کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته و ما ذاك إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه و ثانيها أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر و المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام و ثالثها حكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان أن الدجاجة إذا تشبهت كثيرا بالديكة في الصوت و في الجواب مع الديكة نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك ثم قال صاحب الشفاء و هذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية.
و رابعها أجمعت الأمم على أن الدعاء مظنة للإجابة و أجمعوا على أن الدعاء اللساني الخالي عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الأثر فدل ذلك على أن للهمم و النفوس آثارا و هذا الاتفاق غير مختص بملة معينة و نحلة مخصوصة و خامسها أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادي القريبة للأفعال الحيوانية ليست إلا التصورات النفسانية لأن القوة المحركة المخلوقة المطبوعة المغروزة 8966 في العضلات صالحة للفعل و تركه أو ضده و لن يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح و ما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا أو تصور كونه قبيحا أو مؤلما فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العضلية مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت كذلك بالقوة و إذا كانت هذه التصورات هي المبادئ لمبادئ هذه الأفعال فأي استبعاد في كونها مبادئ للأفعال بأنفسها 8967 و إلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار و سادسها التجربة و العيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان يشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيد سخونة قوية يحكى عن بعض الملوك أنه عرض له فالج فأعيا الأطباء مزاولة علاجه فدخل عليه بعض الحذاق منهم على حين غفلة منه و شافهه بالشتم و القدح
في العرض فاشتد غضب الملك و قفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام فزالت تلك العلة المزمنة و المرضة المهلكة و إذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن و سابعها أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء و ذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه.
إذا عرفت هذا فنقول النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات و الأدوات و قد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه و تحقيقه أن النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير و وضعه عند الحس ليشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه و أقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية و التصرفات الروحانية و لذلك اجتمعت الأمم على أنه لا بد لمزاول هذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات و المشتهيات و تقليله الغذاء و الانقطاع عن مخاطبة 8968 القلب فكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الأمر نظرا إلى ماهيتها و خاصيتها عظم التأثير و السبب اللمي 8969 فيه أن النفس إذا اشتغلت بالجانب الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل و إذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرقت قوتها و توزعت على تلك الأفعال فتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة من تلك القوة و جدول من ذلك النهر و لذلك ترى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة و اشتغل الآخر بصناعتين فإن ذا
الفن الواحد يكون أقوى من ذي الفنين و من حاول الوقوف على حقيقة مسألة من المسائل فإنه حال تفكره فيها لا بد و إن يفرغ خاطره عما عداه 8970 فإنه عند تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه فيكون الفعل أسهل و أحسن و إذا كان كذلك فإذا كان الإنسان مشغول الهم و الهمة بقضاء اللذات و تحصيل الشهوات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها فلا يكون انجذابها إلى تحصيل الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا لا سيما و هنا آفة أخرى و هي أن مثل هذه النفس اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره و لم تشتغل قط باستحداث هذه الأفعال الغريبة فهي بالطبع حنون إلى الأول عزوف للثاني 8971 فإذا وجدت مطلوبها من النمط الأول فإني تلتفت إلى الجانب الآخر. فقد ظهر من هذا أن مزاولة هذه الأعمال لا تتأتى إلا مع التجرد عن الأحوال الجسمانية و ترك مخالطة الخلق و الإقبال بالكلية على عالم الصفا و الأرواح و أما الرقي فإن كانت معلومة فالأمر فيها ظاهر لأن الغرض منها أن حس البصر كما شغلناه بالأمور المناسبة لذلك الغرض فحس السمع نشغله أيضا بالأمور المناسبة لذلك الغرض فإن الحواس متى تطابقت نحو 8972 التوجه إلى الغرض الواحد كان توجه النفس إليه حينئذ أقوى و أما إذا كانت بألفاظ غير معلومة حصلت للنفس هناك حالة شبيهة بالحيرة و الدهشة 8973 و يحصل للنفس في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات و إقبال على ذلك الفعل و جد عظيم فيقوى التأثير النفساني فيحصل الغرض و هكذا القول في الدخن. قالوا فقد ثبت أن هذا القدر من القوة النفسانية مستقل
بالتأثير فإن انضم إليه النوع الأول من السحر و هو الاستعانة بالكواكب و تأثيراتها عظم التأثير بل هاهنا نوعان آخران الأول أن النفوس التي فارقت الأبدان قد يكون فيها ما هو شديد المشابهة لهذه النفس في قوتها و في تأثيراتها فإذا صارت هذه النفوس صافية لم يبعد أن ينجذب إليها ما تشابهها من النفوس المفارقة و يحصل لتلك النفوس نوع ما من التعلق بهذا البدن فتعاضد النفوس الكثيرة على ذلك الفعل و إذا كملت القوة تزايدت قوى التأثير الثاني أن هذه النفوس الناطقة إذا صارت صافية عن الكدورات البدنية صارت قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماوية و النفوس الفلكية فتتقوى هذه النفوس بأنوار تلك الأرواح فتقوى على أمور غريبة خارقة للعادة فهذا شرح سحر أصحاب الأوهام و الرُّقى.
النوع الثالث من السحر الاستعانة بالأرواح الأرضية
و اعلم أن القول بالجن مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة و المعتزلة أما أكابر الفلاسفة فإنهم ما أنكروا القول به إلا أنهم سموها بالأرواح الأرضية و هي في أنفسها مختلفة منها خيرة و منها شريرة فالخير منهم الجن و الشريرة هم كفار الجن و شياطينهم ثم قال خلق منهم 8974 هذا الأرواح جواهر قائمة بأنفسها لا متحيزة و لا حالة في المتحيز و هي قادرة عالمة مدركة للجزئيات و اتصال النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية إلا أن القوة الحاصلة للنفوس الناطقة بسبب اتصالها بهذه الأرواح الأرضية أضعف من القوة الحاصلة لها بسبب اتصالها بتلك الأرواح السماوية إما أن الاتصال أسهل فلأن المناسبة بين نفوسنا و بين هذه الأرواح الأرضية أرسل فإن 8975 المشابهة و المشاكلة بينها
أتم و أشد من المشاكلة بين نفوسنا و بين الأرواح السماوية و إما أن القوة الحاصلة بسبب الاتصال بالأرواح السماوية أقوى فلأن الأرواح السماوية بالنسبة إلى الأرواح الأرضية كالشمس بالنسبة إلى الشعلة و البحر بالنسبة إلى القطرة و السلطان بالنسبة إلى الرعية قالوا و هذه الأشياء و إن لم يقم على وجودها برهان قاهر فلا أقل من الاحتمال و الإمكان ثم إن أصحاب الصنعة و أرباب التجربة شاهدوا أن الاتصال بهذه الأرواح الأرضية يحصل بأعمال سهلة قليلة من الرُّقى و الدخن و التجريد فهذا النوع هو المسمى بالعزائم و عمل تسخير الجن.
النوع الرابع من السحر التخيلات و الأخذ بالعيون
فهذا النوع مبني على مقدمات أحدها أن أغلاط البصر كثيرة فإن راكب السفينة إذا نظر إلى الشط رأى السفينة واقفة و الشط متحركا و ذلك يدل على أن الساكن يرى متحركا و المتحرك يرى ساكنا و القطرة النازلة ترى خطا مستقيما و الزبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة و القبة ترى في الماء كالإجاصة و الشخص الصغير يرى في الضباب عظيما و كبخار الأرض الذي يريك قرص الشمس عند طلوعها عظيما فإذا فارقته و ارتفعت صغرت و أما رؤية العظيم من البعيد صغيرا فظاهر فهذه الأشياء قد هدت العقول إلى أن القوة الباصرة قد تبصر الشيء على خلاف ما هو عليه في الجملة لبعض الأسباب العارضة.
و ثانيها أن القوة الباصرة إنما تقف على المحسوس وقوفا تاما إذا أدركت المحسوس في زمان له مقدار فأما إذا أدركت المحسوس في زمان صغير جدا ثم أدركت بعده محسوسا آخر و هكذا فإنه يختلط البعض بالبعض و لا يتميز بعض المحسوسات عن البعض و لذلك فإن الرحى إذا أخرجت من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة بألوان مختلفة ثم استدارت فإن الحس يرى لونا واحدا كأنه
مركب من كل تلك الألوان.
و ثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشيء فربما حضر عند الحس شيء آخر فلا يشعر الحس به البتة كما أن الإنسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه إنسان 8976 و يتكلم معه فلا يعرفه و لا يفهم كلامه لما أن قلبه مشغول بشيء آخر و كذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها و لا يرى ما هو أكثر 8977 منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة و ربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستو أم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر و ذلك لأن المشعبذ الحاذق يظهر عمل شيء يشغل أذهان الناظرين به و يأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفز عنهم 8978 الشغل بذلك الشيء و التحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون 8979 الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول و الثاني سرعة الإتيان بهذا العمل الثاني و حينئذ يظهر لهم شيء آخر غير ما انتظروه فيتعجبون منه جدا و لو أنه سكت و لم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل و لم تتحرك النفوس و الأوهام إلى غير ما يريد إخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال و كلما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سواء 8980 مقصوده أقوى كان أحذق في عمله و كلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضيء جدا فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا
و اختلالا و كذا الظلمة الشديدة و كذلك الألوان المشرقة القوية تفيد البصر كلالا و اختلالا و الألوان المظلمة قلما تقف القوة الباصرة على أحوالها فهذا مجامع القول في هذا النوع من السحر.
النوع الخامس من السحر