کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الخلاف لأن القوم يظنون أنهم إنما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم و ليلوا الدنيا كما كانوا و يظنون أن ما اعتقدوه في العذاب السالف لهم كان غلطا منهم و إذا حل بهم العقاب ثانية توهموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أن ذلك ليس من طريق الاستحقاق و أنه من الله تعالى لكنه كما يكون الدول و كما حل بالأنبياء ع.
و لأصحاب هذا الجواب أن يقولوا ليس ما ذكرناه في هذا الباب بأعجب من كفر قوم موسى ع و عبادتهم العجل و قد شاهدوا منه الآيات و عاينوا ما حل بفرعون و ملئه على الخلاف و لا هو بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول الله ص و هم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من القرآن و يشهدون معجزاته و آياته ع و يجدون مخبرات أخباره على حقائقها من قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ 5789 و قوله عز و جل لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ 5790 و قوله عز و جل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 5791 و ما حل بهم من العقاب بسيفه ع و هلاك كل من توعده بالهلاك هذا و فيمن أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك و الضلال.
على أن هذا السؤال لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة لأنهم يزعمون أن أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد و أن جمهور المظهرين الجهل بالله تعالى يعرفونه على الحقيقة و يعرفون أنبياءه و صدقهم و لكنهم في الخلاف على اللجاجة و العناد فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة و أهلها على هذا الوصف الذي حكيناه و قد قال الله تعالى وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ 5792
فأخبر سبحانه إن أهل العقاب لو ردهم إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر و العناد مع ما شاهدوا في القبور و في المحشر من الأهوال و ما ذاقوا من أليم العذاب.
و قال رحمه الله في الإرشاد عند ذكر علامات ظهور القائم ع و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاورون.
و في المسائل السروية أنه سئل الشيخ قدس الله روحه عَمَّا يُرْوَى عَنْ مَوْلَانَا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ ع فِي الرَّجْعَةِ وَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَقُلْ بِمُتْعَتِنَا وَ يُؤْمِنْ بِرَجْعَتِنَا 5793 .
أ هي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن أو لغيره من الظلمة الجبارين قبل يوم القيامة.
فكتب الشيخ رحمه الله بعد الجواب عن المتعة و أما قوله ع من لم يقل برجعتنا فليس منا فإنما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله تعالى يحشر قوما من أمة محمد ص بعد موتهم قبل يوم القيامة و هذا مذهب يختص به آل محمد ص و القرآن شاهد به قال الله عز و جل في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً 5794 و قال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ 5795 فأخبر أن الحشر حشران عام و خاص.
و قال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين أنه يقول يوم الحشر الأكبر رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ 5796 و للعامة في هذه الآية تأويل مردود و هو أن قالوا إن المعني بقوله رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ أنه خلقهم أمواتا ثم أماتهم بعد الحياة و هذا باطل لا يستمر على لسان العرب لأن الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها و من خلقه الله أمواتا لا يقال أماته و إنما يقال ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة كذلك لا يقال أحيا الله ميتا إلا أن يكون قد كان قبل إحيائه ميتا 5797 و هذا بين لمن تأمله.
و قد زعم بعضهم أن المراد بقوله رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمساءلة فتكون الأولى قبل الإقبار و الثانية بعده و هذا أيضا باطل من وجه آخر و هو أن الحياة للمساءلة ليست للتكليف فيندم الإنسان على ما فاته في حاله و ندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرتين يدل على أنه لم يرد حياة المساءلة لكنه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك 5798 .
فصل
و الرجعة عندنا تختص بمن محض الإيمان و محض الكفر دون من سوى هذين الفريقين فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عز و جل أنهم إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله فيزدادوا عتوا فينتقم الله تعالى
منهم بأوليائه المؤمنين و يجعل لهم الكرة عليهم فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب و النقمة و العقاب و تصفو الأرض من الطغاة و يكون الدين لله تعالى.
و الرجعة أنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة و ممحضي النفاق منهم دون من سلف من الأمم الخالية.
فصل
و قد قال قوم من المخالفين لنا كيف يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم و قد عاينوا عذاب الله تعالى في البرزخ و تيقنوا بذلك أنهم مبطلون فقلت لهم ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين يشاهدون في البرزخ ما يحل بهم من العذاب و يعلمونه ضرورة بعد المواقفة لهم و الاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا فيقولون يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 5799 فقال الله عز و جل بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة يتعلق بها فيما ذكرناه و المنة لله.
و قال السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه و حشره مع آبائه الطاهرين في أجوبة المسائل التي وردت عليه من بلد الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم ع من دون رجوع أجسامهم.
الجواب اعلم أن الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أن الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي ع قوما ممن كان قد تقدم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته و مشاهدة دولته و يعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق و علو كلمة أهله.
و الدلالة على صحة هذا المذهب أن الذي ذهبوا إليه مما لا شبهة على عاقل في أنه مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه فإنا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة غير مقدورة و إذا ثبت جواز الرجعة
و دخولها تحت المقدور فالطريق إلى إثباتها إجماع الإمامية على وقوعها فإنهم لا يختلفون في ذلك و إجماعهم قد بينا في مواضع من كتبنا أنه حجة لدخول قول الإمام ع فيه و ما يشتمل على قول المعصوم من الأقوال لا بد فيه من كونه صوابا.
و قد بينا أن الرجعة لا تنافي التكليف و أن الدواعي مترددة معنا حين لا يظن ظان أن تكليف من يعاد باطل و ذكرنا أن التكليف كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة و الآيات القاهرة فكذلك مع الرجعة فإنه ليس في جميع ذلك ملجئ إلى فعل الواجب و الامتناع من فعل القبيح.
فأما من تأول الرجعة في أصحابنا على أن معناها رجوع الدولة و الأمر و النهي من دون رجوع الأشخاص و إحياء الأموات فإن قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة و بيان جوازها و أنها تنافي التكليف عولوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة.
و هذا منهم غير صحيح لأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيطرق التأويلات عليها فكيف يثبت ما هو مقطوع على صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم و إنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع الإمامية على معناها بأن الله تعالى يحيي أمواتا عند قيام القائم ع من أوليائه و أعدائه على ما بيناه فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل انتهى.
و قال السيد بن طاوس نور الله ضريحه في كتاب الطرائف روى مسلم في صحيحه في أوائل الجزء الأول بإسناده إلى الجراح بن مليح قال سمعت جابرا يقول عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر محمد الباقر ع عن النبي ص تركوها كلها 5800 ثم ذكر مسلم في صحيحه بإسناده إلى محمد بن عمر الرازي قال سمعت
حريزا يقول لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم أكتب عنه لأنه كان يؤمن بالرجعة ثم قال انظر رحمك الله كيف حرموا أنفسهم الانتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم ص برواية أبي جعفر ع الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم ثم و إن أكثر المسلمين أو كلهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا و حديث إحياء الله تعالى الأموات في القبور للمساءلة و قد تقدمت روايتهم عن أصحاب الكهف و هذا كتابهم يتضمن أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ 5801 و السبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسى ع و حديث العزير ع و من أحياه عيسى ابن مريم ع و حديث جريج الذي أجمع على صحته أيضا و حديث الذين يحييهم الله تعالى في القبور للمساءلة فأي فرق بين هؤلاء و بين ما رواه أهل البيت ع و شيعتهم من الرجعة و أي ذنب كان لجابر في ذلك حتى يسقط حديثه و قال رحمه الله أيضا في كتاب سعد السعود قال الشيخ في تفسيره التبيان عند قوله تعالى ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 5802 استدل بهذه الآية قوم من أصحابنا على جواز الرجعة فإن استدل بها على جوازها كان صحيحا لأن من منع منه و أحاله فالقرآن يكذبه و إن استدل به على وجوب الرجعة و حصولها فلا ثم قال السيد رحمه الله اعلم أن الذين
قال رسول الله ص فيهم إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
لا يختلفون في إحياء الله جل جلاله قوما بعد مماتهم في الحياة الدنيا من هذه الأمة تصديقا لما روى المخالف و المؤالف عن صاحب النبوة ص أما المخالف
فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى
لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود و النصارى قال فمن. 5803 .
و روى الزمخشري في الكشاف عن حذيفة أنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى أني لا أدري أ تعبدون العجل أم لا.
قال السيد فإذا كانت هذه بعض رواياتهم في متابعة الأمم الماضية و بني إسرائيل و اليهود فقد نطق القرآن الشريف و الأخبار المتواترة أن خلقا من الأمم الماضية و اليهود لما قالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فأماتهم الله ثم أحياهم فيكون على هذا في أمتنا من يحييهم الله في الحياة الدنيا.
و رأيت في أخبارهم زيادة على ما تقوله الشيعة من الإشارة إلى أن مولانا عليا يعود إلى الدنيا بعد ضرب ابن ملجم و بعد وفاته كما رجع ذو القرنين فمنها
ما ذكره الزمخشري في الكشاف في حديث ذي القرنين و عن علي ع سخر له السحاب و مدت له الأسباب و بسط له النور.
وَ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: أَحَبَّ اللَّهَ فَأَحَبَّهُ وَ سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ مَا ذُو الْقَرْنَيْنِ أَ مَلَكٌ أَمْ نَبِيٌّ فَقَالَ لَيْسَ بِمَلَكٍ وَ لَا نَبِيٍّ لَكِنْ كَانَ عَبْداً صَالِحاً ضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْمَنِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَمَاتَ ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّهُ فَضُرِبَ عَلَى قَرْنِهِ الْأَيْسَرِ فَمَاتَ فَبَعَثَهُ اللَّهُ وَ سُمِّيَ ذَا الْقَرْنَيْنِ وَ فِيكُمْ مِثْلُهُ.