کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
له إلا بأنس بعضهم ببعض و لهذا قيل الإنسان مدني بالطبع من حيث إنه لا قوام لبعضهم إلا ببعض و لا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه و قيل سمي بذلك لأنه يأنس بكل ما يألفه و قيل هو إفعلان و أصله إنسيان سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي.
2- الْعِلَلُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ مَرْأَةً لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْمَرْءِ يَعْنِي خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ آدَمَ 9967 .
3- مَعَانِي الْأَخْبَارِ، مُرْسَلًا مَعْنَى الْإِنْسَانِ أَنَّهُ يَنْسَى وَ مَعْنَى النِّسَاءِ أَنَّهُنَّ أُنْسٌ لِلرِّجَالِ وَ مَعْنَى الْمَرْأَةِ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْمَرْءِ 9968 .
بيان: كون النساء من الأنس إما مبني على القلب أو على الاشتقاق الكبير أو على أنه إذا أنسوا بهن نسوا غيرهن فاشتقاقه من النسيان.
4- الدُّرُّ الْمَنْثُورُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَمَّاهُ آدَمَ ثُمَّ عَهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ فَسَمَّاهُ الْإِنْسَانَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَبِاللَّهِ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ وَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ مَرْأَةً لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْمَرْءِ وَ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍ 9969 .
5- الْعِلَلُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ مَكْثُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ نِصْفَ سَاعَةٍ ثُمَّ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ لِتَمَامِ تِسْعِ سَاعَاتٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ وَ سُمِّيَتِ الْعَصْرَ لِأَنَّ آدَمَ عُصِرَ بِالْبَلَاءِ قَالَ أَلْقَى اللَّهُ النَّوْمَ عَلَى آدَمَ فَأَخَذَ ضِلْعَهُ الْقَصِيرَ 9970 مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ فَخَلَقَ مِنْهُ حَوَّاءَ فَلَمْ يُؤْذِهِ ذَلِكَ وَ لَوْ آذَاهُ ذَلِكَ مَا عَطَفَ عَلَيْهَا أَبَداً فَقَالَ آدَمُ مَا هَذِهِ قَالَ هَذِهِ امْرَأَةٌ لِأَنَّهَا مِنَ الْمَرْءِ خُلِقَتْ قَالَ مَا اسْمُهَا قَالَ حَوَّاءُ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا أُمُ
كُلِّ حَيٍّ قَالَ جَعْفَرٌ سُمِّينَ النِّسَاءَ لِأُنْسِ آدَمَ بِ حَوَّاءَ حِينَ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنَسٌ غَيْرُهَا.
فائدة اعلم أنه قد اتفقت كلمة المليين من المسلمين و اليهود و النصارى على أن أول البشر هو آدم و أما الآخرون فخالفوا فيه على أقوال أما الفلاسفة فزعموا أنه لا أول لنوع البشر و لا لغيرهم من الأنواع المتوالدة و أما الهند فمن كان منهم على رأي الفلاسفة فهو يوافقهم في ما ذكر و من لم يكن منهم على رأي الفلاسفة و قال بحدوث الأجسام لا يثبت 9971 آدم و يقول إن الله تعالى خلق الأفلاك و خلف فيها طباعا محركة لها بذاتها فلما تحركت و حشوها أجسام لاستحالة الخلأ و كانت الأجسام على طبيعة واحدة فاختلفت طبائعها بالحركة الفلكية و كان القريب من الفلك أسخن و ألطف و البعيد أبرد و أكثف ثم اختلطت العناصر و تكونت منها المركبات و مما تكون منه نوع البشر كما يتكون الدود في الفاكهة و اللحم و البق في البطائح و المواضع العفنة ثم تكون البشر بعضه من بعض بالتوالد و نسي التخليق الأول الذي كان بالتولد و من الممكن أن يقول يتولد بعض البشر في بعض الأراضي القاصية مخلوقة بالتولد و إنما انقطع التولد لأن الطبيعة إذا وجدت للتكون 9972 طريقا استغنت عن طريق ثان و أما المجوس فلا يعرفون آدم و لا نوحا و لا ساما و لا حاما و لا يافث و أول متكون من البشر عندهم كيومرث و لقبه كوهشاه أي ملك الجبل و قد كان كيومرث في الجبال و منهم من يسميه گلشاه أي ملك الطين لأنه لم يكن حينئذ بشر يملكهم و قيل تفسير كيومرث حي ناطق ميت قالوا و كان قد رزق من الحس ما لا يقع عليه بصر حيوان إلا وله و أغمي عليه و يزعمون أن مبدأ تكونه و حدوثه أن يزدان و هو الصانع الأول عندهم فكر في أمر أهرمن و هو الشيطان عندهم فكرة أوجبت أن عرق جبينه فمسح العرق و رمى به فصارت منه كيومرث و لهم خبط طويل في كيفية تكون أهرمن عن فكرة يزدان أو من إعجابه بنفسه أو من توحشه و
بينهم خلاف في قدم أهرمن و حدوثه ثم اختلفوا في مدة بقاء كيومرث في الوجود فقال الأكثرون ثلاثون سنة و قال الأقلون أربعون سنة و قال قوم منهم إن كيومرث مكث في الجنة التي في السماء ثلاثة آلاف سنة و هي ألف الحمل و ألف الثور و ألف الجوزاء ثم أهبط إلى الأرض و كان بها آمنا مطمئنا ثلاثة آلاف سنة أخرى و هي ألف السرطان و ألف الأسد و ألف السنبلة ثم مكث بعد ذلك ثلاثين أو أربعين سنة في حرب و خصام بينه و بين أهرمن حتى هلك و اختلفوا في كيفية هلاكه مع اتفاقهم على أنه هلك قتلا فالأكثرون قالوا إنه قتل ابنا لأهرمن يسمى جزوذة فاستغاث أهرمن منه إلى يزدان فلم يجد بدا من أن يقاصه حفظا للعهود التي كانت بينه و بين أهرمن فقتله بابن أهرمن و قال قوم بل قتله أهرمن في صراع كان بينه و بين أهرمن و ذكروا في كيفيته أن كيومرث كان هو القاهر لأهرمن في بادئ الحال و أنه ركبه و جعل يطوف به في العالم إلى أن سأله أهرمن عن أي الأشياء أخوف 9973 و أهوالها عنده فقال له باب جهنم فلما بلغ به أهرمن إليها جمح به حتى سقط من فوقه و لم يستمسك فعلاه و سأله عن أي الجهات يبتدئ به في الأكل فقال له من جهة الرجل لأكون 9974 ناظرا حسن العالم مدة ما فابتدأه أهرمن فأكله من عند رأسه فبلغ إلى موضع الخصي و أوعية المني من الصلب فقطر من كيومرث قطرتا نطفة على الأرض فنبت منهما ريباستان في جبل بإصطخر ثم ظهرت على تينك الريباستين الأعضاء البشرية في أول الشهر التاسع و تمت أجزاؤه فتصور منهما بشران ذكر و أنثى و هما ميشا و ميشانة و هما بمنزلة آدم و حواء عند المليين و يسميهما مجوس خوارزم مرد و مردانه و زعموا أنهما مكثا خمسين سنة مستغنيين عن الطعام و الشراب منعمين غير متأذيين بشيء حتى ظهر لهما أهرمن في صورة شيخ كبير فحملهما على تناول فواكه الأشجار و أكل منها و هما يبصرانه شيخا فعاد شابا فأكلا منها حينئذ فوقعا في البلايا و ظهر فيهما الحرص حتى تزاوجا و ولد لهما ولد فأكلاه حرصا ثم
ألقى الله تعالى في قلوبهما رأفة فولد بعد ذلك ستة أبطن كل بطن ذكر و أنثى و أسماؤهم في كتاب زردشت معروفة ثم كان البطن السابع سيامك و فرواك فتزاوجا فولد لهما الملك المعروف الذي لم يعرف قبله ملك و هو هوشنج و هو الذي خلف جده كيومرث و عقد التاج و جلس على السرير و بنى مدينتين بابل و السوس.
أقول هذه هي الخرافات التي ذكروها و الآيات و الأخبار ناطقة بما هو الحق المبين و بطل أقوال الفرق المضلين.
باب 39 فضل الإنسان و تفضيله على الملك و بعض جوامع أحواله
الآيات البقرة وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً إلى قوله سبحانه وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ 9975 الأنعام وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ 9976 الحجر وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ 9977 الإسراء وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا 9978 الأنبياء خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ 9979 الفرقان وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً 9980
الروم اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَ شَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ 9981 الأحزاب إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ وَ يَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً 9982 فاطر وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ 9983 يس سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ مِمَّا لا يَعْلَمُونَ 9984 الصافات إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ 9985 الزمر خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها 9986 المؤمن وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ 9987 الرحمن خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ 9988 و قال تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ 9989 التغابن هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 9990 البلد لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ 9991 التين لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ 9992
العلق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ 9993 تفسير وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ هذه الآيات مما استدل به على تفضيل الإنسان على الملائكة و سيأتي وجه الاستدلال بها مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي من آدم عليه السلام لأن الله تعالى خلقنا منه جميعا و خلق حواء من فضل طينته أو من ضلع من أضلاعه و من علينا بهذا لأن الناس إذا رجعوا إلى أصل واحد كانوا أقرب إلى التألف فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ أي مستقر في الرحم إلى أن يولد و مستودع في القبر أو مستقر في بطون الأمهات و مستودع في الأصلاب أو مستقر على ظهر الأرض في الدنيا و مستودع عند الله في الآخرة أو مستقرها أيام حياتها و مستودعها حيث 9994 يموت و حيث يبعث أو مستقر في القبر و مستودع في الدنيا أو مستقر فيه الإيمان و مستودع يسلب منه كما ورد في الخبر.
مِنْ صَلْصالٍ أي طين يابس يصلصل أي يصوت إذا نقر و قيل من صلصل إذا نتن تضعيف صل مِنْ حَمَإٍ من طين تغير و اسود من طول مجاورة الماء مَسْنُونٍ أي مصور من سنة الوجه أو مصبوب لييبس أو مصور كالجواهر المذابة تصب في القوالب من السن و هو الصب كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى نقر و صلصل ثم غير ذلك طورا بعد طور حتى سواه و نفخ فيه من روحه أو منتن من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فإن ما يسيل منهما يكون منتنا يسمى سنين.
وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال الرازي اعلم أن الإنسان جوهر مركب من النفس و البدن فالنفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في العالم السفلى لأن النفس النباتية قواها الأصلية ثلاثة و هي الاغتذاء و النمو و التوليد و النفس الحيوانية لها قوتان أخريان الحاسة و المحركة بالاختيار ثم إن النفس الإنسانية مختصة بقوة أخرى و هي القوة العاقلة المدركة لحقائق الأشياء كما هي و هي التي يتجلى
فيها نور معرفة الله و يشرق فيها ضوء كبريائه و هو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق و الأمر و يحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح و الأجسام كما هي و هذه القوة من سنخ الجواهر القدسية و الأرواح المجردة الإلهية فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف و الفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية و الحيوانية و إذا كان الأمر كذلك ظهر أن النفس الإنسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم و أما بيان أن البدن الإنساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء.
أحدها
روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ قال كل شيء يأكل بفيه إلا ابن آدم فإنه يأكل بيديه.
عن الرشيد أنه أحضرت الأطعمة عنده فدعا بالملاعق و عنده أبو يوسف فقال له جاء في تفسير 9995 قوله تعالى وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ و جعلنا لهم أصابع يأكلون بها فأحضرت الملاعق فردها و أكل بأصابعه.
و ثانيها قال الضحاك بالنطق و التميز 9996 و تحقيق الكلام أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشيء أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الأول فهو جملة حال الحيوان سوى الإنسان فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفا تاما وافيا و أما القسم الثاني فهو الإنسان فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه و وقف عليه و أحاط به فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا و بهذا البيان يظهر أن الإنسان الأخرس داخل في هذا الوصف لأنه و إن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة و بطريق الكتابة و غيرهما و لا يدخل فيه الببغاء لأنه و إن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال و التمام.