کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و في خواص نظم القرآن وجوه أولها خروج نظمه عن صورة جمع أسباب المنظومات و لو لا نزول القرآن لم يقع في خلد فصيح سواها و كذلك قال عتبة بن ربيعة لما اختاره قريش للمصير إلى النبي ص قرأ عليه حم السجدة فلما انصرف قال سمعت أنواع الكلام من العرب فما شبهته بشيء منها أنه ورد على ما راعني و نحوه ما حكى الله عن الجن قُلْ أُوحِيَ إِلَيَ إلى قوله فَآمَنَّا بِهِ فلما عدم وجود شبيه القرآن من أنواع المنظوم انقطعت أطماعهم عن معارضته.
و الخاصة الثانية في الروعة التي له في قلوب السامعين فمن كان مؤمنا يجد شوقا إليه و انجذابا نحوه و حكي أن نصرانيا مر برجل يقرأ القرآن فبكى فقيل له ما أبكاك قال النظم.
و الثالثة أنه لم يزل غضا طريا لا يخلق و لا يمل تاليه و الكتب المتقدمة عارية عن رتبة النظم و أهل الكتاب لا يدعون ذلك لها.
و الرابعة أنه في صورة كلام هو خطاب لرسوله تارة و لخلقه أخرى.
و الخامسة ما يوجد من جمعه بين الأضداد فإن له صفتي الجزالة و العذوبة و هما كالمتضادتين.
و السادسة ما وقع في أجزائه من امتزاج بعض أنواع الكلام ببعض و عادة ناطقي البشر تقسيم معاني الكلام.
و السابعة أن كل فضيلة من تأسيس اللغة في اللسان العربي هي موجودة في القرآن.
و الثامنة عدم وجود التفاضل بين بعض أجزائه من السور كما في التوراة كلمات عشر تشتمل على الوصايا يستحلفون بها لجلالة قدرها و كذا في الإنجيل أربع صحف و كذا في الإنجيل محاميد و مسابيح يقرءونها في صلواتهم.
و التاسعة وجود ما يحتاج العباد إلى علمه من أصول دينهم و فروعه من التنبيه على طريق العقليات و إقامة الحجج على الملاحدة و البراهمة و الثنوية و المنكرة للبعث القائلين بالطبائع بأوجز كلام و أبلغه ففيه من أنواع الإعراب و العربية
حتى الطب في قوله كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا فهذا أصل الطب و المحكم و المتشابه و الحقيقة و المجاز و الناسخ و المنسوخ و هو مهيمن على جميع الكتب المتقدمة. و العاشرة وجود قوام النظم في أجزائه كلها حتى لا يظهر في شيء من ذلك تناقض و لا اختلاف و له خواص سواها كثيرة.
فإن قيل فهلا كانت ألفاظ القرآن كليتها مؤلفة من قبل الألفاظ الموجزة التي إذا وقعت في الكلام زادته حسنا ليكون كلام الله على النظم الأحسن الأفضل إذ كان لا يعجزه شيء عن بلوغ الغاية كما يعجز الخلق عن ذلك.
الجواب أن هذا يعود إلى أنه كيف لم يرتفع أسباب التفاضل بين الأشياء حتى يكون كلها كشيء واحد متشابه الأجزاء و الأبعاض و كيف فضل بعض الملائكة على بعض و متى كان كذلك لم يوجد اختلاف الأشياء يعرف به الشيء و ضده على أنه لو كان كلام الله كما ذكر يخرج في صورة المعمى الذي لا يوجد له لذة البسط و الشرح و لو كان مبسوطا لم تبين فضيلة الراسخين في العلم على من سواهم و أنه تعالى حكيم عليم بأن إلطاف المبعوث إليهم إنما هو في النمط الذي أنزله فلو كان على تركيب آخر لم يكن لطفا لهم.
ثم لنذكر وجها آخر للصرفة و هو أن الأمر لو كان بخلافه و كان تعذر المعارضة و العدول عنها لعلمهم بفضله على سائر كلامهم في الفصاحة و تجاوزه له في الجزالة لوجب أن يقع منهم معارضة على كل حال لأن العرب الذين خوطبوا بالتحدي و التقريع و وجهوا بالتعنيف و التبكيت كانوا إذا أضافوا فصاحة القرآن إلى فصاحتهم و قاسوا بكلامهم كلامه علموا أن المزية بينهما إنما تظهر لهم دون غيرهم ممن نقص عن طبقتهم و نزل عن درجتهم دون الناس جميعا ممن لا يعرف الفصاحة و لا يأنس بالعربية و كان ما عليه دون المعرفة لفصيح الكلام من أهل زماننا ممن خفي الفرق عليهم بين مواضع من القرآن و بين فقرات العرب البديعة و كلمهم الغريبة فأي شيء أقعد بهم عن أن يعتمدوا إلى بعض أشعارهم
الفصيحة و ألفاظهم المنثورة فيقابلوه و يدعوا أنه مماثل لفصاحته أو أزيد عليها لا سيما و أكثر من يذهب إلى هذه الطريقة يدعي أن التحدي وقع بالفصاحة دون النظم و غيره من المعاني المدعاة في هذا الموضع.
فسواء حصلت المعارضة بمنظوم الكلام أو بمنثوره فمن هذا الذي كان يكون الحكم في هذه الدعوى و جماعة الفصحاء أو جمهورهم كانوا حرب رسول الله ص و من أهل الخلاف عليه و الرد لدعوته و الصدود عن محجته لا سيما في بدو الأمر و أوله و قبل أوان استقرار الحجة و ظهور الدعوة و كثرة عدد الموافقين و تظافر الأنصار و المهاجرين.
و لا نعمد إلا على أن هذه الدعوى لو حصلت لردها بالتكذيب من كان في حرب النبي ص من الفصحاء لكن كان اللبس يحصل و الشبهة تقع لكل من ليس من أهل المعرفة من المستجيبين الدعوة و المنحرفين عنها من العرب.
ثم لطوائف الناس جميعا كالفرس و الروم و الترك و من ماثلهم ممن لا حظ له في العربية عند تقابل الدعوى في وقوع المعارضة موقعها و تعارض الأقوال من الإجابة بها مكانها ما يتأكد الشبهة و تعظم المحنة و يرتفع الطريق إلى إصابة الحق لأن الناظر إذا رأى جل أصحاب الفصاحة و أكثرهم يدعي وقوع المعارضة و المكافاة و المماثلة و قوما منهم كلهم ينكر ذلك و يدفعه كان أحسن حاله أن يشك في القولين و يجوز في كل واحد منهما الصدق و الكذب فأي شيء يبقى من المعجز بعد هذا و الإعجاز لا يتم إلا بالقطع على تعذر المعارضة على القوم و قصورهم عن المعارضة و المقاربة و التعذر لا يحصل إلا بعد حصول العلم بأن المعارضة لم تقع مع توفر الدواعي و قوة الأسباب و كانت حينئذ لا تقع الاستجابة من عاقل و لا المؤازرة من صديق.
و ليس يحجز العرب عما ذكرناه ورع و لا حياء لأنا وجدناهم لم يرعووا عن السب و الهجاء و لم يستحيوا من القذف و الافتراء و ليس في ذلك ما يكون حجة و لا شبهة بل هو كاشف عن شدة عداوتهم و أن الحيرة قد بلغت بهم إلى استحسان
القبيح الذي يكون نفوسهم تأباه و أخرجهم ضيق الخناق إلى أن أحضر أحدهم أخبار رستم و إسفنديار و جعل يقص بها و يوهم الناس أنه قد عارض و أن المطلوب بالتحدي هو القصص و الأخبار و ليس يبلغ الأمر بهم إلى هذا و هم متمكنون مما ترفع الشبهة فعدلوا عنه مختارين.
و ليس يمكن لأحد أن يدعي أن ذلك مما لم يهتد إليه العرب و أنه لو اتفق خطوره ببالهم لفعلوه غير أنه لم يتفق لأنهم كانوا من الفطنة و الكياسة على ما لا يخفى عليهم معه أنفذ الأمرين مع صدق الحاجة و فوتها و الحاجة تفتق الجبل.
و هب لم يفطنوا ذلك بالبديهة كيف لم يقعوا عليه مع التفكر و كيف لم يتفق لهم ذلك مع فرط الذكاء و جودة الذهن و هذا من قبيح الغفلة التي تنزه القوم عنها و وصفهم الله بخلافها.
و ليس يورد هذا الاعتراض من يوافق في إعجاز القرآن و إنما يصير إليه من خالفنا في الملة و أبهرته الحجة فيرمي العرب بالبله و الغفلة فيقول لعلهم لم يعرفوا أن المعارضة أنجع و أنفع و بطريق الحجة أصوب و أقرب لأنهم لم يكونوا أصحاب نظر و ذكر و إنما كانت الفصاحة صنعتهم فعدلوا إلى الحرب.
و هذا الاعتراض إذا ورد علينا كانت كلمة جماعتنا واحدة في رده و قلنا في جوابه إن العرب إن لم يكونوا نظارين فلم يكونوا في غفلة مخامرة في العقول إن مسألة التحدي في فعله و معارضته بمثله أبلغ في الاحتجاج عليه من كل فعل و لا يجوز أن يذهب العرب جلهم عما لا يذهب عنه العامة و الاعتناء بالحرب غير مانعة عن المعارضة و قد كانوا يستعملون في حروبهم من الارتجاز ما لو جعلوا مكانه معارضة القرآن كان أنفع لهم.
في مطاعن المخالفين في القرآن
قالوا إن في القرآن تفاوتا قوله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ 12350 ففي الكلام تكرار بغير فائدة لأن قوله قَوْمٌ مِنْ
قَوْمٌ يغني من قوله نِساءٌ مِنْ نِساءٍ فالنساء يدخلن في قوم يقال هؤلاء قوم فلان الرجال و النساء من عترته.
الجواب أن قوله قَوْمٌ لا يقع في حقيقة اللغة إلا على الرجال و لا يقال للنساء ليس فيهن رجل هؤلاء قوم فلان و إنما تسمى الرجال لأنهم هم القائمون بالأمور عند الشدائد كتاجر و تجر و مسافر و سفر و نائم و نوم و زائر و زور يدل عليه قول زهير
و ما أدري و سوف إخال أدري
أ قوم آل حصن أم نساء .
و قالوا في قوله تعالى الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي 12351 تفاوت كيف يكون الأعين في غطاء عن ذكر و إنما تكون الأسماع في غطاء عنه.
الجواب أن الله أراد بذلك عميان القلوب يدل على ذلك قول الناس عمي قلب فلان و فلان أعمى القلب إذا لم يفهم و قال تعالى وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ 12352 و قصد القلوب لأن عماها هو المؤثر في باب الدين المانع من الاقتداء فجاز أن يقال للقلب أعمى و إن كان العمى في العين و مثله قوله وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ 12353 و الأكنة الأغطية.
و سألوا عن قوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا 12354 قالوا لا يقال فلان يجعل لفلان حبا إذا أحبه.
الجواب إنما أراد سيجعل لهم الرحمن ودا في قلوب المؤمنين و المعنى إلى يحببهم إلى القلوب.
و قالوا في قوله أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ 12355 و كانت قريش أميين فكيف جعلهم يكتبون.
الجواب أن معنى الكتابة هنا الحكم يريد أ عندهم علم الغيب فهم يحكمون فيقولون سنقهرك و نطردك و تكون العاقبة لنا لا لك و مثله قول الجعدي
و مال الولاء بالبلاء فملتم
و ما ذاك حكم الله إذ هو يكتب 12356 .
أي يحكم بيده و مثله وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ 12357 و مثل قوله للمتحالفين إليه و الذي نفسي بيده لأقضين فيكما بكتاب الله أي بحكم الله لأنه أراد الرجم و التعذيب و ليس ذلك في ظاهر كتاب الله.
و قالوا في قوله وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ 12358 و لفظه كما يأتي تشبيه شيء بشيء تقدم ذكره و لم يتقدم في أول الكلام ما يشبه به ما تأخر عنه.
قالوا و كذلك قوله لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ 12359 ما الذي يشبه بالكلام الأول من إخراج الله إياه.
قالوا و كذلك قوله وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَما أَرْسَلْنا 12360 الجواب أن القرآن على لسان العرب و فيه حذف و إيماء و وحي و إشارة فقوله أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ فيه حذف كأنه قال أنا النذير المبين عذابا كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ فحذف العذاب إذ كان الإنذار يدل عليه لقوله في موضع آخر أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ 12361 و مثله من المحذوف في أشعار العرب و كلامهم كثير.
و أما قوله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ فإن المسلمين يوم بدر
اختلفوا في الأنفال و جادل كثير منهم رسول الله ص فيما فعله في الأنفال فأنزل الله سبحانه يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ يجعلها لمن يشاء فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أي فرقوه بينكم على السواء وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فيما بعد إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ و وصف المؤمنين ثم قال كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يريد أن كراهتهم في الغنائم ككراهتهم في الخروج معك.
و أما قوله وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَما أَرْسَلْنا فإنه أراد و لأتم نعمتي كإرسالي فيكم رسولا أنعمت به عليكم يبين لكم.
سألوا عن قوله وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ 12362 و لا يقول أحدهما ذلك.
الجواب أنه لما حرق بختنصر بيت المقدس بغى على بني إسرائيل و سبى ذراريهم و حرق التوراة حتى لم يبق لهم رسم و كان في سباياه دانيال فعبر رؤياه فنزل منه أحسن المنازل فأقام عزير لهم التوراة بعينها حين عاد إلى الشام بعد موته فقالت طائفة من اليهود هو ابن الله و لم يقل ذلك كل اليهود و هذا خصوص خرج مخرج العموم.