کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
و الحياة و اللون و الطعم و احتجوا بوجوه ذكرها القاضي و لخصها في تفسيره و في سائر كبته و نحن ننقل تلك الوجوه و ننظر فيها أولها و هو النكتة العقلية التي عليها يقولون 8960 إن كل ما سوى الله إما متحيز أو قائم بالمتحيز فلو كان غير الله فاعلا للجسم و الحياة لكان ذلك الغير متحيزا و ذلك المتحيز لا بد و أن يكون قادرا بالقدرة إذ لو كان قادرا لذاته لكان كل جسم كذلك بناء على أن الأجسام متماثلة لكن القادر بالقدرة لا يصح منه فعل الجسم و الحياة و يدل عليه وجهان الأول أن العلم الضروري حاصل بأن الواحد منا لا يقدر على خلق الجسم و الحياة ابتداء فقدرتنا مشتركة في امتناع ذلك عليها فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة و لا مشترك هاهنا إلا كوننا قادرين بالقدرة و إذا ثبت هذا وجب في من كان قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم و الحياة. الثاني أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضا فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم و الحياة لم يكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم 8961 لوجب في هذه القدرة التي يخالف بعضها بعضا أن تكون صالحة لخلق الجسم و الحياة و لما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم و الحياة.
و ثانيها أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات 8962 لأنا لما جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية لم يمكننا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الأمناء 8963 صدرت عن الله تعالى بل يجوز فيها أنهم أتوا بها من طريق السحر و حينئذ يبطل القول بالنبوات من كل الوجوه.
و ثالثها أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم و الحياة و الألوان لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب لكنا نرى من يدعي السحر متوسلا إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد فعلمنا كذبه و بهذا الطريق يعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء فإنا نقول لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة و الذلة أو لا يمكن إلا بالآلات العظام و الأموال الخطيرة فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكنين من ذلك بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك لأنه أنفع لهم من فتح البلاد التي لا يتم إلا بإخراج الأموال و الكنوز و في علمنا بانصراف النفوس و الهمم عن ذلك دلالة على فساد هذا القول قال القاضي فثبت بهذه الجملة أن الساحر لا يصح أن يكون فاعلا لشيء من ذلك.
و اعلم أن هذه الدلائل ضعيفة جدا أما الوجه الأول فنقول ما الدليل على أن كل ما سوى الله تعالى إما أن يكون متحيزا أو قائما بالمتحيز أ ما علمتهم أن الفلاسفة مصرون على إثبات العقول و النفوس الفلكية و النفوس الناطقة و زعموا أنها في أنفسها ليست بمتحيزة و لا قائمة بالمتحيز فما الدليل على فساد القول بها.
فإن قالوا لو وجد موجود هكذا لزم أن يكون مثلا لله تعالى قلنا لا نسلم و ذلك لأن الاشتراك في السلوب لا يقتضي الاشتراك في الماهية سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون بعض الأجسام يقدر على ذلك لذاته قوله الأجسام متساوية 8964 فلو كان جسم كذلك لكان كل جسم كذلك قلنا ما الدليل على تماثل الأجسام.
فإن قالوا إنه لا معنى للجسم إلا الممتد في الجهات الشاغل للأحياز فلا تفاوت بينها في هذا المعنى
قلنا الامتداد في الجهات و الشغل للأحياز صفة من صفاتها و لازم من لوازمها و لا بد أن تكون الأشياء المختلفة في الماهية مشتركة في بعض اللوازم سلمنا أنه يجب أن يكون قادرا بالقدرة فلم قلتم إن القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجسم و الحياة قوله لأن القدرة التي لنا مشتركة في هذا الامتناع فهذا الامتناع حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة و لا مشترك سوى كوننا قادرين بالقدرة قلنا هذه المقدمات بأسرها ممنوعة فلا نسلم أن الامتناع حكم معلل و ذلك لأن الامتناع عدمي و العدمي لا يعلل سلمنا أنه أمر وجودي و لكن من مذهبهم أن كثيرا من الأحكام لا يعلل فلم لا يجوز أن يكون هاهنا كذلك سلمنا أنه معلل فلم قلتم إن الحكم المشترك لا بد له عن علة مشتركة أ ليس أن القبح حصل في الظلم معللا بكونه ظلما و في الكذب بكونه كذبا و في الجهل بكونه جهلا سلمنا أنه لا بد من علة مشتركة لكن لا نسلم أنه لا مشترك إلا كوننا قادرين بالقدرة فلم لا يجوز أن تكون هذه القدرة التي لنا مشتركة في وصف معين و تلك القدرة التي تصلح لخلق الجسم تكون خارجة عن ذلك الوصف فما الدليل على أن الأمر ليس كذلك.
أما الوجه الثاني و هو أنه ليست مخالفة تلك القدرة لبعض هذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض فنقول هذا أضعف 8965 لأنا لا نعلل صلاحيتها لخلق الجسم بكونها مخالفة لهذه القدرة بل لخصوصيتها المعينة التي لأجلها خالفت سائر القدر و تلك الخصوصية معلوم أنها غير حاصلة في سائر القدر و نظير ما ذكروه أن يقال ليست مخالفة الصوت للبياض أشد من مخالفة السواد للبياض فلو كانت تلك المخالفة مانعة للصوت من صحة أن يرى لوجب لكون السواد مخالفا للبياض أن يمتنع رؤيته و لما كان هذا الكلام فاسدا فكذا ما قالوه و العجب من القاضي أنه لما حكي هذه الوجوه عن الشعرية في مسألة الرؤية زيفها بهذه الأسئلة ثم إنه نفسه تمسك بها في هذه المسألة التي هي الأصل في
إثبات النبوة و الرد على من أثبت متوسطا بين الله و بيننا.
أما الوجه الثالث و هو أن القول بصحة النبوات لا يبقى مع تجويز هذا الأصل فنقول إما أن يكون القول بصحة النبوات متفرعا على فساد هذه القاعدة أو لا يكون فإن كان الأول امتنع إفساد هذا الأصل بالبناء على صحة النبوات و إلا وقع الدور و إن كان الثاني فقد سقط هذا الكلام بالكلية.
و أما الوجه الرابع فلقائل أن يقول الكلام في الإمكان غير و في الوقوع غير و نحن لا نقول بأن هذه الحالة حاصلة لكل أحد بل هذه الحالة لا تحصل للبشر إلا في الأعصار المتباعدة فكيف يلزمنا ما ذكرتموه فهذا هو الكلام في النوع الأول من السحر.
النوع الثاني من السحر سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية
قالوا اختلف الناس في أن الذي يشير إليه كل إنسان بقوله أنا ما هو فمن الناس من يقول إنه هو هذه البنية و منهم من يقول إنه جسم سار في هذه البنية و منهم من يقول إنه موجود ليس بجسم و لا جسماني أما إذا قلنا إن الإنسان هو هذه البنية فلا شك أن هذه البنية مركبة من الأخلاط الأربعة فلم لا يجوز أن يتفق في بعض الأعصار النادرة أن يكون مزاج من الأمزجة في ناحية من النواحي يقتضي القدرة على خلق الجسم و العلم بالأمور الغائبة عنا و هكذا الكلام إذا قلنا إن الإنسان جسم سار في هذه البنية أما إذا قلنا إن الإنسان هو النفس فلم لا يجوز أن يقال النفوس مختلفة فيتفق في بعض النفوس أن تكون لذاتها قادرة على هذه الحوادث الغريبة مطلعة على الأسرار الغائبة عنا فهذا الاحتمال مما لم يقم دلالة على فساده سوى الوجوه المتقدمة و قد بان بطلانها.
ثم الذي يؤكد هذا الاحتمال وجوه أولها أن الجذع الذي يتمكن الإنسان
من المشي عليه لو كان موضوعا على الأرض لا يمكنه المشي عليه لو كان كالجسر على هاوية تحته و ما ذاك إلا لأن تخيل السقوط متى قوي أوجبه و ثانيها أجمعت الأطباء على نهي المرعوف عن النظر إلى الأشياء الحمر و المصروع عن النظر إلى الأشياء القوية اللمعان و الدوران و ما ذاك إلا لأن النفوس خلقت مطيعة للأوهام و ثالثها حكى صاحب الشفاء عن أرسطو في طبائع الحيوان أن الدجاجة إذا تشبهت كثيرا بالديكة في الصوت و في الجواب مع الديكة نبت على ساقيها مثل الشيء النابت على ساق الديك ثم قال صاحب الشفاء و هذا يدل على أن الأحوال الجسمانية تابعة للأحوال النفسانية.
و رابعها أجمعت الأمم على أن الدعاء مظنة للإجابة و أجمعوا على أن الدعاء اللساني الخالي عن المطلب النفساني قليل البركة عديم الأثر فدل ذلك على أن للهمم و النفوس آثارا و هذا الاتفاق غير مختص بملة معينة و نحلة مخصوصة و خامسها أنك لو أنصفت لعلمت أن المبادي القريبة للأفعال الحيوانية ليست إلا التصورات النفسانية لأن القوة المحركة المخلوقة المطبوعة المغروزة 8966 في العضلات صالحة للفعل و تركه أو ضده و لن يترجح أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح و ما ذاك إلا تصور كون الفعل جميلا أو لذيذا أو تصور كونه قبيحا أو مؤلما فتلك التصورات هي المبادئ لصيرورة القوى العضلية مبادئ بالفعل لوجود الأفعال بعد أن كانت كذلك بالقوة و إذا كانت هذه التصورات هي المبادئ لمبادئ هذه الأفعال فأي استبعاد في كونها مبادئ للأفعال بأنفسها 8967 و إلغاء الواسطة عن درجة الاعتبار و سادسها التجربة و العيان شاهدان بأن هذه التصورات مبادئ قريبة لحدوث الكيفيات في الأبدان فإن الغضبان يشتد سخونة مزاجه حتى أنه يفيد سخونة قوية يحكى عن بعض الملوك أنه عرض له فالج فأعيا الأطباء مزاولة علاجه فدخل عليه بعض الحذاق منهم على حين غفلة منه و شافهه بالشتم و القدح
في العرض فاشتد غضب الملك و قفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام فزالت تلك العلة المزمنة و المرضة المهلكة و إذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن و سابعها أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء و ذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه.
إذا عرفت هذا فنقول النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات و الأدوات و قد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه و تحقيقه أن النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن فإذا أراد هذا الإنسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير و وضعه عند الحس ليشتغل الحس به فيتبعه الخيال عليه و أقبلت النفس الناطقة عليه فقويت التأثيرات النفسانية و التصرفات الروحانية و لذلك اجتمعت الأمم على أنه لا بد لمزاول هذه الأعمال من الانقطاع عن المألوفات و المشتهيات و تقليله الغذاء و الانقطاع عن مخاطبة 8968 القلب فكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الأمر نظرا إلى ماهيتها و خاصيتها عظم التأثير و السبب اللمي 8969 فيه أن النفس إذا اشتغلت بالجانب الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل و إذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرقت قوتها و توزعت على تلك الأفعال فتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة من تلك القوة و جدول من ذلك النهر و لذلك ترى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة و اشتغل الآخر بصناعتين فإن ذا