کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الاتّحاد من جهة واحدة!!:
ففي الوقت الذي ألّفت فيه مئات المصنّفات و المقالات- جاوزت الثمانمائة في العصر الحاضر- ضدّ الشيعة، و ما من تهمة و فريّة إلّا و ألصقوها بهم، و ما من أكذوبة إلّا و قذفوهم بها، و ها هي تترى عليها اللكمات و الصفعات من كلّ جانب، و نسبت إليهم عشرات الاتّهامات و الافتراءات، نجدها قد حكم عليها أن لا تقول كلمتها و لا تنبس ببنت شفة!.
نعم؛ لقد تكالبت أيد مريضة طورا، و بسيطة أخرى، و مجرمة ثالثة ..
مع ما كان للسلطة الحاكمة آنذاك من دور قذر، و جور مستمرّ، و محاباة للظالمين و .. أن حرمت هذه المجلّدات من أن ترى النور، و تظهر الى الساحة .. إذ تجد دورة البحار- بأجزائها المائة و عشرة و يا للأسف- مبتزّة عنها واسطة العقد، مسلوب من صدفها درّها و جوهرها.
***** [دواعي نشري لهذه الفصول]
ثمّ إنّه من دواعي نشري لهذه الفصول- و هي كثيرة جدّا- ما أعتقده و أدين ربّي به من أنّه سبحانه و تعالى لا يقبل من عباده صرف الإقرار بتوحيده إلّا بعد نفي كلّ إله و صنم يعبد من دونه، و بذا جاءت كلمة التوحيد (لا إله إلّا اللّه) بل قدّم النفي على الإثبات، كما أنّه- عزّ اسمه- لم يقبل صرف الإقرار بنبوّة نبيّنا الخاتم محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلّا بعد نفي كلّ مدّعي النبوّة كمسيلمة و سجاح و الأسود العنسي و أشباههم، فكذا لا تقبل الإمامة الخاصّة لسيّدنا و مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلّا بعد النفي و الجحد و البراءة من كلّ من نصب نفسه للأمّة دونه.
و بعبارة أخرى؛ إنّ التوحيد مركّب من جزءين؛ إيجابيّ و سلبي، يجمعهما كلمة التوحيد، فمن ادّعى الربوبيّة أو عبد غيره سبحانه استوجب البراءة منه، و كذلك النبوّة لا تتمّ إلّا بالقول بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله هو الرسول، و من
ادّعاها غيره استوجب البراءة منه، فكذا القول بالإمامة فإنّها لا تتمّ إلّا بالقول بأنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الإمام حقّا و البراءة ممّن ادّعاها نظير من ادّعى الألوهيّة و الرسالة كاذبا، و بذا يتمّ الإيمان.
و كما أنّ ربّنا هو مرسل رسولنا؛ فهو الذي عيّن له وصيّا و خليفة، و من لم يقلّ بذلك فقد خالفنا في أصول ديننا فضلا عن أصول مذهبنا.
***** [قول بعض الشيعة لبعض الناصبة في محاورته له في فضل آل محمّد عليهم السلام]
و يحلو لي أن أورد نتفا ممّا جاء في كتب السابقين مثل ما ذكره السيّد المرتضى علم الهدى في كتابه «الفصول المختارة»: 1/ 21 عن قول بعض الشيعة لبعض الناصبة- في محاورته له في فضل آل محمّد عليهم السلام-: ..
أ رأيت لو بعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أين ترى كان يحطّ رحله و ثقله؟، فقال له الناصب: كان يحطّه في أهله و ولده. فقال له الشيعيّ: فإنّي قد حططت هواي حيث يحطّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رحله و ثقله ..
و جاء فيه أيضا [1/ 7- 9]- و كم له من نظير- و إليك نصّ كلامه في أكثر من محاورة له طاب رمسه، قال:
و من كلام الشيخ أدام اللّه عزّه في إبطال إمامة أبي بكر من جهة الإجماع:
سأله المعروف ب: الكتبي، فقال له: ما الدليل على فساد إمامة أبي بكر؟، فقال له: الأدلّة على ذلك كثيرة، و أنا أذكر لك منها دليلا يقرب الى فهمك، و هو أنّ الأمّة مجمعة على أنّ الامام لا يحتاج الى إمام، و قد أجمعت الأمّة على أنّ أبا بكر قال على المنبر: (و ليتكم و لست بخيركم فإن استقمت فاتّبعوني و إن اعوججت فقوّموني)، فاعترف بحاجته الى رعيّته، و فقره إليهم في تدبيره. و لا خلاف بين ذوي العقول أنّ من احتاج الى رعيّته فهو الى الامام أحوج، و إذا ثبت حاجة أبي بكر الى الإمام بطلت إمامته بالإجماع المنعقد على أنّ الإمام لا يحتاج الى
إمام، فلم يدر الكتبي بم يعترض، و كان بالحضرة رجل من المعتزلة يعرف ب:
عرزالة، فقال: ما أنكرت على من قال لك إنّ الأمّة أيضا مجمعة على أنّ القاضي لا يحتاج الى قاض، و الأمير لا يحتاج الى أمير، فيجب على هذا الأصل أن توجب عصمة الأمراء و القضاة أو يخرج عن الإجماع.
فقال له الشيخ أدام اللّه عزّه: إنّ سكوت الأول أحسن من كلامك هذا، و ما كنت أظنّ أنّه يذهب عليك الخطأ في هذا الفصل، أو تحمل نفسك عليه مع العلم بوهنه؛ و ذلك أنّه لا إجماع فيما ذكرت، بل الإجماع في ضدّه، لأنّ الأمّة متّفقة على أنّ القاضي- الذي هو دون الإمام- يحتاج الى قاض هو الإمام، و الأمير من قبل الإمام يحتاج الى أمير هو الإمام، و ذلك مسقط ما تعلّقت به، اللّهم إلّا أن تكون أشرت بالأمير و القاضي الى نفس الإمام فهو كما وصفت غير محتاج الى قاض يتقدّمه أو أمير عليه، و إنّما استغنى عن ذلك لعصمته و كماله، فأين موضع إلزامك عافاك اللّه؟! فلم يأت بشيء.
و من كلام الشيخ أدام اللّه عزّه- أيضا-: سأل رجل من المعتزلة يعرف ب: أبي عمرو الشطوي، فقال له: أ ليس قد أجمعت الأمّة على أنّ أبا بكر و عمر كان ظاهرهما الإسلام؟.
فقال له الشيخ: نعم؛ قد أجمعوا على أنّهما قد كانا على ظاهر الإسلام زمانا، فأمّا أن يكونوا مجمعين على أنّهما كانا في سائر أحوالهما على ظاهر الإسلام، فليس في هذا إجماع، للاتّفاق على أنّهما كانا على الشرك، و لوجود طائفة كثيرة العدد تقول: إنّهما كانا بعد إظهارهما الإسلام على ظاهر كفر بجحد النصّ. و إنّه كان يظهر منهما النفاق في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال الشطوي [الشوطي]: قد بطل ما أردت أن أورده على هذا السؤال بما أوردت، و كنت أظنّ أنّك [لا] تطلق القول على ما سألتك.
فقال له الشيخ أدام اللّه عزّه: قد سمعت ما عندي؛ و قد علمت ما الذي أردت، فلم أمكنك منه، و لكنّي أنا أضطرّك الى الوقوع فيما ظننت أنّك
توقع خصمك فيه، أ ليس الأمّة مجمعة على أنّه من اعترف بالشكّ في دين اللّه عزّ و جلّ و الريب في نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقد اعترف بالكفر و أقرّ به على نفسه؟. فقال: بلى.
فقال له الشيخ أدام اللّه عزّه: فإنّ الأمّة مجمعة [مجتمعة] لا خلاف بينها على أنّ عمر بن الخطّاب قال: ما شككت منذ يوم أسلمت إلّا يوم قاضى فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل مكّة، فإنّي جئت إليه فقلت له: يا رسول اللّه! أ لست بنبيّ؟! فقال: بلى، فقلت: ألسنا بالمؤمنين؟! قال: بلى، فقلت [له]: فعلى م تعطي هذه الدنيّة من نفسك؟! فقال: إنّها ليست بدنيّة، و لكنّها خير لك، فقلت له: أ ليس قد وعدتنا أن ندخل مكّة؟! قال: بلى، قلت: فما بالنا لا ندخلها؟!، قال: أو وعدتك أن تدخلها العام؟!، قلت: لا، قال:
فسندخلها إن شاء اللّه تعالى، فاعترف بشكّه في دين اللّه و نبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .. و ذكر مواضع شكوكه و بيّن عن جهاتها، و إذا كان الأمر على ما وصفناه فقد حصل الإجماع على كفره بعد إظهار الإيمان، و اعترافه بموجب ذلك على نفسه، ثمّ ادّعى خصومنا من الناصبة أنّه تيقّن بعد الشكّ و رجع الى الإيمان بعد الكفر، فأطرحنا قولهم لعدم البرهان [منهم] عليه و اعتمدنا على الإجماع فيما ذكرناه، فلم يأت بشيء أكثر من أن قال: ما كنت أظنّ أحدا يدّعي الإجماع على كفر عمر بن الخطّاب حتّى الآن.
و أورده العلّامة المجلسي في بحار الأنوار: 10/ 413- 414.
***** [قضيّة الوحدة بين المسلمين مسألة عقليّة]
ثمّ إنّ قضيّة الوحدة بين المسلمين ما هي إلّا مسألة عقليّة قبل أن تكون نصيّة، و فريضة شرعيّة قبل أن تكون مسئوليّة اجتماعيّة، و هي- على كلّ حال- لا يمكن التعامي و التغاضي عنها أو غضّ الطرف عنها بعد قوله سبحانه و تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا (آل عمران: 99) بذا أمر
سبحانه- على أن يكون حبل اللّه هو عليّ عليه السلام و ولده كما صرّحت به نصوص العامّة فضلا عن الخاصّة، و قد سلفت في ديباجة الكتاب.
و توعّد عزّ اسمه على التهاون بالوحدة و تضييعها بالعذاب العظيم، فقال تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 105).
فالوحدة بين المسلمين يجب أن تفهم على أنّها قضيّة رساليّة أساسيّة لا سياسيّة وقتية، و هي ذات أبعاد متشعّبة فرّط بها قوم و أفرط آخرون، مع كلّ ما لها من الأهميّة، و في لزوم حمايتها و الحرص عليها، إلّا أنّه- و يا للأسف- قد خلط بين الوحدة السياسية و الدينيّة، حتى جرأ البعض- ممّن لا بصيرة له- فقال بوحدة الأديان بعد أن فرغ من وحدة المذاهب!!.
فليست الوحدة هي كون الباطل حقّا و لا الحقّ باطلا «فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ» و «جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ» ، بل المنهج التحقيقي و الموضوعيّة العلميّة تستدعي الباحث عن الحقيقة أن يفحص و يبحث ... ثم يستنتج من رسالة السماء ما هو واجبه و ما تمليه عليه فريضته، لا أنّه تحت شعار حفظ الوحدة يهمل كلّ الفروع و الأصول التي يلقاها خلال بحثه و تفتيشه، بل ينسى- و يا للعار- الحقيقة و الحقّ، بل يلتزم الضلالة و الباطل متذرّعا بهذه اللفظة ..
و هذا ما وجدناه عند بعض ممّن شاركنا باسم المذهب.
إذ البحث العلمي يتوخّى دوما الحقائق المجرّدة عن أيّة مواقف مسبقة، أو التزامات نسبيّة، أو شعائر و عادات موروثة، أو أيّة اعتبارات تصرفه عن مسيره العلمي.
فهل- يا ترى- تجنّب الفرقة و الخلاف و التمسّك بالوحدة و الوفاق يلزم منه توافق الجميع حتّى فيما اختلفوا فيه؟!.
و هل معنى الوحدة هي حفظ جميع الخلافات و أسبابها و دواعيها و جذورها الى الأبد ..؟!.
و هل معنى الوحدة هو مجرّد مجاملات و تملّق و تزلّف بعضنا لبعض ..؟!.
و هل هذا إلّا تجديد للنزاعات الطائفيّة و تعميق الفرقة و تصحيح الخلاف، و فوق ذلك قتل بعضنا البعض بحجّة العمل بما سار عليه رجال السلف ..؟!.
و هل هذا إلّا إبقاء للخلافات و حفظا لجذوره حيّة طريّة فينا ما حيينا، كما هو واقعنا اليوم؟!.
و لبّ المقال؛ إنّه متى كان التمسّك بأسباب الشقاق و الخلاف هو الجامع المحقّق لدواعي الانسجام و الوحدة ..؟!.
و حرام علينا استغلال شعار «الوحدة الإسلامية» لقتل روح التفكير الحرّ و البحث العلمي و التصدّي للمسئوليّة الشرعيّة، و تحجير عقولنا، و إماتة الحقائق متذرّعين بهذه الذريعة لقتل الموقف القائم عن بصيرة و وعي!.
و مسعانا و عقيدتنا و مسئوليّتنا- لو كنّا مسلمين- تتلخّص في حفظ الدين الحنيف كما أرادته السماء لنا، و قام الدليل بالالتزام بالموقف الحقّ الثابت الذي لا غبار عليه، و حمايته بالغالي و الرخيص، و طرح جميع الأفكار على طاولة التشريح و الدقّة في الدليل، سواء وافق ميول الأشخاص و أهواءهم أم خالفها.
و ليس معنى هذا- و العياذ باللّه- هو الإفراط- تحت هذه الذريعة- لتعميق الخلافات المذهبيّة، و تغذية الروح الطائفيّة البغيضة. فلو أخذنا بنظر الاعتبار وحدة العقيدة و المبدأ، و اتّحاد مصادر التشريع، و الاتّفاق على جملة من فروع الدين، و فوق هذا وحدة المصير و الهدف، و العدوّ المشترك و .. لأمكن بها إزاحة الكثير من العقبات التي تحول دون تفاهمنا، و بذا يحفظ المسلم حقوق أخيه المسلم بما بيّنه الشارع المقدّس في مئات النصوص .. من حرمة دمه و ماله و عرضه .. هذا عدا ما هناك من أحكام أخلاقيّة و آداب إسلاميّة فرضها عليه؛ كحرمة سبّه- و كونه فسوقا-، و قتاله- و كونه كفرا-، و غشّه- و عدّه حراما-، و الغدر به- و صيرورته غيلة-، و .. هذا مع ما أمر به الشارع من الوفاء بوعده،
و إفشاء السلام عليه، و عيادة مريضه، و تشييع جنازته، و إكرامه و احترامه و ..
بل هما كأعضاء الجسد الواحد يشدّ بعضه بعضا .. و يحبّ له ما يحبّ لنفسه و يكره له ما يكره لها ..
***** [بعض العناوين العامّة في أبواب متفرّقة حول هذا الموضوع]
ثمّ إنّه يلزمنا أن نطلّ على هذه الموسوعة من خلال عرض أبواب متفرّقة تمتّ بشدّة بموضوع بحثنا هذا، غايته أنّ هذه الأجزاء عدّت بعض الروايات و حاولنا استدراك الباقي في خاتمة الكتاب ممّا جاء في أبواب متفرّقة عن القوم، و هنا ندرج بعض العناوين العامّة في أبواب متفرّقة حول هذا الموضوع.
فمثلا؛ باب: من يجوز أخذ العلم منه و من لا يجوز، و ذمّ التقليد و النهي عن متابعة غير المعصوم في كلّ ما يقول، و وجوب التمسّك بعروة اتّباعهم عليهم السلام و جواز الرجوع الى رواة الأخبار و الفقهاء الصالحين .. [2/ 81- 105 باب 14].
باب: تأويل المؤمنين و الإيمان و المسلمين و الإسلام بهم و بولايتهم عليهم السلام، و الكفّار و المشركين و الكفر و الشرك و الجبت و الطاغوت و اللّات و العزّى و الأصنام بأعدائهم و مخالفيهم [23/ 354- 393 باب 20].
باب: أنّهم (عليهم السلام) الأبرار و المتّقون و السابقون و المقرّبون و شيعتهم أصحاب اليمين، و أعداؤهم الفجّار و الأشرار و أصحاب الشمال [24/ 1- 9 باب 23].
باب: أنّهم (عليهم السلام) السبيل و الصراط، و هم و شيعتهم المستقيمون عليها [24/ 9- 25 باب 24، و باب 25 من أنّ الاستقامة إنّما هي على الولاية].