کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ تُنْصِفُ لِلْوَضِيعِ مِنَ الشَّرِيفِ، فَلَيْسَ لِلشَّرِيفِ عِنْدَكَ فَضْلُ مَنْزِلَةٍ 28760 ، فَضَجَّتْ طَائِفَةٌ مِمَّنْ تَبِعَكَ 28761 مِنَ الْحَقِّ إِذْ عَمَوْا بِهِ وَ اغْتَمُّوا 28762 مِنَ الْحَقِ 28763 إِذْ صَارُوا فِيهِ، وَ رَأَوْا صَنَائِعَ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْغَنَاءِ وَ الشَّرَفِ، فَتَاقَتْ 28764 أَنْفُسُ النَّاسِ إِلَى 28765 الدُّنْيَا، وَ قَلَّ مَنْ لَيْسَ لِلدُّنْيَا 28766 ، وَ أَكْثَرُهُمْ يَجْتَوِي 28767 الْحَقَّ وَ يَشْتَرِي الْبَاطِلَ، وَ يُؤْثِرُ الدُّنْيَا، فَإِنْ تَبْذُلِ الْمَالَ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- تَمِلْ إِلَيْكَ أَعْنَاقُ الرِّجَالِ وَ تَصْفُو نَصِيحَتُهُمْ، وَ يَسْتَخْلِصُ وُدُّهُمْ لَكَ يَا 28768 أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَ كُبِتَ 28769 أَعْدَاؤُكَ، وَ فُضَ 28770 جَمْعُهُمْ، وَ أُوْهِنَ كَيْدُهُمْ، وَ شُتِّتَ أُمُورُهُمْ، إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عِلْمِنَا 28771 وَ سِيرَتِنَا بِالْعَدْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ 28772 ، وَ أَمَّا [أَنَا] 28773 مِنْ أَنْ أَكُونَ مُقَصِّراً فِيمَا ذَكَرْتَ أَخْوَفُ. وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ عَلَيْهِمْ فَفَارَقُوا بِذَلِكَ 28774 ، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا مِنْ جَوْرٍ وَ لَا لَجَئُوا إِذْ فَارَقُونَا إِلَى عِدْلٍ، وَ لَمْ يَلْتَمِسُوا إِلَّا دُنْيَا زَائِلَةً عَنْهُمْ كَانَ قَدْ فَارَقُوهَا، وَ لَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَ لِلدُّنْيَا أَرَادُوا أَمْ لِلَّهِ عَمِلُوا؟.
وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَ اصْطِنَاعِ الرِّجَالِ، فَإِنَّهُ لَا يَسَعُنَا أَنْ نُؤْتِيَ امْرَأً مِنَ الْفَيْءِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ 28775 وَ قَوْلُهُ الْحَقُّ: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 28776 وَ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَحْدَهُ، وَ كَثَّرَهُ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَ أَعَزَّ فِئَتَهُ بَعْدَ الذِّلَّةِ، وَ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُوَلِّيَنَا هَذَا الْأَمْرَ يُذَلِّلْ لَنَا صَعْبَهُ، وَ يُسَهِّلْ لَنَا حَزْنَهُ، وَ أَنَا قَابِلٌ مِنْ رَأْيِكَ مَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ رِضًى، وَ أَنْتَ مِنْ آمَنِ النَّاسِ عِنْدِي، وَ أَنْصَحِهِمْ لِي، وَ أَوْثَقِهِمْ فِي نَفْسِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَ رَوَى أَيْضاً فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ 28777 ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ 28778 قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَمَرْتَ لِي بِمَعُونَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ! فَوَ اللَّهِ مَا لِي نَفَقَةٌ إِلَّا أَنْ أَبِيعَ دَابَّتِي. فَقَالَ: لَا وَ اللَّهِ، مَا أَجِدُ لَكَ شَيْئاً إِلَّا أَنْ تَأْمُرَ عَمَّكَ يَسْرِقُ 28779 فَيُعْطِيكَ.
8- ما 28780 : جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ النَّحْوِيِّ، عَنِ
الْخَلِيلِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ 28781 بْنُ حَبِيبٍ النَّحْوِيُّ- وَ كَانَ عُثْمَانِيّاً- قَالَ: قُلْتُ لِلْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَتَكْتُمُهَا عَلَيَّ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْلَكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ أَغْلَظُ مِنَ السُّؤَالِ، فَتَكْتُمُهُ أَنْتَ أَيْضاً؟
قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَيَّامَ حَيَاتِكَ. قَالَ: سَلْ 28782 . قَالَ: مَا بَالُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ رَحِمِهِمْ كَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَيْنِهِمْ كَأَنَّهُ ابْنُ عَلَّةٍ؟. قَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا السُّؤَالُ؟. قَالَ: قُلْتُ:
قَدْ وَعَدْتَنِي الْجَوَابَ. قَالَ: قَدْ ضَمِنْتَ لِيَ الْكِتْمَانَ 28783 . قَالَ: قُلْتُ أَيَّامَ حَيَاتِكَ.
فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ تَقَدَّمَهُمْ إِسْلَاماً وَ فَاقَهُمْ عِلْماً، وَ بَذَّهُمْ 28784 شَرَفاً، وَ رَجَّحَهُمْ زُهْداً، وَ طَالَهُمْ جِهَاداً، فَحَسَدُوهُ، وَ النَّاسُ إِلَى أَشْكَالِهِمْ وَ أَشْبَاهِهِمْ أَمْيَلُ مِنْهُمْ إِلَى مَنْ بَانَ مِنْهُمْ، فَافْهَمْ.
15- باب شكاية أمير المؤمنين صلوات اللَّه عليه عمّن تقدّمه
1- مع، ع 28785 : مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ الْبَرْقِيِ 28786 ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ذَكَرْتُ الْخِلَافَةَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا أَخُو تَيْمٍ 28787 وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى، يَنْحَدِرُ عَنِّي 28788 السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ 28789 ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ، يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ 28790 ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ
عَلَى هاتى [هَاتَا] 28791 أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْقَلْبِ قَذًا 28792 ، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً، حَتَّى إِذَا مَضَى الْأَوَّلُ 28793 لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ، عَقَدَهَا لِأَخِي 28794 عَدِيٍّ بَعْدَهُ 28795 ، فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا الآخر [لِآخَرَ] بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَصَيَّرَهَا وَ اللَّهِ 28796 فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ، يَخْشُنُ مَسُّهَا، وَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا 28797 وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا 28798 ، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ 28799 ، إِنْ عَنَّفَ بِهَا حَرَنَ وَ إِنْ أَسْلَسَ 28800 بِهَا غَسَقَ، فَمُنِيَ النَّاسُ- لَعَمْرُ اللَّهِ- بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ 28801 ، وَ تَلَوُّنٍ 28802 وَ اعْتِرَاضٍ، وَ بَلْوَى وَ هُوَ 28803 مَعَ هَنٍ وَ هُنَيٍّ، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ، حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي مِنْهُمْ 28804 ، فَيَا لَلَّهِ 28805 وَ لِلشُّورَى! مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ 28806 فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ 28807 ؟
فَمَالَ رَجُلٌ بِضَبْعِهِ 28808 ، وَ أَصْغَى آخَرُ لِصِهْرِهِ، وَ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَشِيلِهِ 28809 وَ مُعْتَلَفِهِ، وَ قَامُوا مَعَهُ بني [بَنُو] أَبِيهِ 28810 يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ 28811 خَضْمَ 28812 الْإِبِلِ نَبْتَ 28813 الرَّبِيعِ، حَتَّى أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَ كَسَبَتْ بِهِ مَطِيَّتُهُ 28814 ، فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ قَدِ انْثَالُوا عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ 28815 ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ، وَ شُقَّ عِطْفَايَ، حَتَّى إِذَا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَ فَسَقَتْ 28816 أُخْرَى، وَ مَرَقَ آخَرُونَ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 28817 ، بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا لَكِنِ احْلَوْلَتِ 28818 الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا، وَ الَّذِي 28819 فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ 28820 وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ 28821 ، وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ 28822 عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ لَا يَقِرُّوا 28823 عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ
وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا، وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ عِنْدِي أَزْهَدَ مِنْ خَبْقَةِ 28824 عَنْزٍ .. وَ نَاوَلَهُ 28825 رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ كِتَاباً فَقَطَعَ كَلَامَهُ وَ تَنَاوَلَ الْكِتَابَ، فَقُلْتُ 28826 : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْ أَطْرَدْتَ مَقَالَتَكَ إِلَى حَيْثُ بَلَغَتْ؟! فَقَالَ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ 28827 يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ .. فَمَا 28828 أَسِفْتُ عَلَى كَلَامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى كَلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذْ لَمْ يَبْلُغْ 28829 حَيْثُ أَرَادَ.
قال الصدوق نوّر اللَّه ضريحه 28830 : سألت الحسين 28831 بن عبد اللَّه بن سعيد العسكري عن تفسير هذا الخبر ففسّره لي قال 28832 : تفسير الخبر:
قوله عليه السلام: لقد تقمّصها .. أي لبسها مثل القميص، يقال تقمّص الرجل و تدرّع 28833 و تردّى و تمندل.
و قوله: محل القطب من الرحى .. أي تدور عليّ كما تدور الرحى على قطبها.