کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
فَمَا يَصْنَعُ النَّاسُ 11354 بِالْمُعَالِجِ فَقَالَ تَطِيبُ بِذَلِكَ نُفُوسُهُمْ فَسُمِّيَ الطَّبِيبُ طَبِيباً لِذَلِكَ وَ أَصْلُ الطَّبِيبِ الْمُدَاوِي وَ كَانَ دَاوُدُ ع تَنْبُتُ فِي مِحْرَابِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَشِيشَةٌ فَتَقُولُ خُذْنِي فَإِنِّي أَصْلَحُ لِكَذَا وَ كَذَا فَرَأَى فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَشِيشَةً نَبَتَتْ فِي مِحْرَابِهِ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكِ قَالَتْ أَنَا الْخُرْنُوبَةُ فَقَالَ دَاوُدُ ع خَرِبَ الْمِحْرَابُ وَ لَمْ يَنْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَ قَالَ النَّبِيُّ ص مَنْ لَمْ يَشْفِهِ الْحَمْدُ فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ.
و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في شرحه عليها الطبّ صحيح و العلم به ثابت و طريقه الوحي و إنما أخذه العلماء به عن الأنبياء و ذلك أنه لا طريق إلى علم حقيقة الداء إلا بالسمع و لا سبيل إلى معرفة الدواء إلا بالتوفيق فثبت أن طريق ذلك هو السمع عن العالم بالخفيّات تعالى و الإخبار عن الصادقين ع مفسّرة
بِقَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع الْمَعِدَةُ بَيْتُ الْأَدْوَاءِ 11355 وَ الْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ وَ عَوِّدْ كُلَّ بَدَنٍ مَا اعْتَادَ. 11356
قد ينجع في بعض أهل البلاد من الدواء من مرض يعرض لهم ما يهلك من استعمله لذلك المرض من غير أهل تلك البلاد و يصلح لقوم ذوي عادة ما لا يصلح لمن خالفهم في العادة. و كان الصادقون ع يأمرون بعض أصحاب الأمراض باستعمال ما يضرّ بمن كان به المرض فلا يضرّه و ذلك لعلمهم ع بانقطاع سبب المرض فإذا استعمل الإنسان ما يستعمله كان مستعملا له مع الصحة من حيث لا يشعر بذلك و كان علمهم بذلك من قبل الله تعالى على سبيل المعجز لهم و البرهان لتخصيصهم به و خرق العادة بمعناه فظن قوم أن ذلك الاستعمال إذا حصل مع مادة المرض نفع فغلطوا فيه و استضرّوا به و هذا قسم لم يورده أبو جعفر و هو معتمد في هذا الباب و الوجوه التي ذكرناها من
بعد هي على ما ذكره و الأحاديث محتملة لما وصفه حسب ما ذكرناه انتهى.
و أقول يحتمل بعضها وجها آخر و هو أن يكون ذكر بعض الأدوية التي لا مناسبة لها بالمرض على سبيل الافتنان و الامتحان ليمتاز المؤمن المخلص القوي الإيمان من المنتحل أو ضعيف الإيقان فإذا استعمله الأول انتفع به لا لخاصيته و طبعه بل لتوسّله بمن صدر عنه و يقينه و خلوص متابعته كالانتفاع بتربة الحسين ع 11357 و بالعوذات و الأدعية.
و يؤيد ذلك أنا ألفينا جماعة من الشيعة المخلصين كان مدار علمهم و معالجتهم على الأخبار المروية عنهم ع و لم يكونوا يرجعون إلى طبيب و كانوا أصح أبدانا و أطول أعمارا من الذين يرجعون إلى الأطباء و المعالجين.
و نظير ذلك أن الذين لا يبالون بالساعات النجومية و لا يرجعون إلى أصحابها و لا يعتمدون عليها بل يتوكلون على ربهم و يستعيذون من الساعات المنحوسة و من شر البلايا و الأعادي بالآيات و الأدعية أحسن أحوالا و أثرى أموالا و أبلغ آمالا من الذين يرجعون في دقيق الأمور و جليلها إلى اختيار الساعات و بذلك يستعيذون من الشرور و الآفات كما مر في باب النجوم و التكلان على الحي القيوم.
فائدة
رَوَى الْمُخَالِفُونَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَ الدَّوَاءَ وَ جَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَ لَا تَتَدَاوُوا بِحَرَامٍ.
وَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالَتِ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ لَا نَتَدَاوَى قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً وَ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِداً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا هُوَ قَالَ الْهَرَمُ.
وَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ دَاءٍ إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً وَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ ذَلِكَ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَ جَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.
أقول قال بعضهم المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي مثلا أو عبر بالإنزال عن التقدير و في بعض الأخبار التقييد بالحلال فلا يجوز التداوي بالحرام و في حديث جابر الإشارة إلى أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله تعالى و ذلك أن الدواء قد تحصل له مجاوزة الحد في الكيفية أم الكمية فلا ينجع بل ربما أحدث داء آخر و فيها كلها إثبات الأسباب و إن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله و بتقديره و أنها لا تنجع بدوائها بل بما قدره الله تعالى فيها و إن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله تعالى و إليه الإشارة في حديث جابر بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله و إرادته.
و التداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع و العطش بالأكل و الشرب و كذلك تجنب المهلكات و الدعاء لطلب العافية و رفع المضار و غير ذلك و يدخل في عمومه أيضا الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له و بالعجز عن مداواته.
و لعل الإشارة في حديث ابن مسعود بقوله و جهله من جهله إلى ذلك فتكون باقية على عمومها و يحتمل أن يكون في الخبر حذف تقديره لم ينزل داء يقبل الدواء إلا أنزل له شفاء و الأول أولى و مما يدخل في قوله جهله من جهله ما يقع لبعض المرضى أنه يداوي من داء بدواء فيبرأ ثم يعتريه ذلك الداء بعينه فيتداوى بذلك الدواء بعينه فلا ينجع و السبب في ذلك الجهل بصفة من صفات الدواء فرب مرضين تشابها و يكون أحدهما مركبا لا ينجع فيه ما ينجع في الذي ليس مركبا فيقع الخطاء من هناك و قد يكون متحدا لكن يريد الله أن لا ينجع فلا ينجع و هناك تخضع رقاب الأطباء.
وَ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ رَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ هَلْ يَرُدُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ شَيْئاً قَالَ هِيَ مِنْ أَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى.
و الحاصل أن حصول
الشفاء بالدواء إنما هو كدفع الجوع بالأكل و العطش بالشرب فهو ينجع في ذلك في الغالب و قد يتخلف لمانع و الله أعلم.
و استثناء الموت في بعض الأحاديث واضح و لعل التقدير إلا داء الموت أي المرض الذي قدّر على صاحبه الموت و استثناء الهرم في الرواية الأخرى إما لأنه جعله شبيها بالموت و الجامع بينهما نقص الصحة أو لقربه من الموت و إفضائه إليه و يحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا و التقدير لكن الهرم لا دواء له.
تتمة
قال بعض المحققين الطبيب الحاذق في كل شيء و خصّ المعالج به عرفا و الطب نوعان نوع طب جسد و هو المراد هنا و طب قلب و معالجته خاصة بما جاء به رسول الله عن ربه تعالى و أما طب الجسد فمنه ما جاء في المنقول عنه ص و منه ما جاء عن غيره و غالبه راجع إلى التجربة.
ثم هو نوعان نوع لا يحتاج إلى فكر و نظر بل فطر الله عليه الحيوانات مثل ما يدفع الجوع و العطش و نوع يحتاج إلى الفكر و النظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال و هو إما إلى حرارة أو برودة و كل منهما إما إلى رطوبة أو يبوسة أو إلى ما يتركب منهما و الدفع قد يقع من خارج البدن و قد يقع من داخله و هو أعسرهما و الطريق إلى معرفته بتحقيق السبب و العلامة و الطبيب الحاذق هو الذي يسعى في تفريق ما يضرّ بالبدن جمعه أو عكسه و في تنقيص ما يضر بالبدن زيادته أو عكسه.
و مدار ذلك على ثلاثة أشياء حفظ الصحة و الاحتماء عن المؤذي و استفراغ المادة الفاسدة و قد أشير إلى الثلاثة في القرآن فالأول من قوله تعالى في القرآن فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ 11358 و ذلك أن السفر مظنة
النصب و هو من مغيّرات الصحّة فإذا وقع فيه الصيام ازداد فأبيح الفطر إبقاء على الجسد و كذا القول في المرض و الثاني و هو الحمية من قوله تعالى وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ 11359 و أنه استنبط منه جواز التيمم عند خوف استعمال الماء البارد و الثالث عن قوله أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ 11360 و أنه أشير بذلك إلى جواز حلق الرأس الذي منع منه المحرم لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن في الرأس.
باب 52 التداوي بالحرام
الآيات البقرة فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 11361 المائدة فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 11362 الأنعام فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 11363 و قال تعالى وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ 11364 النحل فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 11365 تفسير تدل هذه الآيات على جواز الأكل و الشرب من المحرم عند الضرورة إذا لم يكن باغيا أو عاديا و فسر الباغي بوجوه منها الخارج على إمام زمانه.
و منها الأخذ عن مضطر مثله بأن يكون لمضطر آخر شيء يسد به رمقه فيأخذه
منه و ذلك غير جائز بل يترك نفسه حتى يموت و لا يميت الغير و منها الطالب للذة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب.
و أما العادي فقيل هو الذي يقطع الطريق و قيل هو الذي يتجاوز مقدار الضرورة و قيل الذي يتجاوز مقدار الشبع
وَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: الْبَاغِي الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى الْإِمَامِ وَ الْعَادِي الَّذِي يَقْطَعُ الطَّرِيقَ لَا تَحِلُّ لَهُمَا الْمَيْتَةُ.
و ستأتي الأخبار في ذلك و غيره.
و قوله سبحانه غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي غير مائل إلى إثم بأن يأكل زيادة على الحاجة أو للتلذذ أو غير متعمد لذلك و لا مستحلّ أو غير عاص بأن يكون باغيا على الإمام أو عاديا متجاوزا عن قدر الضرورة أو عما شرع الله بأن يقصد اللذة لا سدّ الرمق و سيأتي تمام القول في ذلك في محله إن شاء الله.
و اختلف فيما إذا كانت الضرورة من جهة التداوي هل هي داخلة في عموم تلك الآيات و هل يجوز التداوي بالحرام عند انحصار الدواء فيه فذهب بعض الأصحاب إلى عدم جواز التداوي بالحرام مطلقا و بعضهم إلى عدم جواز التداوي بالخمر و سائر المسكرات و جواز التداوي بسائر المحرمات و بعضهم إلى جواز التداوي بكل محرم عند انحصار الدواء فيه.
قال المحقق قدس الله روحه في الشرائع و لو اضطر إلى خمر و بول قدّم البول و لو لم يوجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط لا يجوز دفع الضرورة بها و في النهاية يجوز و هو الأشبه و لا يجوز التداوي بها و لا بشيء من الأنبذة و لا بشيء من الأدوية معها شيء من المسكر أكلا و شربا و يجوز عند الضرورة أن يتداوى بها للعين.
و قال الشهيد الثاني رفع الله درجته هذا هو المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه في الخلاف الإجماع و أطلق ابن البراج جواز التداوي به إذا لم يكن له عنه مندوحة و جعل الأحوط تركه و كذا أطلق في الدروس جوازه للعلاج كالترياق و الأقوى الجواز مع خوف التلف بدونه و تحريمه بدون ذلك و هو اختيار العلامة
في المختلف و تحمل روايات المنع على تناول الدواء لطلب العافية جمعا بين الأدلة انتهى.
و قال الشهيد روح الله روحه في الدروس و يباح تناول المائعات النجسة لضرورة العطش و إن كان خمرا مع تعذر غيره و هل تكون المسكرات سواء أو تكون الخمرة مؤخرة عنها الظاهر نعم للإجماع على تحريمها بخلافها و لو وجد خمرا و بولا و ماء نجسا فهما أولى من الخمر لعدم السكر بهما و لا فرق بين بوله و بول غيره.
و قال الجعفي يشرب للضرورة بول نفسه لا بول غيره و كذا يجوز التناول للعلاج كالترياق و الاكتحال بالخمر للضرورة و رواه هارون بن حمزة عن الصادق ع و تحمل الروايات الواردة بالمنع من الاكتحال به و المداواة على الاختيار و منع الحسن من استعمال المسكر مطلقا بخلاف استعمال القليل من السموم المحرمة عند الضرورة لأن تحريم الخمر تعبّد و في الخلاف لا يجوز التداوي بالخمر مطلقا و لا يجوز شربها للعطش و تبعه ابن إدريس في أحد قوليه في التداوي و جوز الشرب للضرورة ثم جوز في القول الآخر الأمرين.
و قال الشيخ ابن فهد قدس الله سره في كنز العرفان أما الخمر فيحرم التداوي بها إجماعا بسيطا و مركبا و أما دفع التلف فقيل بالمنع أيضا و الحق عدمه بل يباح دفعا للتلف و كذا باقي المسكرات نعم لو وجد الخمر و باقي المسكرات أخّر الخمر.
و قال ره في المهذب أما التداوي بالخمر أو بشيء من المسكرات أو المحرمات فلا يجوز فيحل تناول الخمر لطلب السلامة في صورة دفع الهلاك و لا يجوز لطلب الصحة في دفع الأمراض.