کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
العظيم كعدمه حتى تاب فاعل القبيح عن العظيم فإنه تقبل توبته و مثال ذلك أن الإنسان إذا قتل ولد غيره و كسر له قلما ثم تاب و أظهر الندم على قتل الولد دون كسر القلم فإنه تقبل توبته و لا يعتد العقلاء بكسر القلم و إن كان لا بد من أن يندم على جميع إساءته و كما أن كسر القلم حال قتل الولد لا يعد إساءة فكذا العزم.
ثم قال رحمه الله و لما فرغ من تقرير كلام أبي هاشم ذكر التحقيق في هذا المقام و تقريره أن نقول الحق أنه يجوز التوبة عن قبيح دون قبيح لأن الأفعال تقع بحسب الدواعي و تنتفي الصوارف فإذا ترجح الداعي وقع الفعل إذا عرفت هذا فنقول يجوز أن يرجح فاعل القبائح دواعيه إلى الندم على بعض القبائح دون بعض و إن كانت القبائح مشتركة في أن الداعي يدعو إلى الندم عليها و ذلك بأن يقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب أو كثرة الزواجر عنه أو الشناعة عند العقلاء عند فعله و لا تقترن هذه القرائن ببعض القبائح فلا يندم عليها و هذا كما في دواعي الفعل فإن الأفعال الكثيرة قد تشترك في الدواعي ثم يؤثر صاحب الدواعي بعض تلك الأفعال على بعض بأن يترجح دواعيه إلى ذلك الفعل بما يقترن به من زيادة الدواعي فلا استبعاد في كون قبح الفعل داعيا إلى العدم ثم يقترن ببعض القبائح زيادة الدواعي إلى الندم عليه فيرجح لأجلها الداعي إلى الندم على ذلك البعض و لو اشتركت القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوع الندم عليها و لم يصح الندم على البعض دون الآخر و على هذا ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين علي ع و كلام أولاده كالرضا و غيره ع حيث نقل عنهم نفي تصحيح التوبة عن بعض القبائح دون بعض لأنه لو لا ذلك لزم خرق الإجماع و التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن الكافر إذا تاب عن كفره و أسلم و هو مقيم على الكذب إما أن يحكم بإسلامه و تقبل توبته من الكفر أو لا و الثاني خرق الإجماع لاتفاق المسلمين على إجراء حكم المسلم عليه و الأول هو المطلوب و قد التزم أبو هاشم استحقاقه عقاب الكفر و عدم قبول توبته و إسلامه و لكن لا يمتنع إطلاق اسم الإسلام عليه.
الثالث
اعلم أن العزم على عدم العود إلى الذنب فيما بقي من العمر لا بد منه في التوبة كما عرفت و هل إمكان صدوره منه في بقية العمر شرط حتى لو زنى ثم جب 3648 و عزم على أن يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته أم ليس بشرط فتصح الأكثر على الثاني بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه و أولى من هذا بصحة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه و أما التوبة عند حضور الموت و تيقن الفوت و هو المعبر عنه بالمعاينة فقد انعقد الإجماع على عدم صحتها و قد مر ما يدل عليه من الآيات و الأخبار.
الرابع في أنواع التوبة
قال العلامة رحمه الله التوبة إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة أو يتعلق به حق الآدمي.
و الأول إما أن يكون فعل قبيح كشرب الخمر و الزنا أو إخلالا بواجب كترك الزكاة و الصلاة فالأول يكفي في التوبة منه الندم عليه و العزم على ترك العود إليه و أما الثاني فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية فمنه ما لا بد مع التوبة من فعله أداء كالزكاة و منه ما يجب معه القضاء كالصلاة و منه ما يسقطان عنه كالعيدين و هذا الأخير يكفي فيه الندم و العزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح و أما ما يتعلق به حق الآدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه فإن كان أخذ مال وجب رده على مالكه أو ورثته إن مات و لو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه و كذا إن كان حد قذف و إن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها و إن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة و إن كان إضلالا وجب إرشاد من أضله و رجوعه مما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك و اعلم أن هذه التوابع ليست أجزاء من التوبة فإن العقاب سقط بالتوبة ثم إن قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى لأن ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه بل يسقط العقاب و يكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة يلزمه التوبة منها نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة
على صدق الندم و إن لم يقم بها أمكن جعله دلالة على عدم صحة الندم ثم قال رحمه الله المغتاب إما أن يكون قد بلغه اغتيابه أو لا و يلزم الفاعل للغيبة في الأول الاعتذار عنه إليه لأنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه و الندم عليه و في الثاني لا يلزمه الاعتذار و لا الاستحلال منه لأنه لم يفعل به ألما و في كلا القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفة النهي و العزم على ترك المعاودة.
و قال المحقق في التجريد و في إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال و قال العلامة ذهب قاضي القضاة 3649 إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كل واحدة منها مفصلا و إن كان يعلمها على الإجمال وجب عليه التوبة كذلك مجملا و إن كان يعلم بعضها على التفصيل و بعضها على الإجمال وجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل و عن المجمل بالإجمال و استشكل المصنف رحمه الله إيجاب التفصيل مع الذكر لإمكان الاجتزاء بالندم على كل قبيح وقع منه و إن لم يذكره مفصلا.
ثم قال المحقق رحمه الله و في وجوب التجديد إشكال و قال العلامة قدس سره إذا تاب المكلف عن معصية ثم ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة قال أبو علي نعم بناء على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين إما الفعل أو الترك فعند ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها أو مصرا عليها و الثاني قبيح فيجب الأول.
و قال أبو هاشم لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما.
ثم قال المحقق و كذا المعلول مع العلة و قال الشارح إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول أو على العلة أو عليهما مثاله الرامي إذا رمى قبل الإصابة قال الشيوخ عليه الندم على الإصابة لأنها هي القبيح و قد صارت في حكم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب و قال القاضي يجب عليه ندمان أحدهما على الرمي لأنه قبيح و الثاني على كونه مولدا للقبيح و لا يجوز أن يندم على المعلول لأن الندم على القبيح إنما هو لقبحه و قبل وجوده لا قبح.
الخامس اعلم أنه لا خلاف بين المتكلمين في وجوب التوبة سمعا
و اختلفوا في وجوبها عقلا فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب قال الشيخ البهائي رحمه الله هذا لا يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة و لهذا ذهبت البهشمية 3650 إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا نعم الاستدلال بأن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين و أما فورية الوجوب فقد صرح بها المعتزلة فقالوا يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر تجب التوبة منه أيضا حتى أن من أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين و ساعتين أربع كبائر الأولتان و ترك التوبة عن كل منهما و ثلاث ساعات ثمان كبائر و هكذا و أصحابنا يوافقونهم على الفورية لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية.
السادس سقوط العقاب بالتوبة
مما أجمع عليه أهل الإسلام و إنما الخلاف في أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما أو هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه و رحمة بعباده فالمعتزلة على الأول و الأشاعرة على الثاني و إلى الثاني ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد و العلامة الحلي رحمه الله في بعض كتبه الكلامية و توقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد و مختار الشيخين هو الظاهر من الأخبار و أدعية الصحيفة الكاملة و غيرها و هو الذي اختاره الشيخ الطبرسي رحمه الله و نسبه إلى أصحابنا كما عرفت و دليل الوجوب ضعيف مدخول كما لا يخفى على من تأمل فيه.
أقول: أثبتنا بعض أخبار التوبة في باب الاستغفار و باب صفات المؤمن و باب صفات خيار العباد و باب جوامع المكارم و سيأتي تحقيق الكبائر و الصغائر و الذنوب و أنواعها و حبط الصغائر بترك الكبائر في أبوابها إن شاء الله تعالى.
باب 21 نفي العبث و ما يوجب النقص من الاستهزاء و السخرية و المكر و الخديعة عنه تعالى و تأويل الآيات فيها
الآيات البقرة اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ النساء يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ الأنفال وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ التوبة فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ يونس قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً الرعد وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً النمل وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ الطارق إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَ أَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً تفسير قال البيضاوي اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ 3651 يجازيهم على استهزائهم سمّي جزاء
الاستهزاء باسمه كما سمّي جزاء السيئة سيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ أو لكونه مماثلا له في القدر أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم أو ينزل بهم الحقارة و الهوان الذي هو لازم الاستهزاء و الغرض منه أو يعاملهم معاملة المستهزئ أما في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم و استدراجهم بالإمهال و زيادة في النعمة على التمادي في الطغيان و أما في الآخرة فبأن يفتح لهم و هم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه فإذا صاروا إليه سدّ عليهم الباب و ذلك قوله تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ من مد الجيش و أمده إذا زاده و قواه لا من المد في العمر فإنه يعدى باللام و المعتزلة قالوا لما منعهم الله ألطافه التي يمنحها المؤمنين و خذلهم بسبب كفرهم و إصرارهم و سدهم طريق التوفيق على أنفسهم فتزايدت بسببه قلوبهم رينا و ظلمة و تزايد قلوب المؤمنين انشراحا و نورا أو مكّن الشيطان من إغوائهم فزادهم طغيانا أسند ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبّب و أضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهّم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة و مصداق ذلك أنه لما أسند المدّ إلى الشياطين أطلق الغيّ و قال وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ و قيل أصله نمد لهم يعني نملي لهم و نمد في أعمارهم كي ينتبهوا و يطيعوا فما زادوا إلا طغيانا و عمها فحذفت اللام و عدي الفعل بنفسه كما في قوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ أو التقدير يمدهم استصلاحا و هم مع ذلك يعمهون في طغيانهم.
و قال في قوله تعالى يُخادِعُونَ اللَّهَ الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزله عما هو بصدده و خداعهم مع الله ليس على ظاهره لأنه لا تخفى عليه خافية و لأنهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ و إما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الإيمان و استبطان الكفر و صنع الله معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم استدراجا لهم و امتثال الرسول و المؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين.
و قال في قوله تعالى وَ يَمْكُرُ اللَّهُ برد مكرهم أو بمجازاتهم عليه أو بمعاملة
الماكرين معهم بأن أخرجهم إلى بدر و قلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فقتلوا وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ إذ لا يؤبه بمكرهم دون مكره و إسناد أمثال هذا إنما يحسن للمزاوجة و لا يجوز إطلاقها ابتداء لما فيه من إيهام الذم و قال في قوله سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ جازاهم على سخريتهم.
1- يد، التوحيد مع، معاني الأخبار ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام الْمُعَاذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ عَنْ قَوْلِهِ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ عَنْ قَوْلِهِ وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ عَنْ قَوْلِهِ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَسْخَرُ وَ لَا يَسْتَهْزِئُ وَ لَا يَمْكُرُ وَ لَا يُخَادِعُ وَ لَكِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ السُّخْرِيَّةِ وَ جَزَاءَ الِاسْتِهْزَاءِ وَ جَزَاءَ الْمَكْرِ وَ الْخَدِيعَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِيراً:.
ج، الإحتجاج مرسلا مثله.