کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الأحوال عند من يقرأ السّير و التواريخ 33373 يدلّ على أنّ الرسول صلّى اللّه عليه و آله كان يحثّهم على الخروج و المسير، انتهى.
على أنّ التراخي إنّما ينفع له إذا كان أبو بكر قد خرج في الجيش و لو بعد حين، و لم يقل أحد بخروجه مطلقا.
ثم أجاب صاحب المغني 33374 - بعد تسليمه كون أبي بكر من الجيش- بأنّ خطابه (ص) بتنفيذ الجيش يجب أن يكون متوجّها إلى القائم بالأمر بعده، لأنّه من خطاب الأئمّة، و هذا يقتضي أن لا يكون المخاطب بالتنفيذ في الجملة.
ثم قال: و هذا يدلّ على أنّه لم يكن هناك إمام منصوص عليه، لأنّه لو كان لأقبل بالخطاب عليه، و خصّه بالأمر بالتنفيذ دون الجميع.
و يرد عليه: أنّ المخاطب في هذا المقام إمّا الخليفة المنصوص عليه أو من يختاره الأمّة، و إمّا الجيش المأمور بالخروج، و إمّا جميع الحاضرين- الجيش و غيرهم-، و إمّا الجماعة الخارجة من الجيش بأمره صلّى اللّه عليه و آله، و على أيّ حال فالمأمور به إمّا إنفاذ الجيش حال حياته صلّى اللّه عليه و آله أو بعد وفاته، أو مطلقا.
أمّا كون المخاطب الخليفة- بقسميه- مع كون المأمور به تنفيذ الجيش حال الحياة فباطل، لورود الخطاب بلفظ الجمع، و لأنّه لا حكم للخليفة في حياته صلّى اللّه عليه و آله من حيث الخلافة، و لأنّه لو كان المخاطب هو بعينه لأنكر الرسول صلّى اللّه عليه و آله تأخّر القوم عن الخروج عليه لا على القوم، و المرويّ خلافه.
و يخصّ القسم الثاني بأنّه لا معنى لخطاب من يختاره الأمّة بعد الوفاة بالأمر بتنفيذ الجيش حال الحياة، و هو واضح، و كذا على الإطلاق، و لو خوطب بالتنفيذ بعد الوفاة فبأمر من خرج الأصحاب حال حياته صلّى اللّه عليه و آله؟ و لما ذا ينكر صلّى اللّه عليه و آله تخلّف من تخلّف و يحثّهم على الخروج؟! و كذا لو كان المخاطب
الإمام المنصوص.
و لو كان المخاطب هو الجيش المأمور بالخروج فعلى الأقسام الثلاثة يكون الداخل فيهم عاصيا بالتخلّف حال الحياة أو بعدها أو مطلقا، و قد ثبت باعتراف الثقات عندهم دخول أبي بكر في الجيش، فثبت عصيانه بالتخلّف على أحد الوجوه، على أنّ هذا الكلام من صاحب المغني- بعد تسليم كون أبي بكر من الجيش- و لعلّه رجع عن ذلك التسليم معتمدا على دليله هذا، و هو كما ترى، و حينئذ يكون المراد بالتنفيذ- في كلامه صلّى اللّه عليه و آله أو التجهيز على اختلاف الروايات- إتمام أمر الجيش في بلوغه إلى حيث أمر به، فكلّ واحد منهم مكلّف بالخروج الذي هو شرط لتحقّق المأمور به و حصول الامتثال، و باجتماعهم في ذلك يحصل الغرض.
و لا يذهب عليك أنّ القسم الثاني من هذه الثلاثة و إن كان مثبتا للمطلوب إلّا أنّه باطل، إذ لو كان المأمور به خروجهم بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله لما تركوه في شدّة المرض مع تعلّق القلوب باستعلام العاقبة في أمره صلّى اللّه عليه و آله و أمر الخلافة و ما خلّفوه كما سبق، و لما أنكر صلّى اللّه عليه و آله خروج من تخلّف منهم.
و لو كان المخاطب جميع من حضر فمعنى التنفيذ و التجهيز أن يبذل كلّ منهم جهده في حصول المأمور به، فالمطلوب من الجيش الخروج، و من غيرهم تهيئة أسبابهم و حثّهم عليه، و فعل كلّ ما هو شرط فيه ممّا يدخل تحت طاقته و يعصي كلّ بترك ما أمر به، فمن كان داخلا في الجيش كالثلاثة بالتخلّف و من خرج بترك ما سبق.
و لو كان المخاطب الجماعة التي لم تؤمر بالخروج فيهم، كما هو الأظهر من لفظ التنفيذ مع صيغة الجمع، فمع جريان بعض المفاسد السابقة فيه و بطلانه بأقسامه لا يغني صاحب المغني، إذ هو مخالف لما تعرّض لإثباته من كون الخطاب متوجّها إلى الأئمّة، و لا يلزم منه خروج أبي بكر عن المأمورين أيضا، و هو ممّا لم يقل به أحد.
و لو سلّمنا توجّه هذا الخطاب إلى غير الجيش إما 33375 كان أو غيره، نقول لا ريب في أنّه متضمّن لأمر الجيش بالخروج، فعصيان من تخلّف من الداخلين فيه لازم على هذا الوجه، فعلى أيّ تقدير ثبت عصيان أبي بكر و اندفع كلام المجيب.
و قوله: لأنّه من خطاب الأئمّة .. إن أراد به أنّ الأمر بالتنفيذ لا يصلح لغير الأئمّة فقد عرفت ضعفه، و إن أراد أنّ الخطاب بصيغة الجمع لا يتوجّه إلى غيرهم، فالظاهر أنّ الأمر بالعكس، على أنّا لو ساعدناه على ذلك نقول: إذا ثبت كون من تزعمه إماما من الجيش فبعد توجّه الخطاب إليه كان مأمورا بالخروج، عاصيا بتركه، و يكون معنى التنفيذ و التجهيز ما تقدّم، فإذا قلت بأنّ الخطاب على هذا الوجه لا يتوجّه إلّا إلى الأئمّة و يستدعي بخروج من توجّه إليه الخطاب، فبعد ثبوت أنّ أبا بكر كان من الجيش أو تسليمه كان ذلك دليلا على أنّه لا يصلح لأن يختاره الأمّة للإمامة، و أمّا توصّله بذلك إلى عدم النصّ فيتوجّه عليه أنّ كون الخطاب بصيغة الجمع محمولا على ظاهره مع توجّهه إلى الإمام يستلزم كون الإمام جماعة، و لم يقلّ به أحد، و لو فتحت به باب التأويل و أوّلته إلى من يصير خليفة باختياركم أوّلناه إلى من جعلته خليفة نبيّكم، مع أنّ توجّه الخطاب إلى الخليفة قد عرفت بطلانه بأقسامه.
أقول: قد تكلّم السيّد رحمه اللّه في الشافي 33376 و غيره من الأفاضل 33377 في هذا الطعن سؤالا و جوابا و نقضا و إبراما بما لا مزيد عليه، و اكتفينا بما أوردنا لئلّا نخرج عن الغرض المقصود من الكتاب، و كفى ما ذكرنا لأولي الألباب.
الثالث: ما جرى منه في أمر فدك،
و قد تقدّم القول فيه مفصّلا فلا نعيده 33378 .
الرابع:
أَنَّهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- مَعَ كَوْنِهِ وَلِيّاً وَ نَاصِراً لِأَبِي بَكْرٍ-: كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَا 33379 ، فَمَنْ عَادَ إِلَى مِثْلِهَا فَاقْتُلُوهُ 33380 ، و لا يتصوّر في
التخطئة و الذمّ أوكد من ذلك.
و أجاب عنه قاضي القضاة في المغني 33381 : لا يجوز لقول محتمل ترك ما علم ضرورة، و معلوم 33382 من حال عمر إعظام أبي بكر و القول بإمامته و الرضا ببيعته، و ذلك يمنع ممّا ذكروه، لأنّ المصوّب للشيء لا يجوز أن يكون مخطّئا له.
قال: و قال أبو علي: إنّ 33383 الفلتة ليست هي الزلّة و الخطيئة، بل هي البغتة و ما وقع فجأة من غير 33384 رويّة و لا مشاورة، و استشهد بقول الشاعر:
من يأمن الحدثان مثل ضبيرة القرشيّ ماتا
سبقت منيّته المشيب و كان ميتته افتلاتا 33385
يعني بغتة من غير مقدّمة، و حكى عن الرياضي 33386 إنّ العرب تسمّي آخر
يوم من شوال: فلتة، من حيث إنّ كلّ 33387 من لم يدرك ثاره و طلبته 33388 فيه فاته 33389 لأنّهم كانوا إذا دخلوا في الأشهر الحرم لا يطلبون الثار، و ذو القعدة من الأشهر الحرم، فسمّوا ذلك اليوم فلتة 33390 ، لأنّهم إذا أدركوا 33391 فيه ثارهم فقد أدركوا ما كاد يفوتهم، فأراد عمر على هذا أنّ بيعة أبي بكر تداركها 33392 بعد ما كادت تفوت.
و قوله: وقى اللّه شرّها .. دليل على تصويب البيعة 33393 ، لأنّ المراد بذلك أنّ اللّه تعالى 33394 دفع شرّ الاختلاف فيها.
قال: 33395 فأمّا قوله: فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فالمراد من عاد إلى أن يبايع من غير 33396 مشاورة و لا عدد يثبت صحّة البيعة به و لا ضرورة داعية إلى البيعة 33397 ثم بسط يده على المسلمين ليدخلهم في البيعة قهرا 33398 فاقتلوه، و إذا احتمل ذلك وجب حمله على المعنى الذي ذكرنا و لم نتكلّف 33399 ذلك، لأنّ قول عمر يطعن في بيعة أبي بكر
و لا أن 33400 قوله حجّة عند المخالف، و لكن تعلّقوا به ليوهموا أنّ بيعته غير متّفق عليه 33401 ، و أنّ أوّل من ذمّها من عقدها. انتهى ما ذكره أبو علي.
و بمثل هذا الجواب أجاب الفخر الرازي في نهاية العقول، 33402 ، و شارح المقاصد 33403 ، و شارح المواقف 33404 و من يحذو حذوهم.
و أورد السيّد الأجلّ 33405 رضي اللّه عنه على صاحب المغني: بأنّ ما تعلّقت به من العلم الضروري برضا عمر ببيعة أبي بكر و إمامته .. فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنّه كان راضيا بإمامته، و ليس كلّ من رضي شيئا كان متديّنا به معتقدا لصوابه، فإنّ كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضرّ منها و إن كانوا لا يرونها صوابا، و لو ملكوا الاختيار لاختاروا غيرها، و قد علمنا أنّ معاوية كان راضيا ببيعة يزيد لعنه اللّه و ولايته العهد من بعده، و لم يكن متديّنا بذلك و معتقدا صحّته، و إنّما رضي عمر ببيعة أبي بكر من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، و لو ملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه آثر في نفسه و أقرّ لعينه. فإن ادّعى أنّ المعلوم ضرورة تديّن عمر ببيعة أبي بكر و أنّه أولى بالإمامة منه فهو مدفوع عن ذلك أشدّ دفع، مع أنّه قد كان يندر 33406 منه- أعني عمر- في وقت بعد آخر ما يدلّ على ما ذكرناه.