کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
تتقد في الحطب و تشتعل فإنها تأكل الحطب مجازا أي تكسره و تفنيه و تقلبه و لا تشرب ماء بل هو مضاد لها و نار الشجرة هي الكامنة مادتها أو أصلها في الشجر الأخضر كما مر فإنها تشرب الماء ظاهرا و تصير سببا لنمو شجرتها و لا تأكل ظاهرا و إن كان للتراب أيضا مدخل في نموها أو المعنى أن عند احتكاك الغصنين الرطبين يظهر الماء فكأن النار الظاهر منها يشربها و القداحة و القداح الحجر الذي يوري النار ذكره الجوهري و قال الحباحب 9065 بالضم اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثال حتى قالوا نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها و ربما قالوا نار أبي حباحب و هو ذباب يطير بالليل كأنه نار و ربما جعلوا الحباحب اسما لتلك النار و قال الفيروزآبادي الحباحب بالضم ذباب يطير بالليل له شعاع كالسراج و منه نار الحباحب أو هي ما اقتدح من شرر النار في الهواء من تصادم الحجارة أو كان أبو حباحب من محارب و كان لا يوقد ناره إلا بالحطب الشخت لئلا ترى أو هي من الحبحبة الضعف أو هي الشرر يسقط من الزناد انتهى و المراد بهذه النار ما كمن منها أو من مادتها في الحجر و الحديد فإنها لا تصل إليها ماء و لا غذاء أو عند قدحها قبل اتقادها في قطن أو حطب لا تصادف ماء و لا شيئا آخر.
3- الْإِحْتِجَاجُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ الزِّنْدِيقُ لَهُ أَخْبِرْنِي عَنِ السِّرَاجِ إِذَا انْطَفَأَ أَيْنَ يَذْهَبُ نُورُهُ قَالَ يَذْهَبُ وَ لَا يَعُودُ قَالَ فَمَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَ فَارَقَ الرُّوحُ الْبَدَنَ لَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ أَبَداً 9066 قَالَ لَمْ تُصِبِ الْقِيَاسَ إِنَّ النَّارَ فِي الْأَجْسَامِ كَامِنَةٌ وَ الْأَجْسَامَ قَائِمَةٌ بِأَعْيَانِهَا كَالْحَجَرِ وَ الْحَدِيدِ فَإِذَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ 9067 سَطَعَتْ مِنْ بَيْنِهِمَا نَارٌ تُقْتَبَسُ مِنْهَا سِرَاجٌ لَهُ الضَّوْءُ فَالنَّارُ ثَابِتَةٌ فِي أَجْسَامِهَا وَ الضَّوْءُ ذَاهِبٌ 9068 الْخَبَرَ.
4- تَفْسِيرُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ وَ هُوَ الْمَرْخُ وَ الْعَفَارُ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ بِلَادِ الْعَرَبِ 9069 فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْتَوْقِدُوا أَخَذُوا مِنْ ذَلِكَ الشَّجَرِ ثُمَّ أَخَذُوا عُوداً فَحَرَّكُوهُ فِيهِ فَيَسْتَوْقِدُوا مِنْهُ النَّارَ 9070 .
فائدة اعلم أن المشهور بين الحكماء و المتكلمين أن العناصر أربعة النار و الهواء و الماء و الأرض كما تشهد به الشواهد الحسية و التجربية و التأمل في أحوال التركيبات و التحليلات و لقدماء الفلاسفة فيها اختلافات فمنهم من جعل أصل العناصر واحدا و البواقي تحصل بالاستحالة فقيل هو النار و قيل الهواء و قيل الماء و قيل الأرض و قيل البخار و منهم من جعله اثنين فقيل النار و الأرض و قيل الماء و الأرض و قيل الهواء و الأرض و منهم من جعله ثلاثة فقيل النار و الهواء و الأرض و إنما الماء هواء متكاثف و قيل الهواء و الماء و الأرض و إنما النار هواء شديد الحرارة و هذه الأقوال عندهم ضعيفة و قد مر في الأخبار ما يدل على كون أصل العناصر بل الأفلاك الماء أو هو مع النار أو هما مع الهواء و بالجملة لا ريب في وجود تلك العناصر الأربعة تحت فلك القمر و إنما الإشكال في وجود كرة النار و على تقدير وجودها هل كانت هواء انقلبت نارا بحركة الفلك أو كانت في الأصل نارا و المشهور أن هذه الأربعة عناصر المركبات التامة و أسطقساتها و منها تتركب و إليها تنحل و قيل النار غير موجودة في المركبات لأنها لا تنزل عن الأثير إلا بالقسر و لا قاسر هناك.
ثم المشهور أن صور البسائط باقية في المركبات و قال الشيخ في الشفاء لكن قوما اخترعوا في قريب من زماننا هذا مذهبا غريبا قالوا إن البسائط إذا امتزجت و انفعل بعضها من بعض تأدى ذلك بها إلى أن يخلع صورها فلا تكون لواحد منها صورته الخاصة و ليست حينئذ صورة خاصة واحدة فيصير لها هيولى
واحدة و صورة واحدة فمنهم من جعل تلك الصورة أمرا متوسطا بين صورها و منهم من جعلها صورة أخرى من النوعيات و احتج على فساد هذا المذهب بوجوه تركناها.
و ذهب انكساغورس و أصحابه إلى الخلط و الكمون و البروز و أنكروا التغيير في الكيفية و الصورة و زعموا أن الأركان الأربعة لا يوجد شيء منها صرفا بل هي تختلط من تلك الطبائع النوعية كاللحم و العظم و العصب و التمر و العسل و العنب و غير ذلك و إنما سمي بالغالب الظاهر منها و يعرض لها عند ملاقاة الغير أن يبرز منها ما كان كامنا فيها فيغلب و يظهر للحس بعد ما كان مغلوبا غائبا عنه لا على أنه حدث بل على أنه برز و يكمن فيها ما كان بارزا فيصير مغلوبا و غائبا بعد ما كان غالبا و ظاهرا و بإزائهم قوم زعموا أن الظاهر ليس على سبيل البروز بل على سبيل النفوذ من غيره فيه كالماء مثلا فإنه إنما يتسخن بنفوذ أجزاء نارية فيه من النار و المجاورة له و هذان القولان سخيفان و المشهور عندهم أن العناصر تفعل بعضها في بعض فيستحيل في كيفيتها و تحصل للجميع كيفية متوسطة متشابهة هي المزاج فتستعد بذلك لإفاضة صورة مناسبة لها من المبدإ.
ثم المشهور بينهم أن النار التي تسطع عند ملاقاة الحجر و الحديد أو عند احتكاك الخشبتين الرطبتين أو اليابستين إنما هي بانقلاب الهواء الذي بينهما نارا بسبب حرارة حدثت فيه من الاصطكاك و الاحتكاك لا بأن يخرج من الحجر أو الحديد أو الشجر نار و ظواهر الآيات و الأخبار المتقدمة لا ينافي ذلك.
و أما قوله ع في حديث هشام أن النار في الأجسام كامنة فالمراد بها إما النار التي تركب الجسم منها و من سائر العناصر أو المعنى أن ما هو سبب لإحداث النار حاصل في الأجسام و إن انطفت النيران المتولدة منها و انقلبت هواء و الأول أظهر و الحاصل أن قياسك الروح على نار الفتيلة و غيرها حيث لم يمكن إعادتها إلى الأجسام قياس مع الفارق فإن الروح إما جسم أو جوهر مجرد ثابت محفوظ يمكن إعادته و النار الذي 9071 ذكرت انقلبت هواء و ذهبت فعلى تقدير استحالة
إعادتها لا توجب إعادة الروح بل ما يشبه الروح هو النار الكامن في الجسم الموجود فيه لا هذا الضوء الذاهب و أما نار الشجرة فذات احتمالات أومأنا إليها سابقا.
باب 27 الهواء و طبقاته و ما يحدث فيه من الصبح و الشفق و غيرهما
الآيات الأنعام فالِقُ الْإِصْباحِ 9072 المدثر وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ 9073 التكوير وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ 9074 الإنشقاق فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ 9075 الفجر وَ الْفَجْرِ 9076 تفسير إِذا تَنَفَّسَ قال الرازي إشارة إلى تكامل طلوع الصبح و في كيفية المجاز قولان أحدهما أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح و نسيم فجعل ذلك نفسا له على المجاز و الثاني أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي خنق بحيث لا يتحرك و اجتمع الحزن في قلبه و إذا تنفس وجد راحة فهاهنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس و هو استعارة لطيفة 9077 .
فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ أي بالحمرة التي عند المغرب في الأفق و قيل البياض
وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ أي و ما جمع و ما ضم مما كان منتشرا بالنهار و قيل و ما ساق لأن ظلمة الليل تسوق كل شيء إلى مسكنه و قيل و ما طرد من الكواكب فإنها تظهر بالليل و تخفى بالنهار وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ أي إذا استوى و اجتمع و تكامل و تم وَ الْفَجْرِ أقسم بفجر النهار و هو انفجار الصبح كل يوم و قيل أراد بالفجر النهار كله.
و اعلم أن المذكور في كتب الحكماء و الرياضيين هو أن الصبح و الشفق الأحمر و الأبيض إنما يظهر من وقوع ضوء الشمس على كرة البخار قالوا المستضيء بالشمس من كرة الأرض أكثر من نصفها دائما لما بين في محله أن الكرة الصغرى إذا قبلت الضوء من الكبرى كان المستضيء منها أعظم من نصفها و ظل الأرض على هيئة مخروط يلازم رأسه مدار الشمس و ينتهي في فلك الزهرة كما علم بالحساب و النهار مدة كون المخروط تحت الأفق و الليل مدة كونه فوقه فإذا ازداد قرب الشمس من شرقي الأفق ازداد ميل المخروط إلى غربيه و لا يزال كذلك حتى يرى الشعاع المحيط به و أول ما يرى منه هو الأقرب إلى موضع الناظر لأنه صدق رؤيته و هو موقع خط يخرج من بصره عمودا على الخط المماس للشمس و الأرض فيرى الضوء مرتفعا عن الأفق مستطيلا و ما بينه و بين الأفق مظلما لقربه من قاعدة المخروط الموجب لبعد الضوء هناك عن الناظر و هو الصبح الكاذب ثم إذا قربت الشمس جدا يرى الضوء معترضا و هو الصبح الصادق ثم يرى محمرا و الشفق بعكس الصبح يبدو محمرا ثم مبيضا معترضا ثم مرتفعا مستطيلا فالصبح و الشفق متشابهان شكلا و متقابلان وضعا لأن هيئة آخر غروب الشمس مثل أول طلوع الفجر و يختلفان لونا بسبب اختلاف كيفية الهواء المخلوط فإن لون البخار في جانب المشرق مائل إلى الصفا و البياض لاكتسابه الرطوبة من برودة الليل و في جانب المغرب مائل إلى الصفرة لغلبة الجزء الدخاني المكتسب بحرارة النهار و الجسم الكثيف كلما كثر صفاؤه و بياضه ازداد قبوله للضوء و كان الشعاع المنعكس منه أقوى من المنعكس من غيره و قد عرف بالآلات
الرصدية أن انحطاط الشمس من الأفق عند طلوع الصبح الأول و آخر غروب الشفق يكون ثماني عشرة درجة من دائرة الارتفاع المارة بمركز الشمس في جميع الآفاق و لكن لاختلاف مطالع قوس الانحطاط تختلف الساعات التي بين طلوع الصبح و الشمس و كذا بين غروب الشمس و الشفق.
قال العلامة رحمه الله في كتاب المنتهى اعلم أن ضوء النهار من ضياء الشمس و إنما يستضيء بها ما كان كذا في نفسه كثيفا في جوهره كالأرض و القمر و أجزاء الأرض المتصلة و المنفصلة و كلما يستضيء من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه و قد قدر الله تعالى بلطف حكمته دوران الشمس حول الأرض 9078 فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط و يكون الهواء المستضيء بضياء الشمس محيطا بجوانب ذلك المخروط فتستضيء نهايات الظل بذلك الهواء المضيء لكن ضوء الهواء ضعيف إذ هو مستعار فلا ينفذ كثيرا في أجزاء المخروط بل كلما ازداد بعدا ازداد ضعفا فإذن متى تكون في وسط المخروط تكون في أشد الظلام فإذا قربت الشمس من الأفق الشرقي مال مخروط الظل عن سمت الرأس و قربت الأجزاء المستضيئة في حواشي الظل بضياء الهواء من البصر و فيه أدنى قوة فيدركه البصر عند قرب الصباح و على هذا كلما ازدادت الشمس قربا من الأفق ازداد ضوء نهايات الظل قربا من البصر إلى أن تطلع الشمس و أول ما يظهر الضوء عند قرب الصباح يظهر مستدقا مستطيلا كالعمود و يسمى الصبح الكاذب و يشبه بذنب السرحان لدقته و استطالته و يسمى الأول لسبقه على الثاني و الكاذب لكون الأفق مظلما أي لو كان يصدق أنه نور الشمس لكان المنير مما يلي الشمس دون ما يبعد منه و يكون ضعيفا دقيقا و يبقى وجه الأرض على ظلامه بظل الأرض ثم يزداد هذا الضوء إلى أن يأخذ طولا و عرضا فينبسط في أرض الأفق كنصف دائرة و هو الفجر الثاني الصادق لأنه صدقك عن الصبح و بينه لك.
1- الْكَافِي، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ
مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي وَلَّادٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ حِجَاباً مِنْ ظُلْمَةٍ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَ وَكَّلَ بِهِ مَلَكاً فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ اغْتَرَفَ ذَلِكَ الْمَلَكُ غُرْفَةً بيديه 9079 [بِيَدِهِ] ثُمَّ اسْتَقْبَلَ بِهَا الْمَغْرِبَ يَتْبَعُ الشَّفَقَ وَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قَلِيلًا قَلِيلًا وَ يَمْضِي فَيُوَافِي الْمَغْرِبَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ فَيُسَرِّحُ فِي الظُّلْمَةِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَشَرَ جَنَاحَيْهِ فَاسْتَاقَ الظُّلْمَةَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهَا الْمَغْرِبَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ 9080 .
بيان هذا الخبر من معضلات الأخبار و لعله من غوامض الأسرار و من في قوله ع من ظلمة يحتمل البيان و التبعيض و الاستياق السوق و لعل الكلام مبني على استعارة تمثيلية لبيان أن شيوع الظلمة و اشتدادها تابعان لقلة الشفق و غيبوبته و كذا العكس و أن جميع ذلك بتدبير المدبر الحكيم و بتقدير العزيز العليم و ربما يؤول الخبر بأن المراد بالحجاب الظلماني ظل الأرض المخروطي من الشمس و بالملك الموكل به روحانية الشمس المحركة لها الدائرة بها و بإحدى يديه القوة المحركة لها بالذات التي هي سبب لنقل ضوئها من محل إلى آخر و بالأخرى القوة المحركة لظل الأرض بالعرض بتبعية تحريك الشمس التي هي سبب لنقل الظلمة من محل إلى آخر و عوده إلى المشرق إنما هو بعكس البدء بالإضافة إلى الضوء و الظل و بالنسبة إلى فوق الأرض و تحتها و نشر جناحيه كأنه كناية عن نشر الضوء من جانب و الظلمة من آخر و أقول لعل السكوت عن أمثال ذلك و رد علمها إلى الإمام ع أحوط و أولى.