له من شاهد من عمل الجوارح عند الناس و من النية و التصديق عند الله فإذا اتفق الشاهدان و هما التصديق و العمل ثبت إيمانه عند الله و لما كان التصديق القلبي أمرا لا يطلع عليه غير الله لم يكلف الناس في الحكم بإيمانه إلا بالإقرار الظاهري و العمل فإنهما شاهدان عدلان يحكم بهما ظاهرا و إن كانا كاذبين عند الله.
و الحاصل أنه ع شبه الإقرار الظاهري بالدعوى في سائر الدعاوي و كما أن الدعوى في سائر الدعاوي لا تقبل إلا ببينة فكذا جعل الله تعالى هذه الدعوى غير مقبولة إلا بشاهدين من قلبه و جوارحه فلا يثبت عنده إلا بهما و أما عند الناس فيكفيهم في الحكم الإقرار و العمل الظاهري كما يكتفي عند الضرورة بالشاهد و اليمين فالإيمان مركب من ثلاثة أجزاء و لا يثبت الإيمان الواقعي إلا بتحقق الجميع فهو من هذه الجهة يشبه سائر الدعاوي للزوم ثلاثة أشياء في تحققها الدعوى و الشاهدين و يمكن أن يكون الأصل في الإيمان الأمر القلبي و لما لم يكن ظهوره للناس إلا بالإقرار و العمل فجعلهما الله من أجزاء الإيمان أو من شرائطه و لوازمه و قد أصاب أي حكم بالحكم و الصواب.
56- كا، 6775 الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الرَّجُلِ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَيَمُوتُ هَلْ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ إِنْ عُذِّبَ كَانَ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ أَمْ لَهُ مُدَّةٌ وَ انْقِطَاعٌ فَقَالَ ع مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فَزَعَمَ أَنَّهَا حَلَالٌ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ عُذِّبَ أَشَدَّ الْعَذَابِ وَ إِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً أَنَّهُ أَذْنَبَ
وَ مَاتَ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ كَانَ عَذَابُهُ أَهْوَنَ مِنْ عَذَابِ الْأَوَّلِ 6776 .
تذييل و تفصيل
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في كتاب حقائق الإيمان قيل الإسلام و الإيمان واحد و قيل بتغايرهما و الظاهر أنهم أرادوا الوحدة بحسب الصدق لا في المفهوم و يظهر من كلام جماعة من الأصوليين أنهما متحدان بحسب المفهوم أيضا حيث قالوا إن الإسلام هو الانقياد و الخضوع لألوهية البارئ تعالى و الإذعان بأوامره و نواهيه و ذلك حقيقة التصديق الذي هو الإيمان على ما تقدم.
و أما القائلون بالتغاير صدقا و مفهوما فإنهم أرادوا أن الإسلام أعم من الإيمان مطلقا و قد أشرنا فيما تقدم في أوائل المقدمة الأولى أن المحقق نصير الدين
الطوسي قدس سره نقل في قواعد العقائد أن الإسلام أعم في الحكم من الإيمان لكنه في الحقيقة هو الإيمان. و هذه عبارته رحمه الله تعالى قالوا الإسلام أعم في الحكم من الإيمان لأن من أقر بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين لقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا 6777 و أما كون الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فلقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ 6778 ثم قال و اختلفوا في معناه يعني الإيمان فقال بعض السلف كذا و قالت المعتزلة أصول الإيمان خمسة و عدها و قالت الشيعة أصول الإيمان ثلاثة و عدها أيضا و قال أهل السنة هو التصديق بالله تعالى أما على ما تقدم تفصيله فليراجع أقول ظاهره قوله رحمه الله قالوا أي هؤلاء المختلفون في معنى الإيمان كما يدل عليه قوله و اختلفوا و ظاهر هذا النقل يعطي أنه لا نزاع في أن حقيقتهما واحدة و المغايرة إنما هي في الحكم فقط بمعنى أنا قد نحكم على شخص في ظاهر الشرع بكونه مسلما لإقراره بالشهادتين و لا نحكم عليه بالإيمان حتى نعلم من حاله التصديق و ما نقلناه من المذهبين الأولين يقتضي وقوع النزاع في الحقيقة و الحكم.
أما أهل المذهب الأول و هم القائلون باتحادهما مطلقا صدقا و مفهوما أو صدقا فقط فإنهم صرحوا باتحادهما في الحكم أيضا حيث قالوا لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن و ليس بمسلم أو مسلم و ليس بمؤمن و لا نعني بوحدتهما سوى هذا و أما أهل المذهب الثاني و هم القائلون بالتغاير فإنهم صرحوا بتغايرهما صدقا و مفهوما و حكما حيث قالوا إن حقيقة الإسلام هي الانقياد و الإذعان بإظهار الشهادتين سواء اعترف مع ذلك بباقي المعارف أم لا فيكون أعم مفهوما من الإيمان فتبين مما حررناه أن المذاهب في بيان حقيقة الإسلام ثلاثة.
احتج أهل المذهب الأول بقوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ 6779 وجه الاستدلال أن غير هذا للاستثناء بمعنى
إلا و هذا استثناء مفرغ متصل فيكون من الجنس إذ المعنى و الله أعلم فما وجدنا فيها بيتا من بيوت المؤمنين إلا بيتا من المسلمين و بيت المسلم إنما يكون بيت المؤمن إذا صدق المؤمن على المسلم كما هو مقتضى الاتحاد في الجنس إذ من المعلوم أن المراد من البيت هنا أهله لا الجدران على حد قوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ 6780 و صدق المؤمن على المسلم يقتضي كون الإيمان أعم من الإسلام أو مساويا له لكن لا قائل بالأول فتعين الثاني و اعترض بأن المصحح للاستثناء هو تصادق المستثنى و المستثنى منه في الفرد المخرج لا في كل فرد و هو يتحقق بكون الإسلام أعم كما يتحقق بكونه مساويا و الأمر هنا كذلك فإنه على تقدير كون الإيمان أخص يتصادق المؤمن و المسلم في البيت المخرج الموجود فإنه بيت لوط عليه و على نبينا السلام على أن دلالة هذه الآية معارضة بقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا فوصفهم تعالى بالإسلام حيث جوز لهم الإخبار عن أنفسهم به و نفى عنهم الإيمان فدل على تغايرهما.
و احتج أهل المذهب الثاني على المغايرة بهذه الآية و التقريب ما تقدم في بيان المعارضة و بما تواتر عن النبي ص و الصحابة رضي الله عن المؤمنين منهم أنهم كانوا يكتفون في الإسلام بإظهار الشهادتين ثم بعد ذلك ينبهون المسلم على بعض المعارف الدينية التي يتحقق بها الإيمان.
أقول إن الآية الكريمة إنما تدل على المغايرة في الجملة و كما يجوز أن يكون بحسب الحقيقة يجوز أن يكون في الحكم دون الحقيقة كما اختاره أهل المذهب الثالث و يؤيد ذلك أن الله سبحانه لم يثبت لهم الإسلام صريحا و لا وصفهم به حيث لم يقل و لكن أسلمتم كما قال لم تؤمنوا بل أحال الإخبار به على مقالتهم فقال تعالى وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا و حينئذ فيجوز أن يكون المراد و الله أعلم أنكم لم تؤمنوا حتى تدخل المعارف قلوبكم و لما تدخل لكن ما زعمتموه من الإيمان فإنما هو إسلام ظاهري يمكن الحكم عليكم به في ظاهر الشرع حيث أقررتم
بألسنتكم دون قلوبكم فلكم أن تخبروا عن أنفسكم و أما الإسلام الحقيقي فلم يثبت لكم عند الله تعالى كالإيمان فلذا لم يخبر عنكم به و قد يظهر من ذلك الجواب عن الثاني أيضا.
إن قلت إن الإسلام من الحقائق الاعتبارية للشارع كالإيمان فلا يعلم إلا منه و حيث أذن لهم في أن يخبروا عن أنفسهم بأنهم أسلموا مع أن الإيمان لم يكن دخل قلوبهم كما دل عليه آخر الآية تدل على أنه لم يكن له حقيقة وراء ذلك عند الشارع و إلا لما جوز لهم ذلك الأخبار و احتمال المجاز يدفعه أن الأصل في الإطلاق الحقيقة و لزوم الاشتراك على تقدير الحقيقة يدفعه أنه متواطئ أو مشكك حيث بينا أن مفهومه هو الانقياد و الإذعان بالشهادتين سواء اقترن بالمعارف أم لا فيكون إسلام الأعراب فردا منه.